logo

التربية بالتجربة


بتاريخ : الجمعة ، 27 شعبان ، 1437 الموافق 03 يونيو 2016
بقلم : تيار الإصلاح
التربية بالتجربة

إذا أراد أي واحد منا أن يقوم بعمل ما فإنه يبحث عن كيفية أداء هذا العمل، وكذلك يتعلم ويقرأ ويسأل عن عوامل نجاح هذا العمل، فمثلًا إذا أرادت المرأة أن تطهو طعامًا معينًا، وهي لا تعلم عنه الكثير، فإنها تبحث عن كيفية

إعداد هذا الطعام، وما هي مكوناته، وذلك إما عن طريق الشبكة العنكبوتية، أو عن طريق سؤال إحدى صديقاتها المشهورات بإعداد الأطعمة.

 

وكذلك إذا اشترى الرجل جهازًا إلكترونيًا جديدًا فإنه قبل أن يستخدمه تجده يقرأ في فهرس هذا الجهاز وكيفية استخدامه، وإذا أشكل عليه شيء فإنه يلجأ إلى أهل التخصص؛ حتى يعلم كيفية استخدام هذا الجهاز، وهكذا في كل ما يتعلق بأمور حياتنا المادية؛ نبحث ونسأل ونتعلم.

 

إلا أننا، وبكل أسف، لا نتعامل مع أهم ما وهبنا الله إياه بمثل هذه الطريقة، التي اتبعناها في التعامل مع الأجهزة الجديدة، أو الأطعمة التي لا نعرفها؛ إنهم الأبناء، أهم ما وهبنا المولى عز وجل، لم نقرأ أو نسأل أو نتعلم أو نستشر أو نستفسر عن كيفية تربية الأبناء، وكيفية تصحيح أخطائهم، وإنما تركناهم هكذا يتربون (بالبركة)!!

 

فقد تكون الأم من أصحاب الشهادات العليا، والوالد من أصحاب الشهادات العليا، وممن يتبوءون منزلة في المجتمع، ومع ذلك فإن الوالد والوالدة لا يفقهون شيئًا عن تربية الأبناء، فالأم أستاذة فقيهة في مسائل الطبخ وترتيب المنزل، لكنها أمية في التعامل مع الأبناء وتربيتهم، والتواصل معهم، وتنمية قدراتهم، وحل مشكلاتهم، والأب خبير استراتيجي وإداري في استثمار الأموال، وجلب الأرباح، وزيادة رصيده، ولكنه جاهل بأمور التربية واحتواء الأبناء، وتنمية قدراتهم، وإحساسهم بالإشباع الوجداني لا المادي.

 

فتكون النتيجة الحتمية أن ينشأ طفل لم يترب، فتجده عنيدًا، لا يسمع كلام أمه وأبيه، تجده متمردًا، يريد أن تُنَفَّذ كل طلباته، وإلا شرع في البكاء، ولا يتوقف إلا بعد تلبية كل حاجياته، تجده لا يحترم من هو أكبر منه، يتعامل مع مَن هم في مثل سنه، أو أكبر قليلًا، بتعالٍ وبجفاء، ثم إذا ما شب هذا الطفل قليلًا، وأصبح فتى في سن المراهقة، فإن المشاكل الأشد خطورة تبدأ، إنه التمرد على الدراسة، فتراه يترك دراسته ودروسه، وقد يقنع والديه حينها أنه يذهب إلى المدرسة، وأنه يتابع دروسه، والدافع لذلك ليس الخوف من أبيه وأمه، وإنما الدافع إلى ذلك أخذ نقود تلك الدروس، وصرفها في اللهو واللعب وإشباع رغباته، والتي قد تتطور إلى التدخين أو تعاطي المخدرات.

 

للأسف، دائمًا تكون هذه النتائج هي محصلة تربية التجربة والخطأ؛ رغم أنك تجد هذا الأب وهذه الأم من أشد المعيبين لتلك النظرية، نظرية التجربة والخطأ، كأسلوب للتعلم في أبسط مسائل حياتهم اليومية، فمثلًا إذا أراد الابن أن يجرب ضغطة زر على لوحة التحكم بجهاز ما؛ لأجل معرفة ما قد ينبو عنها، فإن الأب أو الأم يمنعانه عن ذلك بكل قوة، معللين ذلك بعدم معرفة العواقب، وأنه يجب التعلم أولًا والسؤال والاستشارة، وقراءة كتيب التعليمات؛ حتى تستطيع استخدام هذا الجهاز استخدامًا مثاليًا.

 

لكن لا يطبق كل من الوالد والوالدة هذه القاعدة عليهما تجاه أبنائهما؛ بل إن أولياء الأمور تركوا أبنائهم لأجهزة التلفاز، ولمواقع التواصل الاجتماعي، ولأصحابهم وأفكارهم لكي يربوهم، وهذا من أخطر الأمور التربوية التي يقع فيها مجتمعنا، فالوالد منهمك في العمل، والأم منشغلة بأعباء المنزل، ولا عزاء للأبناء.

 

إنه يجب على كل أم وأب أن يطلعا على مقومات ووسائل التربية الناجحة، وإن لم يستطيعا الاطلاع فيجب عليهما سؤال أهل الخبرة، من الأباء والأمهات الذين لهم أبناء ناجحين؛ حتى يتعلموا منهم كيف ربوا أبناءهم، وكيف صاروا ناجحين، وكذلك أهل الخبرة من المتخصصين في مجال التربية.

 

وكذلك من المهم جدًا الحرص على حضور الندوات والدورات التي تُعنى بمجال التربية.

 

إن تربية الأبناء تربية صحيحة، قائمة على المعرفة التربوية الصحيحة، لهو أمر هام جدًا؛ خصوصًا في زمن اعتقد فيه الوالد أنه بسعيه وجلبه المال لأبنائه، وتلبيته لجميع طلباتهم، وجعل كل ما يتاح من الأجهزة الحديثة في متناول أيديهم، يكون قد أدى دوره ومسئوليته تجاه أبنائه، ونسي أن الأهم من كل هذا هو تربية الأبناء، وتعليمهم صحيح الفعل والقول والإشارة والفهم، وكل هذا لا يتأتى إلا بالتربية.

 

كذلك تربية الأبناء تربية صحيحة، قائمة على المعرفة التربوية الصحيحة، أمر هام جدًا؛ خصوصًا عند اعتقاد الأم أنها بتجهيز أشهى الأطعمة، وكل ما يريده أبناؤها، وتهيئة المنزل على أكمل وجه، وإيقاظ الأولاد لمواعيد الدراسة، تكون بذلك قد أدت مسئوليتها تجاه أبنائها وتجاه ربها، ولم تعلم الأم أن الأهم من كل هذا هو تعليم الأبناء وتلقينهم احترام الكبير، والرفق بالضعيف، والتلطف في الكلام، ومصاحبة الأخيار...، وكل هذا لن يكون إلا بالتربية.

 

إن هذا الجيل الذي نراه اليوم هو إفراز لهذا الأسلوب من أساليب التربية، تربية التجربة، فكل من الأم والأب يجرب في أبنائه، فإذا ما أخطأ الأبناء فيكون العلاج، من قبل الوالدين، بطريقة ارتجالية غير مدروسة ولا حتى مفهومة، ثم تكون نتائج وخيمة، ثم إذا تكرر الخطأ فتجد من الآباء من يكون صاحب حنكة!، ولا يعيد نفس العقاب السابق، وإنما يجرب عقابًا آخر، ثم بعد ذلك أيضًا تكون النتائج وخيمة، ومن الأباء من يكرر نفس العقاب الأول ويصل لنفس النتيجة، كل هذا لأن الوالدين لم يتعلما كيف يربيا أبناءهما.

 

أيها الأباء والأمهات، إن النبي صلى الله عليه وسلم جعل مسئولية تربية الأبناء، والاهتمام بهم، تقع على عاتق الأم والأب، وأنهما مسئولان أمام الله عز وجل عن تلك المسئولية، فكلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته، فيا ترى ماذا سنقول لربنا غدًا؟