logo

المنافسة بين الزوجين


بتاريخ : الاثنين ، 18 جمادى الأول ، 1444 الموافق 12 ديسمبر 2022
بقلم : تيار الاصلاح
المنافسة بين الزوجين

لقد اقتضت حكمة الخالق وجود تمايز واختلاف في التكوين والقدرات بين الذكر والأنثى، لا تعيب أيَّا منهما أو تنقصه، وإنما تمنحه تفردًا وخصوصية، قال تعالى: {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى} [آل عمران: 36]، فمتى تربى الأبناء منذ الصغر على معرفة وإدراك دور كل منهما، ومعرفة أن معترك المنافسة ومضمارها الحقيقي يكون لذواتهم وبحثهم عن الرقي والكمال، وأن التفاهم والانسجام وتوزيع الأدوار بين الجنسين هو عين الرأفة والرحمة والعناية بحالهما، والتأكيد على أن حقيقة العلاقة بين الأزواج علاقة تكاملية اتخذت من الرحمة والمودة والاحترام والتقدير أعمدة راسخة لبنيانها، وليست تنافسية تفترش ساحات التناحر الهدام.

فمن الطبيعي أن أي توافق بين شخص وآخر في العمر والثقافة والظروف الاجتماعية والبيئية يحقق نسبة كبيرة من نجاح العلاقة والتواصل بينهما؛ لأن مثل هذا التوافق يخلق بين الطرفين نوعًا من الألفة الروحية والفكرية والعاطفية والاجتماعية، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف» (1).

قال الخطابي: يحتمل أن يكون إشارة إلى معنى التشاكل في الخير والشر والصلاح والفساد، وأن الخير من الناس يحن إلى شكله، والشرير نظير ذلك يميل إلى نظيره، فتعارف الأرواح يقع بحسب الطباع التي جبلت عليها من خير وشر، فإذا اتفقت تعارفت وإذا اختلفت تناكرت (2).

والإنسان عندما يعيش مع شخص آخر يشبهه من حيث الأجواء والموقع والانتماء لا يشعر بالغربة، ولا يحس أنه فقد شيئًا من مزاجه، أو شيئًا من حياته الاجتماعية، أو شيئًا من أوضاعه الخاصة والعامة، وقد جاء في بعض كلمات الشعراء: كل شكل لشكله ألفُ.

يرفض معظم الرجال مشاركة الزوجة في مصاريف المنزل وسد احتياجات الأسرة، كون ذلك من واجبات الرجل الأساسية، ومشاركة زوجته في مصاريف المنزل تنتقص من رجولته، ولا شك أن تفوق الزوجة على زوجها من الناحية العلمية يؤثر على الحياة الزوجية، ومن النادر جدًا أن نجد رجلًا يتفهم تفوق زوجته عليه ومنافستها له في العمل.

وجدت دراسة برازيلية أن المنافسة بين الأزواج تعد رابع أسباب الطلاق على مستوى العالم، لأنها تتحول إلى مصدر للكراهية بين الزوجين؛ خاصة إذا كانت ممزوجة بالكبرياء والعجرفة من أحد الطرفين تجاه الطرف الآخر.

وقال الباحثون: إن هناك أشكالًا كثيرة للمنافسة بين الزوجين من ضمنها المنافسة في العمل والمحاربة من أجل وصول كل طرف إلى مركز أعلى من الطرف الآخر، أو المنافسة من أجل التحكم في تربية الأطفال وتدبير أمور المنزل واتخاذ القرارات الخاصة بالأبناء دون أدنى اعتبار لآراء الطرف الآخر، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى خلق جو مشحون بالغضب بين الزوجين والأولاد الذين عادة ما يقفون مع طرف على حساب الطرف الآخر.

وأرجعوا السبب في المنافسة إلى الانتماء الأسري والتباهي بالانتماء إلى أسرة مرموقة غنية أو أكثر ثقافة في المجتمع، مؤكدين أن هذه المنافسة السلبية لا يمكن التخلص منها إلا بالطلاق؛ لأن الإحصائيات وجدت أنها مسؤولة عن 23 ألفًا من حالات الطلاق حول العالم (3).

فيما يبدو أن الممارسات والسلوكيات اليومية التي يقوم بها كل من الزوج والزوجة تنعكس سلبًا وايجابًا على حياة كل منهما، فقد يكون الزوج مصدر سعادة للزوجة وتعاسة في الوقت نفسه، وعلى الرغم من ذلك لا يمكن إنكار أهمية الحياة الزوجية، لكلا الطرفين فهي مصدر الشعور بالاستقرار والأمان والراحة النفسية خاصة لو أحسن المرء اختيار شريك حياته، فهذه الحياة تبنى على الثقة والتعاون والتعهد بالعطاء حتى الرمق الأخير وتشجيع كل طرف للآخر وطرد مشاعر الحقد والغيرة من نجاحاته ومن خان هذه الاشياء فقد هدم حياته بيده.

ومما لا شك فيه أن وقتنا الحاضر يشهد منافسة مستمرة بين الزوجين في مختلف مجالات الحياة، وقد اتسعت دائرة التنافس الزوجي لتشمل الجانب المهني والمادي والثقافي والاجتماعي، وأصبحت الحياة بينهما من الصعب أن تستمر على وتيرة التعاون والتواصل بشكل دائم، حيث بدأت مشاعر الفردية والأنانية تتغلغل بين الزوجين لتشعل نيران المنافسة بينهما، ومثل هذه المشاعر تحول دون إشاعة الألفة والتعاون والمحبة بينهما، حيث يحاول أحد الزوجين منافسة الآخر وتحطيمه في بعض الأحيان، وبهذا تتحول المنافسة المدمرة في الحياة الزوجية احدى الشماعات التي تعلق عليها أسباب الفشل الزوجي.

ولكن عندما ندرس عمق المسألة في التفاصيل، فإننا نجد أن ذلك لا يمثل خطًا عامًا يوصل إلى تناغم العلاقة على الدوام، وذلك لأن الإنسان الذي يحتاج إلى التنوع حتى لا يشعر بالغربة قد يحس بالحاجة إلى شخص آخر مخالف نسبيًا لما هو عليه، من أجل أن ينفتح على أفق جديد لا يملكه في واقعه الحالي المعتاد عليه، خاصة في الحياة الزوجية التي تطول عن أي علاقة أخرى، فمع القليل من الاختلاف والتنوع -بل والمنافسة أحيانًا- تكتسب الحياة الزوجية المزيد من التجدد والحيوية، لكن الخطير في هذا الموضوع أن يزيد الأمر عن حده فينقلب إلى عداوة ونزاع.

والحياة الزوجية ليست كلها تعاون وتواصل إيجابي وحب وألفة؛ بل هناك تنافس أيضًا، وأشكال التنافس تأخذ صورًا ظاهرة واضحة أو خفية غير مباشرة، وذلك وفقًا لشخصية الزوجين وظروفهما.. ففي العلاقة الزوجية التقليدية حيث يعمل الرجل خارج المنزل وتعمل المرأة داخله يأخذ التنافس أشكالًا تختلف عنها في العلاقات الزوجية الأخرى حينما يعمل الطرفان خارج المنزل.

والرجل عندما يعطي رأيه أو يتدخل عمومًا في مجال الزوجة فإنها تعتبر ذلك تقليلًا من شأنها، وتنزعج وربما تقاوم بتصرفات يمكن أن تكون مرضية ومبالغ فيها أحيانًا، مما يساهم في نشوء المشكلات الزوجية أو تفاقمها.

وببساطة فإن شؤون المطبخ تمثل قيمة خاصة للزوجة تدافع عنها وتنافس الرجل فيها وتعلن تفوقها ورضاها.. وكذلك الرجل يدافع عن قوته في مجالاته وميادينه (شؤون العمل أو الإدارة مثلًا)، وأي تدخل للمرأة في ذلك يمكن للرجل أن يعتبره تنافسًا وتدخلًا، ولذلك فهو يقاوم بشدة ويحاول التفوق على منافسه وغلبته وتحطيمه في بعض الأحيان.

أما إذا كانت الزوجة عاملة فقد يأخذ التنافس موضوعات أخرى مثل: التحصيل العلمي أو المادي أو المهني، أو التفوق في الثقافة والمعرفة العامة أو التخصصية وغير ذلك.

ومما لا شك فيه أن التنافس عمومًا يمثل حافزًا إيجابيًا ويساهم في الإبداع والإنتاج والتحصيل.. وهناك التنافس المقبول الإيجابي، ولكن هناك التنافس المدمر السلبي، والصراع الذي يمكن أن يكون عامل هدم في العلاقات الإنسانية عمومًا، وفي العلاقات الزوجية خصوصًا.

ولا بد من القول؛ أن العصر الحاضر وقيمه التي تشجع على الفردية والأنانية وتقديس الذات، لها دورها في زيادة حدة التنافس وإشعاله بين الأزواج ومن ثم ازدياد الاختلاف والصراع، ولا يعني ذلك أن التنافس لم يكن موجودًا قديمًا، ولكن ربما كان بدرجات أقل أو أشكال مختلفة.

الزوجة الناضجة:

تتصف الزوجة الناضجة المتعلمة، فضلًا عن الشهادة الدراسية التي تحملها تتصف بعقل متنور وثقافة واسعة، وفهم أعمق لمجريات الأمور، ومن هنا فهي تتجاهل بعض المعتقدات الخاطئة التي يحملها زوجها، وتحاول تنبيهه إلى ذلك في الوقت المناسب، وبالشكل الذي لا يجرح مشاعر التفوق لديه بصفته رجلًا، وعلى كل الأحوال لا تشعره وكأنها تعتبر نفسها أفضل منه، بل يجب أن يشعر بأن شهادتها وأفضليتها تعود إليه.

كما يجب على الزوجة ألا تنسى دورها الأساسي في الحياة وتنشغل بالجوانب الفرعية، فإن الزوج إذا رأى في زوجته ذكاءً أكثر في إدارة أعمال البيت وتربية الأبناء، تكون لديه تصور جيد عن سعة ثقافتها ورجاحة عقلها، وهذا أفضل من أن تجابهه بآراء بشكل يوحي إليه بمعارضتها لآرائه.

وإذا كان الزوج يأخذ بملاحظات الزوجة فخير، وإلا فلا يجوز لها معارضته إلا في مجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأن القرآن الكريم ميز الأمة الإسلامية بهذه الصفة على سائر الأمم بقوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: 110]، وهنا يحق للمرأة سواء كان زوجها متعلمًا أو غير متعلم أن تنبهه إلى ما يجب الانتهاء عنه وما يجب العمل به، ولكن بشرط أن تزن مقدار تدخلها ولا تجعل ذلك ذريعة بيد الزوج لإثارة الفتنة، ويجب عليها النظر في الخطوات الواجب اتباعها بحيث لا يترتب على نصحها فساد أكبر(4).

ويوم الحديبية عندما تم الصلح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: «قوموا فانحروا ثم احلقوا»، قال: فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة، فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة: يا نبي الله، أتحب ذلك، اخرج ثم لا تكلم أحدًا منهم كلمة، حتى تنحر بدنك، وتدعو حالقك فيحلقك، فخرج فلم يكلم أحدًا منهم حتى فعل ذلك نحر بدنه، ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا، فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضًا حتى كاد بعضهم يقتل بعضًا غمًا (5).

فكان رأي أم سلمة رضي الله عنها رأيًا موفقًا ومشورة مباركة، وفي ذلك دليل على استحسان مشاورة المرأة الفاضلة ما دامت ذات فكر صائب ورأي سديد، كما أنه لا فرق في الإسلام بين أن تأتي المشورة من رجل أو امرأة، طالما أنها مشورة صائبة، فالشورى سلوك ينظم الحياة والأسرة في كل شؤونها، قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [الشورى: 38].

إن شعور المرأة بأنها في حاجة إلى حماية زوجها يؤثر على العواطف المشعة من الحب فيها تأثيرًا كبيرًا، ولا يمكن للمرأة أن تعرف السعادة إلا إذا شعرت باحترام زوجها، وإلا إذا عاملته بشيء من التمجيد والإكرام.

ويجب أيضًا أن ترى فيه مثلها الأعلى في ناحية من النواحي، إما في القوة البدنية، أو في الشجاعة، أو في التضحية وإنكار الذات، أو في التفوق الذهني، أو في صفة طيبة أخرى.

ولا يمكن أن تؤدي سيادة المرأة إلى السعادة الزوجية؛ لأن في ذلك مخالفة للحالة الطبيعية التي تقضي بأن يسود الرجل المرأة بعقله وذكائه وإرادته لتسوده هي بقلبها وعاطفتها، قال تعالى: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} أي: في الفضيلة في الخلق، والمنزلة، وطاعة الأمر، والإنفاق، والقيام بالمصالح، والفضل في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34] (6).

أي: الرجل قيم على المرأة، أي هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجت...، {وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} أي: من المهور والنفقات والكلف التي أوجبها الله عليهم لهن في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فالرجل أفضل من المرأة في نفسه، وله الفضل عليها والإفضال، فناسب أن يكون قيمًا عليها (7).

وقد تشبع سيادة المرأة على الرجل عاطفة الغرور في نفسها، ولكنها لا يمكن أن ترضي قلبها، ولا تجد المرأة في مثل هذه الزيجات الحب الذي كانت تنشده في خيالها، وسرعان ما يتحول شعورها إلى ألم ومرارة، وقد تطمح المرأة إلى زينة الحياة الدنيا مما لم يستطع الرجل أن يوفره لها، فتتمرد على حياته ومعاشه، ولا عجب في ذلك فهي امرأة حتى ولو كانت من الصالحات.

عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: كنا معشر قريش نغلب النساء، فلما قدمنا على الأنصار إذا هم قوم تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يأخذن من أدب نساء الأنصار، فصحت على امرأتي، فراجعتني، فأنكرت أن تراجعني، فقالت: ولِمَ تنكر أن أراجعك، فوالله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه، وإن إحداهن لتهجره اليوم حتى الليل، فأفزعني، فقلت: خابت من فعل منهن بعظيم، ثم جمعت علي ثيابي، فدخلت على حفصة، فقلت: أي حفصة أتغاضب إحداكن رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم حتى الليل؟ فقالت: نعم، فقلت: خابت وخسرت أفتأمن أن يغضب الله لغضب رسوله صلى الله عليه وسلم، فتهلكين، لا تستكثري على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تراجعيه في شيء، ولا تهجريه، واسأليني ما بدا لك (8).

إن عملية التفاهم أهم شيء في الحياة الزوجية لقتل مثل هذه المنافسة غير الطبيعية، فالمسألة كلها ترجع إلى توازن وتفاهم وتنسيق الزوجين مسبقًا، فلو كان الزوج دائم التشجيع للزوجة في كل صغيرة وكبيرة بحياتها فحتمًا سينال المعاملة نفسها من الزوجة، وبدلًا من التفكير في الحقد والمنافسة غير الشريفة ستلجأ الزوجة إلى تذليل كل العقبات لتسيير أمور زوجها، وبالتالي يتحقق النجاح والهدف المرجو.

وللأسف في بعض البيوت نجد أن المرأة تحب فرض السيطرة، وتخرج عن حدودها في أحيان كثيرة؛ بل وتضع رأسها برأس الرجل، وما أن يوجه لها كلامًا عنيفًا حتى ترد عليه بالمثل، والسبب في ذلك التربية الخاطئة لها، فهي ترغب بالتمرد والخروج عن المألوف، وتحاول النيل والانتقام من الزوج لو حاول تجريحها بكلمة أو منعها من الخروج لبيت صديقاتها، وما إلى ذلك من أمور تسبب جفاء بين الزوجين..

المسألة كلها بحاجة لمراجعة بعض الحسابات حتى تجري الأمور بشكل جيد في حياة الزوجين.

وقضية التنافس بين الزوجين أتصور بأنها نابعة من غيرة أحد الطرفين من الآخر، فلا بد من أن يكون هناك فرق بين الرجل والمرأة، وأن مكانة الزوج أكبر من الزوجة ولو بقليل حتى يشعر بشخصيته ولو حدث العكس فالأمر سيخلق مشاكل تنافسية بين الزوجين وسيولد معارك زوجية بين فترة وأخرى.

هناك الكثير من الأزواج لا تربط بينهم المودة والرحمة والتعاون في الحياة الزوجية، ويرغبون في البقاء بوضع اجتماعي مقبول لدى المجتمع، بعيد كل البعد عن أجواء الانفصال والطلاق، ونتيجة هذا الانفصال العاطفي والروحي بين الزوجين يحدث نوع من الحقد والحسد والغيرة بينهما، لدرجة أن كلًا منهما يجتهد في تدمير نجاحات الآخر والحقد عليه حتى يبقى كما هو.

وفي هذه الحالة نجد أن الحياة الزوجية بينهما أصبحت مستهدفة من قبلهما ومن قبل المحيطين بهم، فهناك أقرباء وأصدقاء للزوجة يرغبون في إظهار مكانة الزوجة وإعلاء شأنها في بيت زوجها، كما أن أقرباء وأصدقاء الزوج يبذلون كل جهودهم للهدف نفسه، ويبدأ كل من الزوجين بسرد القصص والحكايات اليومية التي تحدث بينهما للأصدقاء ليتلقيا منهم النصيحة والإرشاد، وكل هذه الأمور تؤدي إلى زيادة البغض بين الزوجين، وزيادة حدة الحقد والتنافس بشتى الصور.

التوعية مطلوبة:

التنافس بين الزوجين موجود ومنذ القدم، وفي الوقت الحالي ظهر بشكل علني واتخذ أشكالًا مختلفة، فأخذت المنافسة وجوهًا عديدة في مجال العمل والدراسة وتربية الأبناء وما إلى ذلك، وقد يكون هذا التنافس إيجابيًا وحافزًا للاثنين نحو الانتاج والتحصيل والوصول للإبداع.

أما بالنسبة للمنافسة المدمرة للحياة الزوجية فهي نابعة من الأنانية والغيرة العمياء لأقرب الناس للقلب، وهذه المنافسة تشعل شرارة الحقد بين الزوجين وشيئًا فشيئًا تزداد حدة المشاكل والخلافات، ويتواصل الصراع ليطول الأبناء ويحدث نوع من التفكك الأسري بين أفراد الأسرة..

لا بد من توعية الأسر وتأكيد قيم الحب والتعاون بين الزوجين ومسئولية الزوجة كبيرة للسيطرة على أحاسيسها النفسية الداخلية، بحيث تضبطها وتمنعها من أن تحقد على زوجها مهما كبرت المشاكل ووصلت لطرق مسدودة بينهما، فعليها الإيمان بالله والصبر حتى يرجع للزوج عقله.

إن هذا التنافس لا بد له من وعي بقيمته وتحويله إلى إيجابية تحفز الزوجين لبناء أسرة متطورة وفق قواعد متينة ووفق أطر إسلامية، وأؤكد هنا على ضرورة تحكيم العقل عند اختيار الزوج والزوجة، والتركيز على أهمية التربية الصالحة لكلا الزوجين قبل الإقدام على أية خطوة في اختيار شريك الحياة وبناء عش الزوجية.

الحياة الأسرية السعيدة هدف كل زوجين، وعلى كل من منهما التعرف على تفاصيل هذه الحياة حتى تبحر السفينة الزوجية بأمان وسلام، والتنافس الزوجي مسألة طبيعية ولا حرج منها أبدًا؛ لكن يجب ألا تتجاوز حدود العقل والمنطق لتصبح ضربًا من الجنون، كأن يدمر التنافس الحياة الزوجية ويفقدها السعادة والتعاون (9).

إن احترام كل من الزوجين للآخر أهم سبب في نشر السعادة في ربوع الحياة الزوجية وضمان علاقة زوجية سليمة حتى النهاية، وبناء على هذا الاحترام المتبادل تتولد السلوكيات الصحيحة في هذه العلاقة، وتموت كل الصفات غير الأخلاقية بينهما.

لا بد من تأكيد قيم التعاون والمحبة والمودة والسكن والوعي بالأمور النفسية الداخلية التي تدفع الناس إلى التنافس مما يساهم في ضبط النفس والمشكلات والصراع، ضمن الحدود المقبولة الإيجابية والتي تساعد على البناء والازدهار بدلًا عن الهدم والهدر.

***

-----------

(1) أخرجه البخاري (3336)، ومسلم (2638).

(2) فتح الباري لابن حجر (6/ 369).

(3) التنافس بين الزوجين يعجل بانهيار العلاقة الزوجية/ وكالة أخبار المرأة.

(4) المنافسة بين الزوجين/ موقع مقالات إسلام ويب.

(5) أخرجه البخاري (2731).

(6) تفسير ابن كثير (1/ 610).

(7) تفسير ابن كثير (2/ 292).

(8) أخرجه البخاري (2468)، ومسلم (1479).

(9) التنافس بين الزوجين حرب بين رأسين/ البيان.