logo

الحياة الزوجية الصامتة


بتاريخ : الثلاثاء ، 22 شوّال ، 1440 الموافق 25 يونيو 2019
بقلم : تيار الاصلاح
الحياة الزوجية الصامتة

تزوجَتْ منذ ما يقارب الأربعة أعوام، ورزقت بطفلين، وكانت تظن أنه بعدما يأتي الأبناء فإن الحال سيتغير، وسيكون هناك اهتمام وتواصل وكلام، ولكن بقي الحال على ما هو عليه، خروج للزوج كل يوم في الصباح الباكر، ولا يعود إلا على وقت النوم، فلا مكالمة هاتفية خلال ساعات اليوم لأجل الاطمئنان على زوجته، أو ما يريدون أو يطلبون، أو حتى سؤال عن حال أبنائه وما سيأكلون، وهكذا دواليك تمر الحياة وتتحول إلى روتين يومي، كأنها علاقة بين جماد وجماد، خالية من المشاعر والأحاسيس والتواصل والكلام الجميل، فهي حياة زوجية صامتة.

ولعل أصل هذه المشكلة مرتبط بفكرة تجنب الاختلافات والفروق، فهذا التجنب لا يقوم إلا بإخفاء التوتر أو تأجيله إلى وقت آخر يظهر فيه، وقد لا يظهر هذا التوتر وتستمر الحياة الزوجية على هذا المنوال سنوات وسنوات؛ مما يؤدي إلى تآكل الأحاسيس الطيبة، والمشاعر الدفينة، وبالتالي تقل الذكريات الزوجية الجميلة، وتزيد بالتبعية المشاعر السلبية، ويزيد رصيدها، ويعتاد الزوجان على هذه الحياة الزوجية الخالية من كل مقوماتها، ويصبح البيت كأنه قطعة من الجحيم، لا يشعر كل طرف فيه براحته واستقراره؛ وبالتالي تنكفأ الزوجة على نفسها، وتتقوقع داخل ذاتها، ويهرب الزوج من البيت، وتتسع الهوة بينهما، وحينها نرى الحياة الزوجية الصامتة.

العجيب في الأمر أن هذين الزوجين قد يكون بينهما حب، فلم يكن الزواج في أوله على غير رغبة من أحدهما في الآخر، ولكن طول العشرة يدفع كلًا من الزوجين إلى  التضايق من الآخر لأسباب ربما تافهة، هذا التضايق مع هذا الجو العام الذي يخلو من الأحاسيس الجميلة والمشاعر الرائعة، أو ما يمكن أن نسميه الجفاف العاطفي، وعدم التعبير عن مشاعر الحب والإعجاب، وكلمات الإطراء، وبقاء كل هذه المشاعر دفينة داخل كل منهما، فيثقل على اللسان التكلم بها بعد ذلك، كل هذا يؤدي إلى الصمت، فتصبح حياة زوجية خالية من أي تواصل وجداني أو حسي بين الأزواج.

إن شريكي الحياة الزوجية كانا يتوقعان أن يحققا الكثير من هذا الزواج، فهناك أحلام كثيرة، ولكن لم يتحقق أيٌ منها، كانا يشعران أن بيتهما وأولادهما هما المكان والأشخاص اللذان يشعران فيه وبهم بالدفء والحنان والراحة والطمأنينة، وحين تتسع الهوة بينهما يريان أن الزواج أصبح فخًا قد وقعا فيه، ولا يستطيعان الخروج منه.

وللأسف، هذا هو واقع الحياة الزوجية في خيالها، بعيدًا عن واقعها وحقيقتها المعاصرة.

إن وصول هذه الحياة الزوجية إلى هذا الصمت، الذي لا يستطيع كل طرف في العلاقة كسر حاجزه وتبديده، يحتاج إلى جهد غير قليل من الزوج والزوجة لإنجاح العلاقة الزوجية بينهما، فربما يكون سبب بذرة هذه المشكلة إهمال من الزوجة لزوجها في عدم الحديث معه، أو عدم التفاعل معه وإشراكه في أمور حياتها واستشارته فيها، وكذا بالنسبة للزوج، فربما كان الزوج مستغرقًا في التفكير، وعندما تسأله زوجته: فيم يفكر؟ أو عما به؟، فإنه يرد: لا شيء، وهكذا تتكرر المواقف، وتتكرر نفس الردود، وحينها يلجأ الطرف الآخر إلى الصمت.

"إن من الأزواج من يعيش في صمت دائم في بيته، وكأنه غريب؛ لا يتحدث مع زوجته، ولا تأنس منه بقليل أو كثير من الكلام المعتاد في كل البيوت؛ فهو يدخل البيت وقد ترك لسانه على الباب، فلا يتحدث إلا بالإشارة أو بالنظرات فقط، ومنهم من يتكلم بكلمات بسيطة جدًا، ويضع نهمه في جريدة أو مجلة يقرؤها من البداية للنهاية أو الخلود للنوم". [المفاتيح الذهبية في احتواء المشكلات الزوجية، نبيل محمد محمود، ص268].

ولأجل كسر حاجز الصمت هذا، والفراغ العاطفي كذلك، تعال نسمع لهذه المرأة العاقلة ما تقول: «دائمًا صامت واجم، يقرأ صحيفته، أو يشاهد التلفاز، أو يهاتف صديقًا له...، لا يشعر بوجودي، وإذا تكلم معي فكلامه جمل قصيرة، أو أسئلة مقتضبة...، نظرتُ إلى نفسي فإذا بالشعر الأبيض قد بدأ يتسلل إلى مفرقي، لقد مر كل شيء بسرعة، إنه لم يعد ذلك الشاب الذي يكافح ليبني نفسه، ولكنه على الرغم من ذلك يتمتع بكامل شبابه وحيويته، ناهيك بالمكانة الاجتماعية المرموقة التي تبوأها.

عدت بخيالي إلى تلك السنين التي ابتعدت خلالها عنه، وتكوَّن بيني وبينه حاجز، أخذت تزيده الأيام صلابة وعلوًّا.

تصورتُ، لفرط جهلي، أنني بصبري على ظروفه المادية الصعبة في بداية حياتنا الزوجية، وتفانيّ في تربية أبنائه، سأقدم له برهانًا وزادًا يُبقي نهر الحب بيننا دفَّاقًا، وأزهار المودة يانعة، وجسور العاطفة قائمة، وغاب عن ذهني أن أزهار الحب بين الزوجين تتغذى بالعاطفة، وتتفتح بالكلام الرقيق، وتثمر بالمشاركة الوجدانية.

تذكرت العبارات السلبية التي طالما رددتها عليه عندما كان يشكو إليَّ همومه، أو يأخذ رأيي في شيء يخص عمله، أو يدعوني لقضاء بعض الوقت معه، كنت أرد: «أنا متعبة»، «أنت لا تعرف كم أعاني في تربية الأولاد»، «نحن كبرنا على هذا الكلام»! بهذه العبارات فقدتُ مشاعر زوجي بعد أن بنيت جدارًا من اللامبالاة والجفاء.

قررت تحطيم ذلك الجدار بيديّ هاتين، كما سبق أن بنيته بإهمالي، وعدم مشاركتي لزوجي همومه ونجاحاته، أو أفكاره وطموحاته وتطلعاته، وعزمت جادة على تحطيم ذلك الجدار، وجعلت تغييري لنفسي نقطة البداية، وتذكرت الآية الكريمة: {إنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ...} [الرعد:11].

لاحظ زوجي التغيير في منزلي وطريقة ترتيبه، وطعامي والأصناف التي أعدها له، ولاحظ أيضًا اهتمامي بهندامي وتجملي وتزيني له، وأجزم أيضًا أنه لاحظ الكلمات الحانية التي أقولها له، وتلك العطور التي تفوح من كل ركن من أركان المنزل، لاحظ ذلك كله، لكنه بقي على صمته وعدم مبالاته، وأضاف إليها نظرات ساخرة، وكأنه يقول: لقد كبرت على هذه الأشياء، أو يقول: الآن بعد كل تلك السنين!

أدركت في قرارة نفسي أنه لن يعود كل شيء كسابق عهده، وتعود الليالي الخوالي بهذه السرعة التي تمنيتها، ولكن لا بد أن أتحمّل كل تلك النظرات الساخرة أحيانًا، والمتعجبة أحيانًا أخرى، وعرفت أن قلب زوجي مليء بمشاعر سلبية لا بد أن تخرج، وهي الآن تخرج بهذه العبارات الساخرة والنظرات المستفزة.

وعلى هذا الأساس عزمت على مواصلة المشوار حتى النهاية بالصبر والمثابرة، والوقوف بجانب زوجي، والسؤال عن أحواله في العمل، وتعبيري له عن مدى اشتياقي لرجوعه إلى المنزل، وإصراري على التحاور معه في كل ما يخصه ويخص حياتنا، وتأكيدي له أنه أهم وأكبر شيء في حياتي، بعد مرضاة الله عز وجل، وأنه كان وما زال على رأس أولوياتي واهتماماتي.

وأخيرًا تكلم، ولكن بكلمات ملؤها العتاب واللوم على كل تلك السنين السابقة، وتغلبت على كل ذلك بمشاعر الحب والود والاعتراف بالتقصير، وهكذا بدأت وزوجي صفحة جديدة من التواصل الفعال بعد أن نجحت في اختراق جدار الصمت الذي بنيته بيدي» [المفاتيح الذهبية في احتواء المشكلات الزوجية، نبيل محمد محمود، ص268-272)، بتصرف].