الوفاء بين الزوجين
لا يشكك عاقل في أن من نعم الله على بنى آدم أن الله جعل لنا من أنفسنا أزواجًا، وجعل لنا من أزواجنا بنين وحفدة، قال تعالى: {وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ} [النحل: 72]، ولو جعل الأزواج من نوع آخر لما حصل ائتلاف ومودة ورحمة، ولكن من رحمته خلق من بني آدم ذكورًا وإناثًا، وجعل الإناث أزواجًا للذكور (1).
وقال السعدي: يخبر تعالى عن منته العظيمة على عباده، حيث جعل لهم أزواجًا ليسكنوا إليها، وجعل لهم من أزواجهم أولادًا تقرُّ بهم أعينهم ويخدمونهم، ويقضون حوائجهم، وينتفعون بهم من وجوه كثيرة، ورزقهم من الطيبات من جميع المآكل والمشارب، والنعم الظاهرة التي لا يقدر العباد أن يحصوها (2).
وهذه نعمة إذ جعل قرين الإنسان متكونًا من نوعه، ولو لم يجعل له ذلك لاضطر الإنسان إلى طلب التأنس بنوع آخر فلم يحصل التأنس بذلك للزوجين، وهذه الحالة وإن كانت موجودة في أغلب أنواع الحيوان فهي نعمة يدركها الإنسان ولا يدركها غيره من الأنواع، وليس من قوام ماهية النعمة أن ينفرد بها المنعم عليه (3).
وفي الزواج سكن وأمان وفيه رضا الرحمن، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21]، وفيه حفظ الدين فهو أغض للبصر وأحصن للفرج، كما جاء عن عبد الله قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم شبابًا لا نجد شيئًا، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا معشر الشباب، من استطاع الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء» (4).
هذه النعمة تدوم وتزداد ويبارك فيها إذا كان المرء وفيًا لزوجه وكانت المرأة وفيَّة لزوجها، قال تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 19]، أي: طيبوا أقوالكم لهن، وحسنوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم، كما تحب ذلك منها، فافعل أنت بها مثله، كما قال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي» (5)، وكان من أخلاقه صلى الله عليه وسلم أنه جميل العشرة دائم البشر، يداعب أهله، ويتلطف بهم، ويوسعهم نفقته، ويضاحك نساءه، حتى إنه كان يسابق عائشة أم المؤمنين يتودد إليها بذلك، قالت: سابقني رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبقته، وذلك قبل أن أحمل اللحم، ثم سابقته بعد ما حملت اللحم فسبقني، فقال: «هذه بتلك» (6)، ويجتمع نساؤه كل ليلة في بيت التي يبيت عندها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيأكل معهن العشاء في بعض الأحيان، ثم تنصرف كل واحدة إلى منزلها.
وكان ينام مع المرأة من نسائه في شعار واحد، يضع عن كتفيه الرداء وينام بالإزار، وكان إذا صلى العشاء يدخل منزله يسمر مع أهله قليلًا قبل أن ينام، يؤانسهم بذلك صلى الله عليه وسلم وقد قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] (7).
فأمر الله سبحانه بحسن صحبة النساء إذا عقدوا عليهن لتكون أدمة ما بينهم وصحبتهم على الكمال، فإنه أهدأ للنفس وأهنأ للعيش، وهذا واجب على الزوج.
وقال يحيى بن عبد الرحمن الحنظلي: أتيت محمد ابن الحنفية فخرج إلي في ملحفة حمراء ولحيته تقطر من الغالية، فقلت: ما هذا؟ قال: إن هذه الملحفة ألقتها علي امرأتي ودهنتني بالطيب، وإنهن يشتهين منا ما نشتهيه منهن.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: إني أحب أن أتزين لامرأتي كما أحب أن تتزين المرأة لي.
قال ابن عطية: وإلى معنى الآية ينظر قول النبي صلى الله عليه وسلم: «فاستمتع بها وفيها عوج» (8)، أي: لا يكن منك سوء عشرة مع اعوجاجها، فعنها تنشأ المخالفة وبها يقع الشقاق، وهو سبب الخلع (9).
وفاء المرء لزوجه إن دل على شئ فإنما يدل على كرم الأخلاق وطيب الأصل، ويدل على المروءة والشهامة، فما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم، يعني أن كريم الطباع يكرم أهله؛ لأنهم أحق الناس بكرامته، واللئيم يهين نسائه للؤم طبعه.
وما المرأة بين يدي زوجها وفي بيته إلا أمانة، أخذها بعهد الله وعلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن أحبها أكرمها، وإن كرهها ما ظلمها.
وما من كلمة طيبة تشنف بها آذان زوجك إلا وأنت مأجور عليها من الله تعالى، وما من لقمة تسد بها جوعتها ولا شربة ماء ترويها بها إلا وأنت مشكور عليها من الله تعالى.
فعن معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله: ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: «أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت» (10).
حتى قضاء الوطر بيننا وبين أزواجنا نؤجر عليه ونثاب، قال رسول الله «وفي بُضع أحدكم صدقة»، قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له أجر، قال: «أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر»، قال: «نعم»، قال: «إن وضعها في الحلال كان له أجر» (11).
من صور وفاء المرء لزوجه:
- أن يكون معها في الأمور كلها لا يكلفها فوق طاقتها، ولا يلق بالأحمال كلها عليها؛ بل يشاركها في الصغيرة والكبيرة كتفه بكتفها يده بيدها في السراء والضراء وفي الشدة والرخاء، وقد سئلت أمنا عائشة عن حال رسول الله في بيته، فقالت: كان رسول الله في بيته بشر من البشر؛ يخصف نعله ويرقع ثوبه ويحلب شاته ويخدم أهله، يفعل ذلك وهو خاتم المرسلين وسيد الأولين والآخرين.
من صور وفاء المرء لزوجه:
- فيما بينه وبين الناس أن يُحسن الحديث عنها، ينشر حسناتها ويقدر جهدها معه ومع أولاده، ويشكر صبرها وقوة احتمالها، وفيما بينه وبينها يفتح لها قلبه، وأن يشرح لها صدره، فيسمع لها ويحدثها ويؤانسها ويحسن صحبتها ويرعاها بنفسه وماله، وخاصةً في وقت ضعفها وضيق صدرها.... فإذا حملت المرأة أو حاضت أو مرضت تأذت وتعكر مِزاجها وضاق خلقها، فهي على حالتها تلك أحوج ما تكون إلى العطف والرحمة والشفقة، عن عائشة حدثتها أن النبي صلى الله عليه وسلم: «كان يتكئ في حجري وأنا حائض، ثم يقرأ القرآن» (12).
وعنها أيضًا: عن عائشة قالت: «كنت أرجل رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا حائض» (13)، «وكان يأمرني، فأتزر، فيباشرني وأنا حائض» (14).
وعنها قالت: «كنت أشرب وأنا حائض، ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع في، فيشرب، وأتعرق العرق وأنا حائض، ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع في» (15).
وهذا يدل على جواز مؤاكلة الحائض، ومشاربتها، ومجالستها، وطهارة أعضائها من اليد والفم وغيرهما، وطهارة ريقها وسؤرها من طعام أو شراب (16).
قال النووي تعليقًا على ذلك: قال العلماء: لا تُكْرَه مضاجعة الحائض ولا قُبْلَتها ولا الاستمتاع بها فيما فوق السُّرة وتحت الرُّكبة، ولا يكره وضع يدها في شيء من المائعات، ولا يُكْرَه غسل رأس زوجها أو غيره من محارمها وترجيله، ولا يكره طبخها وعجنها وغير ذلك من الصنائع، وسُؤرها، بقية شربها، وعرقها طاهران، وكل هذا متفق عليه (17).
عن أنس بن مالك قال: كانت صفية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، وكان ذلك يومها فأبطأت في المسير، فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تبكي وتقول: حملتني على بعير بطيء، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح بيديه عينيها ويسكتها (18).
ومن وفاء المرء لزوجه وإكرامه لها:
- إكرام أبويها والسؤال عنهما وقضاء حوائجهما، وإعانتها على برهما والتودد إلى ذوي أرحامها إكرامًا لها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنكم ستفتحون مصر وهي أرض يسمى فيها القيراط، فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها، فإن لهم ذمة ورحمًا» (19).
وأما الذمة فهي الحرمة والحق، وهي هنا بمعنى الذمام، وأما الرحم فلكون هاجر أم إسماعيل منهم، وأما الصهر فلكون مارية أم إبراهيم منهم (20).
هاجر أم إسماعيل الجد الأعلى لرسول الله من مصر، ومارية أم ابراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم من مصر، وصى النبي بالإحسان إلى أهل مصر إكرامًا لهما، وهذا من كرم الأخلاق التي كان عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولما فتح المسلمون القموص- حصن بني أبي الحقيق- كانت صفية في السبي، فأعطاها دحية الكلبي، فجاء رجل إلى النبي فقال: يا رسول الله أعطيت دحية صفية بنت حيي سيدة قومها، وهي ما تصلح إلا لك، فاستحسن النبي ما أشار به الرجل، وقال لدحية: «خذ جارية من السبي غيرها» ثم أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعتقها وجعل عتقها صداقها.
وهكذا ردّ النبي إليها بصنيعه هذا اعتبارها، وحفظ لها شرفها وسيادتها.
ومما ذكرنا يتبين لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد بزواجه منها قضاء شهوة، أو إشباعًا للغريزة الجنسية كما يزعم الأفاكون، وإنما أراد إعزازها وتكريمها وصيانتها من أن تفترش لرجل لا يعرف لها شرفها ونسبها في قومها، هذا إلى ما فيه من العزاء لها فقد قتل أبوها من قبل وزوجها وكثير من قومها، ولم يكن هناك أجمل مما صنعه الرسول صلى الله عليه وسلم معها.
كما أن فيه رباط المصاهرة بين النبي واليهود عسى أن يكون هذا ما يخفف من عدائهم للإسلام، والانضواء تحت لوائه، والحد من مكرهم وسعيهم بالفساد، وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم بزواجه بها بعد أن أعتقها في باب التسامح والعفو المثل الأعلى فطالما نال النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين من قومها الشر الكثير، ولا سيما أبوها الذي جمع الجموع في الأحزاب وكان دائم التأليب على النبي صلى الله عليه وسلم، وكان للنبي صلى الله عليه وسلم أن يدعها مملوكة له يستحقها بملك اليمين، أو يتركها سبية عند رجل ربما لا يعرف لها قدرها، ولكنه النبي صلى الله عليه وسلم الإنسان الذي أدبه ربه فأحسن تأديبه وأوفي في مكارم الأخلاق على الغاية (21).
وفاء المرء لزوجه لا يكون فقط حال الحياة:
- حسن الصحبة والمعاشرة بالمعروف وحسن العهد والحلم والستر وكف الأذى بين المرء وزوجه يدوم حال قيام الزوجية ويدوم إن حصل طلاق أو فراق، فالوفاء بين المرء وزوجه يدوم حتى بعد الممات، وإن شئت فاقرأ في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أول زوجات النبي صلى الله عليه وسلم أمنا خديجة رضي الله عنها عاشت مع رسول الله خمسة وعشرين عامًا من السكينة والمحبة، ثم ماتت بعد رحلة طويلة كفّت فيها الأذى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبذلت فيها، وقدمت عن طيب نفس أغلى ما تملك طاعة لله ونصرة لدينه ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ماتت قبيل الهجرة في عام سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحزن.
لسان رسول الله كان على الدوام يذكرها بالمدح والثناء والاستغفار والدعاء، قالت عائشة: حتى أني كنت أغار منها وما رأيتها من كثرة ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرها، فعن عائشة قالت: ما غرت على امرأة ما غرت على خديجة، ولقد هلكت قبل أن يتزوجني بثلاث سنين، لما كنت أسمعه يذكرها، ولقد أمره ربه عز وجل أن يبشرها ببيت من قصب في الجنة، وإن كان ليذبح الشاة، ثم يهدي في خلتها منها (22).
وعن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذكر خديجة أثنى عليها، فأحسن الثناء، قالت: فغرت يومًا، فقلت: ما أكثر ما تذكرها حمراء الشدق، قد أبدلك الله عز وجل بها خيرًا منها، قال: «ما أبدلني الله عز وجل خيرًا منها، قد آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله عز وجل ولدها إذ حرمني أولاد النساء» (23).
إذا كان الوفاء بين المرء وزوجه فضيلة تدل على الشهامة والمروءة والنبل وكرم الأخلاق، فإن في المقابل غياب الوفاء من المرء لزوجه يدل على الخسة والمهانة، وإن شئت فقل غياب الوفاء بين المرء وزوجه يدل على اللؤم وخيانة الأمانة إفشاء الأسرار.. الإهمال.. الهجر المتجاوز حدوده، والإعراض والعبوس وقسوة القلب والجفاء والغدر في كل هذا ظلم من المرء لزوجه لا يرتضيه الله سبحانه وتعالى، وإذا عرف الظلم والغدر وهضم الحق طريقه إلى أسرة من الأسر جاء وراءه الخراب، وحلَّ الشقاق والشقاء في الدنيا قبل الآخرة، وأول من يسأل في ذلك الرجل لأن الله تعالى جعله صاحب القوامة على زوجه.
لن تزولا قدما زوج يوم القيامة حتى يسأله ربه عن زوجه كيف صاحبها، وكيف عاملها أمره ربه إن عاشرها أن يعاشرها بالمعروف، وإن أمسكها أن يمسكها بالمعروف، وإن فارقها أن يفارقها بالمعروف، فهل سمع وأطاع أم عاند وتجاوز وظلم؟
عن الحسن، أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله سائل كل راع عما استرعاه، أحفظ أم ضيع، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته» (24).
في ذلك اليوم تجتمع الخصوم وتُستوفي الحقوق بين العباد بالحسنات والسيئات لا بالدرهم ولا بالدينار فعن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من كانت عنده مظلمة لأخيه فليتحلله منها، فإنه ليس ثم دينار ولا درهم، من قبل أن يؤخذ لأخيه من حسناته، فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات أخيه فطرحت عليه» (25).
وهناك مع الأسف من الزوجات من جعلت وفاءها لزوجها مرتبط بقضايا دنيوية بحتة، فما دام زوجها قويًا غنيًا جميلًا صحيحًا كانت وفية له، أما إذا وجدت والعياذ بالله أو زين لها الشيطان بأن غيره عنده ما هو أفضل تنكرت لزوجها؛ بل وقد تتنكر لبيتها وأولادها؛ وقدوتها في ذلك بطلات المسلسلات وأفلام القنوات، وينقلب الوفاء غدرًا وتطالب بالطلاق بحثًا عما تريد هذا إن سلمت والعياذ بالله من الحرام.
فأين هذا الصنف من النساء من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لغير الله، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، والذي نفس محمد بيده، لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها، ولو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه» (26).
وفي المقابل هناك من الرجال من قل وفاؤهم لنسائهم، فهو وفي لزوجته ما دامت تقوم على خدمته وخدمة بيته وأولاده محتفظة بجمالها، فإذا ما كبرت وذهب شيء من جمالها أو ابتليت بداء أو مرض، أو حتى أغضبته في أمر بسيط من أمور الحياة الزوجية، تنكر لها ولما قدمته له، وعاقبها بطلاقها، وقد يستخدم أولادها أداة لزيادة تعذيبها، أو قد يتركها في البيت كشيء مهمل ليس له قيمة، ويبحث عن زوجة صغيرة رشيقة جميلة يقضي معها حياته، ولا يعطي هذه المسكينة حقوقها التي شرعها الله لها؛ بل قد ينساها هي وأولادها، فتتحول تلك الزهرة التي كانت تملأ البيت أريجًا وعطرًا، والتي طالما تغنى بجمالها إلى زهرة ذابلة الأوراق ليس لها في حياته معنى.
فأقول لمثل هؤلاء الرجال أين أنتم من وصية رسولكم لكم بالنساء يوم أن قال: «استوصوا بالنساء، فإن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء» (27).
ومن أقذر صور عدم الوفاء بين الزوجين؛ أنه في حالة حدوث مشكلات بينهما أو طلاق -لا قدر الله- فيقوم كل طرف بذم الآخر، ويضع فيه من العيوب ما فيه وما ليس فيه، وينسى أو يتناسى كل طرف منهما ما قضاه من ساعات سعادة، وما نهل من أفضال الآخر (28).
-----------
(1) تفسير ابن كثير (4/ 586).
(2) تفسير السعدي (ص: 444).
(3) التحرير والتنوير (14/ 218).
(4) أخرجه البخاري (5066)، ومسلم (1400).
(5) أخرجه الترمذي (3895).
(6) أخرجه أبو داود (2578).
(7) تفسير ابن كثير (2/ 242).
(8) أخرجه البخاري (5184)، ومسلم (1468).
(9) تفسير القرطبي (5/ 97).
(10) أخرجه أبو داود (2142).
(11) أخرجه مسلم (1006).
(12) أخرجه البخاري (297).
(13) أخرجه البخاري (295).
(14) أخرجه البخاري (299).
(15) أخرجه مسلم (300).
(16) مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (2/ 246).
(17) شرح النووي على مسلم (3/ 207).
(18) أخرجه النسائي (9117).
(19) أخرجه مسلم (2543).
(20) شرح النووي على مسلم (16/ 97).
(21) السيرة النبوية على ضوء القرآن والسنة (2/ 385).
(22) أخرجه أحمد (24310).
(23) أخرجه أحمد (24864).
(24) أخرجه ابن حبان (4493).
(25) أخرجه البخاري (6534).
(26) أخرجه ابن ماجه (1853).
(27) أخرجه البخاري (3331).
(28) سلسة الوفاء - الوفاء بين الناس/ صيد الفوائد