logo

تزوجي... وكوني آنسة!


بتاريخ : الخميس ، 27 ربيع الأول ، 1437 الموافق 07 يناير 2016
بقلم : تيار الاصلاح
تزوجي... وكوني آنسة!

هناك كثير من المفردات في اللغة العربية يراد بها معنى مخصوص، ومع مرور الزمن يتم تخصيص هذه المفردات لمعنى آخر تعارف عليه الناس، وألفوا إطلاقه على شيء معين، ومن هذه المفردات والمعاني والكلمات، التي تحولت عن معناها الحقيقي، كلمة "آنسة".

كلمة "آنسة" تطلق في واقعنا المعاصر على الفتاة التي لم تتزوج، وبالتحديد على الفتاة البكر، وعند البحث في مراجع اللغة العربية، واستقراء كلام العرب في تلك الكلمة، لم يتم العثور على هذا المعنى إلا في بعض المعاجم الحديثة.

جاء في (بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز)، للفيروزآبادي: «وجارية آنسة: إذا كانت طيبة النَفْس تحِب قُرْبَك وحديثك، قال الكُمَيْت:

فيهن آنسة الحديث خَرِيدَة     ليست بفاحشة ولا متفال»(1)

وجاء في كتاب (العين)، للفراهيدي: «والآنسة: الجارية الطيبة النفس التي تحب قربها وحديثها»(2).

وفي (تهذيب اللغة)، لأبي منصور الهروي: «وقال الليث: جارية آنسة: إِذا كانت طيبة النفس، تحِب قربك وحديثك»(3).

وجاء كذلك في (تهذيب اللغة) عند تعريفه للمرأة البسية: «المرأة الآنسة بزوجها، الحسنة التبعل معه»(4).

وهذا يدل على أن المرأة التي تأنس بزوجها وتحسن التبعل معه، والمرأة طيبة النفس والتي تحب قرب زوجها منها وتسعد لسماع حديثه، وكذلك يحب زوجها القرب منها ويطرب لسماع حديثها، هذه هي الآنسة.

أما إطلاق هذا اللفظ على المرأة غير المتزوجة فلم يقل به إلا المعجم الوسيط، حيث جاء فيه: «الآنسة: مؤنث الآنس، والفتاة الطيبة النفس، المحبوب قربها وحديثها، يؤنس بها، والفتاة ما لم تتزوج»(5).

وقد بين الدكتور أحمد مختار عمر خطأ هذا المعنى للفظة "الآنسة"، وبين أن هذا المعنى لهذه الكلمة مرفوض؛ لأنها لم ترد في المعاجم بهذا المعنى، ثم علق على هذا قائلًا: «أُطْلِقَت الكلمة قديمًا على الفتاة الشابة، طيبة النفس والحديث، ثم حدث تخصيص للمعنى، فأصبحت تطلق اليوم على الفتاة الشابة غير المتزوجة على سبيل المجاز»(6).

وإطلاق تلك المعاني على الفتاة الآنسة، أو التي لم تتزوج بعد؛ لأنها دائمًا ما تدلل لأبيها، وتحنو على أخيها، وتتودد إلى أعمامها وأخوالها، وهؤلاء هم الرجال المحارم الذين يجوز لها صدور مثل تلك الأفعال نحوهم، فهي كثيرًا ما تستمع إلى أبيها وتحب حديثه، وترى فيه تلك الشخصية الكاملة، فهو الأب الحنون، وتراه لأمها الزوج الرءوف، وتراه لأخيها الصاحب والصديق، وتراه لنفسها كل شيء، فإذا ما حزنت من أمر ذهبت إليه وبثت إليه شكواها، وإذا فرحت بأمر أسرعت إليه وبشرته ببشراها.

أما أخوها فأحيانًا كثيرة يكون لها كالأب تمامًا إذا كان يكبرها سنًا، أو يصغرها في السن لكنه يملك عقلًا رزينًا ولسانًا فصيحًا، وأحيانًا يكون لها الأخ كالابن؛ فهي تشعر أحيانًا كثيرة أنها أمه، وأنها هي المسئولة عنه.

ففي النهاية تصير الفتاة آنسة، تأنس بأبيها وأخيها، وتُؤنس أباها وأخاها، فهي فتاة آنسة.

وحين تتزوج الفتاة الآنسة، فإنها تصير مسئولة عن بيت وزوج وأسرة، ولكن غالبًا ما يضيع هذا الاهتمام الذي كانت توليه لأبيها وأخيها، ولا ينتقل هذا الاهتمام لزوجها؛ ولأجل هذا أصبح يقال عن المرأة المتزوجة: سيدة، وعن المرأة غير المتزوجة: آنسة، أما إذا استطاعت المرأة المتزوجة أن تؤنس زوجها بها، وبحديثها، وقربها منه، واهتمامها به، وحسن التبعل إليه، فإنها بذلك تصبح امرأة متزوجة آنسة.

إن على المرأة المسلمة أن تكون مؤنسة لزوجها، حتى إذا نظر إليها شعر بسعادة وسرور، وإن غاب عنها زاد شوقه إليها وإلى لقياها، وإن عاد إليها زاد حبه لها وطمع في الزيادة، وإن قل الكلام بينهما طلب منها أن يستأنس بحديثها، وبيّن لها أنه يستوحش عندما يقل حديثها، ويستأنس بحروف لسانها عند كلامها، فهي بالنسبة إليه "آنسة".

إن كثيرًا من النساء المتزوجات يتعللن، في عدم الأنس بأزواجهن وملء فراغ الأزواج، بأن فوق عاتقهن كثيرًا من المسئوليات، فما بين ترتيب المنزل، إلى الاهتمام بالأبناء، مرورًا بإعداد الطعام، فضلًا عن الاهتمام بالضيوف، إن وجد، وما يستتبع ذلك من إعادة ترتيب المنزل بعد ذهاب الضيوف، وكذلك إعداد ما يتم الترحيب به للضيف قبل مجيئه، كل هذا قد يحدث يوميًا أو غالبه يحدث يوميًا، فمن أين تأتي الزوجة بالوقت والمزاج الذي تستأنس فيه بالزوج ويستأنس بها؟

ليس المقصود بالإيناس بالأزواج أن تفعل المرأة مثلما كانت تفعل الفتاة غير المتزوجة، ففي كثير من الأحيان لم يكن عليها من المسئوليات مثلما كان على المرأة المتزوجة، ولكن المطلوب على المرأة المتزوجة أن تكون كالفتاة غير المتزوجة؛ من حيث كونها تهتم وتنصت وتعجب، فعلى المرأة المتزوجة أن تهتم بقدوم زوجها فتهش له وتبش في وجهه، وأن تكون دائمة الابتسامة معه، وخاصة إذا عاد من عمله، وأن تلطف حديثها معه، فلا يسمع منها إلا كل كلام طيب حسن رقيق، وأن تنصت إلى كلامه باهتمام؛ كل هذا يؤدي إلى حب الاستماع إلى حديث زوجها، وإلى حب القرب منه، كما يؤدي كذلك إلى حب الزوج لحديثها، وحب القرب من زوجته، وحينها تصير المرأة المتزوجة "آنسة".

كذلك على المرأة المتزوجة أن تتخير الأوقات التي تريد أن تطلب فيها من زوجها أمرًا ما، تعلم أنه قد لا يوافق عليه، أو قد يكون على خلاف ما يريده أو خلاف ما يهواه، فلا بد أن تتعلم من الفتاة غير المتزوجة إذا أرادت أن تطلب من أبيها أمرًا زائدًا عن المطلوب، أو من كماليات الأمور، فإنها قبل الطلب تتودد إليه وتلبي طلباته، وتقدم إليه ما يحبه وما يفرحه؛ كأن تقوم بعمل طعام يحبه، أو تقوم بتنظيم البيت بطريقة معينة يحبها، ثم تأخذ في التنبيه عليه ولفت نظره إلى ما قامت به، ثم بعد كل هذا تتخير الوقت المناسب الذي يكون فيه حسن الطباع والمزاج فتطلب منه ما تريد.

وهكذا ينبغي أن تكون المرأة المتزوجة، أن تتعلم كيف تطلب من زوجها أمرًا تريده، أو عملًا تريد منه تنفيذه، وبالتالي إن استطاعت المرأة المتزوجة أن تتعامل مع زوجها كما تتعامل الفتاة مع أبيها وأخيها؛ بود وتتودد وحنان، فإنها بذلك تصير "آنسة".