logo

البدائل لحل المشاكل


بتاريخ : الأحد ، 24 صفر ، 1437 الموافق 06 ديسمبر 2015
بقلم : تيار الاصلاح
البدائل لحل المشاكل

حينما ترى عرضًا مذهلًا ومتقنًا، سواء أكان عرضًا عسكريًا لفرقة عسكرية، أو عرضًا رياضيًا، أو عرضًا تشكيليًا، فإنك سرعان ما تتعجب من تلك الخطوات الثابتة، والصفوف المتراصة، وهذا الأداء المتقن، وهذه التشكيلات التي يؤديها هؤلاء المشاركون في العرض بدون أية أخطاء، وهنا يستقر في ذهن المشاهد والمتابع أن هؤلاء الأشخاص الذين قاموا بأداء هذا العرض إنما هم أشخاص موهوبون، لديهم مقدرة خاصة عن غيرهم تؤهلهم لهذا العمل، ولا يستطيع غيرهم القيام به، وهذا أمر غير صحيح.

حيث إن هؤلاء الأشخاص، الذين قاموا بأداء هذه الحركات، حينما بدءوا لم يكن لدى أحدهم من الرشاقة ما يمكنه أبدًا من القيام بهذه الحركات، ولكن جاء من دربهم، وساعدهم، وبصبر كبير على تدريبهم على كيفية أداء مثل هذه الحركات.

لقد قضى هؤلاء الأشخاص الساعات الكثيرة وهم يكررون نفس الخطوات مرارًا وتكرارًا، وربما صرخ بعضهم من كثرة التدريب والجهد والتعب؛ بل وربما مل بعضهم ويأس من محاولة النجاح في أداء مثل هذه الحركات.

ولكن في النهاية فإن المدرب استطاع أن ينجح في تعليمهم أداء هذه الحركات، على الوجه المتقن والرائع الذي نراه في مثل هذه العروض.

إن مثل هذه التجربة ينبغي على كل من الآباء والأمهات أن يتبعوا نهجها في تعاملهم مع أبنائهم، وتعليمهم إياهم الحل الإبداعي، والبحث عن بدائل لحل مشاكلهم، فإننا إذا ما نظرنا إلى كم المشاكل التي قد تقابل الأبناء، ثم نظرنا إلى قدرات وملكات الأبناء الحالية، فلا شك أننا سنصاب بالهلع من جراء ضعف قدرة الأبناء أمام مشاكلهم المحتملة، لذلك فلا بد من تعليمهم وتدريبهم على استخدام البدائل لحل المشاكل.

فلا بد من تعليم الأبناء مهارة البحث عن البدائل؛ حيث إننا نعيش في عالم أصبح الذكاء العاطفي فيه أكثر أهمية من الذكاء العقلي، ونعني بالذكاء العاطفي هنا: قدرة الابن على تفهم مشاعره ومشاعر غيره، ومحاولة السيطرة على مشاعره حتى لا يخسر الآخرين، وحتى يصبح على علاقة جيدة بهم.

فإذا ما تمكن الابن من تفهم مشاعره، فإن ذلك يساعده على اتخاذ قراراته وإدارة سلوكياته بطريقة أفضل، وخاصة خلال الأزمات والمشاكل.

لأجل ذلك فإنه يجب على الوالدين أن يقوما بتحسين وتنمية هذا النوع من الذكاء لدى الأبناء؛ لأن هذا سيساعد الأبناء في علاقتهم المستقبلية بالآخرين.

وبالتالي فإنه يجب على الآباء والأمهات أن يشجعوا الأبناء على هذا النوع من الذكاء، عندما يتمكنون من تحديد مشاعرهم ومشاعر الآخرين، وأن يثنوا عليهم حين يستطيعون قراءة مشاعر غيرهم.

فهذا أحمد جمع ألعابه وذهب ليلعب بها، ولكنه وجد أخته حزينة، فجعلها تلعب بالألعاب قبله؛ حتى يفرحها، وهنا يكون التشجيع بـ "لقد رأيتك وأن تسمح لأختك أن تلعب بألعابك كي تفرحها، كم أنا فخور بك".

كذلك ندفع أبناءنا إلى المران على اتخاذ القرارات في مواجهة المواقف المختلفة، مع التحكم في المشاعر؛ بل وتقبل مشاعر الآخرين، والنظر إلى الاختلاف في الرأي على أنه ميزة، والتدريب على البحث الدائم عن بدائل لوسائل مواجهة الأزمات والمشاكل.

إن كل هذه المهارات والوسائل في حاجة للتدريب الدائم والجاد على فن التعامل مع الآخرين، وكذلك التعامل مع ضغوط الحياة، خاصة في ظل طرق التعليم السائدة في بلادنا العربية اليوم.

"تسود في عالمنا الإسلامي اليوم طريقة في التعليم متشابهة، عمادها التلقين والحفظ والتكرار، وهذا كله يقوي ملكة الحفظ والذاكرة لدى الطالب؛ لكنه في غالب الأمر يؤدي إلى خمول قدرات الخيال والإبداع، أما في الغرب والدول الصناعية الأخرى فالأمر معكوس؛ حيث لا تسود طريقة التلقين، وإنما يتعلم الطلاب بأسلوب أقرب إلى التفكير.

والذاكرة عند الطالب الغربي أقرب إلى الضمور إذا ما قورنت بذاكرة الطالب الشرقي، وحين يوضع الطالبان في مواجهة مشكلة تتطلب جهدًا عقليًا، وإمكانات مبدعة لحلها، فإن الطالب الغربي يكون أقدر على حلها، وربما كان من الصواب القول: إن التعليم الرسمي المنهجي قد ساعد على قتل الإبداع بدل أن ينميه؛ حيث يُلزم الطالب بدراسة مواد لا يميل إليها، وليست عنده الاستعدادات للنبوغ فيها.

وفي تجربتنا الإسلامية التاريخية، نجد أن التعليم غير الرسمي هو الذي أخرج العلماء والمبدعين والعباقرة، حيث كان طالب العلم يختار التخصص الذي يدرسه، والمدرس الذي يدرس عليه، كما يختار حجم الأرضية الثقافية العامة التي عليه أن يُلم بها قبل أن يلج في التخصص.

واليوم فإن ساعات الدراسة الطويلة، والواجبات التي تُعطى للطالب يستغرقان كثيرًا من وقته، ولا يبقى له بعد ذلك أي وقت للتفكير الإبداعي".

وبالتالي فإنه يجب على الآباء والأمهات مساعدة أبنائهم على التفكير الإبداعي، وذلك من خلال تدريبهم على مهارة البحث عن بدائل في كل ما يواجهونه من مشكلات أو أمور، علمية أو عملية، وعلى الآباء كذلك تغيير طريقة التلقين والحفظ والتكرار إلى طرق أكثر فاعلية ومشاركة.

فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما أرسل معاذًا إلى اليمن قاضيًا، فإذا به يسأله: «كيف تصنع إن عرض لك قضاء؟» قال: أقضي بما في كتاب الله، قال: «فإن لم يكن في كتاب الله؟» قال: فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «فإن لم يكن في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟»، قال: أجتهد رأيي، لا آلو، قال: فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدري، ثم قال: «الحمد لله الذي وفق رسولَ رسولِ الله لما يرضي رسول الله».

هكذا يؤسس النبي صلى الله عليه وسلم للتفكير الإبداعي المنضبط بضوابط الشرع، فهناك حدود لا ينبغي لأي إنسان أن يتعداها، فليس الإبداع ذريعة للكفر والانحلال الأخلاقي، وإنما ينبغي أن يكون لرضا الله عز وجل، ووفق ما أراده المولى عز وجل.

ومن الأمور المهمة التي تساعد على التفكير الإبداعي للأبناء، والبحث عن بدائل لحل مشاكلهم، هو تعليمهم مبدأ الشورى، وهي محاولة تتجاذب الأفكار بين الأبناء بعضهم البعض، أو بين الأبناء وبين غيرهم من الكبار الذين خبروا الحياة، وكذلك مشاورة الزوجة والأبناء، والتفكير معهم في الحلول البديلة للمشاكل الأسرية التي تلم بالأسرة، كل هذه الأمور تساعد الطفل على البحث عن حلول إبداعية لمشاكله الشخصية، فهو ولا شك يتعلم من مشاكل والده، وكيفية حله لهذه المشاكل، وهذا التعليم إنما تم تلقينه للطفل من خلال الشورى التي قام بها الوالد، حينما فكر مع زوجته وأبنائه في حل مثل هذه المشاكل.

ثم أخيرًا هناك أمر مهم، وهو أنه لا ينبغي للوالد أو الوالدة أن يتطوعا بحل مشكلة للابن بدلًا منه، إلا بعد أن يستفرغ كامل جهده وتفكيره في حلها، ومحاولة إيجاد البدائل لحلها، ثم إذا لم يستطع فوقتها يستطيعان إعطاءه البدائل، ثم يتركانه يفكر في اختيار القرار الصحيح.

_________________

(1) نحو فهم أعمق للواقع الإسلامي، د. عبد الكريم بكار، ص119-120، بتصرف يسير.

(2) مسند الإمام أحمد (22007).