بين الأخت وأخيها
جمعتهم ظلمة رحم واحد، وعاشوا تحت ظلال نور دين واحد زاد من ألفتهم، وقرب بين قلوبهم، فالأخت ترى في أخيها ذلك الحصن الآمن، فهي تريد أن تلجأ إليه إذا ألم بها حادث، وأن تستشيره إذا أرادت استشارة ورأيًا، إن
الأخت تريد من أخيها أن يكون لها درعًا تحتمي به من كل سوء، وتريد منه أن يكون لها سندًا تجلب به كل خير.
وكذلك الأخ، يرى في أخته هذا القلب الحاني الرقيق، الذي يتأثر بأقل المشاعر والأحاسيس، فلا يجرح كرامتها بكلمة، ولا حتى بنظرة، فهو يرى في أخته المرأة العفيفة التقية الورعة النقية، فهو يلجأ إليها كي تساعده على مصالحة والدتهما إن هو أغضبها، ويجعل أخته تتوسط له عند والده كي يسمح له بقضاء ما يريد، ثم هو بعد كل هذا يستشيرها أيضًا في أموره، فهي في نظره تلك المرأة العاقلة التي أخذت الحكمة والصبر من والدتها.
هكذا دائمًا ينظر الأخ إلى أخته، وتنظر الأخت إلى أخيها، فالعلاقة بين الأخ وأخته هي علاقة تفاهم وود وتراحم وعطف ورحمة، فهما يسيران معًا في تلك الرحاب الأخوية يساند أحدهما الآخر.
ويتجلى هذا المشهد وتلك العلاقة، في أجلى صورها، حين وفاة والدهما أو والدتهما، فتجد الأخت تلجأ إلى أخيها فورًا؛ فهو حينها الوالد الحنون والأخ الرءوف، وتجد الأخ يلجأ إلى أخته فورًا؛ فهي حينها الأم الرءوم والأخت الحانية.
إلا أننا نسمع في أيامنا هذه شكاوى كثيرة جدًا من الأخوات تجاه الأخوة، فهن يرون أن معاملة الأخ لأخته دائمًا مبنية على التسلط، وتنفيذ ما يطلبه وما يأمر به دون مناقشة، وفي بعض الأحيان قد يصل الأمر إلى حد هضم حقها ومنع حقها عنها، وفي كثير من الأحيان يعتبر الأخ أن خروج الأخت من بيت أبيها إلى بيت زوجها هو تنازل ضمني عن حقوقها.
وهذا ما لا يقره الإسلام ولا يرضاه، فإن الحق لا يسقط بأي من هذه الأحوال، فضلًا عن أن معاملة الأخت لا تكون بهذه الطريقة أبدًا، بل لا بد من الاستماع إليها وإلى وجهة نظرها في الموضوع محل النقاش، وليس على الأخ إطلاق الأوامر دون مناقشة، ففي هذا كسر لقلب أخته وتجاهل لها؛ بل يجب عليه أن يهتم بها وبمشاعرها وبما تريده، طالما أن ما تريده غير مخالف لشرع الله.
لكن قد تتخلل تلك العلاقة بين الأخ وأخته بعض الشوائب التي يقذفها الشيطان في قلب الأخ، وأعني بذلك ما تعانيه الأخت، أحيانًا، من أخيها، فهي دائمًا على مواقع الفتاوى والاستشارات الشرعية وعلى منتديات الأسرة، تشتكي أخيها الذي ينظر إليها نظرات غير عفيفة؛ بل وتعدى الأمر إلى محاولة التحرش بها، وهذا أمر في غاية الخطورة.
فالأخ الذي ينبغي عليه أن يكون هو الحصن الآمن لأخته، أصبح هو العدو الغادر لبيته، وفي مثل هذه الظروف تتحول حياة الأخت إلى جحيم.
فهي لا تستطيع أن تخبر أمها أو أبيها؛ لأنها تخشى أن تكون سببًا في ضياع الأسرة، أو أن يكون والدها كبيرًا في السن أو مريضًا فتخشى عليه من الوفاة تحت وطأة الخبر، وإن كان الأولى والأجدى فورًا إخبار الأم، وهي بدورها تستطيع التعامل مع الابن والوالد، وعند عدم الأم يجب إخبار الوالد، وعند عدمهما يجب معاملة هذا الأخ على أنه أجنبي.
وللأسف فقد كثرت مثل تلك الحالات في أيامنا هذه، وهذا راجع إلى أن الوالدين لم يلتزما بآداب الإسلام في تربية أبنائهما منذ الصغر، فالنبي صلى الله عليه وسلم قد نبهنا إلى أنه يجب علينا أن نفرق بين الأولاد في المضاجع في سن عشر سنين، وهذا التفريق قد يكون بجعل لكل واحد منهما فراش مخصوص منفصل عن الآخر، أو بجعلهما في فراش واحد ولكن غير متجردين ولا متلاصقين، وعند أمن الفتنة، فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«علموا أولادكم الصلاة إذا بلغوا سبعًا، واضربوهم عليها إذا بلغوا عشرًا، وفرقوا بينهم في المضاجع»(1).
ثم إذا بلغت الفتاة الحُلُم فإنها لا تظهر عورتها أمام أخيها؛ كي لا تحرك كوامن الشهوة بداخله، فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإنما يجب عليها أن تلتزم بما قرره علماء الإسلام في هذا الشأن؛ فعلى الأخت ألا تُظهر أمام أخيها إلا مواضع الزينة الظاهرة، فلا يرى أخوها منها إلا الرأس والرقبة والكفين والقدمين، ولا تلبس ملابس ضيقة تبرز مفاتنها وتجسد عورتها، وهذا للأسف مما يُتهاون فيه هذه الأيام، فهي بهذا الفعل تغويه بغير قصد، وكذلك يجب على الأخ أن يغض بصره عن أخته إن رآها في مثل تلك الهيئة.
كما أن عورة الأخ أمام أخته هي ما بين السرة إلى الركبة، وهذه الحدود كلها عند أمن الفتنة، أما عند خوف الفتنة فقد تحتجب الأخت عن أخيها تمامًا، كما أن الأخ قد لا يجوز له إظهار صدره أمام أخته عند خوف الفتنة.
إن العلاقة بين الأخ وأخته علاقة نقية عفيفة، علاقة ود ورحمة، علاقة مساعدة وإخلاص وإيثار، فلا يجب على أي منهما أن يكدر صفو هذه العلاقة، بترك سلوكيات ديننا الحنيف، واتباع أهواء أهل الزيغ والفساد، وإنما ما أمرنا به الإسلام نلتزمه، ولا نتعلل بأن القلب لا يقصد تلك الأمور الشيطانية أبدًا، فهذا على أقل تقدير منافٍ للواقع الأليم، فضلًا عن مخالفته للشرع القويم.
إن العلاقة بين الأخ وأخته ينبغي أن تكون علاقة تسمو إلى أعلى مراتب العلائق البشرية، ليس فيها أدنى ذرة من العلائق البهيمية، وهذا لن يكون إلا باتباع تعاليم هذا الدين، ومتابعة النبي صلى الله عليه وسلم.
ـــــــــــــــ
(1) صحيح الجامع الصغير وزيادته (4026).