وأمّهات نسائكم
إن العلاقة بين الرجل وحمويه، خاصة الحماة (أم الزوجة)، صارت مادة فكاهية أساسية لكثير من النكات والمسلسلات والأفلام والمسرحيات؛ فالعلاقة في نظر هؤلاء العابثين لا تخرج عن دائرة الكراهية والصراع، وتربص كل طرف بالآخر، واستمر الأمر على هذا المنوال حتى ترسخ في الأذهان أن هذا هو الأصل والقاعدة وما عداه هو الشذوذ، فإذا ما وجدوا إنسانًا يحترم حمويه، وتقوم علاقته بأهل زوجته على أساس من الاحترام والتقدير، جعلوه موضع سخريتهم، أو على الأقل أظهروا تعجبهم واندهاشهم من هذا الوضع الشاذ والأمر الغريب.
لقد نجحت وسائل المكر والخديعة في ترسيخ هذه الصورة الخبيثة، وأصبح علاج هذه الفكرة من الصعوبة بمكان، حين ينسى الكثير الدور العظيم الذي قامت به أم الزوجة تجاه بنتها (الزوجة)، من تربية وتعليم وتوجيه، حتى بعد الزواج، والاهتمام البالغ منها في نجاح ابنتها في حياتها الجديدة.
نعم هناك نساء تناست الدور التوجيهي لابنتها، واتخذت أسلوب السيطرة والاستحواذ على عقل الفتاة، وتريد أن تسير الحياة وفق ما تريد هي، فتتسلط على زوج ابنتها، وتختلق له من المشكلات ما يعجز الحكماء عن حلها، زاعمة بذلك أنها تؤمن عدم تعديه على ابنتها أو إهانتها، ونسيت أو تجاهلت شخصية الرجل وحقه في إدارة أسرته كما يريد، وتجاهلت شخصية الزوج والزوجة، فهما، في نظرها، صغار لا يدركون الحياة، ولا يعرفون عن الزواج والأسرة شيئًا، فبدل التوجيه والنصح تقوم بدور الآمر الناهي، ومن يخرج عن توجيهاته ستُنْزل عليه جام غضبها.
كيف تكسب رضا حماتك:
فوالدة زوجتك عامل هام وأساسي في إتمام الزواج، وأيضًا في استمراره بعد عقد القران، فكلما كانت حماتك تحترمك وتقدرك كلما زادت مكانتك في قلب وعقل زوجتك إلى الأبد.
نعرف أن علاقة الزوج بوالدة زوجته تكون حساسة نوعًا ما؛ ولذلك يجب أن يكون الزوج لديه من الذكاء ما يكفي لكي يعرف كيف يتعامل مع حماته، وينال حبها وعطفها، وفيما يلي بعض النصائح التي تساعدك على هذا، وتجعلك تكسب ود حماتك وزوجتك في آن واحد.
1- كن لطيفًا:
والمقصود بهذا الأمر هو أن تكون راقي التصرف، صحيح اللسان، ولك قدرة كبيرة على التحكم في ألفاظك وأفعالك، بحيث تكون من الأشخاص طيبي المجلس، حتى ولو تعرضت إلى الإساءة التي يمكن احتمالها، فضبط النفس وإثبات أنك نشأت نشأة صالحة كرجل من أهم الأمور التي تجعل والدة زوجتك تحترمك وتقدرك إلى أقصى الحدود، فهي في النهاية أُم، ولها القدرة على معرفة الشخص طيب الخلق الذي يصلح لابنتها.
2- تنظيم العلاقة:
معرفة كيف تتعامل مع حماتك على المستوى الشخصي يحتاج إلى أن تنظم العلاقة بينكما بشكل جيد، وبحسب العادات والأصول؛ فمثلًا ليس عليك أن تحادثها هاتفيًا كل يوم، أو تذهب للزيارة بشكل يومي، أو حتى أسبوعي، ولكن أيضًا لا تهمل أن تزور أهل زوجتك في المناسبات؛ أو على الأقل محادثتها هاتفيًا.
3- قوانينك الخاصة:
العلاقة بين زوجتك ووالدتها أمر لا دخل لك به، ولكن عليك أن تحرص جيدًا أن تقف تلك العلاقة عند حدود بيتك، فما يتم بينك وبين زوجتك، أو القرارات التي تتخذها في منزلك وبشأن زوجتك أمر خاص بك وحدك، ولا يسمح لأحد حتى بمحاولة الحديث معك بشأنه.
4- الكلام الطيب:
يجب أن تحرص على عدم التقليل من شأن حماتك على الأقل أمام زوجتك، فتذكر دائمًا أنها ستظل والدتها، وأنها بكل تأكيد تحبها كثيرًا؛ لذلك إذا كانت حماتك سيدة فاضلة احترمها وامدحها أمام زوجتك، فهذا الأمر يجعل قدرك كبيرًا جدًا لدى زوجتك، وستصبح كالجندي تدافع عنك أمام أهلها إذا اقتضت الحاجة.
5- كن ضيفًا خفيفًا:
كن ضيفًا خفيفًا عند زيارة أهل زوجتك، فلا تطل الجلوس عند الزيارة، ولا تحاول الدخول في أمورهم الخاصة؛ طالما لم يطلب منك ذلك، فعليك أن تدرك أنهم في النهاية عائلة يختلفون اليوم ويتفقون غدًا، وأنت تظل الشخص الغريب الذي قد تتحمل عواقب أي شيء تقوله، أو أي موقف تقوم به تجاه أي طرف من أطراف عائلة زوجتك(1).
6- أحسن إلى ابنتها:
من أكثر الأمور التي قد تجعل حماتك تحبك هو أن تُظهِر أمامها مدى حبك واحترامك لابنتها، فحاول قدر الإمكان أن تظهر مشاعرك تجاه زوجتك ببعض كلمات الحب والتقدير والاحترام لها؛ حتى تطمئن والدة زوجتك بأن ابنتها مع رجل حنون، يعرف قيمتها ويقدرها.
7- تهادوا تحابوا:
النساء كلهن يعشقن الهدايا، وحماتك واحدة من بين تلك النساء، فتذكر دائمًا المناسبات السعيدة لحماتك، وانتهز الفرصة لتقديم هدية لها، مزينة بكلمات جميلة تعبر عن مدى اعتزازك بها وبابنتها.
8- الكلام الطيب مفتاح القلب:
أَكْثِر من عبارات المجاملة لحماتك دون أن تبالغ في ذلك، بحيث تغدقها بكلمات الثناء على مأكولات هي تصنعها بنفسها، أو على ديكورات ونظافة بيتها، فكلمات الإطراء التي تصدر منك ستجعلها تضعك في أعلى مكانة بقلبها.
9- التصرف الذكي:
إذا حدث خلاف بين زوجتك وبين حماتك حاول أن توظف ذكاءك بإرضاء الطرفين دون أن تُغضِب حماتك بوقوفك إلى صف زوجتك، أو تغضب زوجتك بوقوفك إلى صف حماتك، كن ذكيًا وأمسك العصاة من المنتصف، ربما تواجه صعوبة في ذلك، ولكن عليك المحاولة.
10- ساعدها في قضاء حوائجها:
اعرض خدماتك على حماتك دائمًا، فبإمكانك مثلًا مساعدتها في عمل ما، أو يمكنك توصيلها إلى أي مكان تريد أن تذهب إليه، أشعرها باهتمامك بها، ستكون في قمة سعادتها وستكسب حبها للأبد(2).
وحماة الزوج عمومًا تحب وتأمل أن يكون زوج ابنتها أفضل من زوجها، وهو الرجل الوحيد في حياتها الذي تتمنى له أن يكون أحسن حالًا من زوجها.
رؤية معكوسة:
تعتقد بعض الأمهات أن ابنها لا يمكن له أن يجد عروسًا أفضل منها، أو حتى مثلها، ومن هنا يبدأ التناقض بين أم الرجل وحماته، وفي الحال تتحالف حماة الزوج مع ابنتها، ويرسمان معًا خطة بعيدة المدى؛ فحواها أن يبعدان الرجل عن أهله، ولكن على مراحل، ويبدآن بخلق مشاكل يومية متلاحقة مع الحلقة الأضعف؛ أي إخوته وأخواته وخالاته وعماته، لإبعادهم عن الطريق، وبعد أن يتحقق لهما ذلك يتجهن إلى الحلقة الأقوى وهي والديه.
تستعمل الحماة وابنتها الجزرة والعصا مع أهل زوجها، وأول أسلوب تقوم به حماة الزوج وابنتها هو استعمال الجزرة والعصا مع والدا الزوج، فمرة يمدحن أمه على حساب أبيه، ومرة يمدحن أباه على حساب أمه، ومع الزمن ستخف علاقة هذا الزوج مع أحد والديه أو كلاهما، ثم يقمن بعد ذلك بزيادة الطين بلة؛ وذلك بإقناع هذا الزوج أن والديه يحبان إخوته أكثر منه، ويقمن بضرب الأمثلة المنتقاة جيدًا من أرض الواقع، فيصدق المسكين ذلك، وما هي إلا سنوات معدودة حتى ينفردن به بالكامل، وقد يحالفهن الحظ ويموت أحد والديه أو كلاهما؛ عندها يخلعنه من أسرته عنوة ويدخلنه في أسرتهن، إلى أن يصبح فردًا من أفراد هذه الأسرة الجديدة.
ومع مرور الزمن سيكتشف الزوج لعبة أخرى من لعب حماته عليه، دون أن يدري بعد أن يجد حماته كانت قد أعدت له زوجته إعدادًا جيدًا؛ فهي التي استطاعت أن تجعل من ابنتها خلطة سرية لا يفهمها أحد غيرها، ثم قامت بعد ذلك بتسويقها له خلال ساعات معدودة، وذلك بعد أن تكون قد أوصت ابنتها بالتظاهر بالطيبة والتسامح والمسكنة، والصمت الزائد إزاء كل ما تراه وتسمعه من زوجها، ومن أهله في السنوات الأولى من الزواج، وبالمقابل سرعان ما تكتشف الحماة أيضًا لعبة زوج ابنتها عليها، بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال ابنتها، عندما كان قد أوحى لها أنه يختلف كثيرًا عن زوجها، فتجده مثله مثل كل الرجال ولا يختلف عنهم بشيء.
العلاقة بين الرجل وحماته قد تصل إلى حد التنافر، ومع مرور الزمن يكتشف الرجل حماته أكثر فأكثر؛ لا بل يكتشف ماضيها الذي كانت قد أخفته عنه طيلة هذه السنين، وذلك من خلال سلوك زوجته معه وتصرفاتها مع أهله ومع الآخرين، فهي سرعان ما تأخذ في تقليد أمها في ماضيها، وبالمثل تكتشف حماته زوج ابنتها أكثر فأكثر بشكل مباشر، أو عن طريق ما يتسرب لها من ابنتها، فهي ستضع أمها في كل صغيرة وكبيرة في حياتها مع زوجها ومع أهله دون أن تُعلم زوجها بذلك، وتبدأ العلاقة بين الرجل وحماته بالانحسار إلى أن تصل إلى حد التنافر؛ مما يجعل الزوجة في حيرة من أمرها، فهل تقف في صف أمها أم في صف زوجها؟
لا تستطيع الزوجة إلا أن تقف في صف أمها، لكنها توهم زوجها، خاصة في بداية الزواج، أنها لا تحب سلوك وتصرفات أمها، وتعِد زوجها أنها لن تكون صورة مصغرة من أمها، ولن تشبهها في شيء؛ فيطمئن المسكين ويصدقها، ويتقبل أمها على مضض من أجلها، وتمر الأيام والسنين، وإذا بزوجته كانت قد امتصت شخصية أمها وطريقة تفكيرها، وحتى ثقافتها وعلاقتها مع الناس، وأصبحت تعامل زوجها كما كانت حماته تعامل زوجها، ويكتشف بعد فوات الأوان أن زوجته ما هي إلا نسخة ملوّنة عن أمها(3).
يشير خبراء علم الاجتماع بأن من أهم ما يضفي الطابع السلبي على العلاقة ما بين الزوج وحماته عنصران:
- الصورة الذهنية المسبقة لكل منهما عن الآخر؛ أي: الجاهزية المسبقة لكلٍ منهما لعداوة الآخر، على اعتبار أنه الوجه الطبيعي للعلاقة.
- والثاني هو عدم وضع خطوط واضحة لكلا الطرفين، فيما يتناسب مع طبيعية الزواج بشكلٍ عام، وعليه فإن العلاقة ما أن تبدأ يبدأ معها التشاحن السلبي بين الطرفين لتصل، وقبل أن يدرك الطرفان، إلى طريق اللاعودة.
إلا أن كل ذلك لا يزيد على العلاقة الزوجية الا المنغصات، فلا الزوجة مرتاحة ولا الزوج، من هنا تبرز أهمية تحديد خطوط واضحة لكل مناحي العلاقة الزوجية من البداية، إضافة إلى الصورة الأشمل، والتي تضم الأسرتين ككل، فقد أشارت العديد من تجارب البعض الحديثة نسبيًا إلى إمكانية بناء علاقة صحية ما بين الزوج وحماته، تكون مبنية على الاحترام المتبادل، وعدم تجاوز الخصوصية والخطوط الحمراء للآخر.
فعند عدم الاتكال على الصورة المسبقة والمتولدة اجتماعيًا بالأساس، فإن الرجل يتمكن من التعامل مع حماته من منظور أنها أقرب ما تكون لوالدته، ومن الناحية الأخرى تعامله هي كابنها، وسينعكس ذلك بطبيعة الحال على العلاقة الزوجية بالإيجاب؛ أي، وبكلماتٍ أخرى، تكون الأسرة حديثة الولادة، وكأنها امتداد وتوسع للأسرتين الأصليتين بدلًا من أن تكون وحدة جديدة منفصلة ومجتزأة عنهما(4).
كيفية معاملة الحماة في الإسلام:
الحماة لها من الحقوق التي شرعتها الشريعة الإسلامية على كل المسلمين ولكل المسلمين؛ من إحسان وود ورحمة وتعاطف وتكافل، فكسب ودها وقلبها والإحسان إليها له من الأجر العظيم للزوج والزوجة، وخاصة الزوج بالطبع؛ لأن أم زوجته تسمى أيضًا بالحماة، والحديث يشملها، فاحترام الحماة بالود والحسنى يحافظ على مبنى العائلة الصغيرة وتقدير الزوجين لبعضهما البعض، كما ويبني العائلة الممتدة على أواصر من الترابط والقوة في العلاقات الطيبة بين أفراد العائلة.
يجب أن يدرك كل من الزوجين أن الحماة هي أم، تعبت وأنجبت واعتنت ومرّضت ودرّست وتآلفت وتكيفت، واعتادت وجود ابنها أو ابنتها بجوارها، وبُنيت بينهم علاقة استمرت العقدين والثلاث وأكثر، ويأتي الزواج ليذهب فلذة كبدها لحياة أخرى وينشغل عنها قليلًا، فربما تنشأ بعض مشاعر الغيرة على ابنها أو ابنتها، وكيف أن اهتمامه أو اهتمامها ذهب لغير أمه، وهو شعور إنساني فطري طبيعي، وهو ما لا يدركه العديد من الأزواج ولا يتفهمه إلا ربما بعد العشرين سنة، وبعد أن يصبح لهم أبناء هم الآخرون، ولكن الأصح أن يعي الزوجان هذه المعادلة بمجرد زواجهما؛ لذا قد تصدر بعض التصرفات من الحماة لا يتفهّمانها، ومن هنا وجب التنويه إلى بعض النقاط لمعرفة كيفية التعامل مع الحماة في الإسلام، منها:
الأم مخلوق فائض الحنان، يحب أبناءه أكثر من نفسه؛ لذا ستكون الحماة مسرورة جدًا لو رأت أن ابنها أو ابنتها يتم التعامل معه بصورة طيبة، وهو ما يبعث على الراحة النفسية لها، ويطمئنها على فلذة كبدها، فمثلًا الزوجة تعامل زوجها بالحسنى والود والرحمة أمام والدته، ولا تهينه أمامها، وتعامله بالمعروف وضمن حدود ما أمر الله عز وجل(5).
ابن كثير يترجم لحماته:
مما وصف به أم زوجته عائشة بنت إبراهيم رحمها الله الشيخة العابدة الصالحة العالمة قارئة القرآن: «أم فاطمة عائشة بنت إبراهيم بن صديق, زوجة شيخنا الحافظ جمال الدين المزي.
كانت عديمة النظير في نساء زمانها؛ لكثرة عبادتها وتلاوتها وإقرائها القرآن العظيم، بفصاحة وبلاغة وأداء صحيح، يعجز كثير من الرجال عن تجويده، وقرأ عليها من النساء خلق، وانتفعن بصلاحها ودينها وزهدها في الدنيا وتقللها منها, بلغت ثمانين سنة أنفقتها في طاعة الله صلاة وتلاوة.
وكان الشيخ [زوجها المزي] محسنًا إليها مطيعًا، لا يكاد يخالفها؛ لحبه لها طبعًا وشرعًا, فرحمها الله وقدس روحها ونور مضجعها بالرحمة آمين»(6).
حدود العلاقة التي تربط بين زوج البنت وحماته:
إن أم الزوجة (الحماة) من المحرمات على التأبيد بسبب المصاهرة، قال الله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء:23]، فقوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} يدل على تحريم أم الزوجة على زوج ابنتها حرمة مؤبدة.
ويرى أكثر العلماء أن هنالك تلازمًا بين المحرمية وبين الأحكام المتعلقة بالخلوة والنظر وإبداء الزينة والسفر، فما دام زوج البنت محرمًا على أم زوجته تنطبق عليه الأحكام المتعلقة بذلك، وقد ثبت في الحديث من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة ليس معها حرمة»(7).
وقد نص أهل العلم على أنه يجوز للمحرم أن ينظر إلى ما يظهر غالبًا من محارمه، قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: «ويجوز للرجل أن ينظر من ذوات محارمه إلى ما يظهر غالبًا؛ كالرقبة والرأس والكفين والقدمين ونحو ذلك، وليس له النظر إلى ما يستتر غالبًا؛ كالصدر والظهر ونحوهما»(8).
ومن العلماء من يرى أنه لا يجوز لأم الزوجة إظهار زينتها لزوج ابنتها، وإن كان يحرم زواجها منه على التأبيد؛ لأن الآية الواردة في سورة النور، والتي حصرت من يجوز إظهار الزينة لهم لم تذكر زوج البنت منهم، قال الله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ ءَابَائِهِنَّ أَوْ ءَابَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:31].
فالآية الكريمة حصرت الأشخاص الذين يجوز للمرأة أن تظهر زينتها لهم ولم يذكر زوج البنت منهم، ونقل هذا القول عن بعض العلماء؛ مثل سعيد بن جبير والإمام أحمد في رواية عنه(9).
ولكن مذهب جمهور أهل العلم أرجح وأقوى؛ حيث إن العم والخال لم يذكرا في الآية الكريمة، واتفق جمهور العلماء على جواز إظهار الزينة أمامهما، قال الجصاص الحنفي: «ولما ذكر الله تعالى مع الآباء ذوي المحارم الذين يحرم عليهم نكاحهن تحريمًا مؤبدًا دل ذلك على أن من كان في التحريم بمثابتهم فحكمه حكمهم؛ مثل زوج الابنة»(10).
ومما يدل على ذلك أيضًا قصة عائشة مع أفلح أخي أبي القعيس، وهو عمها من الرضاعة، حيث قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «إنه عمك فليلج عليك»(11).
إن إظهار الزينة لزوج البنت ليس أمرًا واجبًا، وإنما هو واقع في دائرة المباح، وعليه فيجب الأخذ بالاحتياط في مسائل الخلوة والنظر وإظهار الزينة والسفر مع زوج ابنتها، وخاصة إذا لم يكن الفارق في السن بينهما كبيرًا؛ كأن تكون أم الزوجة صغيرة السن أو جميلة، فلا بد من سد كل الطرق التي تؤدي إلى الفساد، وقد سمعت عن حوادث كثيرة من ارتكاب الفواحش بين أم الزوجة وزوج ابنتها؛ ترتب عليها حصول مصائب ومآسٍ فظيعة، ولا يغيب عن أذهاننا مدى الفساد وقلة التقوى والورع الذي يعيشه الناس، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم(12).
***
______________
(1) أفضل طريقة للتعامل مع حماتك، موقع: الرجل.
(2) للرجل، كيف تكسب رضا حماتك، موقع: المرسال.
(3) نهاية الرجل ستكون بين مطرقة زوجته وسندان حماته، جميل عبود.
(4) فن التعامل مع الحماة، موقع: مصرس.
(5) كيفية معاملة الحماة في الإسلام، موسوعة وزي وزي.
(6) البداية والنهاية، ط إحياء التراث (14/ 221).
(7) أخرجه البخاري (1088).
(8) المغني (7/ 98).
(9) المصدر السابق (7/ 99).
(10) أحكام القرآن (5/ 174).
(11) أخرجه البخاري (5239)، ومسلم (1445).
(12) أرشيف منتدى الألوكة – 3، الموسوعة الشاملة.