logo

الاحترام المتبادل بين الزوجين


بتاريخ : الأحد ، 1 محرّم ، 1446 الموافق 07 يوليو 2024
الاحترام المتبادل بين الزوجين

 

قد لا يختلف الكثيرون حول أهمية وجود المشاعر والعواطف لبناء حياة زوجية سعيدة، لكن نادرًا ما يذكر الاحترام المتبادل بين الزوجين على أنه مكون أساسي من مكونات الزواج، على الرغم من كونه شعورًا متأصلًا يعبر عنه دومًا الأزواج السعداء.  

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلنا الأعلى في التعامل مع زوجاته، فقد كان صلى الله عليه وسلم يعرف مشاعرها وأحاسيسها، وكان صلى الله عليه وسلم يقول لأم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها: «إني لأعلم إذا كنت عني راضية، وإذا كنت عليّ غضبى» قالت فقلت: ومن أين تعرف ذلك؟ قال: «أما إذا كنت عني راضية، فإنك تقولين: لا ورب محمد وإذا كنت غضبى، قلت: لا، ورب إبراهيم»، قالت قلت: أجل، والله يا رسول الله ما أهجر إلا اسمك (1). 

قال ابن حجر: يؤخذ منه استقراء الرجل حال المرأة من فعلها وقولها فيما يتعلق بالميل إليه وعدمه، والحكم بما تقتضيه القرائن في ذلك، لأنه صلى الله عليه وسلم جزم برضا عائشة وغضبها بمجرد ذكرها لاسمه وسكوتها، فبنى على تغير الحالتين من الذكر والسكوت تغير الحالتين من الرضا والغضب، ويحتمل أن يكون انضم إلى ذلك شيء آخر أصرح منه لكن لم ينقل.

وقول عائشة: أجل يا رسول الله ما أهجر إلا اسمك، قال الطيبي: هذا الحصر لطيف جدًا؛ لأنها أخبرت أنها إذا كانت في حال الغضب الذي يسلب العاقل اختياره لا تتغير عن المحبة المستقرة، فهو كما قيل:

إني لأمنحك الصدود وإنني     قسمًا إليك مع الصدود لأميل 

وقال بن المنير: مرادها أنها كانت تترك التسمية اللفظية ولا يترك قلبها التعلق بذاته الكريمة مودة ومحبة (2).

إن المفتاح الأساسي للسعادة الزوجية هو الاحترام المتبادل بين الزوجين، والزوجان أقرب الناس لبعضهما، ولا تستمر الحياة الهانئة إلا بحسن المعاشرة، فالعلاقة الزوجية هي أكثر العلاقات تشابكًا وتعقيدًا، والزواج لا يعني رجل وامرأة وأبناء فقط، بل إن أسرتا الزوج والزوجة ستتداخلان في الأحوال الطبيعية كتداخل الأصابع عند تشابكها.  

ولننظر في هذه الآية التي عادة ما تتلى في خطبة النكاح، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21]، وهذه الآية هي البداية التي تبنى عليها الأسرة المسلمة التي هي نواة المجتمع الإسلامي، فالزواج آية من آيات الله تعالى، خلق لنا من أنفسنا أزواجًا؛ تجمع بيننا علاقة لا تشبهها علاقة وهي تشاركية يكلّلها الحب والاحترام.

ثم قال تعالى: {لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا}؛ حيث يسكن الزوج وزوجته في سكن واحد تظلله السكينة، وجعل الله بين الزوجين مودة ورحمة لا تكون إلا بهذه العلاقة الطاهرة البعيدة عما لا يرضي الله، وبما أن هذه الأسرة هي نواة المجتمع الإسلامي، فقد كان لها نصيب كبير من الاهتمام في الشريعة الإسلامية، سواء في القرآن الكريم، أو السنة النبوية الشريفة.  

يجب على كل من الزوجين حفظ أحوال الآخر حاضرًا كان أم غائبًا، والغَيبة في هذا المقام أولى لأن المسلم مطلوب منه أن يذب عن عرض أخيه فكيف إن كان هذا العرض عرضه، وينتج من هذا التصرف الاستقرار النفسي الذي يطمئن به كل واحد من الزوجين أنه مصون حتى وإن كان غائبًا، وهذا هو الاحترام في أرقى درجاته في كل الأوقات وكل الظروف، فليس من المنطق أن يهين أحد الزوجين شريكه بأي صورة حتى لا تنهار الحياة الأسرية لأتفه الأسباب.  

مظاهر الاحترام المتبادل بين الزوجين:

هناك كثير من مظاهر الاحترام المتبادل بين الزوجين وأهمها:

ما يكون داخل البيت:

الأدب المتبادل في النقاش، وحل ما يستجد على الزوجين من مشاكل الحياة اليومية، إضافة إلى إظهار الحب والمشاعر الحميمة التي لا تظهر إلا داخل البيت، وإبراز كافة مظاهر الاحترام -وما يتناسب من المشاعر- أمام الأبناء، فتنمو عندهم المشاعر الأصيلة فيفهموها صغارًا، ويعيشوها مع أزواجهم كبارًا.

عن عائشة قالت: كنت أشرب وأنا حائض، ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع في، فيشرب، وأتعرق العرق وأنا حائض، ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع في (3). 

وعنها أيضًا أنها قالت: أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يتكئ في حجري وأنا حائض، ثم يقرأ القرآن (4)

عن عائشة رضي الله عنها، قالت: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقبل بعض أزواجه وهو صائم، ثم ضحكت (5). 

عن عائشة رضي الله عنها قالت: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، كنيت نساءك، فاكنني، فقال: «تكني بابن أختك عبد الله» (6). 

وفي هذا دلالة عظيمة على ضرورة الحرص ألا ينغمس الزوجان في مشاغل الحياة وهمومها ويهملان جانب الدعابة والمرح لما فيه من مد الحياة الزوجية بمقومات الحياة وإرواء العاطفة، حتى ينطلق الزوجان في تأدية واجباتهما بنفس راضية مطمئنة ساكنة.

ما يكون خارج البيت:

ومنه ما يكون في حال الاجتماعات الخاصة للرجال أو النساء، فلا يذكر أحدهما الآخر أمام الآخرين إلا بخير، ولا يذكر عيوبه فالكمال لله، وإذا كانا في مجلس عائلي مجتمعين فيظهران أعلى درجات الاحترام وما يصلح إظهاره من مشاعر الحب.  

عن عائشة قالت: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا خفيفة اللحم فنزلنا منزلًا فقال لأصحابه: «تقدموا» ثم قال لي: «تعالي حتى أسابقك فسابقني فسبقته» ثم خرجت معه في سفر آخر، وقد حملت اللحم فنزلنا منزلًا فقال لأصحابه: «تقدموا» ثم قال لي: «تعالي أسابقك» فسابقني فسبقني، فضرب بيده كتفي وقال: «هذه بتلك»(7).

ومن ذلك أيضًا إظهار الاشتياق للغائب منهما خاصة عند عودته من سفر، لأن الكثيرين وللأسف يستقبلون الغائب بالأحضان ويبخلون به لأزواجهم، فمن الرائع أن يشرق الاحترام من كل منهما للآخر في أبهى صورة.

عن جابر بن عبد الله، قال: قفلنا مع النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة، فتعجلت على بعير لي قطوف، فلحقني راكب من خلفي، فنخس بعيري بعنزة كانت معه، فانطلق بعيري كأجود ما أنت راء من الإبل، فإذا النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «ما يعجلك» قلت: كنت حديث عهد بعرس، قال: «أبكرًا أم ثيبًا؟»، قلت: ثيبًا، قال: «فهلا جارية تلاعبها وتلاعبك»، قال: فلما ذهبنا لندخل، قال: «أمهلوا حتى تدخلوا ليلًا -أي عشاء- لكي تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة» (8). 

وعن جابر، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطرق الرجل أهله ليلًا يتخونهم، أو يلتمس عثراتهم (9). 

أي تصلح كل امرأة نفسها لزوجها مما غفلت عنه في غيبته، وإنما معنى ذلك لئلا يجد منها ريحًا أو حالة يكرهها، فيكون ذلك سببًا إلى بغضتها، وهذا من حسن أدبه عليه السلام (10). 

ويؤخذ منه كراهة مباشرة المرأة في الحالة التي تكون فيها غير متنظفة؛ لئلا يطلع منها على ما يكون سببًا لنفرته منها، وإما أن يجدها على حالة غير مرضية، والشرع محرض على الستر، وقد أشار إلى ذلك بقوله: «أن يتخونهم أو يلتمس عثراتهم» فعلى هذا من أعلم أهله بوصوله، وأنه يقدم في وقت كذا مثلًا لا يتناوله هذا النهي (11). 

الاحترام حال الخلاف:

لا يخفى على أحد أن الحياة الزوجية لا تخلو من المنغصات أحيانًا، ومع ذلك لا يجب أن يُرى من أي من الزوجين أي ردود فعل تنمّ عن قلة الاحترام للآخر، فلا بد أن يفرض الاحترام بين الزوجين نفسه في كل المواقف وتحت أي ظرف، لقوله تعالى: {وَلَا تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة: 237]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقًا رضي منها آخر» أو قال: «غيره» (12).  

أي ينبغي ألا يبغضها لأنه إن وجد فيها خلقًا يكره وجد فيها خلقًا مرضيًا، بأن تكون شرسة الخلق لكنها دينة أو جميلة أو عفيفة أو رفيقة به أو نحو ذلك (13).

هذا الإرشاد من النبي صلّى الله عليه وسلم، للزوج في معاشرة زوجته من أكبر الأسباب والدواعي إلى حسن العشرة بالمعروف، فنهى المؤمن عن سوء عشرته لزوجته، والنهي عن الشيء أمر بضده، وأمره أن يلحظ ما فيها من الأخلاق الجميلة، والأمور التي تناسبه، وأن يجعلها في مقابلة ما كره من أخلاقها؛ فإن الزوج إذا تأمل ما في زوجته من الأخلاق الجميلة، والمحاسن التي يحبها، ونظر إلى السبب الذي دعاه إلى التضجر منها وسوء عشرتها، رآه شيئًا واحدًا أو اثنين مثلًا، وما فيها مما يحب أكثر، فإذا كان منصفًا غض عن مساوئها لاضمحلالها في محاسنها، وبهذا: تدوم الصحبة، وتؤدّى الحقوق الواجبة والمستحبة وربما أن ما كره منها تسعى بتعديله أو تبديله.

وأما من غض عن المحاسن، ولحظ المساوئ ولو كانت قليلة، فهذا من عدم الإنصاف، ولا يكاد يصفو مع زوجته (14).

فإذا اعتاد الزوجين احترام بعضهما البعض ولم يُرى منهما إلا ذلك الخلق الحميد حتى في حال الخلاف، كان هذا أحد مظاهر الدعوة الإسلامية بالقدوة الحسنة، وسمة من سمات البيت المسلم السائر على هدي الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم. 

عن أنس بن مالك قال: كانت صفية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، وكان ذلك يومها فأبطأت في المسير، فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تبكي وتقول: حملتني على بعير بطيء، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح بيديه عينيها ويسكتها، فأبت إلا بكاء، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركها، فقدمت، فأتت عائشة فقالت: يومي هذا لك من رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أنت أرضيته عني، فعمدت عائشة إلى خمارها، وكانت صبغته بورس وزعفران، فنضحته بشيء من ماء، ثم جاءت حتى قعدت عند رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما لك؟» فقالت: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث، فرضي عن صفية، وانطلق إلى زينب، فقال لها: «إن صفية قد أعيا بها بعيرها، فما عليك أن تعطيها بعيرك»، قالت زينب: أتعمد إلى بعيري فتعطيه اليهودية؟، فهاجرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أشهر، فلم يقرب بيتها، وعطلت زينب نفسها، وعطلت بيتها، وعمدت إلى السرير فأسندته إلى مؤخر البيت، وأيست من أن يأتيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبينا هي ذات يوم، إذا بوجس رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد دخل البيت فوضع السرير موضعه، فقالت زينب: يا رسول الله، جاريتي فلانة قد طهرت من حيضتها اليوم، هي لك فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنها (15).

إذًا الاحترام والتقدير المتبادل يعني تقبل شريك الحياة المختلف كما هو، وتقديره، واحترام خصوصيته وقيمته وكرامته، كما يعني أيضًا احترام حقوقه.

قد يختلف الكثيرون حول أهمية وحتمية وضرورة وجود الحب بين الزوجين، فيرى البعض أنه لا حياة زوجية بدون حب، وأنه إذا اختفى الحب فلا يمكن أن ينجح الزواج، بينما يرى البعض الآخر أن الحياة الزوجية يمكن أن تستمر؛ بل وتنجح دون حب ويمكن أن يُكتفى بالعشرة والمعاملة الحسنة.

ولكن بالتأكيد لا يختلف اثنان على أنه لا حياة زوجية بدون احترام، فالاحترام بين الزوجين هو قيمة في حد ذاته لا بد من الحفاظ عليها ومراعاتها بغض النظر عن الحب أو الظروف أو الإمكانات أو أي شيء؛ فالحياة التي يهين فيها أحد الزوجين الآخر بالألفاظ والتصرفات ولا يراعي مشاعره وأحاسيسه لا هي حياة ولا هي زوجية، ولا يمكن أن تستمر.

بل بالعكس قد يكون الاحترام طريقًا جديدًا للحب بين زوجين، فربما لم يجد الحب طريقه إلى قلوبهما؛ ربما لأنهما اكتشفا بعد الزواج أنهما مختلفيْن في الاهتمامات والأهداف ووجهات النظر في الحياة، وربما تزوجا زواجًا سريعًا تقليديًّا، ولم يدق الحب باب قلوبهما، ولكنهما قررا الاستمرار في الزواج مع مراعاة القيم الأساسية في الحياة الزوجية مثل الاحترام ومراعاة مشاعر الطرف الآخر، وعندها يجدون حبًّا من نوع آخر، حبًّا عاقلًا واعيًا، قد يكون أقل حرارة وأهدأ من الحب الذي يتخيله الشباب قبل الزواج، ولكنه بالتأكيد أكثر قوة وعمقًا واستمرارًا وقدرة على مواجهة العواصف والأزمات.

وهذا ما كانت عليه الزيجات كلها سابقًا؛ فالزوجات لم يكن متعلمات، ولم يكن هناك حب قبل الزواج بالمعنى المتعارف عليه الآن، ولم يكن الكلام عن حقوق المرأة وحرية المرأة ومحاكم الأسرة كما نرى الآن، ورغم ذلك كانت الزيجات كلها هادئة مستقرة يسودها كثير من الاحترام المتبادل، وتقديس الحياة الزوجية وقيمها بطريقة فطرية وتلقائية، فما كنا نجد زوجة ترفع صوتها على زوجها أو تسيء الكلام عنه، وكذلك ما كنا نجد زوجًا يهين زوجته أو يتحدث عنها بسوء أمام الناس (16).

وقد أجمل الرسول صلى الله عليه وسلم كل معاني الاحترام في حديثين غاية في الإعجاز في التعبير البسيط العميق الشامل، فيقول للنساء: «لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن» (17)، ثم يقول للرجال: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي» (18)، بكل ما تعنيه ألفاظ الخيرية المطلقة، والسجود ممنوع فقط؛ لأنه لا يجوز إلا لله تعالى.

الصور أو المجالات التي يعبر بها كل من الزوجين عن احترامه للآخر:

الاحترام في الحوار:

فالحوار هو وسيلة التواصل والتقارب اليومي بين الزوجين، سواء كان حوارًا منطوقًا أو لفظيًّا، أو حوارًا غير منطوق أو غير لفظي.

فالحوار المنطوق هو كل ما يدور بين الزوجين من حوارات وأحاديث، شاملة موضوعات الحياة اليومية ومشاكل الأولاد والخلافات الزوجية، وكذلك أحاديث الحب والغزل.  

أما الحوار غير المنطوق أو غير اللفظي فهو كل وسائل التواصل والتعبير غير المنطوق بين الزوجين، مثل النظرة واللمسة والإيماءة، وحركات الأيدي وتعبيرات الوجه، والابتسامة ونظرة الغضب…إلخ. 

ويحتاج هذا الحوار بنوعيه (اللفظي وغير اللفظي) إلى درجة عالية من الاحترام في اللفظ والإشارة والكلمة والتعبير والنظرة وإيماءة العين، وألا يتحول إلى طلقات رصاص تقتل الحب وتقضي على الحياة الزوجية؛ فنصل للنتيجة المحتومة عندما ينقطع الحوار وتتوقف الكلمات وتنعدم النظرات واللمسات.

وليس هناك عذر لأي من الطرفين في النزول بمستوى الحوار إلى الإهانات والإساءات مهما كانت الأسباب من غضب أو مشاحنات أو اختلافات، فمن يجد في نفسه غضبًا ورفضًا لما يقال أو يحدث فليتحلَّ بالصمت ويأخذ هدنة حتى تهدأ النفوس، ثم نعود ونواصل حوارًا هادئًا محترمًا يحافظ على الحب والاحترام.

احترام الأسرار والخصوصيات:

ليس أصعب في الدنيا على الزوج من أن يجد خصوصيات حياته مع زوجته من ماليات أو خطط أو مناقشات أو خلافات أو حتى قصة أو معلومة كان قد رواها لزوجته، من أن يجد هذه المعلومة قد وصلت إلى أمها أو أختها أو صديقتها المقربة أو حتى أمه هو، وكذلك الزوجة لا يمكن أبدًا أن تتقبل أو تسامح في أن تجد زوجها يروي مناقشاته أو خلافاته معها إلى أمه أو أخته أو أحد أصدقائه.

فهذا يشعر الزوجين بعدم الأمان بينهما، ويجرح أقدس ما في الحياة الزوجية وهو الخصوصية وما ينغلق عليه باب البيت فلا يعلمه سواهما والله تعالى قبلهما؛ لأنه بطبيعة الحياة الزوجية يطلع كل طرف على أسرار الآخر الشخصية والعائلية والسلوكية، بل وحتى الجسمية، وهنا تكون الأمانة واحترام الأسرار.

ومع تكرار هذه المواقف تنعدم الثقة بين الزوجين، وتبدأ هوّة خطيرة في الظهور بينهما، ثم تتسع وتزداد عمقًا مع الأيام.

وقد وضع الرسول صلى الله عليه وسلم كل هذه المعاني في تحريم إفشاء تفاصيل أقدس وأخص ما في الحياة الزوجية وهو العلاقة الحميمية؛ لينسحب معنى الخصوصية وحفظ الأسرار على كل ما هو بين الزوجين.

عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة، الرجل يفضي إلى امرأته، وتفضي إليه، ثم ينشر سرها» (19).

قال علي الملا القاري: بأن يتكلم للناس ما جرى بينه وبينها قولًا وفعلًا، أو يفشي عيبًا من عيوبها، أو يذكر من محاسنها ما يجب شرعًا أو عرفًا سترها.  

قال ابن الملك: أي أفعال كل من الزوجين وأقوالهما أمانة مودعة عند الآخر، فمن أفشى منهما ما كرهه الآخر وأشاعه فقد خانه، قال بعض الأدباء: أريد طلاق امرأتي فقيل له لم؟ فقال: كيف أذكر عيب زوجتي؟! فلما طلقها قيل له: لم طلقتها؟ قال كيف أذكر عيب امرأة أجنبية (20). 

احترام المشاعر والأحاسيس:

مهما اعتاد الزوجان على بعضهما ومهما طال الوقت فلا يستغني أي إنسان عن احتياجه لمراعاة مشاعره وأحاسيسه، ومراعاة الكلمة التي تضايقه والتعبير الذي يجرحه والحب الذي يحتاجه والنظرة الحانية واللمسة الدافئة، وما أروع أن يضع الإسلام هذه المشاعر والأحاسيس في ميزان حسنات الإنسان، فتتحول الكلمة الطيبة إلى صدقة ولمسة اليد إلى ثواب، بل حتى اللقمة يضعها الرجل في فم زوجته صدقة، ثم يأتي تتويج الحب في الإسلام في أرقى صوره عندما يتحدث القرآن عن أعلى صور احترام المشاعر: {وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ} [البقرة: 223]. 

فالقرآن يأمر الرجل باحترام مشاعر زوجته وحقها في الحب والاستمتاع ومراعاة استعدادها وتهيئتها للعلاقة الخاصة مع زوجها، وتأتي الأحاديث النبوية لتعلم الرجل كيف ينتظر زوجته حتى تقضي وطرها وتستمتع بزوجها، وكيف تلبي الزوجة نداء زوجها، وليكون في بضع أحدكم صدقة، فهل هناك احترام للمشاعر أكثر من هذا؟ وهكذا يدوم الحب ويستمر.

احترام الأهل:

لا بد أن يدرك الزوجان أن أهل الإنسان هم جزء لا ينفصل منه، وأن حبهم وتواصله معهم وإعطاءهم حقوقهم، فضلًا عن أنه فرض ديني، فهو كذلك احتياج نفسي وإنساني، ولا بد لمن يريد أن يراعي شريك حياته ويساعده على أداء واجباته نحو أهله أن يحترم هو أهله، يحترمهم باللفظ والإشارة والمجاملة والمساعدة والزيارة وتفقد أحوالهم، وسواء استطاع المساعدة في أداء هذه الواجبات أو مجرد مساندة الطرف الآخر وإتاحة الفرصة له لأداء هذه الواجبات، فلا بد أن نعرف أن هذه مساحة مهمة جدًّا من الاحترام مهما كان مستوى الأهل المادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو سلوكهم وتصرفاتهم؛ فليس الواصل بالمكافئ.  

الاحترام.. رغم الخلاف، رغم العيوب، رغم الإمكانات إذا كان كل ما تحدثنا عنه هو صورة من صور الاحترام في الرخاء، فماذا عن الاحترام وقت الشدة؟ وقت الخلافات والمشاكل بين الزوجين؟ وقت الأزمات المادية؟ عند وجود عيوب أو اختلاف؟

إن الاحترام في هذه الحالات هو من شيم النبلاء وأخلاق الفرسان؛ فمهما كانت درجة الخلاف أو سببه أو موضوعه، ومهما كانت الأزمة المادية، أو مهما كان ضعف الإمكانات أو العيوب؛ فطالما أن الزواج مستمر، ومادامت الحياة بينهما لا يزال فيها أيام، فلا بد من استمرار الاحترام والحفاظ عليه، فلنختلف كما نريد، ولكن لماذا لا يكون ذلك باحترام ورقي؟ ودائمًا نقول لكل زوجين مختلفين: إما أن تستمرا مع الاحتفاظ بكل مقدسات الزواج من احترام وأداء للحقوق وإخلاص، وإلا فالانفصال الراقي والمحترم أيضًا قد أحله الله تعالى رغم البغض.

احترام الأهداف والطموحات:

من المؤكد أن لكل من الزوجين أهدافًا وطموحاتٍ وأحلامًا في الحياة يتمنى تحقيقها، ويحاول ذلك رغم الصعوبات والانشغال بمسئوليات الحياة. 

فلماذا لا يعيش كل من الزوجين -وأؤكد كل من الزوجين وليس الزوجة وحدها- مع الآخر في أحلامه وطموحاته، ويحاول كل منهما احترام هذه الأحلام ومساعدته في تحقيقها بدلًا من تسفيهها والاستهزاء بها تحت مدعاة مسئوليات الحياة وعدم وجود وقت أو أموال أو أن البيت أولى بالوقت والمال؟ وبعد كل هذا.. هل هذه الصورة من الاحترام المتبادل بين الزوجين ممكنة وقابلة للتنفيذ؟ أم أن ضغط الحياة لم يَعُد يترك لنا مساحة؟ (21).

تبادل الاحترام بين الزوجين:

التعاون والاحترام وجهان لعملة واحدة، فلا يعقل أن تقدر الزوجة زوجها، وتحترمه، وهي تشعر بالقهر الناتج من عدم احترام زوجها لها، وعدم تعاون زوجها معها في إدارة المنزل، وتحمل مسئولية الأبناء، ولا يعني وجوب الاحترام بين الزوجين حتى داخل المنزل، أن تكون العلاقة بينهما رسمية، وجافة، وخالية من المداعبة، والضحك، بل على العكس تمامًا، فإن احترام الزوجة لزوجها في شتى الأمور، وطاعتها له، وتقديرها لجهوده، تدفع الزوج إلى حسن معاملة زوجته، مما ينتج عن ذلك خلق جوٍّ أسريّ هادئ، مليء بالمرح، والضحك. 

فلا ينبغي على الزوجة أن تعاند مع زوجها، حتى لو اختلفت معه في الرأي في بعض الأمور، لأن هذا العناد لا ينتج عنه سوى تضخم حجم المشكلة، بل يجب عليها معاملته باللين، والتحدث معه بهدوء، حتى تستطيع أن تقنعه برأيها، فإن الحوار الهادئ يؤدى إلى أفضل النتائج في معظم الحالات، أما العند، والانفعال، والصوت المرتفع، لا ينتج عنه سوى المشاكل، والخلافات، التي قد تدمر العلاقة بين الزوجين، ومن الأفضل أن يؤجل الطرفين النقاش في موضوع الخلاف، حتى تهدأ النفوس؛ منعًا لحدوث خلاف بين الطرفين. 

واحترام الزوجة لزوجها لا يعني أبدًا الانسياق الكامل للزوجة وراء آراء زوجها، أو إلغاء شخصيتها، بل بالعكس، لا بد أن يكون للزوجة رأيها، وشخصيتها المستقلة، دون أن يتعارض ذلك مع احترامها لزوجها.

أسباب عدم الاحترام بين الزوجين:

فقدان الزوج الثقة بنفسه:

كأن يشعر الزوج بأنكِ أكثر نجاحًا منه، أو أنكِ أكثر قدرة على إدارة شؤون المنزل من دونه، فيفقد الثقة في نفسه، ويحاول التقليل منكِ ليشعر بالسيطرة على الأمور.

ضغوط العمل:

قد يقلل الزوج من آرائك أو همومك لأنه يواجه مشكلات في عمله، وبالطبع هذا ليس مبررًا، ولكنه يرى أن مشكلاتك بسيطة، ولا تستحق كل هذا الاهتمام، مقارنةً بما يواجهه.

عدم الاحترام المتبادل:

إذا كنتِ لا تحترمين زوجكِ، فسيتعامل معكِ بالأسلوب نفسه، وهو أمر شائع، فنجد الزوجة تشكو من عدم احترام زوجها، وهي نفسها تعامله بأسلوب غير جيد.

طبع دائم:

ربما كان عدم الاحترام طبعًا دائمًا لدى زوجك ولم تكتشفيه في فترة الخطبة، إذ تكون مشاعر الحب طاغية وقتها، ولا تستطيع الزوجة رؤية العيوب بوضوح، وعادةً ما تكتشف الزوجة أسلوب الزوج في الفترة الأولى من الزواج، ولكنها تتغاضى عنه رغبة في الاستمرارية، وفي معظم الأحيان يكون السبب في هذا الطبع، تربية الزوج والبيئة التي نشأ فيها.

التعامل بعشم زائد:

قد يتلفظ الزوج بألفاظ تبدو بذيئة لكِ، ويبدو الأمر كأنه لا يحترمك، في الوقت الذي يراها الزوج طريقة عادية، فأنتما الآن متزوجان، ولا داعي للتكلف في الحديث، ويحاول كسر الحواجز باستخدامها، وهو أمر قد لا تكونين معتادة عليه.

وصفة علاجية:

دفع الزوج لاحترامك مهمة ليست سهلة، خاصةً إذا كان طبع لديه، فتغيير الطباع قد يحتاج سنوات، ولكنه ليس مستحيلًا، خاصةً إذا أبدى زوجك استعدادًا لذلك، سنقدم لكِ عزيزتي فيما يلي بعض النصائح التي تساعدكِ على استعادة الاحترام لحياتكِ الزوجية:

في البداية إذا شعرتِ بأن زوجك لا يتعامل معكِ بأسلوب مهذب، راقبي تصرفاتك أولًا، وتأكدي أنكِ تعاملينه باحترام، فربما تكون تصرفاته رد فعل لأسلوبك، وإذا شعرتِ بأنكِ بالفعل تقومين بذلك، أعيدي النظر في طريقتك مرة أخرى، فربما تُحل الأمور من تلقاء نفسها إذا تغيرت أنت أولًا ويحترمك زوجك.

تحدثي معه:

ربما لا يشعر الزوج بأسلوبه معكِ، ويتعامل بطريقته وطبيعته، ما يحتاج منكِ إلى تنبيهه ولفت نظره، تحدثي معه وأخبريه بأنكِ تشعرين بالضيق من الألفاظ البذيئة، أو من تقليله من شأنك، أو أنه يتجاهلكِ ويهمل رغباتك، وغيرها من أساليب عدم الاحترام التي تتعرضين لها (22).

 

---------

(1) أخرجه مسلم (2439).

(2) فتح الباري لابن حجر (9/ 326).

(3) أخرجه مسلم (300).

(4) أخرجه البخاري (297).

(5) أخرجه البخاري (1928).

(6) أخرجه البخاري في الأدب المفرد (850).

(7) أخرجه النسائي (8894).

(8) أخرجه البخاري (5079).

(9) أخرجه مسلم (715).

(10) شرح صحيح البخاري لابن بطال (7/ 172).

(11) فتح الباري لابن حجر (9/ 340).

(12) أخرجه مسلم (1469).

(13) شرح النووي على مسلم (10/ 58).

(14) بهجة قلوب الأبرار (ص: 122).

(15) أخرجه النسائي (9117).

(16) الاحترام المتبادل بين الزوجين قلب الزواج الناجح/ إسلام أون لاين.

(17) أخرجه أبو داود (2140).

(18) أخرجه الترمذي (3895).

(19) أخرجه مسلم (1437).

(20) مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (5/ 2093).

(21) الاحترام المتبادل بين الزوجين/ إسلام أون لاين.

(22) أسباب عدم احترام الزوج لزوجته/ سوبر ماما.