بين الأم وابنتها
إن الفتاة في مرحلة الدراسة الإعدادية والثانوية تمر بأصعب مراحل حياتها، وأشدها جهدًا، وأكثرها تغيرًا؛ خلقيًا وخُلُقيًا، ذلك أنه في هذه المرحلة تحدث تلك التغيرات النفسية والجسدية، وتلك التغيرات التي تحدث في مرحلة المراهقة تجعل من الفتاة شخصية متمردة لا تنصاع للأوامر، وهذه هي سمات تلك المرحلة، التمرد والعصيان؛ لذلك ينبغي على الأم أن تكون لابنتها كالصاحبة والصديقة، حتى تفضفض لها ابنتها بكل ما يعتريها من تغيرات، وكل ما يقابلها من أزمات، ولا تلجأ الابنة إلى رفيقاتها أو إلى غيرها ممن قد يوجهها إلى ما لا يحمد عقباه.
لكن الفتاة في العصر الحالي قد نأت بنفسها عن والدتها بدلًا من التقرب إليها، وذلك تحت مسمى الحرية الشخصية، واستقلالها برأيها، وأنها لم تعد تلك الصغيرة التي يجب عليها عدم فعل أي شيء إلا بعد استئذان أمها، وهذه الأفكار كلها مستوحاة من هذا الإعلام المضل، الذي دخل كل بيوتات المسلمين إلا من رحم ربي.
لذلك فإن شعور الفتاة المراهقة بقرب الأم منها، والاهتمام بكل صغيرة وكبيرة تحصل لها، يعطي الفتاة المراهقة فرصًا كبيرة في مصارحة أمها ومصادقتها، بدلًا من البعد والانزواء وحيدة بعيدة عن الأم، وذلك بسبب وضع الأم حواجز بينها وبين ابنتها، مما يجعلها عرضة للعقد النفسية، وكذلك عرضة لرفيقات السوء، وقد يكون نتيجة ذلك صديقًا، والعياذ بالله؛ وذلك لأن الفتاة المراهقة تريد البحث عن بديل للأم لتفرغ ما بداخلها لديه، سواء كانت مخاوف من أمر أما، أو إرادة الشعور بإحساس الأنوثة، فتتحدث هي وزميلاتها فيما لا يفقهونه ولم يختبرونه بعد، وهذا قد يجر إلى فهم خاطئ يتبعه تصرف خاطئ أيضًا.
فضلًا عن هذا الكم الهائل من القنوات الفضائية، ومواقع الشبكة العنكبوتية التي تجد فيها الفتاة المراهقة بغيتها في الإجابة على أكثر التساؤلات التي تدور في خلدها، وتجد فيها كذلك تفسيرًا لهذه التغيرات الجسدية التي تمر بها، لكن هذا التفاعل من قبل الفتاة المراهقة مع هذه الأجهزة إذا كان في بيئة غير متدينة، وغير ملتزمة بالآداب والأخلاق الإسلامية، يجعل الفتاة عرضة للانحراف والانجرار خلف الأفعال والمعتقدات الخاطئة.
لذلك كان لزامًا على الأم أن تهتم بابنتها، وأن تصاحبها وتصادقها، وأن تكون لها كالأخت الكبيرة، وخصوصًا في هذه المرحلة العصيبة التي تمر بها، والبنت أحوج ما تكون إلى الأم في هذه المرحلة، تحتاجها بجانبها حتى تساعدها في تفسير ما يعتريها من تغير نفسيتها وتغيراتها الجسدية، تحتاجها لتشعر معها بالدفء والحنان والطمأنينة، تحتاجها بجانبها حتى تستطيع اجتياز مراحلها التعليمية بنفسية مرتفعة، وعقل واع حاضر مستحضر للمعلومات.
الأم للابنة في هذه المرحلة كالهواء للإنسان، فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتخلى الأم عن ابنتها في هذه المرحلة، ولا بد أن تعلم الأم أن الابنة في هذه المرحلة ستكون على خلاف دائم معها، وذلك لاختلاف السن واختلاف التفكير كذلك، لكن ينبغي على الأم أن تتحمل هذا الخلاف وهذه المناقشة مع ابنتها، وأن تحاورها بشكل ودي وحنون، وأن تقنعها بخطأ ما تقوم به برفق ولين، ولا بد أن تتحمل الأم هذه المناقشات وهذا الحوار الخلافي، ذلك أن علماء النفس يؤكدون أن خلافات الأم وابنتها المراهقة تدور حوالي 15 دقيقة علي الأكثر، وقد تكون بشكل شبه يومي، علي عكس الأولاد المراهقين، الذين يتجادلون ويشاغبون مع الأمهات كل سبعة أيام في المتوسط، ولمدة 6 دقائق فقط.
هذا كما تعتبر هذه الخلافات قناة تنفيس للفتيات، خاصة في حالات المزاج المتقلب التي تحدث كل يوم، فالفتاة مثلًا لا تتحدث مع صديقتها المقربة في حالة خصام، أو إذا تلقت مكالمة قلبت كل خططها، أو مشكلة تحيط بها ولا تعرف لها حلًا، أو ألم بها أمر تافه صممت علي المبالغة في حجمه، وتصبح أعصابها متعبة وترفض الأكل، ولا تجد أمامها سوى الأم تشتبك معها.
ولتعلم الأم أن ابنتها لن تتقبل منها أي تعليق أو تعقيب أو نقد لاذع؛ لذا يجب أن تبتعد الأم تمامًا عن الكلام الجارح، ولتتبع الطرق التربوية السهلة اللينة، التي تجعل الفتاة تتقبل النصيحة والتوجيه من أمها، فلتحرص الأم على إعطاء ابنتها المعلومة من خلال تجاربها في الحياة، وبصورة غير مباشرة، فمثلًا أثناء التسوق، أو خلال ممارسة الطبخ في المنزل، وأثناء تناول الطعام، ولا بد أن تعلم الأم أن كثرة الإطراء والمدح على الفتاة المراهقة يدعم ثقتها بنفسها، ويجعلها أكثر ثباتًا في مواجهة الحياة وتقلباتها، كما أن الإصغاء الجيد لها والتعليق علي أدائها يجب أن يأتي بعيدًا عن الشدة، ولا يعني هذا الاستماع والإنصات الجيد لها هو موافقة على ما تقوله الفتاة، وإنما هو إرساء لقواعد التفاهم والتواصل بين الأم وابنتها، حتى تنصت وتستمع إليك الفتاة حين تتحدثين إليها.
ثم بعد الإنصات والاستماع يجب على الأم أن تكون حيادية ومنصفة في الرد على الابنة، وأن تبين لها الإيجابيات والسلبيات لما طرحته ابنتها، وتحاول أن تنهي كلامها بحكمة، ودون أن تلزمها صراحة بما تراه صحيحًا.
كذلك على الأم أن تكثر من احتضان ابنتها، وإسماعها كل الحب والرفق الحنان، كقولها: يا حبيبتي، يا روحي، يا صغيرتي، وغير ذلك من الكلمات التي تأسر قلب الفتاة، وتجعلها تشعر أن أمها تحبها، وتشعر بها وتحس بها، مما يدفع الفتاة إلى البوح لأمها بكل ما تريد.
إن الأم تربي وتؤدب، وفي نفس الوقت يجب عليها أن تكون صديقة وزميلة وقرينة لابنتها؛ لذا يجب على الأم أن توجد هذا التوازن بين التربية والتأديب، وبين المصاحبة والمصادقة، وهذا لن يتأتى إلا بمعرفة الأم لخصوصية كل مرحلة تمر بها الفتاة من مراحل عمرها، حتى تعلم الأم كيف تتعامل معها تعاملًا صحيحًا يؤتي أكله بعد حين.