logo

إذا استنوق الجمل


بتاريخ : الثلاثاء ، 11 محرّم ، 1441 الموافق 10 سبتمبر 2019
بقلم : تيار الاصلاح
إذا استنوق الجمل

لا بد لكل هيئة أو مؤسسة من قائد يدير شئونها، ويقوم على أمورها، والأسرة المسلمة هي كذلك؛ مؤسسة اجتماعية، قائدها وربانها هو الرجل، قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء:34]، وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه ابن عمر رضي الله عنهما: «ألا كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع، وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته، وهو مسئول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده، وهي مسئولة عنهم، والعبد راع على مال سيده وهو مسئول عنه، ألا فكلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته»(1).

إن من الأمور التي أحدثت الاعوجاج في أوضاعنا الاجتماعية، وخاصة التربوية، تسلط المرأة على إدارة البيت، فمن النقص أن ينزل الرجل نفسه في غير منزلتها اللائقة بها، فالله سبحانه وتعالى جعل الرجال قوامين على النساء، وإذا فسد القوام فسد جميع الأقوام، فالرجل له مقام ربان السفينة.

فمن هو قائم على شيء فهو أفضل منه، فما دام الرجل قوامًا على المرأة فهو بلا شك أكمل من المرأة، وأقدر على الإدارة من المرأة، فشأنه أن يكون مطاعًا لا مطيعًا، ومتبوعًا لا تابعًا.

وما المرء إلا حيث يجعل نفسه       فإن شاء أعلاها وإن شاء سفَّلا

وقد استشرى داء تسلط المرأة وطغيانها في أوساطنا ومجتمعاتنا، وهو من أخطر الأمور وأكثرها إيذاءً، وينتج عنه كثير من الاضطرابات النفسية، أو يزيد من الاضطرابات النفسية إن كانت موجودة، وهذه المصيبة يدفع ثمنها غاليًا.

فقد تقترح المرأة أن تلبس البنات لباسًا لا يقره الإسلام بحجة أنهن صغيرات، وأن الناس هكذا يعملون، وأن المصلحة في مسايرة الزمان، وتظل توسوس لزوجها كما يوسوس الشياطين إلى أن ينهزم الرجل ويستسلم.

وقد ترى المرأة تقوم بألوان من الاستقبالات التي لا يقرها الإسلام، ويضعف الرجل ويوافق، وفي هذا ما فيه من الهدم للأسرة.

وإنه انتكاس للأمور يمكن أن يفهم من قوله صلى الله عليه وسلم، عندما ذكر أمارات الساعة فقال: «أن تلد الأمة ربتها»، وليس معنى هذا أن نلغي شخصية المرأة... لا...، ولكنها القوامة التي جعلها الله للرجل في حدود شرعه، ومهما يكن من أمر فإن إلغاء شخصية الرجل أكبر خطرًا وأعظم أثرًا(2).

بين التسلط والتعبير عن الرأي:

هناك فرق بين تسلط المرأة في شئون البيت وبين حرية إبداء رأيها والتعبير عن انفعالاتها بضوابطه؛ فسيطرة المرأة على شئون البيت، وإلغاء شخصية الرجل ووجوده، وتحكمها في كل صغيرة وكبيرة في البيت هو تسلط مرفوض، فعن إياس بن عبد الله بن أبي ذباب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تضربوا إماء الله»، فجاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ذئرن النساء على أزواجهن»، فرخص في ضربهن، فأطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء كثير يشكون أزواجهن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لقد طاف بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهن، ليس أولئك بخياركم»(3).

وذئرن النساء؛ أي: اجترأن ونشزن وغلبن(4)، ولا شك أن ذلك صورة من صور تسلط المرأة، وهو ما رفضه النبي صلى الله عليه وسلم فرخص بسببه في ضرب النساء.

أما تعبير المرأة عن رأيها بضوابطه فيشهد له ما رواه عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: «...، فتغضبتُ يومًا على امرأتي، فإذا هي تراجعني، فأنكرت أن تراجعني، فقالت: ما تنكر أن أراجعك، فوالله، إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه، وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل...»(5).

كيف جاء الخلل؟

لا شك أن لهذه الظاهرة، ظاهرة تسلط المرأة في البيت، أسبابًا، منها:

1- أن كثيرًا من الرجال قد سقطت هيبة الله في قلبه فأسقط الله هيبته عند أهله، وتجرأ على الله بالمعاصي والذنوب وإدخال المنكرات والفواحش إلى البيت واستخف بها فسلط الله عليه من يستخف به، وأبى أن يكون عبدًا خاضعًا لله فجعله الله عبدًا لفلان أو لفلانة، تسخره كما تشاء، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله إذا أحب عبدًا دعا جبريل فقال: إني أحب فلانًا فأحبه، قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانًا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، قال: ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض عبدًا دعا جبريل فيقول: إني أبغض فلانًا فأبغضه، قال: فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يبغض فلانًا فأبغضوه، قال: فيبغضونه، ثم توضع له البغضاء في الأرض»، يقول الفضيل بن عياض رحمه الله: «إنما يهابك الخلق على قدر هيبتك لله عز وجل»(6).

إن فعل المعاصي وممارسة المنكرات من قبل الأزواج، داخل البيوت أو خارجها، أسقطت هيبتهم في قلوب زوجاتهم وأولادهم، فاستخفوا بهم، واستهانوا بهم، ومن يهن أمر الله ودينه وشرعه يهينه الله ويذله ويخزيه: {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج:18].

2- أن يخل الرجل بأمر القوامة؛ كأن يقصر في حق زوجته في النفقة اللازمة، أو يخل معها في الشهوة، أو يفرط في الاتيان بلوازم البيت واحتياجاته الضرورية، فتقوم المرأة بجلبها والمجيء بها، وتكثر من الخروج إلى الأسواق لشراء احتياجات بيتها، فتتعلم الجرأة والتسلط، وتستغل المرأة هذه الثغرة، وتعصر الرجل من هذا المدخل الذي قصّر فيه، فتتسلط عليه.

ومن قصر في واجب فقد فتح على نفسه بابًا للوم والعتاب.

3- مشاهدة المسلسلات ورؤية الأفلام التي تحرض ضد قوامة الرجل على المرأة، وتدعو المرأة إلى التمرد على الزوج، وتصور المرأة العربية والمسلمة بأنها نكرة مجهولة داخل الأسرة، أو أَمَة ذليلة مهينة تابعة للزوج، فيقومون، عبر هذه القنوات والأفلام، بإلهاب عواطف النساء على الرجال، وتحريضهن على تحطيم تلك القوامة، وإظهارها بأنها قيد من قيود الرق والاستعباد، فتأثرت بعض النساء بتلك القنوات، وطبقن ما فيها في واقعهن على أزواجهن؛ فتحطمت قواعد الأسرة وأسهها الثابتة بهذه الدعوات العوجاء، وتقوضت الدعائم الاجتماعية والترابطات الأسرية من جراء هذه المسلسلات والأفلام البلهاء.

4- أن يختار الرجل زوجة أعلى منه شأنًا، أو أرفع منه منزلة، أو أعظم منه جاهًا، أو أكثر منه مالًا، فتقوم باستغلال جاهها، أو وجاهتها، أو مالها، أو وظيفتها، أو حسبها، أو غلاء مهرها في إذلال زوجها، والترفع عليه، والتكبر بما لديها ضده، ويشعر الرجل بضعفه أمامها فيستضعف نفسه، ويقنع معها بما تفرضه عليه، ولهذا لم يرغب النبي صلى الله عليه وسلم في الزواج بذات المال والجمال والحسب، وأمر بالزواج من ذات الدين؛ حتى تقوم بحقوقه وواجباته، وتعرف قدر نفسها وقدر زوجها، يقول صلى الله عليه وسلم: «تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، وجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك»(7).

إن بعض النساء تستغل ضعف زوجها وطيبته وكراهيته للمشاكل فتقوم بإلغائه، وتحاول في كل مرة إرغامه على التنازل عن رأيه، وإذا عرفت المرأة نقطة الضعف عند زوجها سيطرت عليه من خلالها، فإذا وجدت جمالها هو المسيطر عليه تدللت حتى تتسلط، وإذا كان زوجها محتاجًا ولديها المال تسلطت بمالها، وجعلته هدفًا لتحقيق مآربها، وأحيانًا يكون التسلط موروثًا، تأخذه الفتاة عن والدتها وأهلها؛ فلهذا أرشدنا نبينا صلى الله عليه وسلم ألَّا نتزوج المرأة لجمالها أو مالها أو حسبها، وإنما نتزوجها لدينها، يقول الله جل وعلا: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (32) وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور:32-33].

فلنرجع الأمور إلى نصابها:

1- إذا أراد الرجل أن تكون له الهيبة في البيت والقبول خارج البيت فليعظم الله في نفسه، وليقم بتأسيس بيته على تقوى الله ورضوانه، وليُزل كل منكر داخل البيت، فهنا سيعظمه أهل بيته ويجلونه، ويكنون له الإجلال والتقدير؛ لأن من عظّم الله أعزه الله، ورفع قدره، وأعلى منزلته، وكتب له الهيبة والاحترام، ومن تعدى على حدود الله وانتهك حرمات الله كتب الله عليه المذلة والمهانة، والبغض في قلوب الخلق، يقول الله سبحانه وتعالى: {وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى} [طه:81]، فلنعد إلى ظلال الشرع الحنيف حتى نحمي أسرنا من هذه الظواهر والعواصف التي عصفت بمجتمعاتنا، وأوجدت فيها التمرد على القوامة والقيم والفضائل.

2- أن يحرص الرجل على أداء التزاماته؛ حتى لا يجعل لزوجته مدخلًا عليه، وحجة لها تحتج بها ضده، ولا يترك لها نقطة ضعف تستغلها لمصلحتها بشكل أكبر وأعظم مما يتوقعه؛ لأن نشوز المرأة وتسلطها غالبًا ما يكون سببه عدم قيام الرجل بحق القوامة، ولو أنه قام بحق القوامة لقل تسلط المرأة وعنجهيتها، ولما وجدت ثغرات تدخل منها، ومن ابتلاه الله بالضعف الجنسي فليبادر إلى علاج نفسه وإصلاحها؛ حتى لا تستغل الزوجة هذا الضعف فتسيطر عليه من هذا الباب.

3- قطع مشاهدة القنوات والأفلام التي تحرض ضد قوامة الرجل، واستبدالها بقنوات إسلامية هادفة بدلًا عن تلك القنوات المخزية والمشفرة، خاصة لمن يكثرن من رؤية الأفلام ومتابعة المسلسلات، كما هو حال بعض النساء، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

4- يجب على الزوج أن يكون قدوة حسنة، ومحضنًا آمنًا ومستقرًا لأهله، عدلًا وسطًا بين اللين والشدة تجاه أسرته؛ لينًا في المواقف التي تتطلب اللين، وحازمًا في المواقف التي تتطلب الحزم، يعرف متى يستشير المرأة، ومتى يمضي في أمره دون إذنها واستشارتها، عارفًا بشخصيتها وحالها، والمفاتيح التي يدخل إليها عبرها؛ ليعالج الأمور بينه وبينها بالحكمة، والاستعانة بالله سبحانه وتعالى، يقول الله سبحانه وتعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء:19]، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي» صلى الله عليه وسلم(8).

إن القوامة مسألة خطيرة، أوكلها الله للرجل؛ نظرًا لما يحمله من قوة وشجاعة ورباطة جأش، وتحمل للمشاق والمصاعب؛ مما يجعله الأقدر على تحمل القوامة، وإدارة الأسرة، والسير بها إلى بر الأمان، فلا يجوز له بعد هذا أن يهين نفسه، ويهدر حقه، ويتسامح في قوامته، ويضعف أمام المرأة وإغراءاتها، فإن هذا ليس من الرجولة في شيء، وما جعل الله القوامة للمرأة على الرجل، وإنما جعل القوامة للرجل على المرأة، فإذا انعكس الأمر وفسد القوام فسدت الأسرة، ويفسد المجتمع، وتضيع القيادة إذا أصبح الرجل مطيعًا وليس مطاعًا، وتابعًا وليس متبوعًا(9).

______________

(1) رواه البخاري (893)، ومسلم (1829)، واللفظ له.

(2) عودة الحجاب (2/ 380-381)، ومحاضرة صوتية بعنوان: مسئولية الرجل عن الأسرة، كلاهما للشيخ الدكتور محمد إسماعيل المقدم.

(3) رواه ابن ماجه (1985)، وأبو داود (2146).

(4) مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (5/ 2127).

(5) رواه البخاري (2468)، رواه مسلم (1479).

(6) حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، لأبي نعيم الأصبهاني (8/110).

(7) رواه البخاري (5090)، ومسلم (1466).

(8) رواه ابن ماجه (1977)، والترمذي (3895).

(9) ظاهرة تسلط النساء على الرجال، مراد باخريصة، موقع: الألوكة.