logo

الثواب والعقاب في التربية


بتاريخ : الثلاثاء ، 22 شعبان ، 1436 الموافق 09 يونيو 2015
بقلم : تيار الإصلاح
الثواب والعقاب في التربية

قال أمير المؤمنين هارون الرشيد لمؤدب ولده (الأمين): «يا أحمر! إن أمير المؤمنين قد دفع إليك مهجة نفسه، وثمرة قلبه، فصيّر يدك عليه مبسوطة، وطاعته لك واجبة؛ فكن له بحيث وضعك أمير المؤمنين: أقرئه القرآن، وعرّفه الأخبار، وروّه الأشعار، وعلّمه السنن، وبصّره بمواقع الكلام وبدئه، وامنعه من الضحك إلا في أوقاته، وخذه بتعظيم مشايخ بني هاشم إذا دخلوا عليه، ورفع مجالس القواد إذا حضروا مجلسه، ولا تمرّنّ بك ساعة إلا وأنت مغتنم فائدة تفيدها إياه، من غير أن تحزنه فتميت ذهنه، ولا تمعن في مسامحته فيستحلي الفراغ ويألفه، وقوّمه ما استطعت بالقرب والملاينة، فإنْ أباهما فعليك بالشدة والغلظة»(1).

ومن وصية مسلمة بن عبد الملك إلى مؤدب أولاده: «إني قد وصَلْتُ جناحك بعضدي، ورضيتُ بك قرينًا لولدي؛ فأحسن سياستهم تدم لك استقامتهم، وأسْهِلْ بهم في التأديب عن مذاهب العنف، وعلّمهم معروف الكلام، وجنّبهم مثاقبة اللئام، وانههم أن يُعرَفوا بما لم يَعْرِفوا، وكن لهم سائسًا شفيقًا، ومؤدبًا رفيقًا تكسبك الشفقة منهم المحبة، والرفق حسن القبول ومحمود المغبة، ويمنحك ما أرى من أثرك عليهم، وحسن تأديبك لهم مِني جميل الرأي، وفاضل الإحسان ولطيف العناية»(2).

يعتبر أسلوب الثواب والعقاب من الأساليب الطبيعية التي تستند إليها التربية في كل زمان ومكان، فهذا الأسلوب يتمشى مع طبيعة الإنسان حيثما كان، وأيا كان جنسه أو لونه أو عقيدته؛ فالإنسان يتحكم في سلوكه، ويعدل فيه بمقدار معرفته بالنتائج الضارة أو النافعة، والسارة والمؤلمة التي تترتب على عمله وسلوكه.

والثواب والعقاب عنصران رئيسيان في العملية التربوية؛ بل هما عنصران أساسيان في رعاية الرعية وقيادة أي مجموعة بشرية؛ حيث أننا لا يمكن تصور مؤسسة ناجحة من غير لوائح الثواب والعقاب للعاملين فيها، ولا يمكن أن نتصور مؤسسة ناجحة تعامل الموظف المجد المبدع كزميله الكسول غير المنتج، دون أن تعبأ بالفروقات الشاسعة في إنتاجية كل منهما، ولو أننا تخيلنا على سبيل الافتراض أن مجتمعًا من المجتمعات قرر إلغاء العقوبات أو الثواب لعمت الفوضى، وازدادت الجريمة، وانعدم الأمن، وتوقف الناس عن العمل، وتحول ذلك المجتمع لغابة كبيرة، يفترس فيها القوي الضعيف(3).

والآباء في تعاملهم مع أبنائهم، والمعلمون مع تلاميذهم؛ بل والمجتمع الإسلامي الكبير، يستخدم هذا الأسلوب التربوي على أوسع نطاق، بيد أنه ينبغي أن نشير إلى أن الأسلوبين وإن كانا لازمين في الاستخدام؛ لتفاوت طبائع الناس واختلافهم في الامتثال للأصول والقواعد الإسلامية، لا يتساويان في قيمة الأثر الذي يحدثه كل منهما.

وبطبيعة الحال، يختلف الثواب والعقاب في الدرجة والنوع باختلاف طبقة الأسر، فبعض أنماط السلوك لا يعاقب عليها مستوى طبقي، وربما شجع عليها، في الوقت الذي يرفضها مستوى طبقي آخر.

إن الطفل يتعلم أسرع إذا تلقى كلًا من الثواب والعقاب؛ فالإثابة تعلمه ما ينبغي أن يعلمه، والعقاب يعلمه ما لا ينبغي أن يمارسه، وإحاطة الطفل بالنوعين لها فائدة أكبر عما لو اعتمد على الثواب فقط أو العقاب فقط.

أنواع الثواب: