logo

تشاجر الأولاد


بتاريخ : السبت ، 17 شوّال ، 1442 الموافق 29 مايو 2021
بقلم : تيار الاصلاح
تشاجر الأولاد

إن الشجار بين الأولاد هو أحد أشكال الإزعاج الأكثر شيوعًا في الأسرة، إلا أن التشاحن يمثل في الواقع مرحلة طبيعية من النمو، فأطفال السنتين يضربون ويدفعون ويخطفون الأشياء، بينما يستعمل الأطفال الكبار أسلوب الإغاظة، فهم يسيئون لبعضهم من وقت لآخر عن طريق اللغة أو الإشارة.

إن الولد لا يستطيع أن يحتفظ بيديه ساكنتين إذا ما كانت أخته قريبة منه، وأخته بالرغم من تفوقه عليها في الحزم والقوة لديها طرائقها الخاصة للانتقام منه، إن كل واحد منهما قادر على ما يغضب به الآخر، ويسر باللجوء إليه، ويدرك حرصه على أشيائه الخاصة، وحرصه على احتلال المكان المعين في المائدة أو السيارة، فيعرف كيف يغيظ الطرف الآخر ويستفزه.

والآباء يضجون من مشاجرات الأولاد لما يحدثونه من ضوضاء وجلبة في المنزل، ولأنهم يشغلون الآباء عن أداء ما يقومون به، أو يمنعونهم عن الراحة أو الاسترخاء، فيثورون على الأولاد، وقد يلجئون إلى أسلوب عنيف في وضع حد لمشاجرات الأطفال، بل قد يدمغون طفلًا منهم بأنه حقود أو أناني، وأنه سيفشل في حياته لأنه لا يتعاون، بل قد يعيره الآباء بسلوكه هذا في غير أوقات الشجار حاسبين بذلك أن شجار الأطفال أمر غير طبيعي، وأن الأبناء يميلون عادة إلى الشجار أكثر من البنات، وأنهم يتشاجرون مع أقرانهم مهما كانت أواصل الصداقة تربطهم.

إذًا المسألة ظاهرة طبيعية وعادية، ويجب ألا يقلق الآباء والأمهات، ويجب أن تراعى برفق ووعي؛ لأنها لا تكون في فترة الطفولة فقط، إنما تمتد للصبا والشباب.

إن الطفل ذا الست إلى عشر سنوات الذي يصر على الخصام مع إخوته وعلى عدم التحسن في هذا الشأن لا يزال إنسانًا عاديًا، فكل الإخوة – لا سيما المتقاربين منهم في العمر- لا بد أن يتشاجروا، وتقل عادة هذه المشاجرات كلما تقدم الأطفال في السن.

أسباب التشاجر:

- الفارق السني المتقارب بين الأطفال، فمن الملاحظ أن أعلى نسبة من الخصام بين الإخوة تكون عادة حينما يكون هناك فارق سنة أو سنتين فقط، فإذا زاد الفارق عن ثلاث سنوات فالغالب أن الطفل الأكبر كثيرًا ما يحاول السيطرة على إخوته فيتشاجرون، كما أن الأطفال الأولاد عادة ما يحاولون السيطرة على البنات، والطفل الناجح يلجأ عادة إلى تعيير الطفل غير الناجح في دراسته؛ فيتشاجروا، أو قد يعير الأطفال بعضهم بعضًا بلون الشعر، أو شكل الجسم، أو بما يملكه طفل ولا يملكه قرين له، وكثيرًا ما يتحد بعض الإخوة ويكونون عصبة ضد أخ آخر؛ خصوصًا لو كان مدللًا مقربًا من الوالدين لصغره، أو لوسامته، أو لمرضه، أو لشدة ذكائه، أو لرقته، إلى غير ذلك من الأسباب، فيتشاجرون.

- المقارنة بين الأطفال، وهذا أمر ملاحظ بكثرة، فقد يعجب الأبوان بأحد أبنائهما فيجعلانه مضرب المثل دائما، فأي ابن آخر أخطأ ينبه أن أخاه المفضل لا يفعل فعله، وهو أحسن منه، وكل هذا يؤدي إلى ضرب الأخ لأخيه أو محاولة إيذائه، ولا يجوز للأهل الخوض في مثل هذه الأمور التي لا يلقون لها بالًا، بينما هي في واقع الأمر تؤدي إلى شعور العداء بين الإخوة إلى جانب القلق النفسي وعدم الثقة بالنفس، قال تعالى عن يوسف وإخوته: {لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ (7) إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (8)} [يوسف: 7- 8].

- التنازع على الألعاب، نجد بعض الآباء يفرضون على الطفل السماح لأخيه باللعب معه بألعابه الخاصة وهو غير راض بذلك، فإن هذا الإجبار قد يزيد من أنانية الطفل وحقده على أخيه، وربما سبب له ردَّ فعل سيء، مع أن المفروض أن تنبعث الرغبة في المشاركة في اللعب من نفس الولد دون مشاركة أو قهر، والأنسب أن يختار الأب لكلّ ولد ألعابه الخاصة به التي تناسب سنه، مع ضرورة أن يشرح الأب لأبنائه أهمية التعاون واللعب الجماعي، وفي حال الخلاف على لعبة أو شيء يمكن أخذ اللعبة منهم جميعًا وإخبارهم أنه يمكنهم استرجاعها بعد أن يصلوا إلى حل واتفاق كيف سيلعبون بها دون نزاع؟ وهذا مما يعزز علاقاتهم الطيبة في المستقبل.

- الغيرة، فقد يؤدي تفضيل أحد الأبوين طفلًا على غيره إلى إشعال الغيرة التي تؤدي إلى نشوب الخصومة بينهم، فإذا ما أخطأ الصغير لم يعاقب بينما لو أخطأ الكبير الخطأ نفسه عوقب، وذلك لسبب يردده الأهل دائما وهو أن الصغير لا يفهم، ولكن الطفل لا يقدر هذه المشاعر مما يؤدي إلى شعوره بالظلم والحيف، فتُشحَن نفسه بالحقد والكراهية لأخيه الصغير، فيعمد إلى الإساءة لأخيه من وقت لآخر انتقامًا لنفسه، ومن أجل حلّ هذه المشكلة والحيلولة دون وقوع هذا السبب المؤدي للشجار يتوجب على الأهل أخذ الاحتياطات اللازمة لإيجاد التفاهم والاطمئنان وعدم عمل أي شيء من شأنه أن يؤدي إلى الغيرة والكراهية (1).

والحقيقة أن الغيرة وما يترتب عليها من الشعور بالنقص أو بالقلق أو باضطهاد الكبار كلها يتسبب فيها الآباء، وتؤدي إلى نشوب المعارك بينهم، ويحصل استنفاذ الطاقات في محاولة حل هذه المشاكل ليعود الهدوء إلى البيت.

- التصرف الخاطئ من أحد الوالدين أو كلاهما: فقد تأخذ أم لعبة طفلها الأول وتعطيها لطفلها الثاني على أساس أنه كبر عن اللعب بهذه اللعبة، لكن الطفل الأول لا ينظر إلى هذا التصرف على أنه أمر طبيعي؛ ولكنه ينظر إليه من زاوية أخرى، فلقد استولت أمه على شيء عزيز على نفسه لتعطيه لأخيه، فينتهز أقرب مناسبة لاستثارة غضب هذا الأخ، وتبدأ المعركة.

- أحيانًا يحصل الشجار بين الأشقاء على أنه حيلة دفاعية نفسية، وهي ما تسمى بالإزاحة، حيث يتم تحويل مشاعر العدوان نحو الأبوين إلى الإخوة الصغار، فالطفل يشعر بمشاعر عدوانية تجاه الأبوين أو أحدهما، ولا يستطيع أن يخرج ذلك بصورة صريحة في مواجهة الأبوين، فيزيح هذه المشاعر العدوانية إلى إخوته الصغار.

قد تتضمن تصرفات الإخوة تعبيرًا عن نبذ الأبوين غير الشعوري، أو عدم محبتهما للطفل الأصغر، وحينما يكون أحد الإخوة متدني الإمكانيات في أحد المجالات بالنسبة لأخ آخر قريب منه في العمر ومن نفس الجنس؛ فإن الطفل الأقل في إمكانياته يميل إلى إظهار عدوان أكثر تجاه الآخر من بين الأشقاء؛ لأنه يعيش في ظل إنجازات آخر موهوب، وعندها فإنه يشعر بأنه قد فقد فرضيته، ويحس بأن كل أعماله ومنجزاته تقارن مع أعمال ومنجزات أخيه.

الأسباب غير المباشرة لخلافات الأطفال:

الأنانية: الأطفال لا يتنازلون عن أي من الأشياء التي يرونها حقًا أو ملكًا لهم ويريدون كل الأشياء لأنفسهم فهم لم يتعلموا بعد قيم المشاركة وحقوق الآخرين، ولهذا نجدهم يتورطون في الشجارات عندما يأتي أحد ويهدد ما يرونه حقاً لهم.

إثبات الذات: يرى بعض الأطفال في افتعال الشجار مع أقرانهم إثباتًا لوجودهم وقوتهم وقدرتهم على فرض رغباتهم بالقوة.

استعراض القوة: في بعض الأحيان يلجأ الطفل إلى الشجار مع أقرانه وخاصة في المدرسة كوسيلة لاستعراض قوته وإظهار قدراته أمام الآخرين طمعًا بنيل الإطراء والإعجاب.

فرض الرأي: الكثير من الأشياء تقف عائقًا أمام الطفل وهو يحاول إبداء رأيه في العديد من الأمور، وبين أقرانه تجده متعنتًا أكثر لرأيه ومتعصبًا لقناعاته وعندما يجادله أحد أو يقف على الطرف النقيض قد نجده يستخدم الشجار لفرض رأيه بالقوة.

الرغبة في القيادة والتزعم: بعض الأطفال يولدون ولديهم الميل نحو القيادة والسيطرة على المحيط وخاصة الأقران، وفي سبيل تحقيق هذه الغاية القيادية يلجأ هؤلاء الأطفال إلى الشجار كوسيلة لجعل الآخرين يخافونهم وينضوون تحت قيادتهم.

المنافسة: لا يريد الطفل أن ينافسه أحد على شيء وخاصة الأشياء التي يعتبرها ملكه كألعابه أو ذويه أو أغراضه الشخصية أو إعجاب الأخرين والحضور الاجتماعي له ولهذا يلجأ إلى الشجار كوسيلة لكسب المنافسة.

الطبيعة النفسية لكل طفل: فبعض الأطفال بسبب طبيعتهم النفسية والبيولوجية أو حتى الوراثية وتربيتهم المنزلية لديهم ميل أكثر نحو استخدام القوة والعدوانية وافتعال العراك مع الأقران أكثر من غيرهم.

تقليد سلوك الكبار او التعلم منهم: الأطفال شديدو الملاحظة وعندما يرون الكبار من ذويهم أو من يرونهم قدوة لهم يستخدمون الشجار في حل خلافاتهم ومشاكلهم فإنهم سوف يقلدون هذا السلوك.

أشكال الشجار بين الأطفال:

تبعًا لطبيعة المواقف التي تسبب الشجار من حيث الدوافع والأسباب من جهة، وتبعًا للطبيعية النفسية والعقلية لكل طفل من أطراف الخلاف من جهة أخرى، فإن أشكال الشجار والتعبير عن الخلاف والتناقض تتصف بالتنوع والتغير بحسب كل حالة وظروفها، ولهذا فإن شجار الأطفال يأخذ أشكال وأنواع عديدة ومنها:

العراك واستخدام أسلوب الضرب: وهو من الأساليب الأكثر شيوعًا ووضوحًا للشجار، وخاصة عند الأطفال الذين لم يكونوا بعد طرقًا أخرى في الدفاع عن رغباتهم وتسوية خلافاتهم، ولهذا يلجؤون إلى استخدام الضرب والأقوى هو من يفوز بما يريد.

عدم السماح بالاقتراب من أشيائه الخاصة: فبينما يلعب الطفل مع أحد أقرانه بألعابه ويشاركه أغراضه ويقدم له ما يريد، فإنه قد لا يتعامل مع طفل آخر بنفس الأسلوب وذلك تبعًا للعلاقة القائمة بينه وبين هذا الطفل وهذا يعتبر من أشكال الشجار والتعبير عن الكره، ويلاحظ هذا عند الأخوة في معظم الأحيان.

الشتائم والمذمات: وهو شكل آخر من الإهانات التي يوجهها الطفل لطفلٍ آخر لا يحبه ويتشاجر معه، ويشعر أثناء قذفه بالشتائم بأنه أذله وانتقم منه.

كبت مشاعر الكره والحقد: وهذه من أكثر أشكال الشجار سوءً، فهنا قد يتطور الشجار إلى مراحل أكثر حدة وخطورة على أطراف الشجار من حيث أثرها على مشاعرهم النفسية وعلاقاتهم الاجتماعية.

الغيرة: أما هذه فهي من أسباب الشجار وأحد أشكاله أيضًا فالطفل يشعر بالغيرة من الطفل الآخر الذي لا يكن له مشاعر المحبة، فيشعر بالغيرة منه أكثر من غيره ويرغب دائمًا بالاصطدام معه وافتعال المشاكل والعراك والخلافات معه.

الوقوف على النقيض أمام كل شيء صادر عن الطرف الآخر: مثل تصيد الأخطاء وإفشاء أسراره والإضرار بمصالحه ونقل أخباره إلى الآخرين.

الشجارات الجماعية: في بعض الأحيان عند الأطفال الأكبر سنًا قد يتطور الأمر ليصبح هناك شجارات جماعية فيحصل أن مجموعة من الأطفال تتشاجر مع مجموعة أخرى وهنا يصبح الأمر أكثر خطورة (2).

الجوانب السلبية والإيجابية لتشاجر الأشقاء:

قد يكون للمشاحنات البسيطة بين الإخوة جوانب إيجابية، خاصة إذا قام الوالدان بدور التوجيه في تعليمهم كيف يدافعون عن أنفسهم وعن حقوقهم، وكيف يعبرون عن مشاعرهم ويحلون صراعاتهم ويحترمون حقوق الغير، ومعنى الصدق والكذب، وأهمية الأخذ والعطاء بأسلوب يحقق لهم المحافظة على حقوقهم وعلى حقوق الغير.

إن شجار الأطفال إحدى الوسائل لإثبات الذات والسيطرة، وكلتاهما من الصفات اللازمة لنجاح الإنسان في الحياة، بل الشجار فرصة يتعلم فيها الطفل كثيرًا من الخبرات، منها وجوب احترام حقوق الغير، والعدل والحق والواجب؛ هذا إذا عمد الآباء والمربون إلى انتهاز مناسبات شجار الأطفال في توجيههم الوجهة التربوية السليمة، وتعريفهم بالحق والواجب.

إن من الجوانب الإيجابية لهذه المشاحنات والخلافات أنها تكون في واقع الأمر نوعًا من التنفيس، وتحل دون أن ندري بالكثير منها، وأحيانًا يكون الشجار نوعًا من المنافسة.

إن المنافسة الشريفة باستمرار فائدتها أكثر من ضررها، وبين الإخوة ينمو الحب ويتطور ويكبر معهم ويظهر، وينضج حينما يتجاوزون سن الطفولة والمراهقة.

إذًا المنافسة بين الإخوة والخلاف لا يستمر؛ بل ينتهي ويتطور إلى علاقة حب تنضج تحت نار هادئة، والأيام تزيد من الروابط والود، ومع ذلك فهناك حالات يكون الشجار فيها خطرًا إذا اقترن بها عنف أو أذية بدنية، أو أن تتطور لدى بعض الأطفال مشاعر العداء أو اللامبالاة نحو بعضهم بصورة تستمر طوال حياتهم، فالوضع المعتاد هو أن يظهر الإخوة ارتباطًا وإخلاصًا لبعضهم على نحو لا تؤثر فيه المضايقات الجانبية.

وهكذا؛ فإن التنافس يمكن أن يعتبر عاديًا إذا تبادل الإخوة مشاعر مشتركة بالرضا والإحباط، وإذا لم يكونوا مشحونين بشحنات العنف، ولم ينخرطوا في صراعات تهدد الحياة ضد بعضهم، وإذا لم يحملوا أحقادًا ولم يستجيبوا لكل إساءة كما لو أنها مصيبة.

وتظهر الدراسات أن الأطفال أكثر تنافسًا وتناحرًا مع زيادة العمر، ولذا توقع أن أطفال ثمان سنوات أكثر تناحرًا من أطفال أربع سنوات، ومن هم في عمر اثنتي عشرة سنة أكثر تنافسًا ممن هم في عمر ثمان سنوات، والتنافس أكثر شيوعًا في العالم لدى الإخوة الأكبر سنًا عندما يكونون متقاربين في العمر بفارق سنة أو اثنتين، وعندما يكونون في مرحلة الطفولة المتوسطة ما بين ثمان إلى اثنتي عشرة سنة، كما يزيد احتمال التنافس عندما يكون الطفلان من نفس الجنس، فالطفل الأكبر غالبًا ما يشعر بأن الطفل الأصغر قد حل محله، وإذا كان الطفل الأكبر شخصًا جديًا يهتم بالعمل والتحصيل فمن المحتمل أن يبحث الطفل الأصغر عن هوية متصلة بأن يصبح مرحًا اجتماعيًا غير تقليدي.

إن المطلوب منا ألا نركز على المنافسة بين الإخوة بشكل ملح ودائم، ولا داعي لأن نقول في كل دقيقة: انظر كيف أن أخاك مجتهد فعل كذا، أو: اعمل كأختك المهذبة.

فهذا النصائح التي هي من هذا اللون ليست هي الأمر المطلوب؛ لأن التركيز هنا لا يكون في الواقع على الاجتهاد أو الأدب الذي يتحلى به الأخ أو الأخت، إنما يكون على التفوق، وهذا يبعث على عدم الرضا في نفس الشخص الذي توجه إليه النصيحة، وعدم الارتياح تجاه أخيه، ويجعله ينسى موضوع النصيحة، ويمكن أيضًا أن يظن أننا منحازون إلى الأخ أو الأخت فيزيد ضيقه، وأحيانًا يتخيل أن كلامنا هو لون من المعايرة له بتخلفه في الدارسة، أو التصرف غير الصحيح منه؛ لأن المقارنة يمكن أن تذكي نار المنافسة في كل مجال؛ لأن كل همنا ليس إيجاد اثنين متصارعين وأيهما يغلب الآخر.

ليس الهدف هو إيجاد شخصين متصارعين، وإنما إيجاد أخوين تجمعهما الأخوة بكل ما تعنيه الكلمة.

وينبغي أن يراعى أن التغيرات العمرية لها أثر في حصول الانسجام، فقبل سن الخامسة عشرة سنة لا يحصل الانسجام بين الإخوة والأشقاء بالقدر الذي يرغب فيه الأهل، فينبغي الانتظار حتى بلوغ هذا السن، وكما ذكرنا تنمو الروح الأخوية والحب المتبادل بينهما (3).

الآثار السلبية لخلافات الأطفال:

تشكيل العداوات: فخلال الشجار مع الأقران والاختلاف معهم يصنع الطفل العدوات ومشاعر الكراهية تجاه بعض الأشخاص.

كبت مشاعر الحقد والكره: من الآثار الأكثر سلبية لشجار الأطفال كبت مشاعر الحقد والكراهية وهذا يخلق شخصية حقودة وسلبية في المجتمع.

الغضب والعدوانية: فاتباع سلوك الشجار في تسوية الخلافات دائماً يؤدي لصنع شخصية عدوانية سريعة الغضب.

ضعف الشخصية والثقة بالنفس: إذا كان الطفل أقل قدرة أو أصغر سنًا من الشخص الذي يتشاجر معه ولا يتمكن من مواجهته؛ فهذا سوف يؤدي إلى الخوف والتنازل عن الحقوق.

تعلم حل الأمور بالطريقة الخاطئة: فالشجار هو طريقة خاطئة في تسوية الخلافات والتعبير عن الرأي والرغبات، والنجاح في الحصول على ما يريد من خلال العدوانية والشجار سوف يعلم الطفل أن هذا أسلوب مجدي وسوف يستخدمه باستمرار (4).

موقف الآباء من تشاجر الأولاد:

إن الخصام والجدال والصراع أمور قد تستمر إلى أن تحلها الأيام وحدها، بجانب أن لكل أسرة وضعها الخاص المختلف عن أوضاع غيرها من الأسر، مما يجعل من الصعب إعطاء نصائح عامة، لكن يمكن تقديم بعض الاقتراحات القليلة:

أولًا: بعض الآباء في بيوتنا يقومون بدور الحكم بين أولادهم كآباء، ويتحول البيت إلى حلبة ملاكمة، والواقع أنه لا بد أن يبقى هناك بعض الصراع والخلاف بين الأبناء، ولا بد أن يدرب الآباء أنفسهم على أن يكونوا أحيانًا متفرجين وألا يتدخلوا كحكام، والمثل العامي يقول: إن قاضي الأولاد شنق نفسه.

ثانيًا: من غير المعقول أن يظل الآباء باستمرار في موقف المتفرج، لا بد في لحظة معينة أن يتدخلوا حتى يوقفوا المعارك التي تنشب بين أولادهم، ومن الطبيعي ألا يستطيعون دائمًا الغوص إلى أعماق كل مشكلة وكل خلاف، وأن يحلوا تلك الخلافات بميزان العدالة الدقيق، إنما المسألة تحتاج من الآباء إلى شيء كبير من التعقل في مواجهة الأمر، وتحتاج أيضًا إلى أن يدركوا بعض الأمور في مجال الخلافات بين الأبناء.

بداية يجب أن لا يكونوا مراقبين لكل صغيرة وكبيرة تصدر عن الأولاد، ويكفي أن يكونوا ملاحظين بشكل غير مباشر دون التعليق أو التدخل في اللعب، إلا إذا وجدوا الأبناء قد خرجوا عن القواعد، وحينئذ يمكن للآباء أن يقترحوا شيئًا بناءً بديلًا للشيء المختلف عليه أو أكثر إثارة منه، وأن لا يتعجل الأب أو الأم فيبادر بالانحياز لصف المعتدى عليه؛ لأنه يحتمل أن يكون هو البادئ في الحقيقة، وعلى الرغم من أن هناك دائمًا سببًا وراء أي عدوان مثل الحسد أو عدم الاطمئنان أو الضيق النفسي فلا داعي لأن نبحث في أثناء الصراع عن حقيقة السبب.

ولكي تحل المشكلة فعلينا أولًا أن نقضي على الخلاف، ثم نبعد الأبناء بعضهم عن بعض دون أن نشعر أيًا منهم بأنه مخطئ ومتهم، بعدها نستطيع أن نعمل تحقيقاتنا، ولا بد أن نتذكر أنه ليس أسهل على الطفل من أن يلصق بصديقه أو أخيه أشنع التهم، ويتفوه بأبذأ الألفاظ لأي سبب ولأي مناسبة.

المهم ألا تظل هذه الألفاظ عالقة بأحد؛ لأنها من الممكن أن تلصق به، ويصبح من الصعب التخلص منها، وربما لو تكررت حاول صاحبها تأكيدها، فحينما يقال له -مثلًا-: أنت كاذب.

يكذب ما دام باستمرار يتهم بالكذب سواء صدق أو كذب، فيرى في نفسه أنه لماذا يصدق.

ومن المهم جدًا أن ننبه الكبار من الأبناء ألا يؤذي الصغار، وأن ننبه الأبناء ألا يضايقوا البنات، وفي نفس الوقت لا بد أن ننبه على عدم إثارة الصغار للكبار، وألا نجعل البنات يغضبن الأولاد حتى يسود الاحترام بين الجميع.

ولا بد أن يتوقع الآباء أن يظل الأبناء حريصين على اللعب مع بعضهم على طول الخط، وعلى قدر المساحة المتاحة لهم في البيت، بل لا بد أن يبتعدوا عن بعضهم قليلًا، وأن نجعل الأولاد سعداء لأنهم أولاد، والبنات فخورات لأنهن بنات، وكل له مميزاته، وفي نفس الوقت لا بد من أن يكون عندنا مقترحات لهم لتستنفد طاقاتهم الزائدة، ويشعر الأولاد أنهم محبوبون بنفس القدر، لكن بشكل مختلف، بهذه الطريقة يسود التفاهم جو الأسرة، ولا يكون الأبناء مصدر مشاكل مستمرة في البيت.

أيضًا؛ ينبغي أن يحرص الوالدان على التدخل بأقل ما يمكن في المشاجرات بين الإخوة التي لا تتعدى كونها أمرًا طبيعيًا إذا كانت مقرونة من ناحية أخرى بمظاهر الود والتعاون فيما بينهم.

أخطاء الآباء في حسم مشاجرات الأبناء:

مما يجب أن يزيدنا تحفظًا حيال التدخل في هذه المشاجرات الأخوية إلى حد ما؛ ما يستخدمه الأولاد لاستدراج الأب والأم إلى إبداء انحياز لطرف على الطرف الآخر، وكأن الوالدين يوضعان عند ذاك على المحك لينكشف ما يضمرانه من تفضيل، فإذا ناصرا واحدًا على الآخر اعتبر الثاني نفسه مغبونًا، مما يؤجج غيرته ويدفعه إلى تكرار المشاجرة انتقامًا مما حظي به خصمه من مساندة.

أما الأول فهو منقاد من جهته إلى إعادة الكرة من جديد بمناصرة والديه، لذا فتكثر هذه المشاجرات بحضور الأهل ويغذيها تدخلهم.

ولهذا السبب أيضًا تلاحظ هذه الظاهرة التي قد تبدوا غريبة لأول وهلة، ألا وهي تحرش الأضعف بالأقوى، واستدراجه إلى العراك، وأن الغاية المنشودة ليست عند المتحرش الانتصار على خصمه، وإنما كسب مؤازرة الأهل بحجة أن هذا الصراع غير متكافئ.

لذا فالأفضل أن نحد قدر الإمكان من تدخلنا في المشاجرات الأخوية مكتفين بالحرص على أن لا يلحق أحد المتخاصمين أذى بالآخر، أو أن يتسلط عليه بشكل دائم، وكما أشرنا فإن لهذه المشاجرات حسناتها على كل حال؛ إذ من شأنها أن تدرب أولادنا على الصراع الذي لا بد من أن يواجهوه في المجتمع، فيتعلم كل واحد منهم من خلالها أن يؤكد ذاته مع مراعاة وجود الآخر ومصلحة الآخر ووجهة نظر الآخر وواقع ميزان القوى، فيتخطى هكذا تحكم محورية الذات به، وينمو في النضج النفسي والقدرة على مواجهة الواقع والتكيف مع متطلبات الحياة الاجتماعية، أما إذا اضطررنا إلى التدخل لوضع حد للغلو في العنف فليكن تدخلنا بحزم مقرون بالصفاء والتفهم، فلا يشعر المذنب بأننا ننبذه أو نحرمه من حبنا وتقديرنا، ويحتار الآباء ويتضايقون عندما يتشاجر أبناؤهم، هل الأفضل أن يتدخلوا بينهم ليحلوا مشاكلهم أم يدعوهم وشأنهم يحلونها بأنفسهم؟

وينصح خبراء تربية الطفل الآباء بعدم التدخل في هذه المشاجرات، وإذا استدعى الأمر تدخلهم فإن عليهم عدم إصدار الأحكام على أبنائهم؛ لأن ذلك يشعل الشجار أكثر بينهم.

إن أغلب الشجار بين الأبناء سببه شد انتباه هؤلاء الأبناء لآبائهم ليدركوا من خلال تدخلهم أيهما أقرب إلى نفس والديه، فليحذر الآباء من السقوط في هذه المصيدة، وليجعلوا تدخلهم في حدود المعقول، وبدون إصدار أحكام مسبقة على أحد الطفلين حتى لا يشعر بالظلم، بالتالي لا يرغب في تطوير سلوكه.

حينما يعرف الأطفال أن عليهم أن يحلوا مشكلاتهم بأنفسهم فإنهم كثيرًا ما سيتوقفون عن الذهاب لوالديهم بشكاواهم ضد إخوتهم، فكثيرًا ما يكون الأطفال قادرين على إيجاد حلول عملية لمشكلاتهم إذا تركوا لأنفسهم (5).

كيف يمكن الحد من الخلافات؟

1- إذا كان أحد الأولاد عرضة للإصابة بأذىً جسدي فعليك أن تتدخل فورًا حتى تمنع الخطر المحدق، بأن تنادي عليهم أن يتوقفوا عن الشجار فورًا، وهذا ما يحدث في شجار الأولاد عادة، أم البنات فتميل إلى جولات الصراخ بدلًا من استخدام العضلات.

2- بعد تحقق الهدوء، حاول أن تقضي وقتًا قصيرًا في الاستماع إلى كيف بدأت المعركة، رغم أن من المستحيل غالبًا أن تصل إلى القصة الصحيحة، ولكن المهم هو أن تشعرهم أنك محايد وعادل، وأنك تسمع لما يجول في صدورهم.

3- إذا لم يكن هناك ضرب أو استعمال العضلات في النزاع، فلا حاجة إلى المسارعة للتدخل وحل النزاع، فالأولاد يحتاجون لمثل تلك النزاعات والخلافات، فهم يتعلمون منها أمورًا كثيرة، ولو حاولت منع الشجار تماماً فإنهم سيبحثون عن بديل لتفريغ تلك الطاقة.

وإذا كنت دائم السيطرة على المواقف فهذا يعني أن العلاقة بينهم غير طبيعية، ومضبوطة بسلطتك أنت عليهم، وأنهم سيهجمون على بعضهم عندما تدير ظهرك عنهم، أو أن تدوم روح العداء بينهم، والتي لم يُنَفَّس عنها طوال طفولتهم، وستكون العلاقة بينهم ضعيفة حيث يفضلون الانفصال عن بعضهم في أول فرصة، أما الأولاد الذين يُسمح لهم ببعض الجدال في صغرهم فيصبحون عادة أشد قربا من بعضهم في كبرهم.

4- تذكر أن الخلاف بين الأولاد ليس كله ضارًا، وليس بالسوء الذي يبدو للكبار.

5- أوضح لأولادك أنك لست ضد محاولتهم فض الخلاف بأنفسهم، ولكن ضد الضوضاء التي يصلون إليها لفض خلافهم، وإذا كان الخلاف على لعبة فيمكنك أخذ اللعبة منهم جميعًا، وأخبرهم أنه يمكن استرجاعها بعد أن يتوصلوا إلى اتفاق، وقد يحتاج الأمر إلى إرسال كل منهم إلى مكان أو غرفة لفترة قصيرة.

6- ربما تكون المشكلة أعسر عندما يكون فارق السن كبيرًا بين الأولاد المتنازعين، ورغم أن الكبير أقوى من الصغير، إلا أن الصغير قادرٌ أيضًا على إزعاج الكبير، وخاصة أنه قد يحتمي بصغره، وقد يبالغ الولد في ألمه ودموعه.

7- حاول ألا تنحاز مع أحد الأولاد ضد الآخر، أشعِرِ الكبير أن عليه أن يعطف على أخيه الصغير، واطلب منه أن يخبرك فورًا إذا كان قد حاول الصبر ولم يتمالك نفسه.

8- ساعد الصغير على أن يحترم الكبير، وألا يحاول إزعاج الولد الأكبر فينتقم منه.

9- لا تسرع بمعاقبة المذنب فإن ذلك ينمي بينهم روح الغيظ والانتقام، وقد يقع عقابك على البريء فيشك الطرفان في حكمك في المستقبل.

10- لا تقارن الواحد منهم بالآخر فتقول لأحدهم: إن أخاك كان أفضل منك عندما كان في سنك)، أو (إنك على عكس أخيك فهو يطيع من أول مرة أقول له شيئًا)، فإن ذلك يجعل الولد يشعر بالذنب من نفسه والغيظ من أخيه، وإن تكرار هذه المقارنة يجعل الولد يكره التشبه والاقتداء بأخيه رغم صفاته الحسنة.

11- ولعل من الطرق المناسبة لامتصاص ثورة العراك بين الأطفال تحويل نقمتهم إلى نوع من العمل الإيجابي السليم، كمساعدة الغير أو دعوتهم إلى مساعدة أمهم أو ما شابه، ومن الخطأ أن يتوقع الآباء أن يتصرف الأبناء بعقلية الآباء.

12- على الأم المحافظة على هدوئها قدر الإمكان أثناء غضب ابنها أو مشاجرته مع إخوته.

13- على الأبوين أن يكونا قدوة حسنة فيقلعوا عن عصبيتهم وثورتهم لأتفه الأمور أمام الأولاد.

14- لا تدع ابنك يذوق حلاوة الانتصار بتحقيق الرغبة التي انفجر باكيًا من أجلها وغضب.

15- على الآباء إصلاح أنفسهم أولًا، فكثير من حالات التشاجر عند الأطفال مرجعها الآباء أنفسهم، بسبب سلوكهم المتَّسم بالحزم المبالغ فيه، والسيطرة الكاملة على الطفل، ورغبتهم في إطاعة أوامرهم طاعة عمياء، وثورتهم وشجارهم بين بعضهم البعض (أي الزوجين) لأتفه الأسباب (6).

_________________

(1) تشاجر الأطفال/ هيئة الشام الإسلامية.

(2) أسباب الشجار بين الأطفال وتأثيره على شخصيتهم/ حلوها.

(3) محو الأمية التربوية (3/ 2- 7)، بترقيم الشاملة آليًا).

(4) أسباب الشجار بين الأطفال وتأثيره على شخصيتهم/ منتديات حلوها.

(5) محو الأمية التربوية (3/ 2- 7)، بترقيم الشاملة آليًا).

(6) أبناؤكم يتشاجرون؟ إليكم الحل/ منتدى (إنما المؤمنون إخوة).