logo

حجاب المرأة أمام محارمها


بتاريخ : الأربعاء ، 8 ذو الحجة ، 1441 الموافق 29 يوليو 2020
بقلم : تيار الاصلاح
حجاب المرأة أمام محارمها

لقد اهتم الإسلامُ اهتمامًا بالغًا بقطع الطريق على الأسباب المؤدية إلي انتشار الفتن، أو إلى بعث الشهوات الكامنة لا سيما تلك الشهوات والفتن المتعلقة باختلاف الجنس، فكان من أهم التشريعات في هذا الباب الأمر بحفظ  العورات من نظر من لا يحل له النظر إليها، أو من النظر إلى ما لا يحل النظر إليه فقد قال الله تعالي: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 30- 31].

وعن معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، عوراتنُا ما نأتي منها وما نذر؟ قال صلى الله عليه وسلم: «احفظ عورتَكَ إلا من زوجتك أو ما ملكتْ يمينكُ»، قيل: إذا كان القوم بعضهُم في بعض؟ قال صلى الله عليه وسلم: «إن استطعت ألا يرينها أحد فلا يَرينَّها»، قيل: إذا كان أحدنا خاليًا؟ قال صلى الله عليه وسلم: «اللهُ أحقُّ أن يُستحيا منه من الناس» (1).

عن بهز بن حكيم: قوله: «احفظ عورتك» عدل عن قوله: استر إلى «احفظ»؛ ليدل سياق الكلام على الأمر بستر العورة استحياء ممن ينبغي أن يستحي منه من الله تعالي ومن خلقه، ويشير به إلى معنى قوله تعالي: {والَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إلَّا عَلي أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: 5- 6]، لأن عدم الستر يؤدي إلى الوقاحة وهي إلي الزنى (2).

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة» (3)، والحديث لم يفرق بين قريب أو بعيد، وبين أب أو أخ أو أم أو أخت، بل النص عام يشمل الجميع، فلا يجوز للرجل أن ينظر إلى عورة الرجلِ وعورة المرأة، ولا يجوز للمرأة أن تنظر إلى عورة المرأة والرجل، وهذا مجمع عليه كما قال النووي (4).

وقد أجمع أهل العلم على أنه يجب على المرأة المسلمة تغطية جسمها كله باللباس الساتر ما عدا وجهها وكفيها وقدميها -على خلاف بين المذاهب في هذه الثلاثة- وهي فريضة إسلامية لا خلاف عليها بين المسلمين.

وأجمع أهل العلم على وجوب تغطية الوجه والكفين عند خوف الفتنة وانتشار الفساد.

واللبس المشروع للمرأة أن تلبس كل ثوب يبعدها عن الفتنة، وعن الدخول في قوله عليـه الصـلاة والسـلام: «اثنان من أهل النار لم أرهما بعد قوم معهم أذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا» (5)، فالثياب الضيقة التي تكون كالملصقة على البدن لا شك أنها ثياب كاسية؛ أي تكسو المرأة، ولكنها في الحقيقة عارية، تعريها أي تعري المرأة؛ لأنها تصف حجم جسدها تمامًا، وهذا النوع من اللباس لا يجوز، اللهم إلا عند الزوج إذا لم يكن في البيت أحد، وأما إذا كان ضيقًا، فالمشروع أن يكون اللباس لباس المرأة واسعًا فضفاضًا سابقًا إلى قدميها.

عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة»، فقالت أم سلمة: فكيف يصنعن النساء بذيولهن؟ قال: «يرخين شبرًا»، فقالت: إذا تنكشف أقدامهن، قال: «فيرخينه ذراعًا، لا يزدن عليه» (6).

قال سبحانه وتعالى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوْ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الإِرْبَةِ مِنْ الرِّجَالِ أَوْ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: 31].

فالزينة الأولى: هي التي يجوز لها أن تبديها أمام محارمها وأمام النساء، وهي ما تظهر غالبًا، ولا يمكن التحفظ منها أثناء الحركة؛ كالرأس والشعر والرقبة والنحر والذراعين، وأسافل الساقين، ونحو ذلك.

والزينة الثانية: وهي التي لا يمكن التحفظ منها أثناء الخروج من المنزل، وهي ما يظهر من ثياب المرأة الظاهرة كالعباءة ونحوها.

قال السعدي رحمه الله في تفسيره: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} كالثياب الجميلة والحلي، وجميع البدن كله من الزينة، ولما كانت الثياب الظاهرة، لا بد لها منها، قال: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} أي: الثياب إذا لم يكن في ذلك ما يدعو إلى الفتنة بها (7).

وعلى ذلك فلا يجوز للمرأة أن تخرج أمام النساء، أو أمام محارمها بالملابس التي تبدي عورتها، وهي ما زاد عن زينتها الخفية، حيث إن المرأة كلها عورة أمام المرأة وأمام محارمها، إلا ما استثناه الشرع من الزينة التي يجوز لها أن تظهرها أمام محارمها وأمام النساء، وهي الزينة الخفية التي أشار إليها العلماء.

ودليل ذلك سياق آية النور؛ وفيه أذن الله للمرأة في إبداء زينتها لمحارمها وللنساء في سياق واحد، فدل على أن الزينة التي يجوز للمرأة أن تظهر بها أمام النساء هي الزينة التي يجوز أن تظهر بها أمام محارمها.

قال القاضي عياض رحمه الله: وسائر جسدها على المحارم عورة، ماعدا رأسها وشعرها وذراعيها وما فوق نحرها (8).

فأباح الله تعالى للمرأة أن تبدي زينتها أمام بعلها (زوجها) ومحارمها، والمقصود بالزينة مواضعها، فالخاتم موضعه الكف، والسوار موضعه الذراع، والقرط موضعه الأذن، والقلادة موضعها العنق والصدر، والخلخال موضعه الساق.

قال أبو بكر الجصاص: ظاهره يقتضي إباحة إبداء الزينة للزوج، ولمن ذكر معه من الآباء وغيرهم، ومعلوم أن المراد موضع الزينة وهو الوجه واليد والذراع ... فاقتضى ذلك إباحة النظر للمذكورين في الآية إلى هذه المواضع، وهي مواضع الزينة الباطنة؛ لأنه خص في أول الآية إباحة الزينة الظاهرة للأجنبيين، وأباح للزوج وذوي المحارم النظر إلى الزينة الباطنة (9).

عن عبد الله: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} قال: الزينة: القُرط والقلادة والسوار والخلخال والدُملُج وما ظهر من الثياب والجلباب (10).

وقد سوى في ذلك بين الزوج وبين من ذكر معه، فاقتضى عمومه إباحة النظر إلى مواضع الزينة لهؤلاء المذكورين كما اقتضى إباحتها للزوج.

وقال البغوي رحمه الله: قوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} أي لا يظهرن زينتهن لغير محرم، وأراد بها الزينة الخفية، وهما زينتان خفية وظاهرة، فالخفية: مثل الخلخال، والخضاب في الرِّجْل، والسوار في المعصم، والقرط والقلائد، فلا يجوز لها إظهارها، ولا للأجنبي النظر إليها، والمراد من الزينة موضع الزينة (11).

وقال في كشاف القناع: ولرجل أيضًا نظر وجه ورقبة ويد وقدم ورأس وساق ذات محارمه (12).

قال ابن قدامة رحمه الله: ويَجوز للرجل أن يَنظر من ذوات محارمه إلى ما يظهر غالبًا؛ كالرقبة والرأس والكفَّين والقدمين ونحو ذلك، وليس له النظر إلى ما يستُر غالبًا؛ كالصدر والظَّهر ونحوهما (13).

وهؤلاء المحارم متفاوتون في القرب وأمن الفتنة، ولهذا تبدي المرأة لأبيها ما لا تبديه لولد زوجها، قال القرطبي رحمه الله: لما ذكر الله تعالى الأزواج وبدأ بهم ثنّى بذوي المحارم وسوى بينهم في إبداء الزينة، ولكن تختلف مراتبهم بحسب ما في نفوس البشر، فلا مرية أن كشف الأب والأخ على المرأة أحوط من كشف ولد زوجها، وتختلف مراتب ما يُبدى لهم، فيبدى للأب ما لا يجوز إبداؤه لولد الزوج (14).

والمقرر عند الفقهاء أن عورة المرأة مع المرأة هي ما بين السرة والركبة، سواء كانت المرأة أمًا أو أختًا أو أجنبية عنها، فلا يحل لامرأة أن تنظر من أختها إلى ما بين السرة والركبة إلا عند الضرورة أو الحاجة الشديدة كالمداواة ونحوها.

وهذا لا يعني أن المرأة تجلس بين النساء كاشفة عن جميع بدنها إلا ما بين السرة والركبة، فإن هذا لا تفعله إلا المتهتكات المستهترات، أو الفاسقات الماجنات، فلا ينبغي أن يساء فهم قول الفقهاء: العورة ما بين السرة والركبة؛ فإن كلامهم ليس فيه أن هذا هو لباس المرأة، الذي تداوم عليه، وتظهر به بين أخواتها وقريناتها، فإن هذا لا يقره عقل، ولا تدعو إليه فطرة.

بل لباسها مع أخواتها وبنات جنسها ينبغي أن يكون ساترًا سابغًا، يدل على حيائها ووقارها، فلا يبدو منه إلا ما يظهر عند الشغل والخدمة، كالرأس والعنق والذراعين والقدمين، على نحو ما ذكرنا في مسألة المحارم (15).

وإذا كان هذا هو نص القرآن وهو ما دلت عليه السنة، فإنه هو الذي جرى عليه عمل نساء الرسول صلى الله عليه وسلم ونساء الصحابة، ومن اتبعهن بإحسان من نساء الأمة إلى عصرنا هذا، وما جرت العادة بكشفه للمذكورين في الآية هو ما يظهر من المرأة غالبًا في البيت، وحال المهنة، ويشق عليها التحرز منه، كانكشاف الرأس واليدين والعنق والقدمين.

وأما التوسع في التكشف؛ فعلاوة على أنه لم يدل على جوازه دليل من كتاب أو سنة، هو أيضًا طريق لفتنة المرأة والافتتان بها من بنات جنسها، وهذا موجود بينهن، وفيه أيضًا قدوة سيئة لغيرهن من النساء، كما أن في ذلك تشبهًا بالكافرات والبغايا والماجنات في لباسهن، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من تشبه بقوم فهو منهم» (16)، وعن عبد الله بن عمرو، أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى عليه ثوبين معصفرين، فقال: «إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها» (17).

قال الشيخ ابن عثيمين: بالنسبة للمرأة الناظرة فإنه لا يجوز لها أن تنظر إلى عورة المرأة، يعني لا يجوز أن تنظر ما بين السرة إلى الركبة، مثل أن تكون المرأة تقضي حاجتها مثلًا؛ فلا يجوز للمرأة أن تنظر إليها، لأنها تنظر إلى العورة، أما فوق السرة أو دون الركبة فإن كانت المرأة كشفت عنه لحاجة مثل أنها رفعت ثوبها عن ساقها لأنها تمرُ بطين مثلًا، أو تريد أن تغسل الساق وعندها امرأة أخرى؛ فهذا لا بأس به، أو أخرجت ثديها لترضع ولدها أمام النساء فإنه لا بأس.

لكن لا يُفهم من قولنا هذا كما تفهم بعض النساء الجاهلات أن المعنى أن المرأة تلبس من الثياب ما يستر بين السرة والركبة فقط، هذا غلط، غلط عظيم على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى شريعة الله وعلى سلف هذه الأمة، من قال: إن المرأة لا تلبس إلا سروالًا يستر من السرة إلى الركبة وهذا لباس مسلمات؟! لا يمكن )18).

إن أهل العلم عندما تحدثوا عن أن عورة المرأة أمام المرأة بين السرة والركبة لم يُقصد بها اللباس إنما قضية النظر، أي لا يجوز شرعًا أن تنظر المرأة إلى ما بين السرة والركبة لامرأة أخرى؛ فهي عورة مغلظة لا يجوز النظر إليها إلا للضرورة؛ كمرض مثلًا، وليست القضية قضية لباس، فاللباس نستشفه من مجموع الأدلة الشرعية في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كحديث «صنفان من أهل النار لم أرَهما».

قال الشيخ صالح الفوزان: مطلوب من المسلمة الاحتشام والحياء، وأن تكون قدوة حسنة لأخواتها من النساء، وألا تكشف عند النساء إلاّ ما جرت عادة المسلمات الملتزمات بكشفه فيما بينهن، فهذا هو الأولى والأحوط، لأن التساهل في كشف ما لا داعي لكشفه قد يبعث على التساهل ويجر إلى السفور المحرم والله أعلم (19).

وقد ذكر علماء الإسلام عن لباس المرأة، أن نساء الصحابة في البيوت كن يلبسن ثيابًا تسترها من كفها إلى كعبها، من كفها في اليد إلى كعبها في الرجل، ولا تخرج ساقًا ولا ذراعًا، ولكن لو فرض أن المرأة كشفت عن ذراعها لشغل في البيت وعندها محارمها أو نساء فلا بأس، أو رفعت عن ساقها لشغل وعندها محارمها أو نساء فإن هذا لا بأس به، أما أن تتخذ لباسًا قصيرًا لا يستر إلا إلى الركبة، أو لا يستر إلا إلى المرفق فإن هذا يخشى أن يكون داخلًا في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا».

فالمتعين على نساء المسلمين؛ التزام الهدي الذي كان عليه أمهات المؤمنين ونساء الصحابة رضي الله عنهن، ومن اتبعهن بإحسان من نساء هذه الأمة، والحرص على التستر والاحتشام، فذلك أبعد عن أسباب الفتنة، وصيانة للنفس عما تثيره من دواعي الهوى الموقع في الفواحش.

كما يجب على نساء المسلمين الحذر من الوقوع فيما حرمه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم من الألبسة التي فيها تشبه بالكافرات والعاهرات، طاعةً لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ورجاءً لثواب الله، وخوفًا من عقابه.

كما يجب على كل مسلم أن يتقي الله فيمن تحت ولايته من النساء فلا يتركهن يلبسن ما حرم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم من الألبسة الخالعة، والكاشفة والفاتنة، وليعلم أنه راعٍ ومسئول عن رعيته يوم القيامة (20).

وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة أيضًا: والذي يجوز كشفه للأولاد هو ما جرت العادة بكشفه، كالوجه والكفين والذراعين والقدمين ونحو ذلك.

عورة الأم أمام أبنائها الذكور والإناث هو جميع بدنها ما عدا ما يظهر عادة في العمل عن عائشة رضي الله عنها، قالت: جاءت سهلة بنت سهيل بن عمرو القرشي ثم العامري، وهي امرأة أبي حذيفة، فقالت: يا رسول الله، إنا كنا نرى سالمًا ولدًا، وكان يأوي معي ومع أبي حذيفة، في بيت واحد، ويراني فضلًا، وقد أنزل الله عز وجل فيهم ما قد علمت فكيف ترى فيه؟ فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «أرضعيه» فأرضعته خمس رضعات فكان بمنزلة ولدها من الرضاعة (21).

وجه الدلالة: الحديث فيه دليل على أن سهلة كانت تظهر من جسدها أمام سالمٍ ما يظهر غالبًا، لقولها: «يراني فُضْلًا» أي: في ثياب البذلة التي لا تستر أطرافها.

ولأنَّ التحرز من الذي يظهر غالبًا لا يمكن، فأبيح كالوجه، وما لا يظهر غالبًا لا يباح؛ لأن الحاجة لا تدعو إلى نظره، ولا تؤمن معه الشهوة ومواقعة المحظور داخل البيت، من الوجه، واليدين، والقدمين، وأسفلِ الساقين، والرأس، والشعر، والعنق؛ وهو مذهب المالكيَّة والحنابلة على المعتمد، ووجه عند الشافعية.

فيَحْرُم عليها كشف صدرها وثدييها وكتفيها ونحو ذلك عندهم، ويحرم على محارمها رؤية هذه الأعضاء منها، وإن كان من غيْر شهْوة وتلذُّذ، وضبَط الحنابِلة ذلك بأنَّه ما يُسْتَر غالبًا.

واستدلَّ أهْلُ العِلم بما رُوِي عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى فاطمة بعبد كان قد وهبه لها، قال: وعلى فاطمة رضي الله عنها ثوب، إذا قنعت به رأسها لم يبلغ رجليها، وإذا غطت به رجليها لم يبلغ رأسها، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما تلقى قال: «إنه ليس عليك بأس، إنما هو أبوك وغلامك» (22).

أما ضوابط السَّاتر للعوْرة للمرأة في بيتها، سواء كانت أمًا أو بنتًا، أو غيرهما: أن يكون ساترًا لجميع البدن إلا أثناء العمل في البيت، وألا يصف ولا يشف، فلا يجوز لبس العاري من الكتفين، أو القَصير إلى حدِّ الرُّكبة، أو البِنطال الضيق كالإسترتش الذي يصف الجسم؛ لأنَّ هذه الأجْزاء من الجسد لا يجوز النَّظر إليْها، فلا بد من ستْرِها. 

والسن الذي يجب فيه على الأم الاحتياط من أبنائها هو سن التمييز، وهو في الغالب يكون عند السابعة.

ونحن في عصر انتكست فيه الفطر، زالت فيه العفة إلا من رحم الله، ولذلك ينبغي التشديد وعدم التهاون في هذه القضية، ولذلك العلماء بعدما بينوا أحكامًا حتى الذين قالوا: أن عورة المرأة أمام المرأة من السرة إلى الركبة، وقالوا أقوالًا أخرى في المسألة، قالوا: النظر عند خشية الفتنة حرام، حتى للمحارم فيما يجوز لهم النظر إليه من النساء قالوا: حرام، لا يجوز النظر عند خشية الفتنة، عندما كانت المجتمعات نظيفة في الماضي، عندما كان الصحابة والسلف يعيشون في مجتمعات نظيفة، ما كانت الشهوات لتثور؛ لأن المجتمع متحشم، لكن اليوم لأتفه الأسباب تثور الشهوات؛ ولذلك لا بد من الاعتناء بهذه القضية أشد الاعتناء.

فالحاصل أن كونها تستر بدنها وتحتاط عند محارمها؛ ولا سيما في هذا العصر الذي قل فيه الدين عند بعض الناس، وكثر الفسق والتساهل من كثير من الرجال، فكونها تحتاط عند أوليائها ولا سيما الجاهل والفاسق، ينبغي لها أن تحتاط دائمًا فلا يظهر منها إلا ما جرت العادة بظهوره من الوجه والكف والقدم، أو بعض الشعور عند الحاجة لا بأس بهذا، ومهما أمكن يعني التحفظ فهو أولى، ما عدا الوجه والكفين والقدمين عند المحارم؛ لأن بعض الفساق قد يزين له الشيطان ما لا تحمد عقباه وإن كان محرمًا، فينبغي التحفظ مهما أمكن إلا ما جرت العادة الغالبة بكشفه من الوجه والكفين والقدمين ونحو ذلك.

وبسبب التساهل في اللباس والخروج عن اللباس الشرعي كثرت الفتن والمغريات، وتفنن الغرب في إنتاج الملابس العارية التي لاقت رواجًا في بلاد المسلمين للأسف، فأصبح التعري ولبس الضيق والقصير من الحضارة، فقد انتكست القيم وتدهورت المبادئ تحت منظور مسايرة العصر وملاحقة دور الأزياء، وحجتهم حتى تكوني إمرأه عصرية، ولا يعلمون أنه هو التخلف والرجعية والحياة البهيمية (23).

***

_______________

(1) أخرجه أبو داود (4017).

(2) شرح المشكاة للطيبي (7/ 2275).

(3) أخرجه مسلم (338).

(4) شرح النووي على صحيح مسلم (10/641).

(5) أخرجه مسلم (2128).

(6) أخرجه الترمذي (1731).

(7) تفسير السعدي (ص: 566).

(8) إكمال المعلم شرح صحيح مسلم (2/ 101).

(9) أحكام القرآن للجصاص (5/ 174).

(10) نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (14/ 211).

(11) تفسير البغوي (3/ 403).

(12) كشاف القناع (5/ 11).

(13) المغني (9/ 491- 492).

(14) جامع أحكام النساء (4/ 195).

(15) عورة المرأة أمام النساء والمحارم/ الإسلام سؤال وجواب.

(16) أخرجه أبو داود (4031).

(17) أخرجه مسلم (2077).

(18) باختصار من موقع ابن عثيمين رحمه الله.

(19) الفتاوى الجامعة للمرأة المسلمة (3/ 1041).

(20) فتاوى اللجنة الدائمة (17/ 290).

(21) أخرجه أبو داود (2061).

(22) أخرجه أبو داود (4106).

(23) حدود وضوابط لباس المرأة أمام محارمها وأمام النساء/ ملتقى أهل الحديث.