logo

الأسرة المسلمة ومعاول هدمها


بتاريخ : الأربعاء ، 10 رجب ، 1436 الموافق 29 أبريل 2015
بقلم : تيار الإصلاح
الأسرة المسلمة ومعاول هدمها

يدعون الحضارة، ويتشدقون بالحفاظ على الحريات وحماية حقوق الإنسان، وهم أبعد ما يكونون عن هذه الصفات، غرب متعال؛ يتعامل مع غيره، وخصوصًا المسلمين، على أنهم أناس من الطبقة الدنيا، يجب عليهم أن

يستمعوا إلى ما يمليه عليهم سيدهم الغربي.

يريد هذا الغرب لأبناء الإسلام أن يسيروا وفق مناهجه، التي تَبين له ولنا، بالدليل الواقعي والعملي، فشلها، والتي كانت هي السبب الأول والأخير فيما وصل إليه العالم اليوم، من انحطاط في الأخلاق، وضياع للقيم والمفاهيم الإنسانية.

هذا الغرب المتشدق بحقوق الإنسان والحيوان، ومعالجة قضايا المرأة والطفل، هو نفسه الذي يعاني من هذه المشاكل وتلك القضايا، وهو، بوجه صريح ومباشر، يريد للأمة الإسلامية أن تعاني مثلما يعاني، وتعيش في الأوحال مثلما يعيش، يريد لها أن تكون أمة بلا هوية، ومسلمين بلا إسلام.

يريد لها أن تكون أمة ليس لها وازع ديني وضمير إسلامي يحركها؛ بل يريد لها أن تتحرك وفق مصالح الأفراد الشخصية، حتى لو تعارضت مع مصالح الجماعة المسلمة؛ بل حتى مع مصالح الدين، يريد لها أن تحيا حياة بهيمية لا تحدها حدود، فهناك الحرية الشخصية؛ وهي تعني عند الغرب أن يفعل المرء ما يشاء، وقتما شاء، كيفما شاء!

يريد الغرب لهذا الإنسان، المحدود بطبيعته التي خلقه الله عز وجل عليها، أن يصبح إنسانًا غير محدود في تصرفاته وفي تعاملاته، وكذلك في قوانينه التي يعيش عليها، فهو من حقه، كإنسان يعيش على المبادئ الغربية، أن يقنن لنفسه ما يشاء من القوانين، وإن خالفت الشرائع السماوية.

ويكون في النهاية هذا النتاج الهائل من الخلل في طبيعة الإنسان، ومن التخبط في حياة الإنسان، ومن عدم معرفة الغاية من خلق الإنسان، وكذلك من ضياع للأسر، أو، على أقصى تقدير، ظهور لأسر ضعيفة الأواصر، يرتبط أفرادها فيما بينهم برباط المصلحة، لا رباط المحبة والتآزر والتآلف.

هذا الغرب يبذل قصارى جهده ليقضي على تلك الأسرة المسلمة، التي تعد هي الأسرة الوحيدة اليوم التي تحافظ على التماسك والترابط بين أفرادها، وذلك كله من خلال دينها وتعاليم إسلامها.

 

الأسرة الغربية والأسرة المسلمة.. الخصائص والمقومات:

تتميز الأسرة الغربية بالآتي:

1-العزوف عن الزواج: نتيجة سيطرة الرغبة الجامحة بالإشباع المادي لدى الإنسان الغربي، وقوانين الطلاق المجحفة بحق الرجل، وخروج المرأة إلى العمل، والدعوات المتطرفة إلى الحرية الفردية والإباحية الجنسية؛ فقد ازداد عزوف الشبان والشابات عن الزواج، هربًا من مسئولية الحياة الزوجية.

2-التغير في شكل الأسرة: حيث بدأت تظهر أشكال جديدة للأسرة، لم تكن معروفة من قبل، على رأسها الأسر المكونة من زوجين متماثلين في الجنس.

3-الإنجاب خارج إطار الزواج: ففي فرنسا تشير الإحصاءات الصادرة عام 2008م إلى أن نسبة الولادات غير الشرعية فاقت تلك الشرعية.

4-تراجع معدلات الإنجاب: وتشكل هذه القضية أبرز تحدٍّ يواجه الأسرة الغربية اليوم؛ مما دفع ببعض المسئولين إلى دق ناقوس الخطر، خوفًا على دولهم من التلاشي؛ نتيجة تراجع عدد المواليد وزيادة نسبة الشيوخ.

 

وقد عمد هؤلاء، من أجل إيجاد حل لمشكلاتهم، إلى اتخاذ خطوات عدة، منها:

أ‌.فتح باب الهجرة للشباب من أجل العلم والعمل: وقد أدى ذلك إلى أن الأسر البريطانية من أصل هندي أو باكستاني أكبر حجمًا من الأسرة البريطانية الأصلية، وأدى هذا التزايد في عدد المهاجرين إلى ارتفاع الأصوات المنددة بهذا التزايد، خاصة تجاه الهجرة الإسلامية، التي يعتبرونها تشكل خطرًا على وجود وكيان وسياسة هذه الدول، وهذا الأمر هو الذي دفع بالسياسي (جان ماري لوبان)، في إطار حملاته للانتخابات الفرنسية، إلى القول: قريبًا سيغلب على مارسيليا سكانها المسلمون، فهذه الهجرة هي أشبه بحركة استعمارية.

ب‌.  تشجيع النساء على الإنجاب بدون زواج: فبعد أن شهدت أوروبا انخفاضًا حادًا في معدلات الولادة، بدأت الحكومات الأوروبية تشجع على الإنجاب، وتدفع الأموال للنساء مقابل ذلك؛ حيث تتقاضى الأمهات غير المتزوجات شهريًا إعانات اجتماعية، بمبلغ يتراوح ما بين 400-500 دولار أمريكي عن الطفل الواحد.

أما الأسرة المسلمة فهي تتمتع بمجموعة من القيم التي أوجدها الإسلام؛ كقيم التعاون والعمل بروح الجماعة، والتضامن والتكافل، والعطف على الصغير واليتيم، واحترام الكبير وطاعة الأبوين، والدفاع عن المحرمات، والعفة وغض البصر، والنظافة والطهارة، إلى غير ذلك من القيم التي توارثها أبناء الأمة الإسلامية من جيل إلى جيل، واحتكموا إليها في سلوكياتهم وتصرفاتهم.

 

الأسرة المسلمة وتأثرها بالغرب:

إن تحلي أبناء الإسلام بهذه القيم هي التي حفظتهم، حتى اليوم، من التفكك والتشرذم الذي أصاب غيرهم من الأمم، وهذه الخصوصية وهذا التميز، على سائر الأمم، هو الذي دفع بأعدائهم أن يعملوا بجهد وكد لتفكيك الأسرة الإسلامية، مستخدمين لذلك وسائلهم الاقتصادية والثقافية والإعلامية؛ من أجل ضمان نجاحهم في مهمتهم.

وللأسف؛ فقد تأثرت الأسرة المسلمة بهذه الوسائل، ومن أول هذه الآثار، التي بدأت تظهر على الأسرة المسلمة نتيجة تأثرها بالغرب، هو التغير في شكل الأسرة؛ ففيما كانت الأسرة الممتدة التي تضم الأجداد والزوجوالأبناء وزوجاتهم، والأحفاد والأصهاروالأعمام، ترتبط فيما بينها برباط أبدي، قائم على التعاون والتآزر من أجل توفير العمل والمسكن والزواج، والحماية لكل أفرادها منذ الميلاد وحتى الممات، تحول شكل هذه الأسرة إلى الأسرة النووية المؤلفة من الزوج والزوجة وأولادهما؛ لتضعف بذلك صلة الرحم التي دعا الإسلام إلى المحافظة عليها، ولتقضي على الجماعية، التي كانت سمة قيمية مميزة للعائلة الممتدة، هذا ولا يقتصر التغيير على الشكل فقط، وإنما طال أيضًا الوظائف والمسئوليات.

ثم بعد ذلك ظهرت مسألة تأخر سن الزواج، حتى أصبح له تقنين يحدد سن الزواج، ويجرم التزويج دون هذا السن، ثم تحولت العلاقة بين الرجل والمرأة، الزوج والزوجة، من علاقة سكن ومودة وتضحية، وتوازن في العلاقات والحقوق والواجبات، النابعة من التمسك بشرع الله العظيم، إلى العكس تمامًا، وقد نتج عن هذه العلاقة الأخيرة ضعف قوامة الرجل على بيته، وبالتالي ظهور بعض عوامل التمرد على مبدأ الطاعة المرتبط بالقوامة.

ثم كان نتاج ذلك كله تربية غير سليمة لأطفالنا، وخاصة من الناحية الصحية والنفسية، وذلك بسبب غلبة النظرة المادية الاستهلاكية؛ حيث إن المفاهيم الغربية تعتبر أنه لا يمكن أن يقوم أحد بعمل إلا بأجر، وتعتبر الأمومة وظيفة اجتماعية، تستحق المرأة الأجرة عليها، كل هذا حول العلاقة بين الزوج والزوجة إلى علاقة مادية بحتة، بعد أن كانت علاقة سكن ومودة ورحمة.

ولقد أذنت كل هذه التغيرات ببداية تحول من القيم الجماعية إلى القيم الفردية؛ فغاب مفهوم التضامن الذي كان موجودًا داخل الأسرة الكبيرة، وتخلى كثير من الأبناء عن القيام بواجباتهم الأساسية في رعاية ذويهم عند الكِبَر، أو العجز، أو المرض.

ثم كانت الطامة الكبرى حين تم تعديل كثير من القوانين في الدول الإسلامية؛ حتى تتناسب مع الدعوات الغربية، ومن هذه القوانين: قوانين الأحوال الشخصية المتعلقة بالزواج والطلاق، والإرث والحضانة، ورفع سن الزواج، وغير ذلك من القضايا التي تحتكم إلى الشريعة الإسلامية.

هذا بالإضافة إلى الدعوات لإقرار قانون الزواج المدني، الذي ينزع عن الزواج صفته الشرعية الدينية ليجعله بيد الدولة، تحت حجة رفع التمييز عن المرأة ومساواتها بالرجل(1).

 

حصن الأسرة المسلمة:

ومع كل هذا إلا أن الأسرة المسلمة تظل حصينة ما دامت متمسكة بشرع ربها؛ لأن الدين هو الذي يحدد لأفراد الأسرة المسلمة حقوقهم وواجباتهم، والأدوار المنوطة بهم.

إنه على كل من الرجل والمرأة أن يراعيا مرضاة الله تعالى في التعامل مع بعضهما، ومع باقي أفراد الأسرة، وأن يقوما بواجباتهم في تربية أبنائهم التربية الإيمانية التي تقيهم، وتحصنهم داخليًا من أية مغريات خارجية يمكن أن يتعرضوا لها.

ولا يجب أن تقتصر التربية الإيمانية على جانب العبادات وتأدية الشعائر فقط؛ بل يدخل في هذه التربية زرع القيم والأخلاق والفضائل، وعلى رأسها قيم التكافل والتعاون والعدالة، وما إلى ذلك من قيم أسرية.

_____________________________________

(1) القيم الغربية، وأثرها على كيان الأسرة المسلمة، للدكتورة نهى قاطرجي.