logo

المخاطر التي تحيط بالأسرة المسلمة وسبل الوقاية منها


بتاريخ : الخميس ، 5 جمادى الآخر ، 1444 الموافق 29 ديسمبر 2022
بقلم : تيار الاصلاح
المخاطر التي تحيط بالأسرة المسلمة وسبل الوقاية منها

إنَّ من أهداف الشريعة الإسلامية هو إيجاد أُسَر مسلمة ومجتمع مسلم حامل لمنهج الله، منفذًا لشريعته، منقادًا لأوامره ونواهيه، يدينُ بِدِين الإِسلام، ولذا كانت أعين أعداء الإسلام على الأسرة المسلمة متجهة نحوهم، ولقد أصاب المسلمين ما أصابهم بعد سقوط الخلافة، إلا أن الأسرة المسلمة ظلت هي مصنع الرجال، ومستودع القوة الباقي للأمة، كما كانت في فترات الغزو والإغارة على الوطن العربي.

حديثنا اليوم عن المخاطر التي تحيط بالأسرة المسلمة وسبل الوقاية منها، ولا شك أن هذه المخاطر منها ما نتسبب فيها لأنفسنا، ومنها ما هو من كيد أعدائنا، ويندرج ضمن محاربتهم لعقيدتنا وأخلاقنا.

ولا يسوغ لنا دائمًا أن نبرر أخطاءنا أو أن نحيلها على عدونا في أمور نعلم أن بإمكاننا علاجها والوقاية منها بقوة إرادتنا، كما لا يسوغ أن نستسلم لكيد أعدائنا، وننفذ عالِمِين أو جاهلين مخططات المكر والفساد التي يصدرونها لنا، ونحن أمة يفترض فينا أن نؤثر في الآخرين، ونزرع فيهم الخير بدل أن تكون بلاد المسلمين سوقًا تروج فيها البضاعة الكاسدة، أو تصدر إليها زبالات الأفكار ونتن الحضارات الفاسدة.

وإليك بعضًا من هذه المخاطر التي تهدد كيان الأسرة المسلمة:

ضعف الدين وتضييع الأمانة:

وإذا ضاع الإيمان فلا أمان، ولا دنيا لمن لم يحي دينا، وإذا كانت المرأة تنكح لعدة أغراض: لجمالها ولمالها ولحسبها ولدينها، فوصية الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يقول: «فاظفر بذات الدين تربت يداك» (1)، وحذر من المرأة السوء.

وضعف الدين وتضييع الأمانة، والإعراض عن ذكر الله خطر عظيم يهدد الأسر بالضياع، وتضيع معه التربية النافعة للأسرة من بنين وبنات، وتنسى الأهداف الجليلة لقيام الأسرة المسلمة، وهو سبب لحياة الضنك والشقاء سواء كان ذلك من قبل الرجال أو النساء قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا} [طه: 124].

قال ابن كثير: أي: في الدنيا، فلا طمأنينة له، ولا انشراح لصدره، بل صدره ضيق حرج لضلاله، وإن تنعم ظاهره، ولبس ما شاء وأكل ما شاء، وسكن حيث شاء، فإن قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى، فهو في قلق وحيرة وشك، فلا يزال في ريبة يتردد، فهذا من ضنك المعيشة (2).

وفي الظلال: والحياة المقطوعة الصلة بالله ورحمته الواسعة، ضنك مهما يكن فيها من سعة ومتاع، إنه ضنك الانقطاع عن الاتصال بالله والاطمئنان إلى حماه، ضنك الحيرة والقلق والشك، ضنك الحرص والحذر: الحرص على ما في اليد والحذر من الفوت، ضنك الجري وراء بارق المطامع والحسرة على كل ما يفوت، وما يشعر القلب بطمأنينة الاستقرار إلا في رحاب الله، وما يحس راحة الثقة إلا وهو مستمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها.. إن طمأنينة الإيمان تضاعف الحياة طولًا وعرضًا وعمقًا وسعة، والحرمان منه شقوة لا تعدلها شقوة الفقر والحرمان (3).

وتتحقق السعادة الأسرية بالإيمان وعمل الصالحات، {ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ} [هود: 65]، قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:97]، هؤلاء السالكون، وما ذكر من أعمالهم وأحوالهم هو سلوكهم؛ ولما سلكوا الصراط المستقيم، بالعمل المستقيم، انتهى بهم السير إلى أحسن قرار ومقام، إلى دار النعيم المقيم، في جوار الرحمن الرحيم.

فإذا اشتقت إلى نهايتهم فتمسك ببدايتهم، وزن أعمالك بأعمالهم، وأحوالك بأحوالهم، فإذا جعلت ذلك من همك، وحملت عليه نفسك بصادق عزمك، وصبرت كما صبروا رجوت أن تظفر بما ظفروا (4).

وفي الخبر الصحيح: «قلب شاكر، ولسان ذاكر، وزوجة صالحة تعينك على أمر دينك ودنياك، خير ما اكتنز الناس» (5).

فإن هذه الثلاثة جامعة لجميع المطالب الدنيوية والأخروية وتعين عليها، وإنما كان كذلك لأن الشكر يستوجب المزيد، والذكر منشور الولاية، والزوجة الصالحة تحفظ على الإنسان دينه ودنياه وتعينه عليهما (6).

فإذا اجتمع إلى ضعف الدين توفر أسباب الفساد كان الخطر أعظم، والبلية آكد، فالمجلة الخليعة سهم طائش لهدم الأسر، والشريط الذي يحمل صورًا ماجنة أو يحتوي على ما يهدم الأخلاق ويدمر الفضيلة، والغناء الماجن الداعي إلى الخنا والرذيلة بكلمات مبتذلة له أثره على القلوب.

الصحبة السيئة:

وتشكل صويحبات السوء خطرًا تهدد الأسرة بالانهيار، وذلك بما تهديه من عطايا محرمة، أو تبثه من كلام مسموم، وإن بدا ظاهره النصح أو تبادل الهدايا، وسواء كان ذلك عبر صديقة العمل أو زميلة الدراسة أو مفسدة الغيبة أو النميمة أو قائلة السوء، أو عبر سماعة الهاتف؛ فكل ذلك خطر لا بد من الحصانة منه.

قال ابن باديس: إذا أردت أن تعرف شر خلانك، وأحقهم بهجرك له وابتعادك عنه: فانظر فيما يرغبك هو فيه، وما يرغبك عنه؛ فإذا وجدته يرغبك عن القرآن، وعما جاء به القرآن فإياك وإياه، فتلك أصدق علامة على خبثه وسوء عاقبة قربه، فابتعد عنه في الدنيا، قبل أن تعض على يديك على صحبتك له في الأخرى.

وإذا وجدته يرغبك في القرآن وما جاء به القرآن، فذلك الخليل الزكي الصادق، فاستمسك به، وحافظ عليه.

وإن خلة أسست على الرجوع إلى القرآن، والتحاب على القرآن، والتناصح بالقرآن؛ لخلة نافعة دنيا وأخرى، لأنها أسست على أساس التقوى، وقد قال الله تعالى: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف: 67] (7).

وإن عداء الأخلاء لينبع من معين ودادهم، لقد كانوا في الحياة الدنيا يجتمعون على الشر، ويملي بعضهم لبعض في الضلال، فاليوم يتلاومون، واليوم يلقي بعضهم على بعض تبعة الضلال وعاقبة الشر، واليوم ينقلبون إلى خصوم يتلاحون، من حيث كانوا أخلاء يتناجون! {إِلَّا الْمُتَّقِينَ} فهؤلاء مودتهم باقية فقد كان اجتماعهم على الهدى، وتناصحهم على الخير، وعاقبتهم إلى النجاة (في ظلال القرآن (5/ 3201).).

وأخطر ما في هذا الباب ما نهى عنه سيد البشر صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من خبب امرأة على زوجها أو عبدًا على سيده» (8).

بأي نوع من الإفساد، وفي معناهما إفساد الزوج على امرأته والجارية على سيدها، بأن يذكر مساوئ الزوج عند امرأته أو محاسن أجنبي عندها (9).

فإن انضاف إلى ذلك أن يكون الزوج جارًا أو ذا رحم تعدد الظلم وفحش بقطيعة الرحم وأذى الجار، ولا يدخل الجنة قاطع رحم، ولا من لا يأمن جاره بوائقه (10).

الهاتف الثابت والنقال:

إن هذه العلاقات الهاتفية لم تأتِ بنتائج طيبة مطلقًا في الزواج، وإن أغلب التجارب التي عاشها أولئك الفجرة مع الفاجرات تجارب فاشلة، وأن خروج المرأة مع الرجل قبل العقد الشرعي حرام، وأدى إلى مصائب؛ بل إن بعض الذين ألفوا في أهمية التجربة قبل الزواج من الغربيين أو ممن حذا حذوهم من هؤلاء الذين يعيشون في الشرق لكن عقولهم وقلوبهم في الغرب اعترفوا بأن هذا أمر سلبي، ولذلك يقول بعضهم: إن غالب الذين أتوا للعقد كن حوامل، وكثيرًا ما تنفسخ الخطبة بعدما يقضي الذئب وطره، وتقع الكارثة عند ذلك (11).

كما يشكل الهاتف خطرًا آخر حين يساء استخدامه وتضعف الرقابة عليه، وتترك الفرصة لأصحاب المعاكسات والمغازلات كيف شاءوا في الاستعمال السيئ للأجهزة الثابتة والنقالة عبر الاتصال والرسائل المسِفّة السيئة، وهي من أكبر عوامل هدم الأسرة المسلمة، فتنبهوا لهذا الخطر المحدق، وقوا أنفسكم وأبناءكم وبناتكم آثاره المدمرة.

تسليم قيادة الأسرة للمرأة:

لما كان الرجل يقضي معظم وقته في العمل، فلم يعد متفرغًا لرعاية أسرته وتربية أولاده إلا القليل، فالأب يعود مساء إلى بيته ليأكل وينام، ومن ثم يذهب في الصباح الباكر إلى عمله، ولا يعلم كيف تقضي زوجته وأولاده أوقاتهم، وأين يذهبون، وكيف يخرجون، وترك لهم الحبل على غاربه، كل ذلك أدى إلى مشاكل كارثية تهدد الأسرة، بسبب غياب الربان والقائد والموجه لسفينة الأسرة، وعدم قيامه بالدور المطلوب منه.

إن الإسلام الذي طلب من الرجل أن يحسن صحبة المرأة ويستوصي بها خيرًا ويعاشرها بالمعروف هو الذي أمر المرأة أن تسمع له وتطيعه في حدود ما أحل الله، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولقد أكدت هذه القوامة في القرآن، وبالغ الرسول صلى الله عليه وسلم في تشديد طاعة الزوجة زوجها، فقال صلى الله عليه وسلم: «لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها» (12)، وفي حديث آخر: «والذي نفس محمد بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها كله، حتى لو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه» (13).

إن غياب القوامة من الرجال وتفرد النساء بالأمر والنهي يحدث خللًا في البيوت وهو أحد المخاطر التي تهددها، والنساء ناقصات عقل ودين، وتحميلهن فوق طاقتهن ظلم لهن، وجناية على المجتمع من حولهن، {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [النساء: 128].

وقال تعالى: {الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ} [النساء: 34]، فالحياة الزوجية حياة اجتماعية ولا بد لكل اجتماع من رئيس؛ لأن المجتمعين لا بد أن تختلف آراؤهم ورغباتهم في بعض الأمور، ولا تقوم مصلحتهم إلا إذا كان لهم رئيس يرجع إلى رأيه في الخلاف؛ لئلا يعمل كل على ضد الآخر فتنفصم عروة الوحدة الجامعة، ويختل النظام، والرجل أحق بالرياسة لأنه أعلم بالمصلحة، وأقدر على التنفيذ بقوته وماله، ومن ثم كان هو المطالب شرعا بحماية المرأة والنفقة عليها، وكانت هي مطالبة بطاعته في المعروف فإن نشزت عن طاعته كان له تأديبها بالوعظ والهجر والضرب غير المبرح -إن تعين- تأديبًا، يجوز ذلك لرئيس البيت لأجل مصلحة العشيرة وحسن العشرة، كما يجوز مثله لقائد الجيش ولرئيس الأمة (الخليفة أو السلطان) لأجل مصلحة الجماعة، وأما الاعتداء على النساء لأجل التحكم أو التشفي أو شفاء الغيظ فهو من الظلم الذي لا يجوز بحال (14).

توسيع دائرة الخلاف:

خلاف الزوجين دون تبصر، وتحميل الأمور ما لا تحتمل، وتعظيم الصغائر، وتوسيع دائرة الشقاق، وإدخال أكثر من طرف في الخلاف، كُلُّ ذلك يهدم الأسر ولا يبنيها، ويعجل بانفراط عقدها وتشاحن أفرادها، والشديد ليس بالصرعة، ولكنه الذي يملك نفسه عند الغضب، والحلم والصفح والعفو أخلاق كريمة دعا إليها القرآن، وليست مؤشرًا للضعف أو دليلًا على الهزيمة كما قد يوسوس بها الشيطان، ألا وإن خير الناس بطيء الغضب، سريع الفيء، وشرهم سريع الغضب، بطيء الفيء.

إهمال الحقوق الزوجية:

فإن شدَّةَ بعض الأزواج دون مُبرِّرٍ، أو عصيان بعض الزوجات وعدم قيامهن بحقوق الزوجية، كل ذلك يُفرِّق ولا يجمع، ويهدم ولا يبني، وتنساب الحياة الزوجية هادئة مطمئنة إذا عرف كل من الزوجين واجباته وحقوقه، فأدى ما عليه راضيًا محتسبًا، وترفَّقَ في طلب حقه صابرًا مقتصدًا، ففي هذا الجو المتآخي يعترف بالقوامة للرجل دون أن تمتهن المرأة أو تحتقر.

وسائل الإعلام بكافة قنواتها إلا ما ندر:

ويأتي البث المباشر والقنوات الفضائية في طليعتها، ومواقع الشبكة العنكبوتية -الإنترنت- وما فيها من مواقع إباحية منكرة، وبالله! كم هدمت هذه البرامج والمواقع المخربة من أسر، وكم حطمت من كيان، وكم سلخت من خُلق، ووارت من عفة وحياء، ولست أدري؛ كيف رضي البعض بإحضار العدو إلى عقر داره؟

فأعداء الدين من الكفار ينشرون في وسائل الإعلام أن المسلم يعتقد أنه يجب عليه أن يضرب زوجته كل يوم في الصباح وفي المساء، ويعتقد أيضًا أن هذه عبادة، فهم يشنعون على الإسلام بهذه الافتراءات والأكاذيب، مع أن الضرب بعد استيفاء شروطه مكروه، أي: أن الضرب مباح مع الكراهة ولا يباح بإطلاق؛ ولذلك ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده لا امرأة ولا خادمًا ولا شاة قط، إلا أن يجاهد في سبيل الله تبارك وتعالى؛ ولذلك قال عليه الصلاة والسلام في هؤلاء الذين يظلمون النساء: «ليس أولئك بخياركم» (15)، يعني: مع الإباحة فإن خيار المسلمين لا يفعلون ذلك (16).

أيسركما أن يكون منزلكما يستقبل عبر الشاشة الزندقة والإلحاد، ويشاهد من خلالها الأفلام الداعرة والقنوات المتحللة الساقطة، وتعرض فيها المنكرات وصور العاهرات الفاجرات؟ أترضون ذلك لنفسيكما ومن تحت أيديكما من الذرية؟

وكما ترون في كافة وسائل الإعلام من التشنيع على أهل الطاعة، ومن التنفير عن سبيل الله سبحانه وتعالى بالألفاظ المنفرة، والأوصاف المخالفة للحقيقة، وفي نفس الوقت يرون القبيح حسنًا.

لقد أمسك دعاة العلمانية بزمام معظم وسائل الإعلام، وعاثوا فيها فسادًا، مثل: التلفزيون والإذاعة والصحف والمجلات والسينما والفيديو، وقد ظهرت أضرار تلك الوسائل في تحطيم الأخلاق والسلوك الطيب، واستمع إلى ما قاله أعضاء المؤتمر العالمي لتوجيه الدعوة وإعداد الدعاة، المنعقِد في المدينة المنورة سنة 1396هـ، فقد قالوا في مناشدتهم المسلمين جميعًا: ويندد المؤتمر بالهوة السحيقة التي تردَّى إليها إعلامنا ولا يزال إلى اليوم يتردَّى، فبدلًا من أن يكون منبر دعوة إلى الحق, ومنار إشعاع للخير، صار صوت إفساد وسط عذاب، وخفت صوت الدعوة وسط ضجيج الإعلام الفاسد، وسكت القادة فأقرُّوا بسكوتهم أو أجاوزوا ذلك فشجعوا وحملوا, وزلزل الناس في إيمانهم وقيمهم ومثلهم... ولم يعد الأمر يحمل السكوت عليه من الدعاة إلى الحق (17).

إنها المؤامرة على العالم والرهان على إفساد القيم والأخلاق للشعوب، وليس يلام الذئب في عدوانه، ولكن المأساة حين تغيب عقول المسلمين عن مخططات أعدائهم، أو تأسرهم الشهوات، ولو كانت على حساب العقائد والمبادئ.

تحديد النسل:

هذا الداء الذي يسري فينا دون أن نتنبه له ويخطط له أعداؤنا ونحن في غفلة عنهم، ولربما بلغ بنا الأثر مبلغه فتصور بعضنا أن قلة الأولاد تحضُّر، وأن تحديد النسل أسلوب راقٍ، وتضيع في زحمة هذه الأفكار الدخيلة وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا: «تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم» (18).

قال القاري: وقيد بهذين لأن الولود إذا لم تكن ودودًا لم يرغب الزوج فيها، والودود إذا لم تكن ولودًا لم يحصل المطلوب؛ وهو تكثير الأمة بكثرة التوالد، ويعرف هذان الوصفان في الأبكار من أقاربهن، إذ الغالب سراية طباع الأقارب بعضهن إلى بعض، ويحتمل والله تعالى أعلم أن يكون معنى تزوجوا اثبتوا على زواجها وبقاء نكاحها إذا كانت موصوفة بهذين الوصفين (19).

ولربما أرهبنا الأعداء، أو وسوس إلينا الشيطان بصعوبة النفقة، أو خشينا الفقر مع كثرة الذرية، والله ينهانا عن ذلك، بل يقدم رزقهم على رزقنا، ويقول جل وعلا: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا} [الإسراء: 31]، أي إثمًا كبيرًا لما فيه من قتل النفس، وقطع النسل، وهلاك الجنس، وخراب العمران، وسوء الظن بالله، وعدم خشيته، وعدم الشفقة على خلقه (20).

قال أبو زهرة: أي لَا تقتلوا أولادكم خشية الفاقة، وألا تملكوا لهم ما لا تنفقون عليهم منه، و{خَشيَةَ إِمْلاقٍ} تفيد أنهم الآن مالكون ما ينفقون منه، ولا يقتلونهم لذلك بل يقتلونهم خشية أن يتكاثروا فيكون الإملاق، ولذا قال تعالى: {نَحْنُ نَرْزُقُهُم وَإِيَّاكُمْ} بتقديم رزقهم عليهم؛ لأنهم يخافون موتهم من جوع، فيسارعون بقتلهم، فاللَّه تعالى أمنهم على رزق هؤلاء الأولاد، وفي تقديم رزق الأولاد إشارة إلى أمرين: أن رزقهم يتبع رزق الأولاد، فإن قتلوهم فقد حرموا هم أيضًا الرزق ثم إن الأولاد ذاتهم رزق من الله (21).

إن كثرة المسلمين شبح مخيف للكافرين، وإن تحديد نسلهم وسيلة من وسائل القضاء عليهم سواء أكان بكثرة تعاطي الحبوب المانعة للحمل أو بوسائل وعمليات أخرى لا تزال تصدر إلى العالم الإسلامي، والمصيبة حين يسري هذا الداء في مجتمعات المسلمين وهم في غفلة عن كيد الكافرين.

عقدت هيئة اليونسكو مؤتمرها الثالث في سان فرنسيسكو بحضور مائة من المفكرين لبحث مشكلة التضخم الإنساني في الدول النامية للحد منه، وكان من بين المقترحات مقترح عجيب يقضي باستخدام مركبات منع الحمل في مياه الشرب والطعام.

وهذه جولد مائير رئيسة حكومة الكيان الصهيوني السابق تقول: تنتابني الهواجس ويجتاحني الذعر قبل نومي كل ليلة عندما أتخيل عدد الأطفال الفلسطينيين الذين سيولدون في اليوم التالي، فهل يستيقظ النائمون؟ وهل يرعوي المخدوعون؟ وهل يقتصد المروجون لأفكار الآخرين؟

ومما يلفت النظر إلى أن هذه الأفكار والمخططات التي تروج في بلاد المسلمين يحذر منها الكافرون ويشجعون أسرهم على تزايد النسل، فقد أعلن البابا أن مستخدمي وسائل تحديد النسل آثمون، وأعلنت فرنسا عن مكافأة مالية للأسرة التي يزيد أفرادها عن ثلاثة، وإذا كان هذا شأن النصارى فاليهود لا يعترفون بتنظيم النسل ناهيك عن تحديده، بل إن الحاخامات يمنحون أبناء الزنا من غير اليهود الصفة اليهودية ويهتمون بهم، ويعتبر العقم عند اليهودي لعنة كبيرة.

وبالجملة؛ فكم يخسر المسلمون وهم يجهلون تعاليم دينهم وواقع عدوهم، ويجهلون فكر أعدائهم، وينفذون بسذاجة مخططاهم فيساهمون معهم في المؤامرة على المرأة المسلمة، ومنها: المؤتمرات المشبوهة والخروج منها بتوصيات فاجرة تهدم مقومات الأسرة المسلمة، ومنها: غزو الأفكار الوافدة وتغيير المفاهيم الصحيحة، فالحجاب الشرعي تخلف ورجعية، والاختلاط في ميادين الحياة تقدم وحضارة، وتعدد الزوجات ظلم للمرأة، وقرار المرأة في بيتها عودة بها إلى القرون المظلمة، وتصوير أن المرأة الفاجرة هي الأنموذج المحتذى؛ يُسخر بالدين، وتنحر الفضيلة والحياء على مرأى ومسمع من العقلاء، وإلى الله المشتكى، وهو وحده المستعان (22).

الحلول:

1- القوامة الفعالة: إن قوامة الرجل على أهله ليست بتأمين حاجاتهم المادية فقط، فهناك أمور أخرى ينبغي عليه متابعتها والاهتمام بها ألا وهي الجوانب الأخلاقية والنفسية لزوجته وأولاده، ومتابعة سلوكهم وتصرفاتهم، واستشعار عظمة المسؤولية الملقاة على عاتقه، كما جاء في الحديث: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته» (23).

2- اغتنام الوقت: وخاصة أوقات العطل والفراغ والمواسم المباركة للجلوس مع الأسرة، والاستماع إلى مشاكلهم ومعالجتها، وتعليم الرجل زوجته وأولاده صفحة من القرآن، وقراءة كتاب رياض الصالحين، ولو حديثًا واحدًا كل يوم، وسؤال الزوجة والأولاد عن صلاتهم وصيامهم وأورادهم اليومية، كل ذلك يؤدي إلى تماسك بنيان الأسرة وصلاحها.

3- مراقبة الأولاد: ووضع برنامج لهم بمساعدة الزوجة للدخول إلى الانترنت ووسائل التواصل، وليكن ساعة مثلًا في اليوم؛ لأن ادمان الدخول إلى هذه الوسائل يجعل المرء أسيرًا لأهوائه وشهواته، ومن واجب الأب معرفة أصدقاء ولده الحقيقيين والافتراضيين؛ لأن المرء على دين خليله.

4- تنمية الوازع الديني: في قلوب أفراد الأسرة، وزرع بذور المحبة والوئام بينهم، وذكر نماذج من سلوك النبي صلى الله عليه وسلم والسلف الصالح مع زوجاتهم وأولادهم، {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] (24).

الوازع الديني هو القوة الإيمانية الرهيبة التي لو خلا العبد معها بحد من حدود الله عز وجل؛ ما استطاع أن يفكر في اقترافه فضلًا عن أن تمتد له يد، أو تلتبس جارحة من جوارحه بذلك الحد الذي حرمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

الوازع الديني قوة خفية في الإنسان وهي خشية الغيب، كخشية الشهادة، فخشية الغيب تظهر إذا خلا العبد بحرمة من حرمات الله عز وجل؛ فإن هذه الخشية تحمله على أن يتركها؛ كما لو أنه على رءوس الأشهاد، وخشية الغيب هي التي لم تكن معها خائنة عين.

هذا الوازع الديني، تضافرت نصوص الكتاب والسنة على إحيائه وإذكاء جذوته، ولذلك تجد المسلمين في سائر العصور والدهور يمتازون بهذه القضية، وفي جميع العصور والدهور لن تجد أطهر ولا أنقى ولا أتقى ولا أفضل ولا أكمل من مجتمعات المسلمين، حتى ولو فسدت مجتمعات الأرض فإنك تجد أقرب المجتمعات إلى الخير وأحسنها وأفضلها -بالنسبة لغيرها- مجتمعات المسلمين.

وكلما قوي باعث هذا الوازع وكلما قويت جذوته في النفوس؛ استحكم الإيمان في القلب، وكلما عظمت الهيبة للرب سبحانه أصبح الإنسان بعيدًا عن مقارفة الذنب والتلبس بالعيب (25).

5- إفساد مخططات الأعداء:

كم تحتاج الأمة إلى الرجال الصادقين الصالحين الذين يفكرون لها؛ ويتشاورون في قضايا أمتهم ودينهم، ويكشفون مخططات الأعداء، ويعدون العدة؛ لإنقاذ أمتهم من الوقوع في براثنهم، ويحفظون دينهم من التشويه، والنقص أو الزيادة، ويبلغونه كما جاء من عند الله، ببيان الحقائق، وكشف مخططات الأعداء وأساليبهم، ومن يجاريهم ويسير في دربهم وعلى مناهجهم، حتى تتكون لدى عامة المسلمين ثقافة المناعة والامتناع أمام الغزو الفكري.

إن رسالتنا هي تصحيح المفاهيم وتصحيح التصورات العقدية، وتربية قاعدة مسلمة على هذه المفاهيم الصحيحة، والتي تكون ستارًا يتنزل عليها قدر الله بالنصر والتمكين، مع تحديث النفس دائمًا بالغزو، وكشف مخططات الأعداء وفضحها، وأن نعمل ليل نهار كل على حسبه وفى مجاله لإحياء هذه الأمة مرة أخري لتتسلم مكانتها الريادية، وعدم ترك ما يطلق عليه عوام الناس فريسة سهلة لدهاقنة العلمانية، يلبسوا عليهم ما أردوا من التلبيس، ولا نكون نحن بحركتنا لنصرة هذا الدين مصدر للالتباس وعدم الوضوح، وأن يعرف الجميع أن معني انتمائه للإسلام أن يقبل شرع الله ويرفض ما سواه.

أسأل الله أن ينصر دينه وكتابه وسنة نبيّه، وأن يُبطل كيد الأعداء، وأن يوفّقنا لأن نكون في مستوى التحدّيات والتآمرات التي تُحاك لحرب ديننا، ومن أعظم ما بُلينا به أننا نلدغ من جُحُور الكفار مرات وكرات.

----------

(1) أخرجه البخاري (5090)، ومسلم (1466).

(2) تفسير ابن كثير (5/ 323).

(3) في ظلال القرآن (4/ 2355).

(4) تفسير ابن باديس (ص: 243).

(5) صحيح الجامع الصغير (4409).

(6) فيض القدير (4/ 525).

(7) تفسير ابن باديس (ص: 172).

(8) أخرجه أبو داود (2175).

(9) مرقاة المفاتيح (5/ 2128).

(10) فيض القدير (5/ 386).

(11) الشباب المسلم على عتبة الزواج/ محمد صالح المنجد.

(12) أخرجه الترمذي (1159).

(13) أخرجه ابن ماجه (1853).

(14) تفسير المنار (2/ 302).

(15) أخرجه أبو داود (2146).

(16) تفسير القرآن الكريم - المقدم (33/ 10)، بترقيم الشاملة آليًا.

(17) الاتجاهات الفكرية المعاصرة (ص: 113).

(18) أخرجه أبو داود (2050).

(19) مرقاة المفاتيح (5/ 2047).

(20) تفسير ابن باديس (ص: 90).

(21) زهرة التفاسير (8/ 4373).

(22) أخطار تواجه الأسرة المسلمة/ ملتقى الخطباء.

(23) أخرجه ابن حبان (4491).

(24) الأسرة المسلمة في خطر/ رابطة العلماء السوريين.

(25) شرح زاد المستقنع للشنقيطي (397/ 3)، بترقيم الشاملة آليًا.