الضرب في الميزان
يرى كثير من الآباء والأمهات أن أبناءهم لا ينفع معهم إلا الضرب، في حين يرون أنه أسلوب خاطئ ولا يصلحهم؛ لذلك فهم يشعرون بالحزن الشديد بعد ضربهم، ولكنهم يرون هذا هو الحل الوحيد لكف الأبناء عن فعل ما يقومون به، ولا يعلمون أن هذا الكف والمنع إنما هو مؤقت، ثم بعد ذلك يعود الأبناء إلى فعلتهم السابقة مرة أخرى.
إن الضرب ما هو إلا حل مؤقت، كما أنه ينطوي على مخاطر عدة، فهو يزلزل ثقة الأبناء بأنفسهم، ثم إن الأبناء الذين يمثل الضرب بالنسبة إليهم جزءًا من حياتهم يتحولون إلى أبناء سريعي الغضب، لا يستطيعون السيطرة على أنفسهم؛ لأنهم لم يتعلموا ذلك؛ بل رأوا آباءهم ينفعلون سريعًا لأقل خطأ، وبالتالي يصبح الأبناء عدوانيين وانطوائيين في ذات الوقت، كما أن هؤلاء الأبناء لا يتعلمون القدرة على ضبط النفس، وللأسف فإنهم لا يقومون بأي عمل إلا حين يُضربون.
لا بد أن يعي الآباء والأمهات أن العقاب الصحيح هو الذي يكون بهدوء وثبات، ولا بد أن يتأكد الأب والأم أن العقاب للابن ليس ضربًا تنهال به على ابنك وكأنك تنهال على ظروفك الصعبة، فأنت تبعد العقاب عن الطرف الأقوى الذي لا تستطيع مواجهته وتنزله على الطرف الأضعف، وهو الابن، فحين لا يقوى الوالد على مواجهة رئيسه في العمل يضرب الابن لأقل الأخطاء.
لا شك أن الآباء والأمهات يغضبون جدًا ويريدون ضرب الأبناء حين يقوم الابن بأخذ أموال من حافظة نقود والده دون علم الوالد، أو حين يخفي الابن تقريره الدراسي عن أبيه وأمه، ويخبرهما أن المدرسة لم تسلمه إياه، وأنه ناجح في كل المواد الدراسية، ثم يتفاجأ الوالدان بالمسئول المدرسي يخبرهما بأن ابنهما راسب في كل المواد، لا شك أن هذه أمور تثير غضب الوالدين، ولكن لا بد من معرفة سن الابن الذي أخذ النقود من محفظة والده؛ لأنه ربما كان لا يعي أبدًا ما يقوم به، وحينها يكفي إخفاء حافظة النقود من أمام ناظريه، وكذلك لا بد من معرفة مدى حب الابن لمدرسته، وما هي علاقته بالمدرسين؟ وهل يعاملونه بطريقة حسنة؟ أم أنهم يوجهون له ألفاظًا سيئة؟.
ومن الأمور المهمة التي تدعو الآباء والأمهات إلى ضرب الأبناء شعور الآباء والأمهات بعدم هيبة واحترام الابن لهم، فهم يرون أنه بارتكاب هذا الفعل الخاطئ دون رهبة وهيبة لهم لأمرٌ يستدعي الوقوف معه وضربه؛ حتى لا تضيع هيبة واحترام الآباء والأمهات.
فهل زرع الهيبة والاحترام في نفوس الأبناء لا تكون إلا بالعقاب بالضرب، والفزع والرعب الذي يتجاوز حدود الخطأ الذي ارتكبوه؟ أم أنه يمكن غرس الهيبة والاحترام بغير الضرب؟.
إن الأمر ممكن ولكنه يحتاج إلى صبر ومهارة، كما أن ضرب الأبناء ليست صفة جيدة للآباء والأمهات الذين يعتادون على ذلك، فقد نزع النبي صلى الله عليه وسلم صفة الخيرية عن الأزواج الذين يعتادون على ضرب زوجاتهم، فعن إياس بن عبد الله بن أبي ذباب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تضربوا إماء الله»، فجاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ذَئِرْنَ النساءُ على أزواجهن، فرخص في ضربهن، فأطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءٌ كثير، يشكون أزواجهن! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لقد طاف بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهن، ليس أولئك بخياركم» [صحيح الجامع، للألباني (7360)].
إن النبي صلى الله عليه وسلم في بداية الأمر لم يرد أن يضرب الأزواج زوجاتهم؛ لأن هذا أسلوب لا يرضاه النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان يخشى أن يكون الضرب من غير ضوابط، وعندما أخبره سيدنا عمر رضي الله عنه بأن النساء اجترأن ونشزن على أزواجهن رخص النبي صلى الله عليه وسلم في الضرب؛ مخافة أن تجترئ النساء على أزواجهن، فلما رخص في الضرب جاءته سبعون امرأة يشتكين أزواجهن، فحزن النبي لذلك حزنًا شديدًا؛ لأن الضرب لم يكن لأجل الضرب إنما كان مخافة نشوز الأزواج، عندها نزع النبي صلى الله عليه وسلم صفة الخيرية عن هؤلاء الأزواج الذين يضربون زوجاتهم دون ضوابط، ودون المرور بالخطوات التي تسبق الضرب، فآخر العقاب الضرب.
والدليل على أن الأزواج لم يلجئوا إلى الخطوات التي تسبق الضرب، أنهم قاموا بالضرب مباشرة من أول يوم رخص فيه النبي صلى الله عليه وسلم في الضرب.
إن على الآباء والأمهات ألا يلجئوا إلى الضرب إلا عند الضرورة القصوى، وبعد استنفاذ الوسائل والسبل التي تسبق الضرب؛ كالتهديد والوعيد وتوسط الشفعاء؛ وذلك لإحداث الأثر المطلوب في إصلاح الطفل.
إن القيام بالضرب مباشرة عند خطأ الأبناء يؤدي إلى تحطيم وتهشيم الشرائح النفسية للأبناء؛ ذلك لأن الضرب هو آخر العقاب، وعندما تلجأ إليه في بادئ الأمر فإنك بذلك تؤدي إلى هدم نفسية الابن مرة واحدة، أما إذا سبق هذا الموعظة ثم الحرمان من بعض الامتيازات، ثم التهديد بالعقوبة فإنك بهذه المراحل تمر على الشرائح النفسية للابن، وتتعامل معها تدريجيًا، أما اللجوء إلى الضرب مرة واحدة يهدم هذا التدريج.
"فينبغي ألا نلجأ إلى الضرب إلا بعد استنفاد كل الوسائل الأخرى، فهو أشبه بالتدخل الجراحي من الطبيب، فإذا اضطررنا إليه فلنتقيد بآدابه التي ذكرها علماء التربية الإسلامية، والتي منها أن الابن لا يضرب قبل سن العاشرة، كما لا يجوز ضربه على الرأس أو الوجه، كما لا ينبغي إيقاع الضرب والمربي في قمة غضبه، نعم يمكن أن يهدده وقت اكتشاف الخطأ ثم ينفذ بعد أن يهدأ غضبه، ومنها ألا يضرب أمام أحد، وألا يكون الضرب مبرحًا فيترك آثارًا نفسية جسيمة، ولا يطلب من الطفل الاعتذار أثناء الضرب أو بعده" [دليل التربية الإسلامية، للدكتور عبد الكريم بكار، ص153].