بين الذكر والأنثى
إن الله عز وجل جعل للزوج خصائص تختلف عن خصائص الزوجة؛ حتى يُكمل كل واحد منهما الآخر، فكل من الزوج والزوجة ينظر إلى الحياة الزوجية نظرة مختلفة عن الآخر، والزواج الناجح هو الذي يجعل هذا الاختلاف اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد، ولن يكون هذا الفهم إلا من خلال فهم نفسية كل من الزوج والزوجة، ومعرفة خصائص كل منهما، وطباعهما التي خلقهما الله عليها.
إن الإسلام لا ينظر إلى المرأة نظرة دونية عن الرجل، وإنما يساوي بينها وبين الرجل في كونها إنسان، قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ} [الأنعام:98].
كذلك فقد ساوى المولى عز وجل بينها وبين الرجل في الثواب والعقاب، فقال تعالى:{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:97].
أما الاختلاف بين الرجل والمرأة فهو في الوظائف والتخصصات لكل واحد منهما، وهذا الاختلاف راجع إلى الاختلاف في التكوين الجسدي والنفسي للرجل، والتكوين الجسدي والنفسي للمرأة، فالله عز وجل جعل في الرجل خصائص معينة؛ كالتمهل، والتفكير قبل الإقبال على العمل، وكذلك الخشونة، والصلابة، والشدة، وأيضًا بطء الانفعال، وبطء الاستجابة، وجعل المولى عز وجل في المرأة خصائص معينة؛ كسرعة الاستجابة لمطالب الطفل دون تفكير أو تمهل، وكذلك الرقة، والعطف، وسرعة الانفعال؛ لذلك فإن المرأة تجد أن مكانها الأمثل هو في بيتها ورعاية أبنائها، فهم بحاجة إلى عطف ورقة الأم، وسرعة استجابتها لمتطلباتهم، أما الرجل فيحتاج في طلبه الرزق إلى الجَلَد، والخشونة، والصلابة، والتمهل، والتفكير قبل الاستجابة والحركة؛ حتى يتمكن من تأمين الحماية لأسرته ولأبنائه.
فالعاطفة في المرأة هي المنبع الذي يشع منه النور والأمل، هي الرقة والعطف اللذان يبددان ظلمة الحياة، وأما الرجل فهو من يقتحم صراع الحياة، بجلده وصبره، بصلابته وخشونته، دون تدخل للعاطفة؛ لأن العاطفة تنقلب في لحظات من النقيض إلى النقيض، وهذا لا يتماشى أبدًا مع مهمة الرجل في الحياة، وإنما يتماشى تمامًا مع مهمة المرأة ورعايتها لأبنائها.
فالفهم الصحيح للعلاقة التي تجمع بين الرجل والمرأة هي "المساواة في الكرامة مع اختلاف الأعباء، والمساواة في المنزلة مع اختلاف الأدوار، والمساواة في القيمة مع اختلاف القدرات" [يوميات ألماني مسلم، مراد هوفمان، ص214].
فالمساواة هي في القيمة والمنزلة والكرامة، وهذه المساواة لا تعني أن المرأة مثل الرجل، فهناك اختلافات كثيرة بين الرجل والمرأة، فلكل منهما خصائص نفسية وعضوية تختلف عن الآخر، "فالحق سبحانه حينما عرض قضية الليل والنهار، وهي قضية كونية لا يختلف فيها أحد، ولا يمكن لأحد أن يعارض فيها؛ لأننا جميعًا نجعل الليل للسكن والراحة، والنهار للكدح، أتى بهذه القضية ليقدمها إيناسًا بالقضية التي يمكن أن يختلف فيها، وهي قضية الرجل والمرأة، فقال:{وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4)} [الليل:1-4].
نوعان للزمن، ونوعان آخران يمكن أن يختلف فيهما، فكان لليل مهمة، وللنهار مهمة، وكان تبعًا لذلك، للرجل مهمة، وللمرأة مهمة" [المرأة كما أرادها الله، للشعراوي، ص35].
ولقد أكد المولى عز وجل هذا المعنى، فقال تعالى:{وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى} [آل عمران:36]، وبالتالي فالذكر يختلف عن الأنثى، والأنثى تختلف عن الذكر، وللأسف فإن أكثر المشاكل التي تنشأ بين الأزواج هي بسبب عدم فهم هذا الاختلاف بين الرجل والمرأة، وأكثر الأزواج يتجاهلون هذه الاختلافات، وهذا هو أكثر ما يثير المشاكل بين الأزواج، "فإخفاء كم هائل من التراب تحت السجادة لا يجعلها تختفي، وإنما تعرقلك، وربما أوقعتك حين تغامر وتحاول عبور هذه النقطة في الغرفة، وإنكار الاختلافات الحقيقية من شأنه أن يزيد من حجم الارتباك الذي أخذ ينتشر في هذا العصر الزاخر بالعلاقات المتغيرة.
إن التظاهر بأن الرجال والنساء متماثلان يجرح المرأة؛ لأن أساليب التعامل معها مبنية على مقاييس الرجال، كما أنه يجرح الرجال الذين يتحدثون إلى النساء بنية طيبة، وبالأسلوب نفسه الذي يتحدثون به إلى الرجال، ويغضبون عندما تفشل كلماتهم في بلوغ أهدافها، أو ينتج عنها غضب أو استياء من الطرف الآخر" [أنت لا تفهمني، ديبورا تانين، ص11-12].
إن مسألة اختلاف الرجل عن المرأة واختلاف المرأة عن الرجل هو من الأمور البديهية، التي لا يختلف عليها اثنان من العقلاء، وبالتالي يجب على الزوجين أن يتعرف كل واحد منهما على صفات شريكه، وأن يتعلم كيفية التعامل معه، "فإننا عندما نتعرف على الفروق بين الجنسين سنكتشف طرقًا جديدة للتكيف والتعامل مع الجنس الآخر، وتحسين علاقتنا، وسوف نتعرف على طرق جديدة للتعامل، لم نتعلمها من الجيل الذي يكبرنا.
إنني أعرف أزواجًا مضى على زواجهم سنوات طويلة، وكانت تجمعهم المحبة والود، ولكن بعد سنوات من خيبات الأمل والإحباطات وسوء التفاهم أصبحت علاقاتهم باردة، ووصلوا إلى حالة صعبة من اليأس لأي إمكانية تجديد وتقوية علاقتهم الزوجية.
قد يكون كل طرف منهما محبًا للآخر، إلا أنهم عندما تنشأ مشكلة أو صعوبة ما فإنهم لا يعرفون كيفية التعامل معها؛ ذلك أنهم لا يعرفون أن الفروق بينهم طبيعية ومتوقعة، وأن هذه الفروق والاختلافات تتشابه كثيرًا مع الفروق والاختلافات بين الأزواج الآخرين، وأنه يمكن من خلال التعرف على طبيعة الفروق والتكيف معها أن تتبدل حياتهم من جديد، وأن يبدأ الحب والاحترام في النمو بينهم.
وبالرغم من أن كثيرًا من الناس قد يقر بوجود هذه الفروق، إلا أن طبيعة هذه الفروق قد لا تكون واضحة لهم تمامًا، وبالتالي يجب على الزوجين أن يقوما بدراسة هذه الفروق بشكل يؤدي إلى الفهم العميق لكل منهما؛ لأن هذا الفهم الإيجابي لهذه الفروق سيؤدي إلى اقتراحات عملية تخفف من الإحباط وخيبات الأمل، وتزيد من السعادة والمودة، كما سيؤدي هذا الفهم إلى معرفة كيفية الاستماع إلى الطرف الآخر، وإلى كيفية تقديم الدعم والتشجيع إليه" [التفاهم في الحياة الزوجية، مأمون مبيض، ص17-18، بتصرف].