logo

تربية الأسرة على مبدأ الشورى


بتاريخ : الأربعاء ، 15 ذو الحجة ، 1438 الموافق 06 سبتمبر 2017
بقلم : تيار الاصلاح
تربية الأسرة على مبدأ الشورى

أعزائي المربين..أهلا بكم جميعًا

من عوامل استقرار الأسرة واستمرارها اعتماد منهج الشورى بين الزوجين، وكذلك مشاورة الأبناء فيما يطيقون تعليماً وتدريبًا لهم على هذا الأسلوب البنّاء، فلا شيء أكثر تأثيرًا في تربية الأبناء والبنات من تربيتهم على احترام الشـخصية وحق إبداء الرأي، والتربية على مبدأ الشورى تنطوي على المشاورة والمعاونة والتعاطي الاجتماعي الذي يرتفع بالابن من مستوى طفل مسيّر ومأمور وربّما سلبي، إلى شخصية ايجابية مساهمة وفعّالة.

 

والشورى في ديننا الإسلامي منهج حياة، والأمر بها ورد كهيئة وصفة من الصفات المميزة للمسلمين، وهي أعمق في حياة المسلمين من مجرد أن تكون نظامًا سياسيًا للدولة؛ بل هي طابع أساس للجماعة كلها، قال سبحانه وتعالى: "وأمرهم شورى بينهم" [الشورى:38]، وما الأسرة إلا وحدة البناء في المجتمع المسلم واعتمادها لمبدأ الشورى من أكبر عوامل استقرارها، وتماسك أفرادها، وإذا درج الأبناء في بيت تشيع فيه ثقافة الشورى، واحترام آراء الآخرين، فإنّ ذلك سوف يدعم بشكل كبير نضجهم العقلي وتنمية مهارات التفكير المنظم لديهم، وسيتعلمون بطريقة عملية كيف يستفيد المرء من آراء من يستشيرهم، وكيف يجمع بالشورى عقولًا إلى عقله، ويضم خبرات إلى خبرته المحدودة حتى يصل إلى الرأي السديد.

 

القرآن الكريم يوجه الزوجين إلى التشاور في شئون الأسرة:

لقد أرشد القرآن الكريم الزوجين أن تكون حياتها مبنية على أساس التشاور والتفاهم والتراضي، فقد أوصى الله تعالى بالتشاور في مسألة رضاع الولد وفطامه في حالة انفصال والديه، وفي ذلك تنبيه على أن التشاور في حالة قيام العلاقة الزوجية واستمرارها من باب أوْلى، قال تعالى:"وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا" [البقرة 233].

 قال الحافظ "ابن كثير" – رحمه الله -  في تفسيرها:

«"فإن أرادا فصالا عن تراض منهما و تشاور فلا جناح عليهما" أي: فإن اتفق والدا الطفل على فطامه قبل الحولين و رأيا في ذلك مصلحة له و تشاورا في ذلك و أجمعا عليه فلا جناح عليهما في ذلك».

فيتبين من ذلك أن انفراد أحدهما بذلك دون الآخر لا يكفي، و لا يجوز لواحد منهما أن يستبد برأيه من غير مشورة الآخر وهذا فيه احتياط للطفل وإلزام للنظر في أمره بالتشاور بين الزوجين، و هو من رحمة الله بعباده حيث جعل الله - تعالى - الشورى فريضة شرعية إلزامية على الوالدين في تربية أبنائهما، و قد جعل الله - تعالى - من هذه الآية المباركة نموذجا إرشاديا يقاس عليه أمر الشورى في محيط الأسرة.

 

النبي صلى الله عليه وسلم يشاور أهله:

كانت الشورى هي منهج النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه، ومع أهل بيته كذلك، عن أبي هريرة قال : "ما رأيت أحدا قط كان أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم" رواه أحمد والشافعي.

وأوْلى الناس بالمشاورة في شؤون البيت والأبناء هي الزوجة لأنها شريكة الحياة، والجناح الثاني لنجاح الأسرة واستقرارها، وقد تعلم من شؤون البيت – باعتبار ملازمتها له معظم الوقت - والأبناء ما يخفى على الأب؛ فلا يصح أن يستبد الرجل بالرأي في الأسرة، بل عليه أن يستشير زوجته ويأخذ برأيها - إن كان صائباً -.

وقد استشار النبي صلى الله عليه وسلم زوجته "أم سلمة" رضي الله عنها وأرضاها في أمر عام من أمور المسلمين لحصافتها ورجاحة عقلها، وكان ذلك يوم الحديبية عندما لم يستجب الصحابة إلي الأمر بالتحلل من الإحرام وتوقفوا عن النحر والحلق فلما أخبر الرسول صلي الله عليه وسلم زوجته أم سلمة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله لا تلمهم فإنهم قد دخلهم أمر عظيم مما أدخلت علي نفسك من المشقة في أمر الصلح ورجوعهم من غير فتح ثم قالت: يا نبي الله اخرج ثم لا تكلم أحدا كلمة حتي تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك؛ فخرج وفعل ذلك فقاموا وجعل بعضهم يحلق بعضا" .

استشارة الأم في زواج ابنتها:

ومن جميل ما جاء به الإسلام:أنه أمر باستشارة الأم في زواج ابنتها، حتى يتم الزواج برضا الأطراف المعنية كلها، عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "آمروا النساء في بناتهن" رواه أحمد : 4905، وللإمام أبي سليمان الخطّابي كلمات قيمة في توجيه هذا الحديث في كتابه (معالم السنن): "مُؤامرة الأمهات في بُضع البنات ليس من أجل أنهن يملكن من عقد النكاح شيئًا، ولكن من جهة استطابة أنفسهن، وحسن العشرة معهن، ولأن ذلك أبقى للصحبة، وأدعى إلى الألفة بين البنات وأزواجهن إذا كان مبدأ العقد برضاءٍ من الأمهات ورغبة منهن، وإذا كان بخلاف ذلك لم يؤمن تضريتهن: أي تحريضهن على أزواجهن، ووقوع الفساد من قِبَلِهن، والبنات إلى الأمهات أمْيَل، ولقولهن أقْبَل، فمن أجل هذه الأمور يستحب مؤامرتهن في العقد على بناتهن".

قم قال: "وقد يحتمل أن يكون ذلك لعلة أخرى غير ما ذكرناه، وذلك أن المرأة ربما علمت من خاص أمر ابنتها ومن سرِّ حديثها أمراً لا يستصلح لها معه عقد النكاح وذلك مثل العلة تكون بها، والآفة تمنع من إيفاء حقوق النكاح".  (د.يوسف القرضاوي:مركز المرأة في الحياة الإسلامية،ص:85، نقلًا عن معالم السنن للإمام الخطّابي)

 

وهكذا نرى أن الله تعالى قد جعل الشورى سبيلا لاستقامة حياة الأسرة المسلمة وسعادتها ذلك من خلال التفاهم والتراضي و الوفاق المثمر بالخير الذي يتأسس على التشاور وليس على الاستبداد والاستسلام والإذعان في مجال العلاقات الإنسانية للأسرة المسلمة.

 

المفاهيم الإيجابية التي يعززها نظام الشورى داخل الأسرة:

إن تطبيق نظام الشورى داخل الأسرة يعود عليها بالنفع الكبير؛ حيث:

- تتحوّل الأسرة من مجرّد تجمّع كمِّي إلى مكان يتبادل فيه الجميع الخبرات والتصوّرات والآراء.

- تعمل جلسات الشورى العائلية على تعزيز الشعور بالانتماء الأسري لدى الأبناء، خاصة   مع لفت انتباههم إلى أنّ هذه المجالس أمانة، أي أنّ أسرارها يجب أن لا تتسرّب إلى الخارج، لأن ما يدور فيها هو (شئون الأسرة الخاصة) وليس من الأمانة نقلها أبدًا.

- إن تطبيق مباديء الشورى في الأسرة يجعل الأسرة أقرب للحق و أبعد عن الخطأ كما قال الحسن بن علي : ما تشاور قوم قط إلا هدوا إلى أرشد أمورهم .

- تحـقّق قدرًا لا بأس به من الشـعور بالمسـؤولية الجماعية التضامنيـة، وسيكون شـعار كلّ فرد فيها: «إدارة البيت وسعادته مسؤوليتنا جميعاً»، حيث ستكون عملية توزيع المهام والتكاليف وتقسيم الأعمال والوظائف مهمّة سهلة ومقبولة من الجميع الذين يشعرون أنّ الفرص تتكافأ أمامهم.

- ما يجري من حوار ونقاش واحترام للرأي وللرأي الآخر، هو عملية إعداد وتأهيل للمستقبل الذي سيخرج أبناء وبنات هذا البيـت الذي يعتمد أسلوب الحوار ليواجهوا الحياة بثقة أكبر، وسيتعلّمون كيف يُخطِّطون، وكيف يواجهون مشاكلهم، بل ويمتدّ أثرها إلى مستقبل تربيتهم لأبنائهم.

- كما أنه من شأن هذه المجالس أن تذوِّب الفواصل والاحتكاكات والغيبة والاتهامات، بل وتعكس الصـورة إلى التوافـق والانسـجام والتجانس بما توفِّره من أجواء التدريب على النقد الذاتي والاجتماعي. (د.هناء الشامي:مجلس شورى الأسرة يعزز الترابط والاحترام المتبادل- بتصرف)

 

شروط القيادة الناجحة لمجلس الشورى العائلي:

فلا بدّ للأب "رئيس الأسرة" ومدير المجلس أن يكون قادراً على ترجيح كفّة (الحاجات) الأساسية على (الرغبات) العابرة، أي أن تكون له القدرة على تقدير الأولويات، وأن يكون مُلمّاً بتطوّر العصر وإيقاعه والظروف المتغيِّرة، لأنّه يتعامل مع جيل جديد خُلِقَ لزمان غير زمانه، وأن تكون لديه قدرة على الإقناع، واستعداد للاقتناع، وأن يكون مثقّفاً بالثقافة الشرعية والحدود التي يميِّز فيها بين حلال المسائل وحرامها، كما يجب أن يكون منفتحاً في تقبّل جميع الآراء حتى تلك التي تبدو مُزعجة أو غير معقولة، وأن يناقشها مع باقي أفراد الاُسرة بالحكمة والموعظة الحسـنة، وأن يبدي المشـورة والنّصح لمن يحتاجهما، وأن يفضّ النزاع بين الإخوة كحكم عدل، وأن يتمتّع بصفة حسن الإصغاء للجميع وعدم المقاطعة كونه مديرًا للجلسات التشاورية، وأن يعطي الحقّ في الكلام للجميع، ويعطي حقّ الردّ والدفاع لمن يريد أن يُدافع عن وجهة نظره، أو عن اتهام وُجِّه إليه، كما أنّ الهدوء وإيضاح بعض الآراء التي قد لا يحسن الأبناء تقديمها، واختيار طبقة الصوت المشفوعة بالحبّ والإخلاص والعطف.. كل ذلك من متطلّبات نجاح هذه المجالس.

وأخيرًا..

 نؤكد على أن الأسرة التي تتبنى منهج الشورى واحترام الرأي توفر مناخاً صحياً لسعادة الزوجين أولاً ثم لنمو الأبناء في بيئة تساعدهم على النمو العقلي السليم، والتمتع بالقدرة على التفكير المنظم وتكوين الرأي السديد والقدرة على الحوار المثمر.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع:

  • بيوتنا كما يجب أن تكون: محمد عبده
  • مجلس شورى الأسرة يعزز الترابط والاحترام المتبادل: د.هناء الشامي
  • مركز المرأة في الحياة الإسلامية: د.يوسف القرضاوي