logo

بين العواقب والعقاب


بتاريخ : الخميس ، 21 صفر ، 1437 الموافق 03 ديسمبر 2015
بقلم : تيار الاصلاح
بين العواقب والعقاب

إن كثيرًا من الآباء والأمهات يحاولون بكل جهد أن يكونوا على قدر من الحلم والأناة في تعاملهم مع أبنائهم، إلا أنهم، ومهما بلغوا من الحلم والصبر وسعة الصدر والتحمل لأخطاء الأبناء، فإنهم يصلون في كثير من الأحيان إلى طريق مسدود يلجئهم إلى ضرب الأبناء؛ لأجل حملهم على السلوك الطيب.

وفي الحقيقة فإن الضرب ينافي تلك العلاقة بين الآباء والأمهات وبين الأبناء؛ ذلك لأن قوام هذه العلاقة هو الحب والاحترام المتبادل، والمفترض أن الآباء والأمهات يستطيعون الوصول إلى تقويم سلوكيات الأبناء الخاطئة وغير الصحيحة دون اللجوء إلى الضرب، إلا في بعض الحالات المستعصية التي قد يُحتاج فيها إلى الضرب، والمقصود بالضرب هنا هو الضرب الذي يحقق المطلوب، فليس الهدف من الضرب الضرب نفسه، وإنما الهدف منه كف الابن عن ارتكاب الأخطاء.

إننا إذا ما سألنا أيًا من الآباء والأمهات: كيف تؤدبون أبناءكم؟ فإن الجواب لمعظم هؤلاء الآباء والأمهات سيكون عبارة عن شرح لكيفية عقاب الأبناء، سواء كان بالضرب أو التوبيخ والصراخ والتعنيف، وللأسفكان لا بد لهذه الطرق أن تكون في آخر مصاف الوسائل التي نعالج بها أخطاء الأبناء.

إن كثيرًا من الآباء والأمهات لا يفهمون معنى التأديب، فالتأديب لا يعني العقاب دائمًا، ذلك لأن العقاب هو جزء صغير جدًا من عملية التأديب، تلك العملية التي تهدف إلى مساعدة الأبناء على السلوك الحسن واتخاذ القرارات الصائبة، أما معاقبة الأبناء بأي شكل كان، بالضرب أو التوبيخ أو التعنيف، لأجل قيامهم بما نريد منهم القيام به، فهذه أبدًا ليست طريقة صحيحة في التعامل فيما بين الآباء والأمهات وبين الأبناء، فضلًا عن أن تكون طريقة لتأديب الأبناء.

إن الآباء والأمهات عندما يخطئ الابن فإنهم سريعًا ما يفكرون بطريقة ما لوقف هذا السلوك الخاطئ فورًا، ولا يفكرون في أي شيء آخر، فهم لا يريدون سوى إيقاف الأفعال غير المرغوب فيها وفقط، فتكون أسرع طريقة لذلك هي الضرب وهم في قمة الغضب، ثم يضعون القيود على تصرفات الابن، مع توبيخه ببعض العبارات، فتكون النتيجة شخصية عنيدة، لها ترسيبات سيئة بسبب مثل تلك المواقف، ثم عودة لهذا الخطأ، وغالبًا ما يكون هناك انطباع لدى الابن أنه شخص لا قيمة له، وذلك بسبب الكلمات التي يسمعها خلال توبيخه، والتي تؤثر فيه كثيرًا.

وكثير من الأبناء انصاع خلف هذه الكلمات، ثم أخذ يرددها في داخل نفسه حتى صدقها، ثم بعد ذلك حاول إثبات أن هذه الكلمات التي وبخ بها هي في الحقيقة صحيحة، فأخذ في ارتكاب الأفعال التي تدل عليها كلمات التوبيخ.

إذًا كيف يكون التعامل مع سلوكيات الأبناء الخاطئة؟.

عندما يخطئ الأبناء فلا بد من إظهار العواقب التي تترتب على السلوكيات الخاطئة، العواقب وليس العقاب، فالعواقب هي النتيجة الطبيعية للسلوك الخاطئ للأبناء، فمثلًا، الابن قام بإحداث فوضى في غرفته، ولم يقم بترتيبها، فتكون العواقب هي بوجوب ترتيب الابن لغرفته وأبوه وأمه يراقبانه، فهذه العواقب تعلم الابن أنه ينبغي له ألا يترك غرفته غير مرتبة، أما إذا قام الوالد أو الوالدة، عندما وجدا الغرفة غير منظمة، بإنزال العقوبة على الابن؛ كمنعه من اللعب بالحاسب الآلي، أو حرمانه من المصروف هذا اليوم، فهذه العقوبة لا تُعَلِّم الابن أبدًا كيفية ترتيب الغرفة والمحافظة عليها جميلة مرتبة، فضلًا عن أن هذه العقوبة تجعل ترتيب الغرفة مثل الجحيم بالنسبة للابن.

والبنت عندما تعمل في المطبخ، قد تنكسر بعض الأطباق نتيجة لإهمالها وعدم اهتمامها، فلو قامت الأم بالصراخ في وجهها وتوبيخها، فهذا لا شك تصرف خاطئ، أما لو قالت لها الأم: أنا سعيدة لأنك تقومين بإعداد الطعام بنفسك، ولكن ينبغي أن تقومي بإزالة هذه الفوضى حتى تستطيعي إكمال ما بدأتيه، وأنا على ثقة أنك قادرة على أن تكوني أكثر اهتمامًا في المرات القادمة.

وكذلك إذا تأخر الأبناء عن موعد حافلة المدرسة، فإن العواقب هي أن يذهبوا إلى المدرسة سيرًا على الأقدام، وحينها سيتعلمون ألا يتأخروا أبدًا على حافلة المدرسة، وهكذا.

ونلاحظ في المثال الأول، مثال الغرفة غير المرتبة، أن الابن هو الذي تعمد الخطأ، لذا وجب عليه تحمل تبعات أخطائه، ما دام أنه ارتكب الخطأ عن عمد أو بتفريط منه، أما الأخطاء التي تقع بدون قصد أو بدون إرادة وسبق إصرار، فإنه ينبغي ألا يعاقب الابن على ذلك؛ بل يبين له ويؤمر بالاهتمام وأخذ الحيطة والحذر بعد ذلك.

وإذا ما أخطأ الابن وتحمل تبعات خطئه وتحمل العواقب، فإنه من الأفضل أن يقوم الآباء أو الأمهات بإثابة الابن على ذلك، فيظهر له الثناء على عمله، أو يعطيه هدية جزاء تحمله لتبعات سلوكه السيئ وترتيب غرفته، فهذا يعطي انطباعًا داخليًا للابن أن والده لا يكرهه، وإنما كان انفعاله عليه ومراقبته له جراء خطئه الذي ارتكبه.

إن علاقة الآباء والأمهات بالأبناء لا ينبغي أن تكون علاقة السجان بالمساجين؛ لأنه في هذه الحالة بمجرد أن يدير هذا السجان ظهره للمساجين فإنهم يسيئون السلوك؛ بل ويخططون خلاف رغبات هذا السجان، فلا ينبغي أبدًا أن تكون هذه علاقة الآباء والأمهات بالأبناء.

"إن الضغوط النفسية التي يولدها الضرب، والتهديد، والسخرية، والنبز بالألقاب، تترك في عقول أبنائنا ونفوسهم آثارًا سيئة قد تدمر حياتهم كلها، وقد تترك في شخصياتهم ندبًا يصعب عليهم التخلص منه إلا بعد سنوات كثيرة؛ بل إن بعض الدراسات تؤكد أن التفكير والتذكر يتأثران على نحو سلبي بالضغوط النفسية؛ بل إن إحدى الدراسات أشارت إلى أن الابن الذي يمارس ضده التهديد باستمرار يصبح أكثر ميلًا للحفظ بدل التحليل والنقد، والأهم من ذلك أن هذه الضغوط النفسية قد تغيّر من رؤية الابن لذاته، فينظر إليها على أنها ذات منحطة مخفقة متخلفة، وأنه لا أمل في إصلاحها، وبذلك يكون الابن قد وقع ضحية فيما يشبه العاهة الدائمة" [بناء الأجيال، للدكتور عبد الكريم بكار، ص175، بتصرف].