logo

تمرد الأبناء على الآباء


بتاريخ : الاثنين ، 11 صفر ، 1442 الموافق 28 سبتمبر 2020
بقلم : تيار الاصلاح
تمرد الأبناء على الآباء

فطر الله الإنسان على احترام والديه وتقديرهما والعناية بهما، وجاء القرآن الكريم الذي عني بإتمام مكارم الأخلاق ليركِّز على هذه القيم؛ فأمر المسلم بتقدير والديه وطاعتهما، حتى لو كانا غير مسلمين، ونهى عن عقوق الوالدين، وأمر ببرهما ووصلهما، قال تعالى: {وَاعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [النساء: 36]، وقال عز وجل: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24)} [الإسراء: 23- 24]، وقال جل شأنه: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا} [العنكبوت: 8]، فإن الوالدين هما سبب وجود الإنسان، ولهما عليه غاية الإحسان، فالوالد بالإنفاق والوالدة بالإشفاق (1).

عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «رغم أنف، ثم رغم أنف، ثم رغم أنف رجل أدرك والديه، أحدهما أو كليهما عند الكبر، لم يدخل الجنة» (2).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يجزي ولد والده، إلا أن يجده مملوكًا فيشتريه فيعتقه» (3).

وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «رضى الرب في رضى الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد» (4). 

لكن المشاهد للواقع المحلي ينفطر قلبه جراء ما يشاهده بعينيه من تفشي مظاهر العقوق في المجتمع بصورة ملحوظة، ومن البلاء المعاصر الذي طفح على الساحة، وأضحى ظاهرة سلبية يشتكي منها الكثير من الآباء والأمهات؛ ظاهرة التمرد على الوالدين.

كيف نفهم سلوك التمرد:

تثير كلمة التمرد تصورًا سلبيًا لدى السامع عند إطلاقها، فهي تعني عند المتلقي: العصيان والرفض السلبي دائمًا، بينما ظاهرة التمرد التي تظهر في حياة الشباب، تكون منطلقة من الشعور بالقوة والتحدي، وضرورة التغيير، وتتجه اتجاهين متناقضين: اتجاهًا سلبيًا ضارًا وهدّامًا، واتجاهًا إيجابيًا مغايرًا يساهم في تطوير المجتمع، والدفاع عن مصالحه، ويعكس النمو والتطور الطبيعي لشخصية الشاب أو الفتاة.

خطورة ظاهرة التمرد:

وظاهرة التمرد السلبي التي تنشأ في أوساط المراهقين والشباب، هي من أعقد مشكلات الأسر والمجتمعات، وتبدأ ظاهرة التمرد السلبي في أحضان الأسرة، وذلك برفض أوامر الوالدين، أو تقاليد الأسرة السليمة، وعدم التقيّد بها عن تحدٍّ وإصرار.

ثمّ يأتي بعد ذلك التمرد على الحياة المدرسية، بما فيها من قوانين الحضور، وإعداد الواجبات المدرسية، والعلاقة مع الطلبة والأساتذة.

ويتخذ التمرد أشكالًا متعددة مثل: الكلمات الصادمة للوالدين، أو الملابس و"الإكسسوارات" المثيرة غير المألوفة، أو الهروب من البيت، أو الجنوح وارتكاب الجرائم، أو الهجوم الجسدي من الأبناء للوالدين.

لماذا يحدث التمرد؟

إنّ تفسير ظاهرة التمرد يرجع إلى أن سلوك الأبناء الاجتماعي يتطور تبعًا للنمو الجسمي والعقلي والنفسي، فتمر الفتاة بعدة مراحل: أولها مرحلة الطاعة (كما يسميها علماء النفس) حيث تبدأ قبيل المراهقة وتمتد حتى أوائلها، وتبدو مظاهرها في الخضوع والوداعة والحياء والتظاهر بالحشمة؛ رغبةً في إرضاء الوالدين.

ثم تليها مرحلة الاضطراب الانفعالي الذي يجعلها تارةً ضاحكة بملء فيها، وتارة كئيبة يائسة، وتارة شديدة الغضب، وقد يصدر منها النقيضان في أقل من يومين، ويصاحب تلك المرحلة تقليد الصبيان، حيث يقلدن (بعض الفتيات) الصبيان في سلوكهم وطريقة حوارهم وملابسهم.

ثم بعد ذلك تأتي مرحلة الاتزان الاجتماعي، وتبدأ في أواخر المراهقة وقبيل الرشد؛ فتستجيب الفتاة للمعايير الأنثوية الصحيحة في السلوك والزيّ والحديث، وفي نواحي حياتها كلها (5).

أسباب التمرد:

- عدم إدراك الوالدين لطبيعة المرحلة: فتظل الأم ترى ابنتها على أنها ما زالت طفلة صغيرة، ينبغي أن تسمع وتطيع لأوامر وتوجيهات والديها بلا مناقشة أو اقتناع، إضافة إلى عدم الدراسة المركزة لشخصية الابنة، والاحتمالات الواردة عند تغيرها ونضوجها في تلك المرحلة (6).

فمرحلة البلوغ هي مرحلة الاحساس بالغرور والقوة، وهي مرحلة الاحساس بالذاتية، والانفصال عن الوالدين، لتكوين الوجود الشخصي المستقل، وهي مرحلة تحدي ما يتصوره عقبة في طريق طموحاته، على مستوى الأسرة والدولة والمجتمع؛ لذا ينشأ الرفض والتمرد السلبي، كما ينشأ الرفض والتمرد الايجابي (7).

- حرص الأب وبخله على ولده، ومنعه مما يملك أن يعطيه، في ذات الوقت الذي يرى فيه الابن أن أباه لا يبخل على نفسه، فيراه مستمتعًا بما عنده حارمًا أبناءه منه، وقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن أفضل الإنفاق هو الإنفاق على الأقربين وفي الحديث عن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك؛ أعظمها أجرًا الذي أنفقته على أهلك» (8).

- الجفوة التي يعامل بها الأب أبناءه، فيتعامل معهم بلا عاطفة تذكر، فلا يبد لهم محبة ولا رقة ولا شفقة، ويظن أنه يربيهم على الخشونة بهكذا فعل، وقد أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على من قال له إن لي عشرة من الولد لم اقبل أحدهم وقال له: «من لا يرحم لا يرحم» (9)، قال ابن بطال: رحمة الولد الصغير، ومعانقته، وتقبيله، والرفق به، من الأعمال التي يرضاها الله ويجازي عليها (10).

حرمان الطفل عاطفيًا يخلق حالات مختلفة من العناد، خصوصًا الحرمان من حنان الأمومة، مما قد يؤدي في كثير من الحالات إلى ظهور ميول عدوانية ورغبات تدميرية، وتشتد حالة العناد حينما يدرك الابن أنه قادر على تحقيق مطالبه من خلال عناده.

- القسوة والضرب، وهما أخص من الجفوة، فكثرة الضرب والأذى تنقلب كراهية وبغضًا في قلب الولد خصوصًا أن الولد لم تتولد لديه بعد مفاهيم حكمة الأشياء والأفعال؛ فهو يقيمها من جهته فحسب؛ فيكره أباه لضربه، وربما تسبب الضرب القاسي في الأذى الذي لا ينسى عبر الدهر والأزمان.

- إيذاء الأم: فالأبناء يحبون أمهاتهم بفطرتهم خصوصًا مع حنانها ورقتها وعطائها لهم، فإذا قسا الأب عليها أو آذاها تولدت الكراهية في قلوب الأبناء تجاه أبيهم، خصوصًا كونهم غير قادرين على ردعه عنها ودفع أذاه عن أمهم، فيكبر في صدورهم كرهه والرغبة في البعد عنه.

- انحراف الأب: فالأبناء يضعون في عقولهم صورة حسنة نموذجية لأبيهم، فيوقرونه ويعظمونه ويحترمونه، ويحبون في داخلهم أن يروه قدوة حسنة لهم، فيفتخرون به وينتمون إليه، لكنهم إذا اكتشفوا عليه جرمًا اهتزت صورته في أعينهم، فإذا تكرر الجرم ازداد السقوط، حتى يسقط الأب في أعينهم سقوطًا تامًا، ومن أشد ما يسقط الأب في أعين أبنائه جرائم الشرف، وخطايا الأعراض، والكذب، والزور وغيرها.

- الإكراه على الأعمال: وأقصد بها أعمال الدنيا، فتقييد حرية الابن وإكراهه على العمل والسلوك بشكل متصل متتابع يولد الكراهية والبغضاء في قلب الابن تجاه أبيه، وربما ود في بعض الأحيان ذلك الابن أن يفارقه أبوه أو يرحل عنه ليأخذ حريته ويعمل باختياره.

فالأب لا يُغيّر طريقة تعامله مع البالغ والشاب، ويظل يتعامل معه كما يتعامل مع الطفل الذي لا يملك وعيًا ولا إرادة، من خلال الأوامر والنواهي، مما يضطر بعض الأبناء إلى التمرد والرفض، وعدم الانصياع لآراء الآباء وأوامرهم، فتحدث المشاكل وتتعقد العلاقة بينهم.

- السخرية والاستهزاء: فالأبناء في أعمارهم الصغيرة يكونون كالأوعية، يحملون ويمتلؤون، ثم يفيضون على غيرهم عند كبرهم، وتتكون شخصياتهم من أيام الصغر، وتتشكل عبر ما يحيط بهم من أعمال ومواقف، وسخرية الأب بابنه واستهزائه بقدراته، وإطلاق الألقاب السيئة عليه، والانتقاص من قدره، مسببات تتراكم يومًا بعد يوم فتسبب الكره والبغضاء، إضافة أنها تنتج شخصية مريضة سلبية.

- الإهمال وعدم الاكتراث بحياة الأبناء ولا بنفسياتهم، ولا بتعليمهم، ولا بآلامهم ومشكلاتهم، فإذا كان الأب غافلًا مهملًا لأبنائه ولحياتهم وشئونهم، تًعذب الأبناء وعاشوا كالأيتام، ورسخ ذلك في قلوبهم فازدادت الكراهية لأبيهم، وقل الحب وضعف، حتى يأتي وقت فيتلاشى.

- بعد الأب عن الدين: وهو سبب خاص بأهل الإيمان من الأبناء، فالابن المؤمن يحب من أبيه أن يكون صالحًا ديّنًا، تقيًا، متصدقًا، عابدًا، فيستشعر معه معاني بر الوالدين، ومعاني القرب من الله سبحانه ويجعله قدوة له، فإذا كان الأب فاسقًا مجاهرًا بالآثام تصاغر مكانه في قلبه وانقلب الحب كرهًا.

- الظلم وعدم العدل، فقد أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أمرًا بالعدل بين الابناء ومعهم، فقال: «فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم» (11)، ولست أعني ههنا أن عدم العدل بين الأبناء في العطايا هو المقصود فحسب، بل إن العدل قيمة عظيمة لا يستغني عنها بيت من البيوت، ولو استشعر الأبناء الظلم من أبيهم نبت لديهم في قلوبهم نبت البغضاء والكراهية، فالظلم يطرد المحبة من القلوب (12).

- الرغبة في الاستقلال: إن المراهقين في مكان ما بين كونهم راشدين وأطفال، فتؤدي هذه المرحلة الانتقالية إلى اندفاع في الحافز لتغيير الوضع الراهن، والرغبة في الاستقلال تؤدي إلى زيادة التحدي للقواعد، وبالتالي عدم الاستماع إلى الآباء والأمهات.

- قرارات متسرعة: يميل بعض الأبناء لاتخاذ قرارات متهورة، حيث يتجاوز التفكير المنطقي بهدوء من خلال الرغبة في البحث عن التشويق ومواجهة تجارب مثيرة، التي قد تجعل أفعالهم في النهاية متعارضة مع القواعد، بمعنى يفكرون بالنتيجة فقط؛ فيتجاهلون المخاطر لصالح المكافآت، التي سيحصلون عليها جراء إقدامهم على فعل ما (تجربة التدخين أو الادمان... الخ)، ويتحول الموقف إلى تمرد عندما يحتج الأهل على هذه التجربة المتهورة أو المؤذية، لكن المثيرة من وجهة نظر المراهق.

- ضغط الأقران: يركز الدماغ بشكل أكبر على رأي مجموعات الأقران (أصدقائه وزملائه في المدرسة وأقاربه من نفس العمر)، بحيث يمكن أن يكونوا جزءًا من هذه المجموعات، قد يرغب المتمرد في القيام بأشياء لإرضاء الأقران حتى لو كان الآباء ضدها.

- تغيير في بنية الدماغ: لا تتطور بنية الدماغ بشكل كامل حتى أوائل العشرينات من عمر الشخص، حيث يتفاقم التأثير على الدماغ خلال عملية البلوغ، كما تؤثر البنية العصبية الضعيفة مع التغيير المستمر في تصميم الدماغ على عملية صنع القرار لدى المتمرد، مما يؤدي إلى سلوك ثوري ومتمرد.

- التغيرات الهرمونية: يمكن أن يتسبب خليط من الهرمونات التي تضخ خلال عملية البلوغ في تغيير جذري على عملية التفكير، على سبيل المثال فإن إنتاج هرمون التستوستيرون لدى الأولاد خلال سنوات البلوغ يكون عشرة أضعاف ما كان عليه في السابق، فللهرمونات الجنسية تأثير كبير على وظائف الدماغ، ويمكن أن تؤثر على الناقلات العصبية الأساسية، مما يؤدي إلى مشاكل مع المزاج وفي السلوك.

- العلاقة السيئة مع الأبوين: يؤدي وجود القوانين دون وجود علاقات إلى التمرد، فعندما يحاول الأبوان وضع قوانين دون أن يقوموا أولًا بترسيخ علاقة حب حقيقية مع أبنائهم، فإنهم يمهدون لتمردهم عليهم، فقد أكدت الدراسات العلمية أن أكثر من 80% من مشكلات البالغين في عالمنا العربي نتيجة مباشرة لمحاولة أولياء الأمور تسيير أولادهم بموجب آرائهم وعاداتهم، ومن ثمَّ يحجم الأبناء عن الحوار مع أهلهم؛ لأنهم يعتقدون أن الآباء إما أنهم لا يهمهم معرفة رأي أبنائهم في مشكلاتهم واهتمامهم، أو أنهم لا يهمهم معرفة مشكلات أبنائهم من الأساس (13).

- محاولة التعبير عما يدور في خلجات النفس:  كثيرًا ما يكون التمرد انعكاسًا لمحاولة التعبير عما يفكر فيه البالغ أو يحس به أو ينقصه، فالكثيرون يتمردون على أمل أن يسمعهم أحد، ويفهم مشاعرهم وحاجاتهم.

 -عدم وجود حدود واضحة: حيث أكدت الدراسات أنه قد يتمرد البالغون الذين نشئوا في بيوت يسيطر الأبوان فيها على كل شيء، وكذلك يتمرد أولئك الذين نشئوا في بيوت مفرطة في التساهل، وذلك حتى يحسوا بقيمتهم وجدارتهم.

 -غياب المثال الصادق (القدوة الحسنة):  لا يحترم الأبناء كثيرًا الآباء الذين لا يعترفون بأنهم يخطئون، وهناك سبب آخر يجعل المراهقين يرفضون السلطة الأبوية؛ وهو اعتقادهم بأن والديهم لا يضربان مثلًا جيدًا لهم، فهم يحسون بأن والديهم يتوقعان منهم شيئًا ويمارسان شيئًا آخر يختلف عما يعظان به (14).

العواقب المحتملة لتمرد الأبناء:

إنّ وعي الآباء بعواقب التمرد يجعلهم يتعاملون مع هذه الظاهرة بالطريقة الصحيحة لاحتوائها بدون مشكلات، ومن عواقب التمرد:

- الاهتمامات الخطرة: أو ما يعبر عنه بالجنوح (كشرب الخمور، وتعاطي المخدرات، وأعمال النهب والتخريب...الخ)، وقد زادت الأخطار واتسع نطاقها عما كان في الماضي، وفي محيط الفتيات يظهر الاهتمام الخطر في التدخين، وسلوك طريق الإدمان، أو إقامة علاقات منحرفة عبر الانترنت، وكذلك التفكير في الهرب من المنزل، أو التهديد بذلك أو محاولة فعله، كذلك كل صور الانحراف الأخلاقي التي تندفع إليها الفتاة، تمردًا على أشياء ترفضها في واقعها وبيئتها التي نشأت فيها.

- الاغتراب: يحس البالغون المتمردون بالاغتراب، نتيجة لمواقفهم وتصرفاتهم، وكذلك بالاغتراب عن آبائهم وأمهاتهم وقادتهم وحتى عن أصدقائهم، وغالبًا ما يؤدي سلوكهم المتمرد وتصرفاتهم المندفعة إلى تجنب الناس لهم.

- الإحساس بالذنب: يحس البالغون بالذنب بسبب خطأ تصرفاتهم؛ سواء ضد والديهم أو الآخرين، أو حتى الخالق سبحانه الله ذاته، ورغم ذلك يستمرون في تمردهم، منكرين إحساسهم بالذنب، وهم بهذا يجلبون على أنفسهم مزيدًا من هذا الإحساس.

- القلق والخوف: يقول كارتر: إن القلق يمكن أن يظهر على النحو التالي: التذمر المتكرر من المرض الجسدي، مشاعر بالذعر، قلق غير واقعي وأفكار خاطئة عن الآخرين، التعبيرات العاطفية المفرطة، اللامبالاة بعواطف الآخرين، كبت العواطف (15).

- التقنية الحديثة: في الواقع أن التكنولوجيا دخلت في كل تفاصيل حياتنا، حتى في أخلاقنا وعاداتنا، فبات الأبناء يقضون الساعات في الليل والنهار يحدقون بالأجهزة اللوحية بمختلف أشكالها، ومن هنا بات من الطبيعي أن ينزعج الأبناء من طلبات الأبوين التي تعطلهم عن متابعة الألعاب أو التواصل مع الأصدقاء و"الجروبات" التي يتفاعل معها على مواقع التواصل بشكلٍ عام، فقد يطلب أحد الأبوين كأسًا من الماء من الأبناء وهم ثلاثة أو أربعة في الغرفة الواحدة دون أن يسمعه أحد؛ لانشغالهم بالهواتف والتلفاز والكمبيوتر وما إلى ذلك، حتى ولو تكرر الطلب أكثر من مرة.

كيف نعالج المتمرد:

- الصداقة: ابدأ بمصادقة ابنك، وإفساح صدرك له بالقدر المعتدل، واسمح له بالنقد المهذب، وإبداء الرأي ثم وجّه إليه النقد في تصرفاته وأقواله بدون قمع أو تجريح أو قسوة، وستجد منه استجابة أفضل.

 -النصح: على الأب أن يوضح لابنه معالم الطريق الصحيح، ويرشده إلى التصرف الصواب، ويبين له ما وقع فيه من أخطاء؛ حتى يتجنبها، مع عدم فرض القيود الصارمة على تصرفاته العادية وحركاته وأقواله؛ لأن ذلك سيؤدي إلى ثورته وتمرده لرفض هذا القمع والتسلط.

- وضوح القواعد الخاصة بنظام المنزل: يجب أن يتعاون الوالدان في وضع نظام وقواعد واضحة في المنزل، تكون موضع احترام والتزام جميع أفراد الأسرة، ويقوم الوالدان بالحفاظ على تماسك هذا النظام واستمراره، وعدم السماح بخرقه من أحد الأبناء، كما يجب أن يوضح أيضًا عواقب كسر هذه القواعد، مثل محاسبة الأبناء على التأخير عن موعد الرجوع إلى المنزل، وضرورة الاستئذان قبل دعوة الأصدقاء إلى الزيارة، وهكذا.

- تربية الأولاد على احترام الوالدين، والتزام الحدود معهما في الخطاب والتعامل؛ فإن توعية الأبناء وتربيتهم على حب الوالدين، واحترامهم والاستماع إلى نصائحهم منذ الطفولة؛ يقلل من احتمالات التمرد عليهم في مرحلة البلوغ.

- لا تتضجر سريعًا من النقاش معه، خاصة وأن الجدال يكون سمة من سمات النقاش مع البالغين شبابًا وفتيات، فإن أصر على تبني رأي يخالفك فيه، فتقبل ذلك منه والطريقة المثلى للتعامل معه هي فتح الحوار مع عدم الضغط عليه، بل شاركه في الأفكار والاهتمامات، وتعرف على أصدقائه وأظهر الاحتفاء بهم.

ملاحظات:

- من الخطأ أن نتجاهل سلوك التمرد إذا بدر من الأبناء، متصورين أن تلك الزوابع سوف تتلاشى من تلقاء نفسها مع الوقت، فالتعامل مع سلوك التمرد في مرحلة البلوغ يتطلب من الوالدين التوازن في الفهم، والتعامل معهم بالطريقة التي تحجِّم تمردهم، وتمتص الانفعالات الزائدة لديهم، فبالحب والاحتواء مع التوجيه الحكيم، يزداد انتماء الأبناء لأسرتهم، رافضين لسلوك التمرد.

- لا تعتقدون أبدًا أنّ تربيتكم لطفلكم تكون فقط عندما تتحدّثون معه أو تعلّمونه، أو تأمرونه بشيء معيّن، أنتم تقومون بتربيته في كلّ لحظة من حياتكم، في حضوركم وفي غيابكم، كيف تلبَسون، كيف تتكلمون مع الآخرين وعن الناس الآخرين، كيف تفرحون، تحزنون، كيف تتعاملون مع أصدقائكم أو أعدائكم، كيف تضحكون، وحتّى كيف تقرءون الجريدة، كلّ هذه الأمور لها أهمّية كبيرة للطفل.

- الاحترام والطاعة من أهم الصفات والواجبات التي لا بد أن تفرض على الأبناء تجاه الأبوين، فالأب والأم هما المربيان والمقومان والموجهان لسلوك الأبناء، وطاعتهما واجبة بكافة التشريعات والقوانين، وسواء كان الابن كبيرًا أو صغيرًا، ذكرًا أم أنثى، ومهما كان وضع الأبوين، عاقلين أم مريضين، عاملين أم عاطلين عن العمل، فهذا لا يغير في صفة الأبوة والأمومة أي شيء.

- إن طاعة الأبوين لا تنحصر في مجموعة معينة أو محددة من الامتثال إلى الأوامر، بل هي منظومة من الأخلاق وحسن التعامل التي يجب أن يبديها الأبناء تجاه الأبوين، وتتمثل طاعة الأبوين في تنفيذ الأوامر التي يمليها الأبوين على الأبناء، كذلك عدم رفع الصوت عليهم؛ حتى لو كانوا مخطئين أو متسرعين في قرار معين، ومن طاعة الأبوين احترامهم، سواء في البيت أو في الخارج أمام الآخرين، والافتخار بهم مهما كان وضعهم الصحي أو المادي أو الاجتماعي.

- من أهم ما يجب فعله لإعادة تأهيل الأبناء لطاعة الآباء، ولعل أبرز ما يجب التركيز عليه هو الاعتدال في كل أمر، فلا تغلو في تربية ودلال أبناءكم، نعم، امنحوهم الحرية والمال، لكن لا تجعلوهم من غير رقابة أو حساب وعقاب في حال حدث خطأ، حتى في المنزل، لا بد من الرقابة، ولا نقصد هنا تقييد الأبناء، لكن ليكن هناك وقت للجد ووقت للعب والهزل.

- إن الحديث والنقاش مع الوالدين ليس كالحديث مع غيرهما؛ ذلك بأننا مأمورون بخفض جناح الذل لهما؛ بلين الكلام، والتذلل في الملام، وخفض الصوت عندهما، وخشوع الجوارح أمامهما، وعدم نهرهما بفعل ما يكرهاه، أو التمنع عن مباح أحباه.

عن هشام بن عروة عن أبيه قال: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ}، قال: لا تمتنع من شيء أحباه (16).

- إن كثيرًا من الأبناء لا يقبلون بالتعايش مع ظروفهم التي وجدوا أنفسهم فيها، ولم يتربوا على الرضا بما قسمه الله لهم، وقدره لهم من حظوظ الدنيا وأقدارها، بل تراه دائمًا ينظر إلى من فضل عليه في الرزق، ويطلب لنفسه مثل ما عند غيره، من غير مقدرة عليه، لا من نفسه، ولا من أسرته؛ فيدفعه ذلك دائمًا إلى التسخط على حاله، والشكوى مما هو فيه، وعدم الرضا بما قسم له، وقد قال الله تعالى: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه: 131] .

قال الشيخ السعدي رحمه الله: أي: لا تمد عينيك معجبًا، ولا تكرر النظر مستحسنًا إلى أحوال الدنيا والممتعين بها، من المآكل والمشارب اللذيذة، والملابس الفاخرة، والبيوت المزخرفة، والنساء المجملة، فإن ذلك كله زهرة الحياة الدنيا، تبتهج بها نفوس المغترين، وتأخذ إعجابًا بأبصار المعرضين، ويتمتع بها -بقطع النظر عن الآخرة- القوم الظالمون، ثم تذهب سريعًا، وتمضي جميعًا، وتقتل محبيها وعشاقها، فيندمون حيث لا تنفع الندامة.

وفي هذه الآية إشارة إلى أن العبد إذا رأى من نفسه طموحًا إلى زينة الدنيا، وإقبالًا عليها: أن يذكرها ما أمامها، من رزق ربه، وأن يوازن بين هذا وهذا (17).

وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انظروا إلى من أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله -قال أبو معاوية- عليكم» (18).

- ليعلم أن الأب مأمور شرعًا بالنفقة على زوجه وأولاده على حسب سعته وقدرته، لا على حسب متطلبات أولاده ورغباتهم، ولا يحل للزوجة ولا الولد أن يطلبوا منه فوق ما يطيق، وفوق ما يقدر عليه؛ فإن الله تعالى لم يأمره بذلك، بل على أسرته وأولاده أن يكيفوا أنفسهم، ويحصروا طلباتهم واحتياجاتهم في حدود ما يملكه الأب، ويقدر عليه، ولا يحل لهم أن يؤذوه، ولا أن يكلفوه فوق ما يطيق، ولا أن يشعروه بتقصيره، أو نقص ما هم عليه من الحال، أو عدم تقديرهم لما يأتيهم به، أو ينفقه عليهم (19).

بعض النصائح لكيفية التعامل مع المتمردين:

1- معرفة نوع التمرد وسببه، فهناك تمرد صبياني، وغالبًا ما يحدث في مرحلة الطفولة ويسمى التمرد الطفولي، أما تمرد البالغين فيجب أن يؤخذ على محمل الجدية والتعامل معه بحذر، ومعرفة الأسباب ستسهم كثيرًا في حل المشكلة من جذورها.

2- اختيار العقوبة المناسبة المتوائمة مع السلوك السيء والمتناسقة مع عمر الابن، فالأبناء الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و14 عامًا، أفضل عقاب لهم هو إبعادهم عن ألعابهم المفضلة أو هواتفهم المحمولة، وعدم الرجوع في هذا القرار مهما حدث، لأن ذلك سيفقد الوالدين مكانتهما وهيبتهما أمام أولادهما.

3- الهدوء في المعاملة مع الطفل أو المتمرد، فيجب على الآباء عدم أخذ تصرفات أولادهم على نحو شخصي، والبدء في الصراخ وفقدان الأعصاب، ذلك أن هذا التصرف يعطي الطفل حق الدفاع عن نفسه بطريقة عدوانية، كرد فعل طبيعي على صراخ الأم أو الأب، والذكاء هنا يكمن في الهدوء وأخذ استراحة حتى يهدأ الجميع، وإلا تحول الموقف إلى صراع بين الوالدين والطفل المتمرد.

4- يجب تعريف الأبناء بعواقب عدم احترامهم أو تصرفاتهم غير العقلانية، وفي المقابل تقديم الدعم الإيجابي عند قيامهم ببادرة إيجابية مهما كانت صغيرة، فالتركيز على الأمور الإيجابية وتشجيع الأبناء على القيام بها؛ تدفعهم تدريجيًا إلى التخلي عن التصرفات السلبية.

5- تخصيص بعض الوقت لإجراء حوار مثمر مع الابن المتمرد وجهًا لوجه؛ كدعوته على الغداء أو العشاء، وجعله يبدأ الحوار ويديره، وعلى الآباء الإصغاء، حتى لو تركّز الحديث على لعبة أو أمر ما، فالتجربة تؤكد أن الوالدين سيحصدان نتائج مثمرة من مثل هذا النقاش.

6- ينبغي أيضًا على الوالدين أن يكونا مستعدين، وأن يبديا الحماس والاهتمام عندما يرغب المتمرد في الحديث معهما، وقتها سيشعر بالرغبة في كل مرة يريد فيها البوح أو التحدث عن أمر ما يشغله أو يهمه أو يقلقه، طالما الوالدان يصغين إليه ولا يتسرعان في إطلاق الأحكام المسبقة (20).

______________

(1) تفسير ابن كثير (6/ 264).

(2) أخرجه أحمد (8557).

(3) أخرجه مسلم (1510).

(4) أخرجه الترمذي (1899).

(5) مراهقة بلا أزمة (1/ 168).

(6) الصحة النفسية للمراهقين (ص: 31).

(7) ما هو سبب تمرد الأبناء على الآباء؟/ موقع إجابة.

(8) أخرجه مسلم (995).

(9) أخرجه البخاري (5997).

(10) شرح صحيح البخاري لابن بطال (9/ 211).

(11) أخرجه البخاري (2587).

(12) عشرة أسباب لبغض الأبناء لآبائهم/ شبكة المسلم.

(13) عواصف المراهقة كيف نعبرها إلى شاطئ الأمان؟ (ص: 35).

(14) هذا التمرد متى ينتهي؟ لها أون لاين.

(15) المصدر السابق.

(16) تفسير الطبري (17/ 418).

(17) تفسير السعدي (ص: 516).

(18) أخرجه مسلم (2963).

(19) أسباب تمرد الأبناء على الآباء وعلاجه/ الإسلام سؤال وجواب.

(20) 6 خطوات لمواجهة تمرد الأبناء المراهقين وطيشهم، موقع ميديا 24.