logo

بيتكِ جنته


بتاريخ : الأربعاء ، 22 ربيع الأول ، 1438 الموافق 21 ديسمبر 2016
بقلم : تيار الاصلاح
بيتكِ جنته

مع شروق شمس كل يوم جديد يخرج الرجل من بيته يسعى في طلب الرزق، يعمل ويكد في هذه الحياة الدنيا من أجل توفير حياة سعيدة لأسرته، وبعد عناء يوم شاق يكون الرجل متلهفًا للرجوع إلى بيته، حيث الراحة في جنة بيته من صعوبات الحياة.

العجيب في الأمر أن بعض الرجال ليس عندهم هذا التلهف لرجوعهم إلى البيت؛ بل إن هؤلاء الرجال يتعللون للخروج من البيت لأي سبب، وهو الأمر الذي يسبب مشاكل كثيرة للمرأة، فتشعر أنها امرأة غير مرغوب فيها، وأنها خادمة فقط ولا غير، فليس من حقها أن تتواصل مع زوجها، أن تتبادل أطراف الحديث معه حول أمورها وأموره، وبالتالي تنشب المشاكل بعد كل هذه الأحاسيس السلبية التي تمر بها المرأة من جراء تصرف الزوج؛ فصحبته وجلوسه على المقهى أروح له من جلوسه في بيته ساعة.

إننا بالنظر الدقيق لأحد أهم أسباب هذه المشكلة نرى أن الرجل لا يدع بيته ويذهب إلى أصحابه، أو يجلس على المقهى وغير ذلك لأنه يهتم بأصحابه أكثر من بيته، وإنما لأنه يشعر بالراحة خارج بيته، وهذه هي قاصمة الظهر بالنسبة للزوجة، فإذا لم توفر لزوجها سبل الراحة داخل البيت، فلا شك أنه لن يفكر أن يعود لبيته إلا من أجل النوم فقط، رغم أن بعضًا من الرجال توفر لهم زوجاتهم سبل الراحة في البيت، وتقوم بكل واجباتها على قدر استطاعتها.

ومع ذلك فإنهم لا يلقون بالًا لكل هذا، ويستمرون في الخروج من البيت كثيرًا، والجلوس مع أصحابهم، ومشاهدة المباريات في الأندية وعلى المقاهي، والدافع لذلك لا يكون تقصيرًا من الزوجة، وإنما ثقافة شعبية ترسخت في أذهانهم، وهي أن جلوس الرجل في بيته يفتح عليه أبواب صرف المال، فالزوجة حينما ترى زوجها بجانبها طوال الوقت فإنها لا تلبث أن تطلب منه الشراء، ثم تطلب منه الخروج، ثم تعرض عليه تجديد بعض الأجهزة في المنزل، وهكذا، وهذا لا شك أمر غير صحيح، وهناك أيضًا بعض الأفكار الخاطئة الأخرى السائدة عن الزوج الذي يجلس في بيته بجانب زوجته، بعد أدائه عمله، ربما نعرض لها في مقال لا حق بإذن الله.

إذن ففي الغالب الأعم فإن مكث الرجل خارج بيته طوال اليوم لغير أوقات العمل، أو لغير قضاء الحاجات اللازمة له ولأسرته، أو لغير السعي لرضا المولى عز وجل، لا شك أنه بسبب عدم شعوره بالراحة داخل بيته، وما ذلك إلا لتقصير من الزوجة، وبالتالي يجب على الزوجة أن تجعل من بيتها جنة لزوجها، يجب أن يكون هذه البيت هو واحة راحته بعد عناء عمل يوم طويل، يجب عليها أن تجعل زوجها يتلهف للعودة إلى البيت لمقابلة زوجته، والجلوس معها، والاستمتاع بجلوسه مع أولاده في بيت منظم مرتب، وزوجة حسنة الملبس، طيبة الرائحة.

فالزوج يحب العيش في خيمة منظمة مرتبة على العيش في قصر تملؤه الفوضى، وللأسف فإن أكثر البيوتات تراها كأنها ساحة معركة، خاصة البيوتات التي منّ الله عليهم بالأبناء، فتجد أطباق الإفطار كما هي دون غسيل وفي موضعها حتى موعد العشاء، وتجد الوسادة في مكان غريب من البيت، وربما وجدت ملاعق الطعام في غرفة استقبال الضيوف، وجهاز التحكم بالتلفاز داخل الثلاجة، فوضى عارمة، وهذه من أكثر الأمور التي تجعل الزوج يتمنى أن لم يكن قد عاد إلى بيته أبدًا، فبمجرد رؤيته لهذا المنظر يتضاعف تعبه، وتكتئب نفسه.

إن على الزوجة واجبًا كبيرًا جدًا في تهيئة البيت لزوجها، وهي أدرى بشئون حياتها، فهي تعلم موعد عودة زوجها من العمل، وتعلم كم من الوقت تحتاج لإنهاء أعمال المنزل وإعداد الطعام، والانتهاء من تهيئة الأولاد للذهاب إلى المدرسة، وبالتالي عليها أولًا أن تقدر هذه الأوقات كلها، وتستيقظ باكرًا على قدر هذه الأعمال، فلا يجوز لها أبدًا أن تستيقظ من نومها عند الظهيرة، وتدعي بعد ذلك أنها لم تستطع إنهاء عملها؛ لأن ما تقوم بها كثير عليها، والحقيقة أنها هي التي قصرت في تقدير أمورها، فيجب عليها الاستيقاظ باكرًا، والبدء بأعمالها المنوطة بها.

ولا ينبغي للزوجة أبدًا أن تطلب من زوجها الخروج من البيت، وهي لم تؤد ما عليها، فضلًا عن أن يكون البيت وكأنه اكتسح من جيش جرار، إن البيت هو مملكة المرأة، "فليس هناك سكن إلا أن توجده امرأة، ولا يكون له عطر إلا أن تطلقه زوجة، ولا يشع فيه حنان إلا أن تتولاه أم، ولذلك كان أمر الله: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب:33]، وهو أمر لا يعني ملازمة البيوت وعدم الخروج منها مطلقًا، وإنما يعني أن يكون البيت هو الأصل، والخروج منه هو الاستثناء الطارئ" [من مقال بمجلة البيان، العدد (108)، بعنوان: بارك الله لك، لنجوى الدمياطي].

فإذا ما قامت الزوجة بتهيئة البيت لزوجها عند عودته من العمل، وقامت بالتنبيه على الأبناء بعدم إزعاج والدهم حتى يرتاح من عناء وتعب يومه، فلا شك أن الزوج سيشعر حقيقة أنه قد عاد إلى جنته، ويزداد حبه لزوجته، وتبعًا لذلك تشعر برضا زوجها عنها، وتزداد ثقتها بنفسها، وكذلك يزداد احترام الأبناء لوالدهم وتوقيرهم له، فهم بذلك علموا أن والدتهم تحترم والدهم وتقدره، وبالتالي يحترمونه ويقدرونه، ويحترمون والدتهم ويقدرونها، وايضًا سيحترمون بعضهم البعض، ويقدرون بعضهم البعض، لِمَا رأوا من تقدير والديهم لبعضهم البعض.

إن الزوجة الفطنة هي التي تُشعر زوجها، متى ما دخل البيت، أنه ملك في مملكته، ولا تجعله يشعر في أي لحظة أنه دخيل على هذه المملكة، فهي بالنسبة إليه "الشاطئ الذي ترسو عليه سفينة حياته، فيقلع عن قلبه الخوف من أعماق بحارها المظلمة، وهي له الواحة التي يحط عندها رحاله، فيجد الماء العذب البارد، والظل الوارف الظليل، فتسكن نفسه بعد قلق هجير صحراء الحياة، وهي له القلب الذي يضع عنده كل أحزانه، ويروي ظمأه من ينبوع حبه ووده" [كيف تبنين بيتًا سعيدًا، د. أكرم رضا، ص(18)، بتصرف يسير].