الفيس بوك وانتكاس الفطرة
منذ أيام أعلنت المحكمة العليا في أمريكا جواز زواج الشواذ، واعتبرته زواجًا رسميًا يجب على كل الولايات هناك والهيئات الحكومية أن تعترف به، فالذكر يتزوج الذكر، والأنثى تتزوج الأنثى، وبعدها فورًا خرج الرئيس الأمريكي في تدوينة له على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" يعلن ترحيبه بهذا الحكم، واعتبر ذلك انتصارًا للحب!
وللشواذ هؤلاء عَلَم خاص بهم يميزهم عن غيرهم، يجمع هذا العلم ألوان الطيف، وليت الأمر توقف عند هذا الحد، وإنما سارع مشاهير العالم إلى التعاطف وتأييد هؤلاء الشواذ وحكم المحكمة العليا الأمريكية، فكل واحد من هؤلاء قد جعل خلفية صورته الشخصية في حسابه على الفيس بوك بألوان الطيف، في إشارة واضحة إلى تضامنه مع الشواذ، وتأييده لهم، ومساندته إياهم، وللأسف فإن بعض مشاهير العالم العربي قد فعل هذه الفعلة الشنيعة، وتضامن مع هؤلاء الشواذ بالصورة السالفة الذكر، فظلل صورته الشخصية على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" بألوان الطيف!
ومن عظيم الأسى أن ينجر بعض الشباب المسلم خلف هؤلاء، فيتشبهون بهم، ويتعاطفون ويساندون ويؤيدون هؤلاء الشواذ، فتجد بعض الشباب يعتبرها حرية، وبعضهم يعتبرها قيمًا إنسانية، ولا أدري أي حرية وأي قيم إنسانية تلك، وهي لم ترق أبدًا لمرتبة الطبائع الحيوانية حتى تعتبر قيمة إنسانية.
ومن الملفت للنظر أن أول من تعاطف مع هؤلاء الشواذ على موقع التواصل الاجتماعي هو مالك هذا الموقع، فهل هي رسالة لطمس الفطرة الإنسانية وانتكاستها؟ هل يدعو هؤلاء إلى النزول إلى دركات ما بعد البهيمية؟ وهم يعلمون أن متابعيهم بالملايين، كما هو حال رواد هذا الموقع.
لا شك أن لمواقع التواصل الاجتماعي أثرًا بالغًا على سلوك وتصرفات وتفكير شبابنا، فكثير من الشباب والفتيات يتأثر جدًا بما ينشر في مواقع التواصل الاجتماعي، فإذا أحد المشاهير بتسريحة شعر جديدة، فنجد الشباب يعتبرونها صيحة جديدة في عالم الشعر ويقوم بتنفيذها فورًا، وكذلك الفتيات مع المشاهير من النساء، وكما يتأثر الشباب والفتيات بالمظهر فكذلك يتأثرون بالفكر والمنطق، فربما تجد صاحب هوى مجرم، وهناك من يصدقه ويؤيده، وربما تجد ملحدًا وهناك من يرى الحق معه، كل هذه الطوام إنما أتت من خلال التواصل في هذه المواقع الاجتماعية.
ونحن أبدًا لا ندعو لترك هذه المواقع وهجرها، ففيها كذلك الخير الكثير، من تواص بالحق، وتبادل للأفكار النيرة، وإثراءٍ للعقل، وتبادل للخبرات، ومشاركة للآراء، وغير ذلك مما ينفع، ولعلي أرى أن في هذه المواقع من الخير ما يربو على شرها بإذن الله.
ولكن هذه الحالة التي تمس جانبًا أخلاقيًا وكذا عقديًا لدينا نحن المسلمون، لا ينبغي أبدًا أن نتركها تمر هكذا وقد أثرت في بعض شبابنا وفتياتنا، حتى ولو لم تتأثر بها سلوكياتهم، وإنما تأثيرها على أفكارهم، ولو في عقلهم الباطن، أمر خطير جدًا، قد يخرج للعلن في أي وقت من الأوقات بعد ذلك، فضلًا عن أن هذا التضامن والتأييد ينبئ عن خطر شديد قد يصيب هؤلاء المتعاطفين، إنه عقاب من الله عز وجل!
إن المولى عز وجل عندما خاطب نبيه لوطًا عليه السلام بأن يخرج من القرية، وأن يأخذ معه أصحابه المؤمنين، استثنى منهم امرأته فقال تعالى: {قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ} [هود:81]، إنه مصيبها ما أصابهم، فهل كانت امرأة لوط عليه السلام تمارس هذه الرذيلة التي كانت في قوم لوط وهي الشذوذ الجنسي؟ لا، إذن فلماذا جعل المولى عز وجل عقابها مع عقاب المجرمين، عقاب الفاعلين الأصليين؟ لأنها تعاطفت معهم، لأنها ساندتهم، لأنها أيدتهم، فعندما جاءت الملائكة إلى سيدنا لوط عليهم السلام في صورة شباب حسن المظهر، أسرعت تلك المرأة إلى قومها الشواذ تخبرهم بمقدم الملائكة، وتحث قومها على فعل الفاحشة، متعاطفة ومؤيدة ومساندة لهم في بغيهم وظلمهم، فكان عقابها كعقابهم.
وإذا ما نظرنا إلى الخمر والربا نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتصر في ذكر اللعن على شارب الخمر وآكل الربا فقط، وإنما طال هذا اللعن شارب الخمر وبائعه ومبتاعه وعاصره ومعتصره، وكذا في الربا، فعن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لعن الله آكل الربا، وموكله، وشاهديه، وكاتبه» [صحيح الجامع الصغير وزيادته (5089)].
وقال: «ما ظهر في قوم الربا والزنا إلا أحلوا بأنفسهم عقاب الله عز وجل» [مسند أحمد (6/ 358)].
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أتاني جبريل فقال: يا محمد، إن الله عز وجل لعن الخمر، وعاصرها ومعتصرها، وشاربها، وحاملها، والمحمولة إليه، وبائعها، ومبتاعها، وساقيها، ومستقيها» [صحيح الجامع الصغير وزيادته (72)].
كل هذا يدل على خطورة التعاطف مع فاعل المعصية وتأييده ومساندته، فمن أيد وساند المجرمين في إجرامهم كان عقابه كعقابهم، {إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ} [هود:81].
فلا بد أن يفطن شبابنا وفتياتنا لهذه الأمور الخطيرة جدًا، ولا يدعوا هذه الآفات التي تأتي من خلال مواقع التواصل الاجتماعي تؤثر عليهم في سلوكياتهم وأخلاقياتهم، أو تنخر في أفكارهم وعقائدهم، ثم على الأم والأب واجب متابعة الابن المراهق على هذه المواقع، من غير تجسس أو سوء ظن في الابن أو الابنة، وإنما متابعة صريحة واضحة وقراءة لما يكتب وما ينشر، مع توجيه لطيف، وإطراء جميل إذا أحسن وأتقن، فإن هذا مما يعين على ضبط سلوكيات الأبناء، والارتقاء بأخلاقهم.
إن مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة الفيس بوك، من المواقع الرائعة التي لو أحسن الآباء والأمهات التعامل معها، خاصة إذا كان الأبناء شغوفين بها، لأمكنهم التواصل مع أبنائهم بشكل رائع، ولاستطاعوا توجيه أبنائهم بطريقة صحيحة؛ ذلك لأنهم من خلال متابعتهم لأبنائهم على الفيس بوك فإنهم يستطيعون معرفة ما يجذب الأبناء وما يشغل تفكيرهم، وبالتالي يمكنهم التعامل معهم بطريقة سليمة.