logo

كذب الأطفال


بتاريخ : الأربعاء ، 3 رمضان ، 1437 الموافق 08 يونيو 2016
بقلم : تيار الاصلاح
كذب الأطفال

إن الآباء والأمهات يسعون دائمًا إلى تنشئة أبنائهم على الخصال الحسنة، والأخلاق الحميدة؛ كالصدق، وينفرون أبنائهم من الخصال السيئة؛ كالكذب، ذلك لما في الصدق من عاقبة حسنة طيبة، ولما في الكذب من عاقبة سيئة، لذلك فقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الكذب على الأبناء، حتى ولو كان لأجل هدف نبيل أو هدف لازم، كعلاج الطفل مثلًا، فلا يصح أن تَعِد الطفل بالذهاب إلى التنزه، ثم يفاجأ بأنه يجلس على كرسي طبيب الأسنان، فعن عبد الله بن عامر أنه قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتنا وأنا صبي، قال: فذهبت أخرج لألعب، فقالت أمي: يا عبد الله، تعال أعطك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وما أردت أن تعطيه؟»، قالت: أعطيه تمرًا، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما إنك لو لم تفعلي كتبت عليك كذبة» [رواه أحمد، وانظر: السلسلة الصحيحة، للألباني (748)].

وللأسف، فإن كثيرًا من الآباء والأمهات يتعاملون مع أبنائهم من هذا المنطلق، الذي يبنى على الكذب وخداع الطفل حتى يلبي لهم ما يريدون، ولكن هذه الأفعال ترسخ في نفس الطفل إباحة الكذب، وأنه من الأمور غير المستهجنة؛ ذلك لأن الوالدين تعاملوا معه بالكذب.

إن الطفل لم ينشأ كاذبًا، وإنما تعلم الكذب، فالطفل منذ ولادته لديه استعداد كامل للتأثر بما حوله من مؤثرات، سلبية كانت أو إيجابية، وهذا التأثر يكون بالتلقين؛ كأن يقول له والداه افعل كذا أو لا تفعل كذا، وقد يكون هذا التأثر بالتقليد، كأن يشاهد والديه يفعلان أمرًا فيقلدهما، أو يقولان قولًا فيقول مثلهما، وهكذا، فإذا ما تعود الآباء والأمهات الكذب على الأبناء فإن الأبناء، ولا شك، سينشئون ويشبون على الكذب.

وليس هذا هو السبب الوحيد لكذب الطفل، وإنما قد يكذب الطفل إذا تعرض للعقاب، فإنه سيضطر إلى التبرير والكذب والخداع لعدم إنزال العقوبة عليه، فإذا ما سئل عن فعل فعله؛ كأن يكون قد كسر الإناء مثلًا، فإنه في مثل هذه الحالة سيجيب بالنفي خشية العقاب.

كذلك قد يكذب الطفل عند الشعور بالنقص وعدم الثقة بنفسه، وهذه الحالة يكون الوالدان هما السبب في تأصلها عند الطفل، وكذلك معلمه، حيث يتعاملون معه على أنه طفل لا يستطيع إتمام ما يُطلب منه، أو يسمعونه كلمات، كالفشل والتهاون والإهمال، وبالتالي سيسعى الطفل إلى الكذب حتى يثبت لهم أنه خلاف ما يقولون، أما لو استمر الوالدان على هذا المنوال، فإنه سيتأصل في نفس الطفل ووجدانه تلك المعاني السيئة التي يصفه بها والداه، ثم يسعى بعد ذلك إلى محاولة إثبات تلك الصفات السيئة لنفسه ولغيره.

وقد يكذب الطفل إذا قام الوالدان بالتمييز بينه وبين طفل غيره؛ كأن يكون الثاني متميزًا ومتفوقًا، وعنده ملكة لا توجد عند الطفل الأول، وعندها سيحصل الطفل الثاني على الثناء والمدح والاهتمام كذلك، وسيحاول الطفل الأول الكذب على والديه أو معلمه حتى ينال تلك المنزلة وتلك المكانة، وغالبًا ما يتحول هذا الكذب إلى كذب انتقامي، بمعنى أنه قد يعمل عملًا غير لائق، ويتهم فيه زميله المتفوق هذا، أو عندما يسأل عن فعلة لا يدري من فعلها، وصاحب هذه الفعلة سيعاقب عليها، إذا به يتهم زميله المتفوق أيضًا.

وقد يكذب الطفل أيضًا إذا قام المدرس بظلمه أو معاملته بقسوة، أو تكليفه بما لا يقدر عليه، وحينها سيكذب الطفل حتى ينجو من العقاب.

كذلك قد يكذب الطفل إذا تعود من والديه على المبالغة في الكلام، والمبالغة في تفاصيل وسرد القصص والحكايات، فقد تجد آباءً وأمهات عندهم إسهاب في ذكر القصص والحكايات بتفاصيل كثيرة متشعبة، وتُحكى هذه القصص والحكايات أمام الطفل مرة تلو مرة، ولا تتشابه أي مرة مع الأخرى، مما يُظهر الوالدين بمظهر الكاذبين، وبالتالي يفعل الطفل مثل والديه.

وقد يكذب الطفل حينما يريد أن ينال إعجاب الآخرين، وإشعارهم بأنه يملك من القوة والمقدرة ما يجعله متميزًا بينهم، فيقوم باستخدام خياله لاختراع بطل وهمي، وقد يساعده في ذلك أفلام الكرتون التي يفعل فيها البطل الخوارق، وقد يرى مثل هذه الأشياء في المنام، ثم يأتي إلى أصدقائه فيحدثهم على أنها حقيقة، وفي الحقيقة، فإن الطفل حينما يفعل ذلك ويقلد أفلام الكرتون فإنه لا يدري أن ذلك كذبًا؛ لأنه لا يستطيع أن يفرق بين الواقع والخيال.

كل هذه أنواع من الكذب التي يقع فيها الأطفال، وللأسف فإن الوالدين قد لا يشعران بأكثر هذه الأنواع؛ لذلك يجب على الوالدين مراقبة أبنائهم وتوجيههم، وتعليمهم أن الكذب من المنكرات، ومن الأمور التي تغضب المولى عز وجل، ويجب زرع قيم الإسلام في نفوسهم، من الصدق والوفاء بالوعد وغير ذلك.

كذلك ينبغي على الوالدين أن يجعلا بيئة الطفل بيئة صالحة، فلا يسمعانه الكذب أبدًا، ولا يفرطون في الحديث المبالغ فيه، وإذا وعدوا الطفل بشيء فلا بد أن يوفوا به، وإن لم يستطيعوا فلا بد من الاعتذار، وبيان سبب عدم القدرة على الوفاء، وإن كان ذلك سيترك في نفس الطفل ألمًا؛ لعدم الوفاء بما وعده به والداه، لذلك يجب على الوالدين حينما يعدان طفلهما بشيء أن يعداه بما هو ممكن ومُستطاع.

كذلك يجب على الوالدين إذا اعترف الطفل بذنبه وفعلته أن يمتنعا فورًا عن معاقبته؛ بل لهما أن يكافئاه على شجاعته وصراحته وقوته في قول الحق وصدقه.

ثم على الوالدين أن يتمهلا في إلصاق تهمة الكذب بالطفل، فربما يكون هناك لبس ما، ولئن تخطئ في العفو خير من أن تخطئ في العقوبة.

ثم أخيرًا، على الوالدين أن يبتعدا تمامًا عن التفريق بين الطفل وإخوته، والتمييز بينهم في المعاملة، ثم عليهما أن يصفا طفلهما بالصفات الحسنة، التي تشجعه وتدفعه إلى التفوق والنجاح، وأن يبتعدا كل البعد عن تلك الصفات التي تُشعر الطفل بالنقص والعجز وفقد الثقة.