التسامح بين الزوجين
إن العلاقة الزوجية مبنية على المودة والسكينة والرحمة بين الزوجين، فلا يجوز لأحدهما أن يؤذي الآخر، أو أن يجرح شعوره، أو أن يكسر خاطره، أو أن يؤذي أهله، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم:21].
ولا يمكن اعتبار الزواج زواجًا ناجحًا إلا إذا توفرت له عوامل التماسك والاستقرار، والتي من أهمها التسامح والعفو، فمن منا لا يخطئ، ولكن هناك الكثير من الأزواج يرون التسامح نوعًا من الضعف، فإذا غضب الزوج أو الزوجة فتراه يقرر ألا يكلمه حتى لا يظن به أنه ضعيف.
فالكثير من الأزواج والزوجات يعتقدون أن التسامح يعطي الآخر الفرصة ليتحكم فيه، كما أنهم يرون أن التسامح معناه تقبل الإهانة، وكذلك يرون أن التسامح معناه نسيان الأمر تمامًا، والتعود على هذا الفعل فيما بعد، إن مشكلة هؤلاء الأزواج أنهم يعجزون عن النظر إلى حاضرهم وينشغلون بماضيهم.
إن العفو والتسامح خلقان كريمان، تحتاجهما النفس البشرية لتتخلص من كل الشوائب التي قد تعلق في القلب من أثر الأذى، وكذلك لينعم الأفراد بالخير والحب وانشراح الصدر، وهما إنما يتحققان بطول صبر، وكظم للغيظ، واحتساب الأجر عند الله سبحانه وتعالى، ولا ريب أن تغليب العفو والتسامح على العقاب ينجي الأفراد من المنازعات الحادة التي قد تنشأ بينهم، إلا إذا تمادى أصحاب الأذى مع كثرة العفو وتكرر ظلمهم وإساءتهم؛ فعلى المسلم أن يكون فطنًا يقدر للأمور قدرها، فيكون الإصلاح في هذه الحالة أولى من العفو والتسامح لدفع الضرر الحاصل.
إن العفو إذا غاب عن الحياة الزوجية معناه تأزم الحياة، وتوسع الخلافات، وجرح النفوس والتوتر الدائم، والله أعلم بما تنتهي إليه تلك العلاقة.
عن ابن عباس: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} قال: «أقربهما للتقوى الذي يعفو»(1).
شرع الإسلام التسامح بين الزوجين، وتغافل كل منهما عما قد يبدر من الآخر في حالة الغضب أو الانفعال أو غير ذلك، فها هو أبو الدرداء رضي الله عنه، وهو نموذج لمن تأدبوا بأدب الإسلام، وتخلقوا بخلقه، وتربوا على يدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، يقول لأم الدرداء: «إذا غضبت فرضيني، وإذا غضبت رضيتك؛ فإذا لم نكن هكذا ما أسرع ما نفترق»(2).
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: «شرط الصحبة إقالة العثرة، ومسامحة العشرة، والمواساة في العسرة»(3).
وهذا ما شرعه الله تعالى في قوله: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة:229]، فإن الإمساك بمعروف هو الإحسان إلى المرأة، بتحمل ما قد يبدر منها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، فيما رواه مسلم، عن أبي هريرة: «لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقًا رضي منها خلقاً آخر»(4)، فقد تجد فيها نقصًا في جانب، يسدد في جانب آخر، أو تجد منها خلة في وقت، ولكن تجد منها في وقت آخر ما يغطي على هذا ويمسحه ويزيله.
ومن أروع وأجمل النماذج في الإمساك بمعروف والتسامح بين الزوجين ما جاء في قصة أم زرع، وقد روتها عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم، فعقب عليها عليه الصلاة والسلام بقوله لـعائشة: «كنت لك كـأبي زرع لأم زرع، غير أني لا أطلق»(5)، جاء هذا في رواية، فكيف كان أبو زرع لأم زرع؟ وكيف كانت هي له؟
تقول أم زرع، وهي المرأة الحادية عشرة من ذلك المؤتمر الذي عقد في الجاهلية، في صفة زوجها، بدأت به وبحالها معه، فقالت: «أناس من حلي أذني، وملأ من شحم عضدي، وبجحني فبجحت إلي نفسي، وجدني في أهل غنيمة بشق [يعني: أهلها كانوا فقراء معزولين] فجعلني في أهل صهيل وأطيط ودائس ومنق، [أي: خيل وجمال وإبل وزرع وغير ذلك]، فعنده أقول فلا أقبح، [يعني: لا يقول لها: كلامك هذا غير جيد أو يرده عليها؛ بل يحسن لها ما تقول]، وأرقد فأتصبح، وأشرب فأتقمح، وآكل فأتمنح» [يعني: أعطاها كل ما تريد، من المأكل والمشرب، والراحة في بيتها، وتطييب خاطرها بالقول والفعل].
لما ذكرت معاملته لها، وكلامها هذا بعدما طلقها، قالت: «أم أبي زرع، فما أم أبي زرع؟! عكومها رداح، وبيتها فساح، ابن أبي زرع، فما ابن أبي زرع؟! منامه كمسل شطبة، ويشبعه ذراع الجفرة، بنت أبي زرع، فما بنت أبي زرع؟! طوع أبيها وطوع أمها، وغيظ جارتها، وملء إهابها [تصفها بالكمال في خلقها وجسمها وغير ذلك وطاعتها لوالديها].
جارية أبي زرع [خادمته]، فما جارية أبي زرع؟! لا تنقث ميرتنا تنقيثًا، ولا تبث حديثنا تبثيثًا، ولا تملأ بيتنا تعثيثًا» [يعني: نظيفة وخدومة وأمينة على السر وعلى الكلام وعلى متاع البيت].
حتى ذكرت ضيف أبي زرع، وهذا كلام امرأة تحب زوجها وتعلقت به؛ ولذلك فهي تثني عليه وعلى أمه وعلى ولده وعلى بنته وعلى خادمه وعلى ضيفه وعلى كل شيء.
ثم ذكرت أن أبا زرع هذا خرج يومًا والأوطاب تمخض، فرأى امرأة فأعجبته، فطلق أم زرع ونكحها، ثم تزوجت أم زرع بعده رجلًا آخر، فأعطاها من كل شيء؛ من المال وغيره، وقال: «كلي أم زرع وميري أهلك» [أعطيهم]، قالت: «فوالله، لو جمعت كل ما أعطاني ما بلغ إناءً من آنية أبي زرع».
فالرسول عليه الصلاة والسلام قال لـعائشة: «كنت لك كـأبي زرع لأم زرع»، يعني: في أنه صلى الله عليه وسلم، كان يسارع فيما تحب عائشة رضي الله عنها وتهوى، وكان يُسأل: من أحب الناس إليك؟ فيقول: «عائشة»، فيقال: من الرجال؟ فيقول: «أبوها»(6)، فلم ير صلى الله عليه وسلم بأسًا أن يبوح بمحبته لـعائشة، ولم ير بأسًا أن يبوح بذكرها واسمها، مع أن كثيرًا من الناس يرون الآن أن ذكر اسم الزوجة عيب وعار يستحى منه، وأن البوح بمحبتها ومكانتها في القلب هو عيب وعار آخر، وهذا ليس من أمر الإسلام(7).
ولكن هناك نوع آخر من الأزواج يرون أن تذكر المشكلات الماضية والتفاعل معها واستحضارها والحزن عليها هو حمق وجنون؛ بل هو قتل للإرادة وتبديد للحياة الحاضرة، فملف الماضي عند العقلاء يطوى ولا يروى، وينبغي أن يغلق عليه في زنزانة النسيان، ويقيد بحبال قوية في سجن الإهمال، فهؤلاء يرون أن الناس لا ينظرون إلى الوراء ولا يلتفتون إلى الخلف؛ لأن الريح دائمًا تتجه إلى الأمام، فلا يجب أن يخالفوا سنة الحياة، كما أن القراءة في دفتر الماضي هي ضياع للحاضر، وتمزيق للجهد، ونسف للساعة الراهنة؛ فقد ذكر الله الأمم وما فعلت، ثم قال سبحانه وتعالى: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ} [البقرة:134](8).
عوائق التسامح:
1- الغيرة على الزوج:
المرأة بصفة عامة عندها حساسية وغيرة شديدة مجبولة عليها في قلبها، ممن يذكرهن زوجها من نسوة؛ سواء في العمل، أو من جيرانه، أو ربما من أهله، ويبدي أمام زوجته اهتمامه بها، إما بالاتصال أو المراسلة، أو الزيارة، أو ما أشبه هذا، والغيرة تؤدي إلى رد فعل من الزوجة، لكن قطعًا التمادي فيها بسوء الظن مدمر لعش الزوجية، فلتحترس كل زوجة، ولتكن معتدلة في غيرتها! وليكن الزوج مقدرًا لمشاعرها، فهي زوجته وأم أولاده، فلا يجرحها، وليجبر خاطرها إن شعرت بالغيرة.
والغيرة المعتدلة لكل من الزوجين بعضهما على بعض، بلا إفراط أو تفريط، أمر محمود في الإسلام، ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يغار، وإن المؤمن يغار، وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم عليه»(9.(
وقال العلامة ابن القيم رحمه الله: «والغيرة لها حد إذا جاوزته صارت تهمة وظنًا سيئًا بالبريء، وإن قصرت عنه كانت تغافلًا ومبادئ دياثة، وللتواضع حد إذا جاوزه كان ذلًا ومهانة، ومن قصر عنه انحرف إلى الكبر والفخر، وللعز حد إذا جاوزه كان كبرًا وخلقًا مذمومًا، وإن قصر عنه انحرف إلى الذل والمهانة.
وضابط هذا كله العدل؛ وهو الأخذ بالوسط الموضوع بين طرفي الإفراط والتفريط، وعليه بناء مصالح الدنيا والآخرة»(10).
2- فتور المحبة وإهمال الزوج لزوجته:
من الأشياء التي تعكر صفو الحياة الزوجية الإهمال؛ إما لانشغاله بعمله الذي يطول وقته، فيهمل فيه زوجته، أو كثرة سفره وترحاله، فلا يطلب عند العودة إلا الطعام، وينسى أن الله استخلفه في إنسانة لها مشاعر وأحاسيس، في حاجة لكلمة طيبة أو ابتسامة مشجعة، تذهب عنها شقاء يومها في الطبخ والتنظيف، ورعاية الأولاد وخلافه، وتحتاج إلى تواصل عاطفي، كما ترغب أنت في التواصل الجسدي تمامًا.
وأنصح الزوج بزيادة مردوده العاطفي مع زوجته بكلمة أو هدية تلهب مشاعرها، وسيرى فائدة ذلك، فهي مفطورة على الدلال وحب التجمل والتزين لمن تحب وتحترمه، وجرب، أيها الزوج، ولن تخسر شيئًا.
3- سوء التفاهم وعدم التشاور:
من العوائق أيضًا عدم الصراحة بينهما والتهرب من مواجهة المشكلة؛ إما بسبب الحياء تارة، أو الكرامة وعزة النفس تارة أخرى، ولا بد لهذا الحاجز النفسي من هدمه وبناء جسر من التفاهم والتشاور، والنصح والانسجام بينهما قوامه رعاية كل منهما لحقوق الآخر؛ فلا يهمل الزوج حقوق زوجته لمجرد خطأ منها أو شيء يكرهه فيها، وكذلك لا تهمل الزوجة حقوق زوجها لبخل منه، أو أذى بدر منه؛ لسوء فهم، أو سرعة غضب، أو غير ذلك.
ولو عمل كل من الزوجين لحل هذه المشكلة، التي تعكر صفو الحياة الزوجية، بعقلانية وتفتح، وأنصت لمطالب شريكه واحترمها، وأولى من هذا جعل الكتاب والسنة مقدمًا على الهوى والعادات والتقاليد والبدع، لحلت كل المشاكل التي تنشأ بين كل من الزوج وزوجه، وخاصة ما يتعلق بحقوق الزوج الشرعية(11).
إن ظهور المشكلات الزوجية لا يعني البتة موت العلاقة، وإنما يستدعي النظر إلى إيجابيات كل منهما، تذكر جميل ما صنع معك وما قدم، يجعلك تنظر إلى من هم أقل منك حالًا، وأصعب منك معيشة، وأشد منك مصيبة، فتحمد ربك على النعمة التي أنت تتقلب فيها.
ولا بد أن يتعاون الزوجان على مجابهة ضغوطات الحياة، وهذا يحتاج إلى سعة الصدر من كليهما، وحرصهما على سد الثغرات في حياتهما ليكمل كل واحد منهما الآخر، كما قال عز وجل في وصف الحياة الزوجية وجعلها آية من آيات الله: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم:21]، ولا يمكن النظر إلى الزواج وتقييمه أنه زواج ناجح إلا إذا اجتمعت فيه عوامل التماسك والاستقرار، والتي من أهمها التسامح والعفو، فمن منا معصوم من الخطأ، فـكلنا خطاء «وخير الخطائين التوابون»، كما قال رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام.
ولا ينبغي أن ينظر الزوجان إلى مسألة العفو والمرحمة على أنها نوع من أنواع الضعف، بل هو من نضج التعامل من مؤسسة الأسرة على أحسن تقويم، والحرص من الجانبين على استمرار هذه المؤسسة الإنسانية لتثمر أبناءً وبنات على قدر المسئولية الاجتماعية المطلوبة منهم.
تأمل في قول الله سبحانه وتعالى: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة:237]، هذا جزء من آية تتحدث عن التعامل بين الرجل وزوجته عند الطلاق قبل المسيس وبعد فرض المهر، يقول المولى سبحانه وتعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة:237].
ذكر الله سبحانه وتعالى العفو وحض وحث عليه في ثنايا الحديث عن الطلاق والفراق بين زوجين لم يلتقيا، ولم يكن بينهما طويل ود ولا عشرة عمر، كما يقال، فكيف بما هو فوق ذلك؟!
قال الشيخ السعدي رحمه الله: «إذا طلقتم النساء قبل المسيس، وبعد فرض المهر، فللمطلقات من المهر المفروض نصفه، ولكم نصفه.
هذا هو الواجب ما لم يدخله عفو ومسامحة، بأن تعفو عن نصفها لزوجها، إذا كان يصح عفوها؛ {أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ}.
ثم رغب في العفو، وأن من عفا كان أقرب لتقواه؛ لكونه إحسانًا موجبًا لشرح الصدر؛ ولكون الإنسان لا ينبغي أن يهمل نفسه من الإحسان والمعروف، وينسى الفضل الذي هو أعلى درجات المعاملة؛ لأن معاملة الناس فيما بينهم على درجتين: إما عدل وإنصاف واجب، وهو أخذ الواجب، وإعطاء الواجب، وإما فضل وإحسان، وهو إعطاء ما ليس بواجب والتسامح في الحقوق، والغض مما في النفس، فلا ينبغي للإنسان أن ينسى هذه الدرجة، ولو في بعض الأوقات، وخصوصًا لمن بينك وبينه معاملة أو مخالطة، فإن الله مجاز المحسنين بالفضل والكرم؛ ولهذا قال: {إِنَّ اللهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}»(12).
إن العفو إذا غاب عن الحياة الزوجية معناه تأزم الحياة، وتوسع الخلافات، وجرح النفوس، والتوتر الدائم، والله أعلم بما تنتهي إليه تلك العلاقة.
والعفو لا يكون ذا قيمة أو تأثير ما لم يكن من الطرفين، يعفو هذا إذا هفا ذاك والعكس، وبالطبع، وحتى لا تنقلب الحياة كلها إلى ممارسات خاطئة، لا يكون العفو عن كل شيء؛ فهناك من الأخطاء ما يحتاج إلى عتاب أو توبيخ أو ربما تأديب، لكن غياب العفو كليةً هو الذي لا يقبل لأنه:
من ذا الذي ما ساء قط ومن له الحسنى فقط
ومن أهم ثمار العفو بين الزوجين زيادة الحب، وتقوية العلاقة، وزراعة الاحترام، وتقبل الخطأ، وللعفو في الحياة الزوجية طعم وذوق خاص، فعندما تأتي الزوجة وقد أخطأت خطأً ما، أو قصرت في حاجة من حاجات زوجها، وتقدم اعتذارها فيعفو الزوج عنها وكله انشراح وسرور باعتذار زوجته، والتي أشعرته أنها لم تكن تتعمد الخطأ والتقصير، وتعود الزوجة وهي تطير فرحًا بعفو زوجها، فقد تفَهَّم موقفها، ولم يجعل من خطئها وتقصيرها بابًا وعذرًا لإيذائها، ولم يستغله استغلالًا بشعًا فيذيقها الأمرين: مرارة الخطأ، ومرارة عدم قبول الاعتذار.
وكذلك الزوجة التي تجد من زوجها تقصيرًا في حق من حقوقها وهي تعلم عدم تعمده لذلك، لكنه أخطأ فلم ترفع الدنيا ولم تقعدها في وجهه؛ بل عفت قبل أن يعتذر، فكيف إذا اعتذر؟
لا غنى عن العفو للزوجين، وإلا فستكون الحياة جحيمًا لا يطاق، وضرورة العفو تبرز في أمور، أهمها: استحالة العصمة في أي من طرفي المعادلة؛ وطول العشرة، والاطلاع على حالات النفس المختلفة من الرضا والغضب، والفرح والحزن.
وللعفو مجالات كثيرة يجمعها عند حصول تقصير أو تعد مادي أو معنوي في مطلب دنيوي، أما في الدين وتعدي الحدود الشرعية فلا مجال للعفو فيها، ولا يقبل أصلًا، مع القول بأهمية الحكمة والموعظة الحسنة، والصبر على الدعوة والتربية من طرف لآخر، لكن هذا شيء، والعفو شيء آخر(13).
الزواج الناجح يقوم على التســامــح والعفــو بين الزوجين، وعدم وقوف كل طرف عند أخطاء صاحبه، ولا بد أن يعلم كلٌ من الزوجين أنه لا يوجد شخص في الدنيا ليس لديه أخطاء، فلا يصح من الزوجين أن يكيل كل منهما للآخر الاتهامات، ويظلان بالشهور في خصام، فلا تسامح ولا عفو، وبهذا تكبر الفجوة بينهما أكثر وأكثر؛ لذا لا بد أن نعلم أن تجاوز بعض الأمور يعبر بسفينة الزواج لبر الأمان، وأن المسامحة في الزواج تتطلب الشجاعة والحكمة.
ولا بد أن يعي كل من الزوجين أن عدم التسامح يؤدي إلى زيادة حدة المشكلة بينهما، فإذا غاب العفو والتسامح عن الحياة الزوجية سوف تتأزم الحياة الزوجية، وتزيد الخلافات بين الزوجين؛ وبالتالي يسود التوتر جو البيت.
ولكي يسود التسامح بين الزوجين، وتنجح علاقتهما الزوجية لا بد على الزوجين من مراعاة عدة نقاط، منها:
تقبّل الطرفين بعضهما بعضًا :
فلا بد أن يعي كل طرف أننا بشر، ولكل منا مميزاته وعيوبه، وقد نصيب وقد نخطئ، ولا بد أن يتفهم كل من الطرفين غضب الآخر؛ حتى لا تتفاقم الأمور وتكبر المشكلة، فعلى كل من الزوجين التجاوز عن عيوب وأخطاء الآخر؛ حتى يسود الحب والألفة بينهما.
الحوار والنقاش هو أساس التفاهم بين الزوجين:
فإذا حدث خلاف بين الزوجين فإن أفضل طريق لمعالجته هو الحوار والنقاش، فبالحوار تنجح العلاقة، ويصل الزوجان إلى حل مُرْضٍ لهما(14).
وإليكم الحلول لكيفية تحقيق التسامح الزواجي، ويكون له أثر كبير وتأثير إيجابي داخل الأسرة:
1- لكل مشكلة حل، ولكل مشكلة سبب، والمشكلات لا تعني أن الحب قد ذهب، والاختلاف لا يترجم على أنه ضد الانسجام والحميمة، فيجب أن نتقبل اختلافاتنا وحواراتنا بشكل حضاري وبسمة التسامح والغفران، فالجميع يخطئ، فلا تقف على أخطاء غيرك موقف الصياد من الفريسة؛ لأن الكمال لله وحده.
2- اعتمدي لغة الحوار والتفاهم مع زوجك، وأنت أيها الزوج حاور زوجتك في الوقوع في المشاكل، وابحثا عن الأسباب التي جعلت بينكما النزاعات، وتناقشا الأمور العالقة بينكما وحسنوا منها.
3- حسن الظن بين الزوجين، وجعل ردود أفعالهما قريبة وودية من بعضهما؛ حتى يكسبا بعضهما، والتعود على أسلوب الحوار واحترام الرأي الآخر، ونسيان المواقف السلبية السابقة بين الزوجين، والتعامل بروح التسامح، فالتنازلات مطلوبة بين الزوجين حتى تسير الحياة في أمان واستقرار.
4- إذا أخطأ أحد الزوجين في حق الآخر فليبادر بالاعتذار؛ فإن هذا يرفع من شأنه وليس العكس، بينما يتوجب على الطرف الآخر ألا يطيل العتاب، ولكن التسامح والعفو يفتح باب الود والحب بين الزوجين.
5- ابحثي عن طرق لتحسين وتجديد علاقتك الزوجية، كوني إيجابية وباشري في تحسين وتجديد علاقتك مع زوجك، فهذا الأمر سيساعدكما على تخطي المحنة، وإضفاء جو من السعادة والرومانسية في العلاقة، بالإضافة للزوج يجب عليه خَلْق جو من المرح والفرح، وأخذ الزوجة إلى الخروج من المنزل لتجديد العلاقة مع زوجته(15).
***
______________
(1) تفسير ابن كثير (1/ 644).
(2) روضة العقلاء ونزهة الفضلاء، ص72.
(3) فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب (10/ 350).
(4) أخرجه مسلم (1469).
(5) أخرجه البخاري (5189)، ومسلم (2448).
(6) أخرجه الترمذي (3886).
(7) التسامح بين الزوجين، موسوعة سلمان العودة.
(8) التسامح والعفو في العلاقة الزوجية، موقع: الألوكة.
(9) أخرجه البخاري (5223).
(10) الفوائد (1/ 141).
(11) نشوز الزوجة على زوجها، شبكة الألوكة.
(12) تفسير السعدي، ص106.
(13) العفو في الحياة الزوجية، موقع: صيد الفوائد.
(14) التسامح بين الزوجين، مدونة مودة.
(15) أيها الزوجان، لا للتحدي، نعم للتسامح، موقع: بصائر.