تربية أطفالنا على معاني الرجولة
عن أبي بكرة قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر والحسن بن علي إلى جنبه، وهو يقبل على الناس مرة، وعليه أخرى ويقول: «إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين» (1).
والشاهد أن البداية كانت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي غرس هذه المعاني النبيلة والأخلاق الكريمة والقيم الرفيعة في شخصية الحسن بن علي رضي الله عنهما منذ نعومة أظفاره وحداثة سنه، فارتقى بها وكبرت معه وترجمها في واقعه وسلوكه، فحافظ على أمة الإسلام وحقن دماء إخوانه وأعدائه، ليرتقي بذلك الحدث الجليل إلى منزلة السيادة الحقيقية التي أخبر عنها سيد البشرية صلى الله عليه وسلم، فليظفر غيره بسيادة من الناس مزعومة، وليرقى هو بسيادة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم لا وهو أحد أسياد شباب أهل الجنة، فمن له بمثلها، وماذا فقد من نال مثل هذا المنال، وارتقى مثل هذا المرتقى؟
في دار من دور المدينة المباركة، جلس عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى جماعة من أصحابه، فأراد أن يعرف آمالهم، فقال لهم: تمنوا؟
فقال بعضهم: أتمنى لو أن هذه الدار مملوءة ذهبًا أنفقه في سبيل الله وأتصدق، وقال رجل: أتمنى لو أنها مملوءة زبرجدًا وجوهرًا فأنفقه في سبيل الله وأتصدق، ثم قال عمر: تمنوا، فقالوا: ما ندري يا أمير المؤمنين، فقال عمر: أتمنى لو أنها مملوءة رجالًا مثل أبي عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل، وسالم مولى أبي حذيفة، وحذيفة بن اليمان (2).
هذه كانت أمنية عمر رضي الله عنه وأرضاه.
فرحم الله عمر الملهم، لقد كان خبيرًا بما تقوم به الحضارات الحقة، وتنهض به الرسالات الكبيرة، وتحيا به الأمم الهامدة، هم الرجال الذين يحققوا ذلك، لأن الأمم والرسالات تحتاج إلى المعادن المذخورة، والثروات المنشورة، ولكنها تحتاج قبل ذلك إلى الرؤوس المفكرة التي تستغلها، والقلوب الكبيرة التي ترعاها، والعزائم القوية التي تنفذها؛ إنها تحتاج إلى الرجال.
فوالله لرجل أعزّ من كل معدن نفيس، وأغلى من كل جوهر ثمين، ولذلك كان وجودُه عزيزًا في دنيا الناس، حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما الناس كالإبل المائة، لا تكاد تجد فيها راحلة» (3).
فالرجل الكفء الصالح هو عماد الرسالات، وروح النهضات، ومحور الإصلاح ومحاربة الفساد.
فأعدَّ ما شئت من معامل السلاح والذخيرة، فلن تقتل الأسلحةُ إلا بالرجل المحارب، وضع ما شئت من مناهج للتعليم والتربية، فلن يقوم المنهج إلا بالرجل الذي يقوم بتدريسه، وأنشئ ما شئت من لجان فلن تنجز مشروعًا إذا حُرمتَ الرجل الغيور!!
ذلك هو ما يقوله الواقع الذي لا ريب فيه، فإن القوة ليست بحد السلاح بقدر ما هي في قلب الجندي، والتربية ليست في صفحات الكتاب بقدر ما هي في روح المعلم، وإنجاز المشروعات ليس في تكوين اللجان بقدر ما هو في حماسة القائمين عليها.
فلله ما أحكم عمر حين لم يتمنَّ فضة ولا ذهبًا، ولا لؤلؤًا ولا جوهرًا، ولكنه تمنى رجالًا من الطراز الممتاز الذين تتفتح على أيديهم كنوز الأرض، وأبواب السماء، فإن رجلًا واحدًا قد يساوي مائة، ورجلًا قد يوازي ألفًا ورجلًا قد يزن شعبًا بأسره، وقد قيل: رجل ذو همة يحيي أمة، فيعد بألف من رجال زمانه.
فلذلك لما حاصر خالد بن الوليد رضي الله عنه الحيرة، طلب من أبي بكر الصديق رضي الله عنه وارضاه مددًا، فما أمده إلا برجل واحد هو القعقاع بن عمرو التميمي، وقال: لا يهزم جيش فيه القعقاع، وكان يقول: لصوت القعقاع في الجيش خير من ألف مقاتل.
ولما طلب عمرو بن العاص رضي الله عنه المدد من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في فتح مصر كتب إليه: أما بعد: فإني أمددتك بأربعة آلاف رجل، على كل ألف: رجل منهم مقام الألف: الزبير بن العوام، والمقداد بن عمرو، وعبادة بن الصامت، ومسلمة بن مخلد؛ فهؤلاء هم الرجال الرجال.
لكن لنعلم جميعًا إن الرجولة ليست بالسن المتقدمة، فكم من شيخ في سن السبعين وقلبه في سن السابعة، يفرح بالتافه، ويبكي على الحقير، ويتطلع إلى ما ليس له، ويقبض على ما في يده قبض الشحيح حتى لا يشركه غيره، فهو طفل صغير، ولكنه ذو لحية وشارب.
وكم من غلام في مقتبل العمر، ولكنك ترى الرجولة المبكرة في قوله وعمله وتفكيره وخلقه؛ لأنه تربى تربية صحيحة، وعلم ما معنى الرجولة الحقيقية، ولذلك لما مر عمر رضي الله عنه على ثلة من الصبيان يلعبون فهرولوا هاربين من سيدنا عمر، وبقي صبي منفرد في مكانه لم يهرب هو عبد الله بن الزبير، فسأله عمر: لِمَ لَمْ تعدُ مع أصحابك أي تهرب؟ فقال: يا أمير المؤمنين: لم أقترف ذنبًا فأخافك، ولم تكن الطريق ضيقةً فأوسعها لك، فتبسم عمر رضي الله عنه وأرضاه وأعُجب بجراءة هذا الغلام القائمة على الحق والرجولة.
أولئك كانوا في زمانهم هم الصغار الكبار، وفي دنيانا وزماننا نحن ما أكثر الكبار الصغار؟
فليست الرجولة ببسطة الجسم، وطولِ القامة، وقوةِ البنية والعضلات، فقد قال الله عن طائفة من المنافقين: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ} ومع هذا فهم: {كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ}، من الجبن والخوف لأنهم ليسوا رجالًا بل أشباه الرجال، وفي الحديث الصحيح: «يأتي الرجل العظيم يوم القيامة فلا يزن عند الله جناح بعوضة، اقرءوا إن شئتم قوله تعالى: {فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} [الكهف: 105] (4).
فعبد الله بن مسعود رضي الله عنه نحيفًا نحيلًا، فانكشفت ساقاه يومًا وهما دقيقتان هزيلتان فضحك بعض الصحابة: فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: «ما يضحككم من دقة ساقيه، والذي نفسي بيده إنهما أثقل في الميزان من أحد» (5).
فليست الرجولة بالسن ولا بالجسم ولا بالمال ولا بالجاه، وإنما الرجولة قوة نفسية تحمل صاحبها على معالي الأمور، وتبعده عن سفسافها، قوةٌ تجعله كبيرًا في صغره، غنيًا في فقره، قويًا في ضعفه، قوةٌ تحمله على أن يعطي قبل أن يأخذ، وأن يؤدي واجبه قبل أن يطلب حقه: يعرف واجبه نحو نفسه، ونحو ربه، ونحو بيته، ونحو دينه، ونحو أمته ووطنه.
فالرجولة بإيجاز هي قوة الخُلُق وخُلُق القوة.
فإن خير ما تقوم به دولة لشعبها، وأعظم ما يقوم عليه منهج تعليمي، وأفضل ما تتعاون عليه أدوات التوجيه كلها من صحافة وإذاعة، ومسجد ومدرسة، هو صناعة هذه الرجولة، وتربية هذا الطراز من الرجال في زماننا هذا.
ولن تترعرع الرجولة الحقيقية، ويتربى الرجال الصالحون، إلا في ظلال العقائد الراسخة، والفضائل والأخلاق الثابتة، والمعايير الأصيلة، والتقاليد والعادات المرعية، والحقوق المكفولة.
أما في ظلام الإلحاد الكافر والانحلال السافر، فلن توجد رجولة صحيحة، كما لا ينمو الغرس إذا حُرِم الماء والهواء والضياء.
فلذلك فلم تر الدنيا الرجولة في أجلى صورها وأكمل معانيها كما رأتها في تلك النماذج الكريمة التي صنعها الإسلام على يد رسوله العظيم، من رجال يكثرون عند الفزع، ويقلون عند الطمع، لا يغريهم الوعد، ولا يلينهم الوعيد، لا يغرهم النصر، ولا تحطمهم.
فوالله انها لتُعجبنا ولكنها تؤلمنا في نفس الوقت كلمة نسمعها من رجل غربي مستشرق ليس بمسلم؛ ولكنه درس تعاليم الإسلام السمحة الشاملة، فقال في إعجاب مرير عن الدين الاسلامي: يا له من دين لو كان له رجال.
وهذا الدين الذي يشكو قلة الرجال يضم ما يزيد على ألف مليار مسلم، ينتسبون إليه، ويحسبون عليه، ولكنهم كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم غثاء كغثاء السيل، أو كما قال الشاعر:
يثقلون الأرض من كثرتهم ثم لا يغنون في أمر جلل
فلن ينهض بديننا ومجتمعاتنا العربية المسلمة رجال أهمتهم أنفسهم، وحكمتهم شهواتهم، وسيرتهم مصالحهم، فلا وثقوا بأنفسهم، ولا اعتمدوا على ربهم، رجال يجمعهم الطمع، ويفرقهم الخوف.
فوالله لو ظفر الإسلام في كل ألف من أبنائه برجل واحد فيه خصائص الرجولة، لكان ذلك خيرًا له وأجدى عليه من هذه الجماهير المكدسة التي لا يهابها عدو، ولا ينتصر بها صديق (6).
إن الرجولة قدرة على تحمل واستيعاب جوانب المسؤولية ومواجهة مصاعب الحياة بكل ثبات، والاستعداد لقول وتطبيق كلمة الحق والعدل والصدق والاخلاص وهي العنوان لتلك المواقف والظروف دون مبالاة برضا البشر أو سخطهم، لا يلجأ إلى المُشاجرات أو الصياح أو استخدام القوة البدنية أو اللفظية، بل يلجأ إلى الأسلوب اللين والحكمة والتعامل بتأن وعقلانية.
لا عجب في أن تنهار مفاهيم الرجولة والأنوثة في زمن الانهيارات والانتكاسات حيث قلبت المفاهيم وأخذت عكس مضامينها، وبدأ يخلط الكثيرون بين مفهومي الذكورة والرجولة، وعدم التفريق بينهما، فليس كل ذكر رجلًا، وإن كان كل رجل ذكر.
إن صفة الذكورة تطلق غالبًا في الأمور الدنيوية عند الميلاد وعند توزيع الميراث وما شابه ذلك، فهي كلمة تلفظ ليبين جنس الفرد، أما الرجولة صفة تصنعها التربية ومواقف الحياة، وتأتي في مواطن خاصة دون التعرض لما يعتنقه من مبادئ أو أخلاق أو قيم.
فثمة من يحصر الرجولة بالقوة والشجاعة والفتوة والعنف والصوت الجهوري، والظهور في المواقف الصعبة والأزمات للمساعدة، ومنهم من يفسرها بالكرم والاستضافة وإقامة الولائم، وآخرون يحددونها بالزعامة والقيادة، ومنهم من يظن أنها بتحصيل المال والغنى، ومنهم من يظن أنها في إماتة العواطفَ وإظهار الجَلافة والقسوة والهيمنة والتجبُّر، وكلما بدا مسيطرًا وحاسمًا وأصدر الأوامر والنواهي كان أكثر رجولة، إلى غير ذلك من تفاسير لمفهوم هذا المصطلح، والحقيقة أن الرجولة تحمل شيئًا من بعض المعاني السابقة لكنها ليست بالمعنى الذي يرمي إليه الكثير.
لقد كان اهتمام أصحاب البصيرة بالجوهر لا بالمظهر، وبالكيف لا بالكم، وبتربية العقول والأفهام قبل تربية البطون والأجسام، فالرجولة ليست بالجسم ولا بالمال ولا بالجاه، وإنما هي قوة نفسية تنأى بصاحبها عن صغائر الأمور وتبعده عن التفاهات، قوةٌ تجعله كبيرًا في صغره، غنيًا في فقره، قويًا في ضعفه، فقد ينقذ الرجل الواحد الموقف بمفرده بمواقفه الرجولية التي ربما عملها بمفرده، فهناك فوارق بين الرجولة كقيمة والرجولة كجسد، والرجولة الحقيقية تكمن في اكتمال صفاتها الجسمية والعقلية والخلقية.
مما يعاني منه كثير من الناس ظهور الميوعة وآثار التّرف في شخصيات أولادهم، وهذه من المشكلات التّربوية الكبيرة في هذا العصر، وهناك عدّة حلول إسلامية وعوامل شرعية لتنمية الرّجولة في شخصية الطّفل، ومن ذلك ما يلي:
أخذه للمجامع العامة وإجلاسه مع الكبار:
وهذا مما يلقّح فهمه ويزيد في عقله، ويحمله على محاكاة الكبار، ويرفعه عن الاستغراق في اللهو واللعب، وكذا كان الصحابة يصحبون أولادهم إلى مجلس النبي ومن القصص في ذلك: ما جاء عن معاوية بن قرة عن أبيه قال: كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس يجلس إليه نفر من أصحابه، وفيهم رجل له ابن صغير يأتيه من خلف ظهره، فيقعده بين يديه، فهلك فامتنع الرجل أن يحضر الحلقة لذكر ابنه، فحزن عليه، ففقده النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «مالي لا أرى فلانًا؟» قالوا: يا رسول الله، بنيه الذي رأيته هلك، فلقيه النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن بنيه، فأخبره أنه هلك، فعزاه عليه، ثم قال: «يا فلان، أيما كان أحب إليك أن تمتع به عمرك، أو لا تأتي غدًا إلى باب من أبواب الجنة إلا وجدته قد سبقك إليه يفتحه لك»، قال: يا نبي الله، بل يسبقني إلى باب الجنة فيفتحها لي لهو أحب إلي، قال: «فذاك لك» (7).
تحديثهم عن بطولات السابقين واللاحقين والمعارك الإسلامية وانتصارات المسلمين:
لتعظم الشجاعة في نفوسهم، وهي من أهم صفات الرجولة، وكان للزبير بن العوام طفلان أشهد أحدهما بعضَ المعارك، وكان الآخر يلعب بآثار الجروح القديمة في كتف أبيه كما جاءت الرواية عن عروة بن الزبير أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا للزبير يوم اليرموك: ألا تشد فنشد معك؟ فقال: إني إن شددت كذبتم، فقالوا: لا نفعل، فحمل عليهم حتى شق صفوفهم، فجاوزهم وما معه أحد، ثم رجع مقبلًا، فأخذوا بلجامه، فضربوه ضربتين على عاتقه، بينهما ضربة ضربها يوم بدر، قال عروة: «كنت أدخل أصابعي في تلك الضربات ألعب وأنا صغير»، قال عروة: «وكان معه عبد الله بن الزبير يومئذ وهو ابن عشر سنين، فحمله على فرس ووكل به رجلًا» (8).
قال ابن حجر في شرح الحديث: وكأن الزبير آنس من ولده عبد الله شجاعة وفروسية فأركبه الفرس وخشي عليه أن يهجم بتلك الفرس على ما لا يطيقه، فجعل معه رجلًا ليأمن عليه من كيد العدو إذا اشتغل هو عنه بالقتال (9).
وروى ابن المبارك في الجهاد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير، أنه كان مع أبيه يوم اليرموك، فلما انهزم المشركون حمل فجعل يجهز على جرحاهم، وقوله: يُجهز، أي يُكمل قتل من وجده مجروحًا، وهذا مما يدل على قوة قلبه وشجاعته من صغره (10).
تعليمه الأدب مع الكبار:
ومن جملة ذلك ما رواه أَبو هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يسلم الصغير على الكبير، والمار على القاعد، والقليل على الكثير» (11).
قال المهلب: هذه آداب من النبي عليه السلام، وأما وجه تسليم الصغير على الكبير فمن أجل حق الكبير على الصغير بالتواضع له والتوقير (12).
إعطاء الصغير قدره وقيمته في المجالس:
ومما يوضّح ذلك الحديث التالي: عن سهل بن سعد رضي الله عنه، قال: أتي النبي صلى الله عليه وسلم بقدح، فشرب منه، وعن يمينه غلام أصغر القوم، والأشياخ عن يساره، فقال: «يا غلام أتأذن لي أن أعطيه الأشياخ»، قال: ما كنت لأوثر بفضلي منك أحدًا يا رسول الله، فأعطاه إياه (13).
قال المهلب: إنما استأذن النبي عليه السلام الغلام في حديث سهل، ولم يستأذن الأعرابي في حديث أنس، لأن الأعرابي الذى كان عن يمين النبي عليه السلام كان من السادة والمشيخة، وكان طرى الهجرة لا علم له بالشرائع، فأعطاه النبي عليه السلام ولم يستأذن أبا بكر استئلافًا منه للأعرابي، وتطييبًا لنفسه، وتشريفًا له، ولم يجعل للغلام تلك المنزلة، لأنه كان من قرابته، وسنه دون سن الأشياخ الذين كانوا على يساره فاستأذنه في أن يعطيهم بادئًا عليهم، ولئلا يوحشهم بإعطاء ابن عمه وهو صبى، ويقدمه عليهم حتى أعلمهم أن ذلك يجب له بالتيامن في الجلوس، وقيل: إن الغلام: الفضل بن عباس (14).
تعليمهم الرياضات الرجولية:
كالرماية والسباحة وركوب الخيل وجاء عن أبي أمامة بن سهل، قال: كتب عمر إلى أبي عبيدة بن الجراح: أن علموا غلمانكم العوم، ومقاتلتكم الرمي، فكانوا يختلفون إلى الأغراض (15).
تجنيبه أسباب الميوعة والتخنث:
فيمنعه وليّه من رقص كرقص النساء، وتمايل كتمايلهن، ومشطة كمشطتهن، ويمنعه من لبس الحرير والذّهب، وقال مالك: وأنا أكره أن يلبس الغلمان شيئًا من الذهب لأنه بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن تختم الذهب، فأنا أكرهه للرجال، للكبير منهم والصغير (16).
تجنب إهانته خاصة أمام الآخرين:
عدم احتقار أفكاره وتشجيعه على المشاركة، عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وهي مثل المسلم، حدثوني ما هي؟» فوقع الناس في شجر البادية، ووقع في نفسي أنها النخلة، قال عبد الله: فاستحييت، فقالوا: يا رسول الله، أخبرنا بها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هي النخلة» قال عبد الله: فحدثت أبي بما وقع في نفسي، فقال: لأن تكون قلتها أحب إلي من أن يكون لي كذا وكذا (17).
واستدل به مالك على أن الخواطر التي تقع في القلب من محبة الثناء على أعمال الخير لا يقدح فيها إذا كان أصلها لله، وذلك مستفاد من تمني عمر المذكور، ووجه تمني عمر رضي الله عنه ما طبع الإنسان عليه من محبة الخير لنفسه ولولده، ولتظهر فضيلة الولد في الفهم من صغره، وليزداد من النبي صلى الله عليه وسلم حظوة، ولعله كان يرجو أن يدعو له إذ ذاك بالزيادة في الفهم، وفيه الإشارة إلى حقارة الدنيا في عين عمر؛ لأنه قابل فهم ابنه لمسألة واحدة بحمر النعم مع عظم مقدارها وغلاء ثمنها (18).
إعطاؤه قدره وإشعاره بأهميته:
وذلك يكون بأمور مثل:
- إلقاء السّلام عليه، وقد جاء عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «مر على غلمان فسلم عليهم» (19).
فيه استحباب السلام على الصبيان المميزين، والندب إلى التواضع وبذل السلام للناس كلهم، وبيان تواضعه صلى الله عليه وسلم وكمال شفقته على العالمين، واتفق العلماء على استحباب السلام على الصبيان ولو سلم على رجال وصبيان فرد السلام صبي منهم هل يسقط فرض الرد عن الرجال، ففيه وجهان لأصحابنا، أصحهما يسقط، ومثله الخلاف في صلاة الجنازة هل يسقط فرضها بصلاة الصبي؛ الأصح سقوطه، ونص عليه الشافعي، ولو سلم الصبي على رجل لزم الرجل رد السلام، هذا هو الصواب الذي أطبق عليه الجمهور (20).
- استشارته وأخذ رأيه.
- توليته مسئوليات تناسب سنّه وقدراته.
- استكتامه الأسرار.
ويصلح مثالًا لهذا والذي قبله حديث أنس، قال: أتى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا ألعب مع الغلمان، قال: فسلم علينا، فبعثني إلى حاجة، فأبطأت على أمي، فلما جئت قالت: ما حبسك؟ قلت بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجة، قالت: ما حاجته؟ قلت: إنها سر، قالت: لا تحدثن بسر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا قال أنس: والله لو حدثت به أحدًا لحدثتك يا ثابت (21).
وعن ابن عباس قال: كنت غلامًا أسعى مع الصبيان، قال: فالتفت، فإذا نبي الله صلى الله عليه وسلم خلفي مقبلًا، فقلت: ما جاء نبي الله صلى الله عليه وسلم إلا إلي، قال: فسعيت حتى أختبئ وراء باب دار، قال: فلم أشعر حتى تناولني، قال: فأخذ بقفاي، فحطأني حطأة، قال: «اذهب فادع لي معاوية» وكان كاتبه، قال: فسعيت، فقلت: أجب نبي الله صلى الله عليه وسلم، فإنه على حاجة (22).
– الاهتمام بالحشمة في ملابسه وتجنيبه الميوعة في الأزياء وقصّات الشّعر والحركات والمشي، وتجنيبه لبس الحرير الذي هو من طبائع النساء.
– إبعاده عن التّرف وحياة الدّعة والكسل والرّاحة والبطالة، عن أبي عثمان النهدي، قال: أتانا كتاب عمر بن الخطاب: اخشوشنوا، واخشوشبوا، واخلولقوا، وتمعددوا كأنكم معد، وإياكم والتنعم، وزي العجم، أفلا ترى أنه نهاهم عن زي العجم، وأمرهم بالتمعدد، وهو العيش الخشن، الذي تعرفه العرب، فكذلك الأكل متكئًا نهوا عنه؛ لأنه فعل العجم، وأما الشرب قاعدًا فأمروا به، خوفًا مما يحدث عليهم في صدورهم، وليس في ذلك شيء من زي العجم (23).
– تجنيبه مجالس اللهو والباطل والغناء والموسيقى؛ فإنها منافية للرّجولة ومناقضة لصفة الجِدّ (24).
إشعار الطفل بالأهمية، من خلال قيام الوالدين بتخصيص وقت للطفل للجلوس معه والتحاور واحتضانه وتقبيله، وتجنب إهانة أمام الناس حتى لا تضعف شخصيته.
تكليف الطفل بمهام تتناسب مع عمرة وقدرته، حتى يرسخ لدى الطفل أهمية تحمل المسؤولية.
تعليم الطفل قول كلمة الحق والجرأة وأهمية كتم الأسرار، مع قيام الوالدين بالتأكيد على الطفل أن هذه الصفات من صفات الرجولة، ونهيه عن فضح أسرار الناس، وبيان سلبيات عدم كتم الأسرار المتمثلة في: كره الناس له، وعدم قولهم أي شيء أمامه.
---------
(1) أخرجه البخاري (2704).
(2) أخرجه الحاكم (5005).
(3) أخرجه البخاري (6498).
(4) أخرجه ابن أبي شيبة (34174).
(5) أخرجه ابن حبان (7069).
(6) صناعة الرجال/ وكالة جراسا الإخبارية.
(7) أخرجه النسائي (2088).
(8) أخرجه البخاري (3678).
(9) فتح الباري لابن حجر (7/ 300).
(10) نفس المصدر.
(11) أخرجه البخاري (6231).
(12) شرح صحيح البخاري لابن بطال (9/ 15).
(13) أخرجه البخاري (2351).
(14) شرح صحيح البخاري لابن بطال (6/ 494).
(15) أخرجه أحمد (323).
(16) موطأ مالك (3378).
(17) أخرجه البخاري (131)، ومسلم (2811).
(18) فتح الباري لابن حجر (1/ 147).
(19) أخرجه مسلم (2168).
(20) شرح النووي على مسلم (14/ 149).
(21) أخرجه مسلم (2482).
(22) أخرجه أحمد (2651).
(23) شرح معاني الآثار (4/ 275).
(24) كيفية غرس معاني الرجولة في أطفالنا/ إسلام أون لاين.