logo

تربية الأبناء على الآداب الشرعية


بتاريخ : الجمعة ، 1 شعبان ، 1443 الموافق 04 مارس 2022
بقلم : تيار الاصلاح
تربية الأبناء على الآداب الشرعية

التربية عمل شاق، وجهد يحتاج إلى وقت، وهي مهمة ليست جديدة، وهي عمل فاضل، وتبرز أهمية الكلام في هذا الموضوع في النقاط التالية :

1- الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة، ومن بعدهم من السلف الصالح في تربية أتباعهم، وبمعرفة كيفية تربيتهم لأتباعهم يتمُ التعرف على كيفية تربيتنا لأولادنا.

2- الوضع الحالي للأمة: فالناظر لواقع الأمة يجد وضعًا سيئًا لم يمر عليها طوال الأزمنة المتقدمة، لقد أوشكت أن تعدم كثير من المبادئ الإسلامية في بعض البلدان الإسلامية، وبالتربية يمكن معالجة هذا الوضع.

3- بالتربية يتم إيجاد الحصانة الذاتية لدى الولد، فلا يتأثر بما يقابله من شهوات وشبهات؛ لأنها تقوى مراقبته لله فلا ينتهك حرمات الله إذا خلا بها، ولا يتأثر بالشهوات التي تزينت في هذا العصر تزينًا عظيمًا فأصبحت تأتي للمسلم ولو لم يأتها، ولا بالشبهات التي قد تطرأ على عقله .

4- التربية تهيئ الولد للقيام بدوره المنوط به؛ دوره لنفع نفسه ونفع مجتمعه وأمته.

5- تتبين أهمية التربية من خلال وجود الحملة الشرسة، لإفساد المجتمع من قبل أعداء الإسلام، فوجود هذه الحملة لا بد أن يقابل بتربية للأولاد حتى يستطيعوا دفعها عن أنفسهم ومجتمعهم .

إن وجود بعض الأمراض التي انتشرت في الأمة سببهُ التقصير في التربية أو إهمالها، فالسفور والتبرج والمخدرات والمعاكسات وغيرها؛ انتشرت بسبب الإهمال في التربية أو التقصير فيها .

وللتربية جوانب مختلفة، فهناك التربية الإيمانية، والتربية الخلقية، والتربية الجسمية، والتربية العقلية، والتربية النفسية، والتربية الاجتماعية، والتربية الجنسية وغيرها .

أي لا بد أن نفهم أن التربية ليست قاصرة على تربية الجسم فقط، وليست قاصرة على تعريف الولدِ ببعض الأخلاق والآداب فقط، بل هي أوسع وأشمل من هذا .

والتربية ليست قاصرة على الوالدين فقط، فهناك إلى جانبِ الأسرة المدرسة، وهناك المسجد، وهناك التجمعات الشبابية سواء صالحة أم غير صالحة، وهناك وسائل الإعلام وغيرها، فكل هذه المذكورات يشارك في عملية التربية.

لقد حث الإسلام على تربية الأولاد، ومحاولة وقايتهم من النار فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم: 6]، قال قتادة: يأمرهم بطاعة الله، وينهاهم عن معصية الله، وأن يقوم عليهم بأمر الله، ويأمرهم به ويساعدهم عليه، فإذا رأيت لله معصية، قعدتهم عنها وزجرتهم عنها.

وهكذا قال الضحاك ومقاتل: حق على المسلم أن يعلم أهله، من قرابته وإمائه وعبيده، ما فرض الله عليهم، وما نهاهم الله عنه (1).

إن المؤمن مكلف هداية أهله، وإصلاح بيته، كما هو مكلف هداية نفسه وإصلاح قلبه.

والبيت المسلم هو نواة الجماعة المسلمة، وهو الخلية التي يتألف منها ومن الخلايا الأخرى ذلك الجسم الحي، المجتمع الإسلامي..

إن البيت الواحد قلعة من قلاع هذه العقيدة، ولا بد أن تكون القلعة متماسكة من داخلها حصينة في ذاتها، كل فرد فيها يقف على ثغرة لا ينفذ إليها، وإلا تكن كذلك سهل اقتحام المعسكر من داخل قلاعه، فلا يصعب على طارق، ولا يستعصي على مهاجم! وواجب المؤمن أن يتجه بالدعوة أول ما يتجه إلى بيته وأهله، واجبه أن يؤمن هذه القلعة من داخلها، واجبه أن يسد الثغرات فيها قبل أن يذهب عنها بدعوته بعيدًا.

ولا بد من الأم المسلمة، فالأب المسلم وحده لا يكفي لتأمين القلعة، لا بد من أب وأم ليقوما كذلك على الأبناء والبنات، فعبثًا يحاول الرجل أن ينشئ المجتمع الإسلامي بمجموعة من الرجال، لا بد من النساء في هذا المجتمع فهن الحارسات على النشء، وهو بذور المستقبل وثماره.

إن أول الجهد ينبغي أن يوجه إلى البيت؛ إلى الزوجة، إلى الأم، ثم إلى الأولاد وإلى الأهل بعامة، ويجب الاهتمام البالغ بتكوين المسلمة لتنشئ البيت المسلم، وينبغي لمن يريد بناء بيت مسلم أن يبحث له أولًا عن الزوجة المسلمة، وإلا فسيتأخر طويلًا بناء الجماعة الإسلامية، وسيظل البنيان متخاذلًا كثير الثغرات، وفي الجماعة المسلمة الأولى كان الأمر أيسر مما هو في أيامنا هذه.. كان قد أنشئ مجتمع مسلم- في المدينة- يهيمن عليه الإسلام، يهيمن عليه بتصوره النظيف للحياة البشرية، ويهيمن عليه بتشريعه المنبثق من هذا التصور.

يتعين على الآباء المؤمنين الذين يريدون البعث الإسلامي أن يعلموا أن الخلايا الحية لهذا البعث وديعة في أيديهم، وأن عليهم أن يتوجهوا إليهن وإليهم بالدعوة والتربية والإعداد قبل أي أحد آخر، وأن يستجيبوا لله وهو يدعوهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نارًا} ونرجع الكرة- بهذه المناسبة- إلى طبيعة الإسلام التي تقتضي قيام الجماعة المسلمة التي يهيمن عليها الإسلام، والتي يتحقق فيها وجوده الواقعي، فهو مبني على أساس أن تكون هناك جماعة. الإسلام عقيدتها، والإسلام نظامها، والإسلام شريعتها، والإسلام منهجها الكامل الذي تستقي منه كل تصوراتها.

هذه الجماعة هي المحضن الذي يحمي التصور الإسلامي ويحمله إلى النفوس، ويحميها من ضغط المجتمع الجاهلي، كما يحميها من فتنة الإيذاء سواء.

ومن ثم تتبين أهمية الجماعة المسلمة التي تعيش فيها الفتاة المسلمة والمرأة المسلمة، محتمية بها من ضغط المجتمع الجاهلي حولها، فلا تتمزق مشاعرها بين مقتضيات تصورها الإسلامي وبين تقاليد المجتمع الجاهلي الضاغط الساحق، ويجد فيها الفتى المسلم شريكة في العش المسلم، أو في القلعة المسلمة، التي يتألف منها ومن نظيراتها المعسكر الإسلامي.

إنها ضرورة- وليست نافلة- أن تقوم جماعة مسلمة، تتواصى بالإسلام، وتحتضن فكرته وأخلاقه وآدابه وتصوراته كلها، فتعيش بها فيما بينها، وتعيش لها تحرسها وتحميها وتدعو إليها، في صورة واقعية يراها من يدعون إليها من المجتمع الجاهلي الضال ليخرجوا من الظلمات إلى النور بإذن الله، إلى أن يأذن الله بهيمنة الإسلام.

حتى تنشأ الأجيال في ظله، في حماية من الجاهلية الضاربة الأطناب (2).

ومدح عباد الرحمن بأنهم يقولون: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: 74].

قال القرطبي: وذلك أن الإنسان إذا بورك له في ماله وولده قرت عينه بأهله وعياله، حتى إذا كانت عنده زوجة اجتمعت له فيها أمانيه من جمال وعفة ونظر وحوطة أو كانت عنده ذرية محافظون على الطاعة، معاونون له على وظائف الدين والدنيا، لم يلتفت إلى زوج أحد ولا إلى ولده، فتسكن عينه عن الملاحظة، ولا تمتد عينه إلى ما ترى، فذلك حين قرة العين، وسكون النفس (3).

وحرص السلف على تربية أبنائِهم، وكانوا يتخذون لهم المربين المتخصصين في ذلك، وأخبارهم في ذلك كثيرة .

ولا شك أن للتربية أثر كبير في صلاح الأولاد؛ فالأولاد يولدون على الفطرة، ثم يأتي دور التربية في المحافظة على هذهِ الفطرة أو حرفها «كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه، كمثل البهيمة تنتج البهيمة هل ترى فيها جدعاء» (4)، والولد على ما عوده والده.

وينشأ ناشئ الفتيـان منـا       على ما كان عوده أبـوه

والولدُ في صغرهِ أكثرُ استقبالًا واستفادةً من التربية .

قد ينفع الأدب الأولاد في صغر    وليس ينفعُهم من بعـده أدب

الغصـون إذا عـدلتها اعتدلت      ولا يلين ولو لينتـه الخشب

فالولد الصغير أمانة عند والديه إن عوداه الخير اعتاده، وإن عوداه الشر اعتاده .

كيفية تربية الأولاد:

1- اختيار الزوجة الصالحة، والزوج الصالح :

اختيار الزوجة الصالحة أو الزوج الصالح، هو الخطوة الأولى للتربية السليمة، وتعرفون حديث: «إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض، وفساد عريض» (5)، ومع ذلك في مجتمعاتنا الكثير من العادات والتقاليد التي تعرقل زواج الشباب أخطرها المغالاة في المهور وفي النفقات والنظر إلى المظاهر.. إلخ، وكأن الحق تبارك وتعالى يقول لأولياء الأمور: يسِّروا للشباب أمور الالتقاء الحلال ومهَّدوا لهم سبيل الإعفاف.

وقد أعطانا القرآن نموذجًا لما ينبغي أن يكون عليه وليُّ الأمر، فقال تعالى عن سيدنا شعيب عليه السلام: {قَالَ إني أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابنتي هَاتَيْنِ} [القصص: 27]، ذلك لأن موسى عليه السلام سيكون أجيرًا عنده، وربما لا يتسامى إلى أن يطلب يد ابنته؛ لذلك عرضها عليه وخطبه لها وشجَّعه على الإقبال على زواجها، فأزال عنه حياء التردد، وهكذا يجب أن يكون أبو الفتاة إنْ وجد لابنته كفؤًا، فلا يتردد في إعفافها، قال تعالى: {وَالصَالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمائِكُمْ} [النور: 32]، وقوله صلى الله عليه وسلم: «تُنكح المرأة لأربع: لمالها، وجمالها، وحسبها ودينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك» (6).

2- الدعاء بأن يرزقه الله ذرية صالحة، وهذا قبل أن يرزق بالأولاد {رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ} [آل عمران: 38]، {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ} [الصافات: 100].

فكانت الاستجابة التي لا تتقيد بسن، ولا تتقيد بمألوف الناس لأنها تنطلق من المشيئة المطلقة التي تفعل ما تريد..، لقد استجيبت الدعوة المنطلقة من القلب الطاهر، الذي علق رجاءه بمن يسمع الدعاء ويملك الإجابة حين يشاء..

لقد استجيبت الدعوة، ولم يحل دونها مألوف البشر الذي يحسبونه قانونًا، ثم يحسبون أن مشيئة الله سبحانه مقيدة بهذا القانون! وكل ما يراه الإنسان ويحسبه قانونًا لا يخرج عن أن يكون أمرًا نسبيًا- لا مطلقًا ولا نهائيًا- فما يملك الإنسان وهو محدود العمر والمعرفة، وما يملك العقل وهو محكوم بطبيعة الإنسان هذه، أن يصل إلى قانون نهائي ولا أن يدرك حقيقة مطلقة.. فما أجدر الإنسان أن يتأدب في جناب الله (7).

3- التسمية عند الجماع، للحديث: «لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله، فقال: باسم الله، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فإنه إن يقدر بينهما ولد في ذلك لم يضره شيطان أبدًا» (8).

4- ما يفعلهُ إذا رزق بمولود من مثل: الأذان في أذنِه وتحنيكه وحلق رأسه، واختيار الاسم الحسن له، والعقيقةُ عنه وختانه .

5- غرس العقيدة والإيمان في نفسه؛ وذلك بما يلي :

أ- تعليمه أركان الإيمان وأركان الإسلام، والإيمان بالأمورِ الغيبية، كالقبر ونعيمه وعذابه، وأن هناك جنة ونار .

ب- تنمية المراقبة لله عنده {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ} [لقمان: 16]، لا تخفى عليه خافية، ولا يعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض.

ج- لفت انتباهه إلى قدرة الله المطلقة في كل شيء.

إذا رأى البحر قال: من خلقه؟ من الذي خلق الجبال العظيمة والحيوانات الكبيرة؟ وهكذا .

د- تنمية محبة الله وخوفه في نفسه؛ وذلك بإسداء كل نعمة إلى الله، والتحذير من عقاب الله، والتخويف منه.

هـ- على الأعمال الصالحة، بتعليمه الصلوات والقرآن، والخشوع فيهما والأذكار ونحو ذلك.

و- قراءةُ بعض آيات وأحاديث الترغيب والترهيب، وشرح ما يتيسر.

ز- تسجيله في حلقة من حلقِ تحفيظ القرآن، ومتابعتهِ في ذلك.

ح- اصطحابه لزيارة المقبرة، أو زيارة المستشفى .

6- غرس الأخلاق الحميدة في نفسه:

أ- يربيه على الصدق والأمانة، والاستقامةِ والإيثار، ومساعدة المحتاج، وإكرام الضيف، وغير ذلك من الصفات الحميدة المعروفة .

ب- يربيه على تجنب الأخلاق الرديئة من مثل الكذب، والسب والشتائم والكلمات القبيحة.

ج- قراءة بعض الأحاديث التي ترغب في مكارم الأخلاق وتنهى عن سفا سفها .

7- تربيته على مراعاة حقوق الآخرين :

فيربى على مراعاة حقوق الوالدين، فلا يمشي أمامهما ولا يناديهما بأسمائهما مجردة هكذا، بدون كلمة أمي أو أبي، ولا يجلس قبلهما، ولا يتضجر من نصائحهما، ولا يخالف أمرهما، ولا يبدأ بالطعام قبلهما، وأن يدعو لهما ولا يرفع صوته أمامهما، ولا يقاطعهما أثناء الكلام، ولا يخرج إلا بإذنهما، ولا يزعجهما إذا كانا نائمين، ولا يمد رجليه عندهما، ولا يدخل قبلهما، ويُلبي نداءَهما بسرعة، إلى غيرها من الآداب مع الوالدين .

وأنبهك أيها الوالد إلى نقطة وهي: لا تربط احترام ولدك لك بكثرةِ ما تعطيه، وإنما اربطه بحقك عليه الذي شرعه الله.

كما يربيه على صلة الرحم، وحق الجار، وحق المعلم، وحق الصديق، وحق الكبيرِ ونحو ذلك.

8- تربيتهُ على التزام الآداب الاجتماعية:

فيراعي آداب الطعام، وآداب السلام، وآداب الاستئذان، وآداب المجلس، وآداب الكلام، وغيرها من الآداب، وليس المجال مجال ذكر هذه الآداب فبإمكانك الرجوع إلى الكتب ومعرفتها .

9- تربيته على الثقة بالنفس، بتعويده الجرأة والشجاعة والصراحة، وإعطاؤه حرية التصرف، وتحمل المسئولية، وممارسة الأمور على قدر نموه، وأخذ رأيه ومشورته، وتعويده على أنه لا يلزم أن يؤخذ باقتراحه أو رأيه.

10- مراعاة استعدادات الولد: فبعض الأولادِ قد لا ينجح في الدراسة، فإذا كان الأمر كذلك فوجهه إلى ما يمكن أن يحسنه، بعض الآباء يجعل نجاح الابنِ وفشله متوقفًا على نجاحه وفشله في الدراسة فقط، فالدراسة عنده هي الطريق الوحيدِ للنجاح والفشل، ولا شك أن هذا خطأ، فربما يفشل الابن  في الدراسة ولكنه ينجح في شيء آخر، فلا بد أن تراعى استعدادات الابن.

11- تعليمهُ أحكامَ البلوغ؛ فتعلم ابنك الاحتلام وما يترتب عليه، والأم تعلم بنتها أحكامَ الحيض، إننا نسمع كثيرًا أسئلة من بنات حضن ولم يخبرن أهليهن، فحصل منهن أخطاء، كأن تطوف أو تصوم وهي حائض، ثم تسأل ماذا عليها الآن بعد أن كبرت، ولو أن الأمهات انتبهن لهذه النقطة لكان عند البنت المعرفة المسبقة بهذا الحيض وأحكامه .

12- إيجاد التصورات الصحيحة عند الولد؛ فهناك مفاهيم يجب أن تفهم الفهم الصحيح، إذ إن الفهم الخاطئ لها يوقعُ في الخلل، ومن ذلك مفهوم العبادة التي يحصرها كثير من المسلمين في العبادات التي لا يتعدى نفعها إلى غير فاعلها، وهذا لا شك أن هذا خطأ،  فالعبادة أشمل من هذا، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عبادةً وليس تدخلًا في حريات الآخرين، بعض الآباء إذا رأى ابنه يأمر بالمعروف أو ينهى عن المنكر، قال له: مالك وللناس عليك بنفسك فقط .

13- إيجاد القناعات المتأصلةِ في النفس بالمعتقداتِ والأفكار الإسلامية، من مثل الحجاب، فتقتنعُ البنت به، وأنه إنما ترتديه امتثالًا لأمر الله، لا تقليدًا للأمهات، وإذا كان الشيء المأمور به شرعًا، إنما يعمل تقليدًا فقط، ويجعلُ من العادات والتقاليد فقط، فإنه سرعان ما يترك.

وعندما أقول ما سبق، لا أقصد أنه يلزم أن يقتنع المسلم بتعاليم الله، وتدخل مزاجه وعقله، لا؛ لأن الله سبحانه هو الذي شرع هذه التعاليم، وهو أعلم بما يصلح للناس، وليس الناس بعقولهم القاصرة يحكمون على هذه التعاليم، ومدى صلاحيتها لنا.

الوصول إلى التربية :

أو ما الوسائل التي نسلكها لتحقيق الأشياءِ المذكورة سابقًا.

لتحقيق ما سبق نحتاج إلى ما يلي :

1- القدوة الحسنة: وهي من أقوى وسائل التربية تأثيرًا؛ وذلك لأن الولد ينظر إلى مربيهِ وماذا يعمله ويستفيد من فعله أكثر من قوله، فالولد إذا رأى مربيه ينهاه عن شيءٍ ثم يفعله، كيف ينتهي الولد عن هذا؟ والمفترض أن يكون المربي قدوة لمن يربيهم، فمثلًا: إذا أذن أسكت للترديد مع المؤذن، وبسرعة توضأ، وخذهم معك  للصلاة، إذا كلمَّ أحدهم في الهاتف لا تقل لهم قولوا إني غير موجود، فتعودهم على الكذب .

 والقدوة تكون في الأبوين، وفي الرفقة الصالحة، وفي المعلم.

فإذا كان أولئكَ قدوة صالحة لمن يربونهم، أنتجت تربيتهم إنتاجًا سليمًا صالحًا، وأما إن كانوا بالعكس، ويُخالفُ قولهم فعلهم فلن يستفيد المتربي منهم شيئًا إلا التناقض، وكذلك القدوة تكون في الأخِ الأكبر، ولذا ينبغي التنبه للمولود الأول، فيهتمُ بتربيته اهتمامًا كبيرًا، لأنَّهُ سيكون قدوة لأخوته الذين يأتون من بعده.

2- المراقبة والملاحظة: ينبغي ألا يغفلَ الوالد عن ولده، بل يلاحظه ويراقبه دون أن يشعر الولد، سواء كان الولد ابنًا أو بنتًا، فيراقب ذهابه للمدرسة ورجوعه منها، ويراقب كتبه ومكتبته، وأدراجهِ وغير ذلك، وليكن هذا بشكلٍ سريٍ جدًا، ولا أقصد بالمراقبة أن تكون مجهرًا على تصرفاتهما، ولكن المطلوب عدم الغفلة، وأيضًا أن تكونَ المراقبة من بعد دون أن يشعر الولد بهذا.

3- التحذير: يحذره من المعاصي على مختلف أنواعها التي يمكن أن يقع فيها، ويحذره من الشرِّ وأهله، وأسباب الوقوع فيه، وأساليب أهله في إيقاع غيرهم فيه، كأن يحذر ابنته عندما تسمع معاكسًا أن ترد عليه، أو أن تفتحَ له مجالًا ليكلمها، بل تعلم أن تغلق السماعة مباشرة.

4- التلقين: بأن يلقنه مثلًا السور من القرآن، وبعض الأحاديث والأدعية والأذكار، وماذا يقول لوالديه إذا رآهما؟ وماذا يقول للضيف إذا قدم وهكذا؟!

5- التعويد: أن يعوده على ما يريد؛ يعودهُ أنه يبكر إلى الصلاة، يعودهُ على أن الاثنين يصام، يعوده مثلًا على القيام قبل الفجر ولو قليلًا، يعوده على أنه يقرأ القرآن يوميًا وهكذا .

6- الترغيب والترهيب: بأن يُشجعه أحيانًا بالكلمة الطيبة، وبالهدية أحيانًا، وقد يلجأ إلى ترهيبه وإخافته من فعل شيء أو ترك شيء .

7- الموعظة: يعظه بأسلوب جيد، كأن يبدأ بالاستعطاف؛ يا بني، ويا بنيتي، وربما يقص عليه قصة فيها عبرة وعظة، وربما يستعمل معه السؤال والجواب؛ كأن يقول ألا تريد الجنة، ألا تخاف من النار، ويمكنه أن يغتنم المناسبات، ويستفيد من المواقف، كأن يرى زحامًا شديدًا فيذكره بالقيامة، أو يراه فرحًا بنتيجة الامتحان فيقول له مثلًا: وإن شاء الله ستفرح في الآخرة أيضًا ما دمت تطيع الله، وهكذا، وينبغي الاقتصاد في الموعظة وعدم الإكثار منها لئلا يمل الولد.

8- القراءة: سواءً تقرأ عليهِ وعلى الأسرةِ شيئًا مفيدًا من مثل سيرةَ الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرةَ السلف الصالح، أو بعضَ القصصِ المُفيدةِ ونحو ذلك، أو هو يقرأُ بتشجيعٍ منك، وتوفيرٌ للكتب .

9- زرع مراقبة الله في نفسه: حتى يشعر أن عليه رقيبًا في كل أحواله، وبهذا يعمل العمل الجميل ولو لم تره، ويتجنب العمل القبيح ولو لم تره .

10- العقوبة: قد يلجأ إليها المربي بعد أن يستنفد التوجيه والإرشاد والوعظ والهجر، وهذا الضرب يراعى فيه التدرج من الأخف إلى الأشد، وأن لا يعامل الولد دائمًا بالعقوبة، وألا يعاقبَ من أولِ زلة، وألا يجعلَ عقوبات الأخطاء متساوية مع اختلاف الأخطاء صغرًا وكبرًا، بل لا بد أن تختلف العقوبة من خطأ لآخر، ثم يتجنب المواضع الخطرة كالرأس والوجه، وأيضًا لا يوكل مهمة الضرب لغيره، كأن يجعل أخاه الأكبر هو الذي يضربه، لأن هذا يزرع بينهم العداوةَ والبغضاء، ثم إذا استقام الولد على الطريق فليلزم أن يبسط له الوالد، ويهش له، ويتلطف معه، ولا يستمر على غضبه عليه (9).

----------

(1) تفسير ابن كثير (8/ 167).

(2) في ظلال القرآن (6/ 3620).

(3) تفسير القرطبي (13/ 82).

(4) أخرجه البخاري (1385).

(5) أخرجه الترمذي (1084).

(6) أخرجه البخاري (5090)، ومسلم (1466).

(7) في ظلال القرآن (1/ 394).

(8) أخرجه البخاري (7396).

(9) تربية الأبناء على مكارم الأخلاق/ موسوعة الأخلاق.