logo

الاهتمام السلبي بالأبناء


بتاريخ : الجمعة ، 15 صفر ، 1437 الموافق 27 نوفمبر 2015
بقلم : تيار الاصلاح
الاهتمام السلبي بالأبناء

إن الأبناء كائنات لم تختبر الحياة مثل الآباء والأمهات، ففرق الخبرة بينهم كبير؛ لذلك فتصرفات كثير من الأبناء تعد في نظر كثير من الآباء والأمهات غباءً وحمقًا؛ مما يجعل الآباء والأمهات ينتقدون تلك التصرفات والسلوكيات الخاطئة للأبناء، وهو ما يسبب للأبناء ألمًا نفسيًا، يحيل بعض لحظاتهم الحياتية إلى جحيم وشقاء وحياة تعيسة.

إن الآباء والأمهات لا يستيقظون في الصباح مخططين لجعل حياة أبنائهم تعيسة، يملؤها الذل والشقاء، وكذلك لا يحاولون جعل أبنائهم متصفين ببعض الصفات السيئة؛ كالكسل والجبن والبذاءة، وغيرها من الصفات القبيحة؛ ولكن كل هذا قد يحدث بغير قصد أو تعمد، وذلك من خلال الاهتمام السلبي بالأبناء.

ونعني بالاهتمام السلبي بالأبناء ملاحظة الأخطاء التي يقع فيها الأبناء، والتصرفات السيئة التي يرتكبونها، والتعليق عليها بأسلوب خاطئ، متمثل في التوبيخ أو التقريع أو التجريح، مع الإكثار على الأبناء كلما وقع في هذا التصرف، أو ارتكب هذا السلوك.

إن انتقاد سلوك الأبناء غير الصحيح لا شك أنه مهم، ولكن لا بد وأن يكون هذا الانتقاد قائمًا على جذب انتباه الأبناء إلى ما ارتكبوه من أخطاء، ومحاولة إفهامهم هذه الأخطاء بطريقة يسيرة، وبلغة سهلة، مع تجنب لألفاظ التجريح والتقريع، والبعد تمامًا عن وصفهم في أشخاصهم بأي صفة مبنية على الفعل الخاطئ الذي ارتكبوه، أو أي فعل قبيح ملازم للخطأ الذي ارتُكب، ثم بيان ما ينبغي للأبناء القيام به مستقبلًا لتفادي الوقوع في مثل تلك الأخطاء ثانية.

وهذه الطريقة في الانتقاد تساعد الأبناء على زيادة الثقة في أنفسهم؛ حيث إن تجنب استخدام الصفات السيئة لوسم الأبناء بها يساعدهم على التفكير الإيجابي في ذاتهم؛ مما يزيد الثقة في أنفسهم، وكذلك يزيد الرغبة داخلهم في تطوير شخصياتهم للأحسن، ومحاولة التغيير الجدية للأفضل.

فبالتالي يجب على الآباء والأمهات إذا ما ارتكب الأبناء أي خطأ يستوجب الانتقاد، أن يقوموا بهذا الانتقاد بعيدًا عن الألفاظ التي تقتل روح التغيير في الأبناء؛ بل يجب على الآباء والأمهات أن يقوموا بهذا الانتقاد مقترنًا بالتشجيع، والتحفيز، وزرع الأمل في نفوس الأبناء، وأن يبينوا لهم أنهم قادرين على التغيير والابتعاد عن هذا السلوك الخاطئ، وبذلك يتحول الاهتمام بأخطاء الأبناء من اهتمام سلبي، متمثل في هدم نفسية الأبناء، وقتل روح التغيير داخلهم، إلى اهتمام إيجابي يسعى إلى تشجيعهم للتغيير إلى الأفضل.

إن الاهتمام السلبي من الآباء والأمهات تجاه الأبناء هو عبارة عن هجوم يدعو إلى هجوم مضاد، وتعبيراتهم وألفاظهم الجارحة تلك تعوق التفاهم والتواصل بينهم وبين الأبناء؛ بل "إن رد الفعل الطبيعي تجاه من تقذف به ليقع على الأرض هو أن يجهز نفسه للدفاع عن ذاته، والشخص الذي يصبح في مثل هذه الهيئة الدفاعية لن يكون مستعدًا للتجاوب مع أفكارك"(1).

إن محاولة الآباء والأمهات تغيير السلوك الخاطئ للأبناء عن طريق الانتقاد اللاذع "الاهتمام السلبي"، يجعل الأبناء يصابون بحالة من اليأس؛ تجعلهم يثيرون مواجهات أخرى مع الآباء والأمهات؛ ليثبتوا لهم أنهم لا زالوا أقوياء، وأن الآباء والأمهات لا زالوا غير قادرين عليهم، ولكن مع تكرار الانتقاد، وتكرار الصفات السيئة على مسامع الأبناء قد تتحول تلك الصفات إلى صفات رئيسية في شخصية الأبناء؛ وذلك لأن كثرة ترداد هذه الكلمة على مسامع الأبناء تجعلهم يصدقونها، وأنهم فعلًا متصفين بتلك الصفة، فيحاول الأبناء إثبات ذلك بارتكاب الأفعال التي تدل عليها تلك الصفات، فتتحول هذه الصفات إلى صفات رئيسية في شخصية الأبناء.

إن على الآباء والأمهات الابتعاد تمامًا عن وصف الأبناء بنعوت وصفات سلبية عند انتقادهم لسلوك غير صحيح ارتكبه الأبناء، وكذلك يجب عليهم أن يحذروا من تكرار مثل هذه الصفات على مسامع أبنائهم؛ إذ يجب احترام ذوات الأبناء وتقديرها وتشجيعها، ثم بعد ذلك على الآباء والأمهات أن يوضحوا للأبناء الخطأ في السلوك الذي ارتكبوه.

فعندما يقوم الابن بعمل جيد؛ كترتيب غرفته مثلًا، ولكن ترتيب وتنسيق الغرفة كان غير متقن، ولم يكن على النحو المرجو، فلا ينبغي للآباء والأمهات أن يقولوا للابن: "أنت لم ترتب الغرفة جيدًا، لا يمكن الاعتماد عليك، إن طفلًا أصغر منك يمكنه ترتيب مثل تلك الغرفة بغاية السهولة".

وهذا الانتقاد الحاد في غاية السوء؛ حيث إنهم قد لفت انتباههم الجانب السلبي، وهو عدم إتقان الترتيب، ولم يلفت انتباههم الجانب الإيجابي، وهو محاولة الابن ترتيب غرفته، والسعي في ذلك حتى استطاع أن يرتب بعضها، والذي ينبغي أن يقوله الآباء والأمهات في مثل هذا الموقف: "لقد قمت بنصف المهمة، فقط لقد نسيت ترتيب بعض أجزاء من الغرفة، وأنت قادر بإذن الله على إتمام عملية ترتيب وتنسيق الغرفة، وسوف نساعدك في ذلك، وسترى المكان جميلًا بعد ذلك".

وهذا هو الصواب، أن تثبت للابن قيمته وثقته في نفسه ابتداءً، وأنه قادر على القيام بما أخفق فيه، ثم تذكر له الملاحظة التي تدله على الخلل الذي وقع فيه، وذكر الملاحظة بعد تذكيره بقيمة نفسه، وقدرته على القيام بالسلوك الصحيح؛ حتى لا تأخذ الملاحظة صورة الهدم لشخصية الابن، وهدم الثقة في نفسه وذاته، مثلما قد يحدث لو تقدمت الملاحظة على التذكير بقيمة الابن.

وهذا هو دأب القرآن الكريم، كما قال تعالى: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} [التوبة:43]،

ولقد كان هذا أيضًا من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فحينما قصت عليه حفصة رضي الله عنها رؤيا لابن عمر رضي الله عنهما، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «نِعْم الرجل عبد الله، لو كان يصلي من الليل»(2).

ــــــــــــ

(1) كيف تنتقد الآخرين وتستولي على محبتهم، أكرم عثمان، ص40.

(2) رواه البخاري (1122)، ومسلم (2479).