logo

التسلط في الحياة الزوجية


بتاريخ : الأربعاء ، 22 رجب ، 1438 الموافق 19 أبريل 2017
بقلم : تيار الاصلاح
التسلط في الحياة الزوجية

عندما يفتقد الإنسان الأسلوب الأمثل في التفاهم، ويتخلى عن المرونة المطلوبة في التعامل، ولا يهمه أن يقتنع برأي الآخرين، كما لا يهمه إقناع من يعايشهم أو يتعامل معهم بوجهة نظره؛ لأنه لا يرى رأيًا آخر غير رأيه، ولا يرى إنسانًا قادرًا على اتخاذ قرار سليم إلا ذاته، كل هذا يعني أن هذا الإنسان أصبح متسلطًا، يفتقد الكثير من مقومات شخصيته العائلية والاجتماعية.

إن العلاقة بين الرجل والمرأة في الشرع علاقة تكاملية؛ حيث يسد كل واحد منهما نقص الآخر في بناء المجتمع المسلم، فلكل من الزوج والزوجة حق على الآخر حسب طبيعته، الزوج يقدم للزوجة بعضًا من خدمات، والزوجة تقدم له خدمات مقابلة؛ لأن الحياة الزوجية مبنية على توزيع المسئوليات، إن الرجل عليه مسئوليات تقتضيها طبيعته كرجل، والمرأة عليها مسئوليات تحتمها طبيعتها كأنثى، والرجل مطالب بالكدح والسعي من أجل الإنفاق، والمرأة مطالبة بأن توفر للرجل البيت المناسب ليسكن إليها عندما يعود من مهمته في الحياة؛ ولذلك يقول الله عز وجل: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم:٢١].

وفكرة الصراع بين الرجل والمرأة انتهت بتسلط الرجل على المرأة كما في بعض المجتمعات الجاهلية، أو بتمرد المرأة وخروجها عن سجيتها وطبيعتها التي خلقت من أجلها؛ كما في مجتمعات أخرى بعيدة عن شرع الله.

ولم يكن لذلك أن يحصل لولا البعد عن شرع الله الحكيم، الذي يعلمنا أنه: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ} [النساء:٣٢]، فلكلٍ خصائصه ووظائفه وتكريمه، والكل يسعى لفضل الله ورضوانه، فالشرع لم يأت لحساب الرجال ولا لحساب النساء، ولكن لحساب الإنسان ولحساب المجتمع المسلم.

والزوج المتسلط أو الزوجة المتسلطة كارثة أسرية متحركة، ومشكلة قديمة تحتاج إلى حل؛ لأن الطرف الآخر لا يستطيع تحديد اتجاه بوصلته المزاجية، لا الزوج، ولا الزوجة، ولا الأولاد، ولا أي إنسان آخر.

إننا لا نعيش بمفردنا، والحياة بين الناس ومعهم تقتضي منا أن نفهمهم، وأن نحسن عشرتهم، ونعرف كيف نجتذبهم إلينا، أما أن نعتقد أننا فوق مستوى الفهم والتفاهم، أو نرغم الآخرين على أن يعتقدوا ما نعتقده، أو نحطم وجهة نظرهم لأنها لا تتماشى مع وجهة نظرنا؛ فهذا هو المتسلط، وهذا هو الفشل الحقيقي في التعامل الاجتماعي السليم بين الناس؛ لأن الحياة ليست إلا علاقة فرد بغيره من الأفراد، وهذا يتطلب مهارة معينة، وقدرة عالية في فن معاملة الآخرين، وعلى رأس هؤلاء أفراد أسرته الصغيرة؛ زوجته وأولاده، وهذا ما يعجز عنه الإنسان المتسلط، والذي يحدده الطب النفسي بأنه: الشخص الذي لا يتنازل عن رأيه، حتى بعد أن يتبين له خطأ هذا الرأي؛ الشخص الذي تخلو أفكاره من أي منطق يحكم تفكيره الذي يتواصل به مع الناس ليكون تعامله طبيعيًا سويًا، وعادة ما يتسم سلوكه بشكل عام بالحدة، وأحيانًا بالعنف والعدوانية.

والتسلط ليس صفة تخص الرجل وحده، فكثير من النساء أيضًا يتصفن بهذه الصفة، وينلن من آثارها المدمرة للشخصية وللأسرة.

أسباب التسلط:

1- انعدام التفاهم:

عندما يفتقد الإنسان الأسلوب الأمثل في التفاهم، ويتخلى عن المرونة المطلوبة في التعامل، ولا يهمه أن يقتنع برأي الآخرين، كما لا يهمه إقناع من يعايشهم أو يتعامل معهم بوجهة نظره؛ لأنه لا يرى رأيًا آخر غير رأيه، ولا يرى إنسانًا قادرًا على اتخاذ قرار سليم إلا ذاته، كل هذا يعني أن هذا الإنسان أصبح متسلطًا، يفتقد الكثير من مقومات شخصيته العائلية والاجتماعية.

2- التعصب والثوران:

عن عائشة قالت: جلس إحدى عشرة امرأة، فتعاهدن وتعاقدن ألا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئًا، قالت الأولى: زوجي لحم جمل غث، على رأس جبل، لا سهل فيرتقى ولا سمين فينتقل، قالت الثانية: زوجي لا أبث خبره، إني أخاف ألا أذره، إن أذكره أذكر عجره وبجره، قالت الثالثة: زوجي العشنق، إن أنطق أطلق، وإن أسكت أعلق...(1).

قال أبو سعيد: « العشنق من الرجال الطويل النجيب، الذي ليس أمره إلى امرأته، وأمرها إليه، فهو يحكم فيها بما شاء وهي تخافه»(2).

3- صراع السلطة في البيت:

يحاول كل طرف تحطيم الآخر، ولو بطريقة لا شعورية، والصراع هنا، رغم عنفه، لا بد أن ينتهي إلى حل يرتاح إليه الطرفان، والرجل، مع صعوبة طباعه، يتطلع دائمًا إلى حل يرضيه ويرضي زوجته، ولذلك على الزوجة في هذه الحالة ألا تتفنن في إظهار تسلطها على الزوج، وإنما عليها أن تساعده على القيام بدوره كرب أسرة، وليس في هذا انتقاص من شخصيتها؛ بل عليها أن تعتبر قوة زوجها قوة مضافة إلى قوتها هي.

4- عدم مراعاة مشاعر الآخر:

وهناك من يرون في العتاب ثم الاعتذار عن الخطأ إهانة شخصية لهم، وهؤلاء تنقصهم الثقة بأنفسهم؛ فالخوف على المكانة الشخصية يمنع البعض من الاعتذار، ولكن الاعتذار لا يقلل أبدًا من احترام الزوجة لزوجها، ولا يتنافى مع قوامته عليها، على أن يكون سبيلُنا إلى هذا الاحترامَ المتبادلَ، فالعتاب يكون ناجحًا طالما حرص الطرفان على احترام كل منهما لمشاعر الآخر.

وأن يكون كل منهما لديه الرغبة الحقيقية لسماع ما بنفس الطرف الآخر، دون أن يثور ويحول العتاب إلى شجار، فالعتاب الإيجابي هو التواصل والحوار حول السلبيات، وحول الإيجابيات في الوقت نفسه.

5- طبيعة العمل:

إن المرأة، بوجه عام، إذا أصبحت في مركز وظيفي قيادي تحاول أن تفرض وجودها بالتسلط على الموظفات الأخريات، خاصة العاملات تحت إدارتها؛ بإصدار الأوامر، والتحدث بكبرياء وغطرسة، وهو ما تعاني منه بعض الأسر، التي تصبح المرأة فيها متقلدة لمناصب عالية؛ مما يغرس في طباع المرأة روح السيادة والكبر، فتتعامل في البيت وكأنها ما زالت في منصبها الوظيفي، وهي صاحبة القرار، وهذا مما لا يقبله رجل يحترم ذاته ورجولته.

6- عدم الوضوح بين الزوجين:

إن السبب الرئيس في المشكلة هو عدم الوضوح والتشاور بين الزوجين، وضعف شخصية الزوج، واستغلال الزوجة ذلك لكي تفرض سلطتها عليه؛ لأن بعض الزوجات يرين ذلك في مصلحتهن، مع أن المفروض أن تكون السلطة بيد الرجل، حتى لا يقل احترامه كأب أمام الأبناء، فالمرأة الذكية تحرص على أن تقوي شخصية زوجها؛ حتى يكون قدوة حسنة لأبنائه، وفي بعض الحالات قد تكون لدى الزوج مشكلة معينة؛ كالضعف الجنسي، فتستغل الزوجة الوضع لتفرض سيطرتها عليه، ومع ذلك لا بد من مراعاة حق الله في الزوج، وعلى الرجل إصلاح نفسه؛ لأن الزوج الضعيف لن يقدر على حماية زوجته عند الضرورة.

7- ضعف الشخصية:

التسلط مرض نفسي، يحدث نتيجة الشعور بالنقص لظروف أسرية أو مادية أو شخصية، أو نتيجة ضعف الشخصية، ومن خلاله يتم إفراغ ردة الفعل على حدث سابق مورس فيه التسلط، ويمارس التسلط أيضًا المصابون بالإرهاب الاجتماعي، لكن تبقى هذه الأمور نسبية وليست قاعدة، حيث يوجد في الجانب الآخر متميزون بخلقهم وحسن تعاملهم مع الآخرين.

8- تقلب المزاج:

إن إرباك الزوجة وتوترها، وقلقها الدائم، ولكونها مكرهة على عمل أشياء من دون إرادتها أو رضاها لمجرد أن تتلافى عنف الزوج، وبعض الزوجات قد يلجأن إلى الكذب في محاولة للتخلص من تسلط الزوج وعنفه، فيصبح هذا التصرف وسيلة تنفيس خاطئة، قد تؤدي إلى نتائج سيئة للزوج والزوجة والأسرة كلها؛ لأن تَفَشِّي الكذب بين أفراد الأسرة يعصف بكيانها كله، وقد تلجأ بعض الزوجات، أمام قسوة التسلط، إلى الشكوى من طباع الزوج للآخرين، وإلى تضخيم عيوبه؛ مما يسيء إليه في وسطه الاجتماعي والعائلي؛ فينعكس هذا على معاملة الآخرين له.

وفي حالة الرضوخ التام لتسلط الزوج فإن الزوجة تشعر بالقهر والسلبية، وإذا كان هذا ممكنًا مع زوجة أمية، فهو صعب مع زوجة نالت من التعليم والثقافة والاحتكاك بالمجتمع ما نالته، فيصبح العبء النفسي مضاعفًا عليها، أما إذا كانت الزوجة هي المتسلطة فإن ذلك يسلب رجولة الزوج واحترامه لنفسه، كما يفتقد الأبناء القدوة في أبيهم، وهو المثل الأعلى لهم ومصدر حمايتهم، فإن الحياة الزوجية لا يمكن أن تستقيم في ظل هذه المشاكل، وتحت ضغط هذه الظروف النفسية والاجتماعية(3).

قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} [النساء:٣٤].

جاء في ظلال القرآن: «والمسَلّم به ابتداءً أن الرجل والمرأة كلاهما من خلق الله، وأن الله سبحانه لا يريد أن يظلم أحدًا من خلقه، وهو يهيئه ويعده لوظيفة خاصة، ويمنحه الاستعدادات اللازمة لإحسان هذه الوظيفة، وقد خلق الله الناس ذكرًا وأنثى، زوجين على أساس القاعدة الكلية في بناء هذا الكون، وجعل من وظائف المرأة أن تحمل وتضع وترضع، وتكفل ثمرة الاتصال بينها وبين الرجل، وهي وظائف ضخمة أولًا وخطيرة ثانيًا، وليست هينة ولا يسيرة، بحيث تؤدَّى بدون إعداد عضوي ونفسي وعقلي عميق غائر في كيان الأنثى!

فكان عدلًا كذلك أن ينوط بالشطر الثاني، الرجل، توفير الحاجات الضرورية، وتوفير الحماية كذلك للأنثى كي تتفرغ لوظيفتها الخطيرة، ولا يحمل عليها أن تحمل وتضع وترضع وتكفل، ثم تعمل وتكد وتسهر لحماية نفسها وطفلها في آن واحد!

وكان عدلًا كذلك أن يمنح الرجل من الخصائص في تكوينه العضوي والعصبي والعقلي والنفسي ما يعينه على أداء وظائفه هذه، وأن تمنح المرأة في تكوينها العضوي والعصبي والعقلي والنفسي ما يعينها على أداء وظيفتها تلك.

ومن ثم زودت المرأة، فيما زودت به، من الخصائص، بالرقة والعطف، وسرعة الانفعال والاستجابة العاجلة لمطالب الطفولة، بغير وعي ولا سابق تفكير؛ لأن الضرورات الإنسانية العميقة كلها، حتى في الفرد الواحد، لم تترك لأرجحة الوعي والتفكير وبطئه؛ بل جعلت الاستجابة لها غير إرادية! لتسهل تلبيتها فورًا وفيما يشبه أن يكون قسرًا، ولكنه قسر داخلي غير مفروض من الخارج، ولذيذ ومستحب في معظم الأحيان كذلك؛ لتكون الاستجابة سريعة من جهة ومريحة من جهة أخرى، مهما يكن فيها من المشقة والتضحية! صنع الله الذي أتقن كل شيء.

وهذه الخصائص ليست سطحية؛ بل هي غائرة في التكوين العضوي والعصبي والعقلي والنفسي للمرأة.

بل يقول كبار العلماء المختصين: إنها غائرة في تكوين كل خلية؛ لأنها عميقة في تكوين الخلية الأولى، التي يكون من انقسامها وتكاثرها الجنين، بكل خصائصه الأساسية! وكذلك زود الرجل، فيما زود به، من الخصائص بالخشونة والصلابة، وبطء الانفعال والاستجابة، واستخدام الوعي والتفكير قبل الحركة والاستجابة؛ لأن وظائفه كلها، من أول الصيد الذي كان يمارسه في أول عهده بالحياة، إلى القتال الذي يمارسه دائمًا لحماية الزوج والأطفال، إلى تدبير المعاش...، إلى سائر تكاليفه في الحياة؛ لأن وظائفه كلها تحتاج إلى قدر من التروي قبل الإقدام وإعمال الفكر، والبطء في الاستجابة بوجه عام! وكلها عميقة في تكوينه عمق خصائص المرأة في تكوينها.

وهذه الخصائص تجعله أقدر على القوامة، وأفضل في مجالها، كما أن تكليفه بالإنفاق، وهو فرع من توزيع الاختصاصات، يجعله بدوره أولى بالقوامة؛ لأن تدبير المعاش للمؤسسة ومن فيها داخل في هذه القوامة، والإشراف على تصريف المال فيها أقرب إلى طبيعة وظيفته فيها.

وهذان هما العنصران اللذان أبرزهما النص القرآني، وهو يقرر قوامة الرجال على النساء في المجتمع الإسلامي.

قوامة لها أسبابها من التكوين والاستعداد، ولها أسبابها من توزيع الوظائف والاختصاصات، ولها أسبابها من العدالة في التوزيع من ناحية وتكليف كل شطر، في هذا التوزيع، بالجانب الميسر له، والذي هو معان عليه من الفطرة.

وأفضليته في مكانها؛ في الاستعداد للقوامة والدربة عليها، والنهوض بها بأسبابها؛ لأن المؤسسة لا تسير بلا قوامة، كسائر المؤسسات الأقل شأنًا والأرخص سعرًا، ولأن أحد شطري النفس البشرية مهيأ لها، معان عليها، مكلف تكاليفها، وأحد الشطرين غير مهيأ لها، ولا معان عليها، ومن الظلم أن يحملها ويحمل تكاليفها إلى جانب أعبائه الأخرى، وإذا هو هيئ لها بالاستعدادات الكامنة، ودرب عليها بالتدريب العلمي والعملي، فسد استعداده للقيام بالوظيفة الأخرى، وظيفة الأمومة؛ لأن لها هي الأخرى مقتضياتها واستعداداتها، وفي مقدمتها سرعة الانفعال، وقرب الاستجابة، فوق الاستعدادات الغائرة في التكوين العضوي والعصبي وآثارها في السلوك والاستجابة! إنها مسائل خطيرة، أخطر من أن تتحكم فيها أهواء البشر، وأخطر من أن تُترك لهم يخبطون فيها خبط عشواء، وحين تركت لهم ولأهوائهم، في الجاهليات القديمة والجاهليات الحديثة، هددت البشرية تهديدًا خطيرًا في وجودها ذاته، وفي بقاء الخصائص الإنسانية، التي تقوم بها الحياة الإنسانية وتتميز.

ولعل من الدلائل التي تشير بها الفطرة إلى وجودها وتحكمها ووجود قوانينها المتحكمة في بني الإنسان، حتى وهم ينكرونها ويرفضونها ويتنكرون لها.

لعل من هذه الدلائل ما أصاب الحياة البشرية من تخبط وفساد، ومن تدهور وانهيار، ومن تهديد بالدمار والبوار، في كل مرة خولفت فيها هذه القاعدة، فاهتزت سلطة القوامة في الأسرة، أو اختلطت معالمها، أو شذت عن قاعدتها الفطرية الأصيلة! ولعل من هذه الدلائل توقان نفس المرأة ذاتها إلى قيام هذه القوامة على أصلها الفطري في الأسرة، وشعورها بالحرمان والنقص والقلق وقلة السعادة عندما تعيش مع رجل لا يزاول مهام القوامة، وتنقصه صفاتها اللازمة، فيكل إليها هي القوامة! وهي حقيقة ملحوظة، تسلم بها حتى المنحرفات الخابطات في الظلام! ولعل من هذه الدلائل أن الأطفال، الذين ينشئون في مؤسسة عائلية القوامة فيها ليست للأب، إما لأنه ضعيف الشخصية، بحيث تبرز عليه شخصية الأم وتسيطر، وإما لأنه مفقود، لوفاته أو لعدم وجود أب شرعي! قلما ينشئون أسوياء، وقل ألا ينحرفوا إلى شذوذ ما، في تكوينهم العصبي والنفسي، وفي سلوكهم العملي والخلقي.

فهذه كلها بعض الدلائل التي تشير بها الفطرة إلى وجودها وتحكمها، ووجود قوانينها المتحكمة في بني الإنسان، حتى وهم ينكرونها ويرفضونها ويتنكرون لها! ولكن ينبغي أن نقول: إن هذه القوامة ليس من شأنها إلغاء شخصية المرأة في البيت، ولا في المجتمع الإنساني، ولا إلغاء وضعها (المدني)، وإنما هي وظيفة داخل كيان الأسرة، لإدارة هذه المؤسسة الخطيرة، وصيانتها وحمايتها، ووجود القيم في مؤسسة ما لا يلغي وجود ولا شخصية ولا حقوق الشركاء فيها، والعاملين في وظائفها، فقد حدد الإسلام، في مواضع أخرى، صفة قوامة الرجل، وما يصاحبها من عطف ورعاية، وصيانة وحماية، وتكاليف في نفسه وماله، وآداب في سلوكه مع زوجه وعياله»(4).

المراد بالقيام هنا هو الرياسة التي يتصرف فيها المرءوس بإرادته واختياره، وليس معناها أن يكون المرءوس مقهورًا مسلوب الإرادة، لا يعمل عملًا إلا ما يوجهه إليه رئيسه، فإن كون الشخص قيمًا على آخر هو عبارة عن إرشاده والمراقبة عليه في تنفيذ ما يرشده إليه؛ أي: ملاحظته في أعماله وتربيته، ومنها حفظ المنزل وعدم مفارقته، ولو لنحو زيارة أولي القربى، إلا في الأوقات والأحوال التي يأذن بها الرجل ويرضى، أقول: ومنها مسألة النفقة، فإن الأمر فيها للرجل، فهو يقدر للمرأة تقديرًا إجماليًا؛ يومًا يومًا، أو شهرًا شهرًا، أو سنة سنة، وهي تنفذ ما يقدره على الوجه الذي ترى أنه يرضيه ويناسبه حاله من السعة والضيق.

إن من الرجال الجعظري الجواظ، الذي يظلم المرأة بمحض العدوان، وقد ورد في وصية أمثالهم بالنساء كثير من الأحاديث، ويأتي في حقهم ما جاءت به الآية من التحكيم، وإن من النساء الفوارك المناشيص المفَسِّلات، اللواتي يمقتن أزواجهن، ويكفرن أيديهم عليهن، وينشزن عليهم صلفًا وعنادًا، ويكلفنهم ما لا طاقة لهم به، فأي فساد يقع في الأرض إذا أبيح للرجل التقي الفاضل أن يُخَفِّض مِن صَلَف إحداهن، وَيُدَهْوِرَهَا مِن نَشَزِ غرورها بسواك يضرب به يدها، أو كف يهوي بها على رقبتها؟(5).

***

________________

(1) أخرجه البخاري (5189)، ومسلم (2448).

(2) شرح صحيح البخاري، لابن بطال (7/ 300).

(3) تسلّط الأزواج دمار للحياة الزوجية، موقع: مجلة العلوم الاجتماعية، 22/2/2012م.

(4) في ظلال القرآن (2/ 651-652).

(5) تفسير المنار (5/ 61).