logo

الأم المثالية


بتاريخ : الجمعة ، 22 جمادى الأول ، 1441 الموافق 17 يناير 2020
بقلم : تيار الاصلاح
الأم المثالية

أراها في البخور الذي يحترق لِيَنشر الطيب، وفي الشمعة التي تذوب لِتبدد الظلام، وفي الجسد الذي يتألم لِيَهَبَ السعادة للآخرين، وفي السَّحابة التي تُمزِّق نفسها وتُبدِّدُ عِهنَها لتروي الأقاحي العطشى.

إنها البدر المكتمل الذي تفتَلِذُ الليالي والأيام من كبده، القطعة تلو القطعة، حتى إذا ما تلاشى عادَ لِيَنسُج خيوط نوره من جديد، لِينير دروب المسافرين في أحضان الدفء، والمدلجين في رحاب الفضيلة.

إن الأمومة عطاء مع العناء، وسخاء مع الابتلاء، وتضحية مع الرجاء.

الأمومة فيها بصمة من النبوة، تتجسد في الرضا الداخلي عن الولد العاق، وفيها أثر عظيم من آثار رحمة الخالق عز وجل، في حُنُوِّها على وليدها، تلكم الصورة النبيلة التي تمثِّل أنقى صور التضحية وأعلى مراتب الحب.

الأمومة ألوان جميلة متعددة، تفوق عدد تلك التي في الرياض والخمائل، فهي كالشاعر الذي يتنقل بين أفنان اللغة تنقل العصفور ما بين الورود، فيقطف من هنا زهرة ومن هناك، يتأمل صورة ويستوحي فكرة، فللأمومة في كل يوم طعم جديد ولون جذاب مختلف، فَهي ماء نهر جار، ونبع ماء لا يكرر ولا يسترجع القطرات التي يَهَبُها للأرض العطشى.

الأمومة عقد الفرح والأمن الذي ينتظم قلوب الأبناء، والمدرسة الأولى التي ينهلون من معينها معاني العطاء والحب والمودة والتضحية والإيثار، فهي معلم لا يكل ولا يمَلُّ، ففي النَّهار تروي الظمأى، وترضع الجوعى، وتُصلح المتخاصمين، وتجبرَ خاطر المُحزنين، ولا يشغلها ذلك عن طاعة ربِّها وتسبيحه، ولا تنسى مع ذلك أن تهذِب الزهور والنباتات البيتية التي في المنزل.

وإذا ما جنَّ الليل وحَطَّ الكرى على الأهداب البريئة بدأ درس جديد يتمثل بتعديل الرؤوس التي غادرت الوسائد، وتغطيةِ الجسوم التي هربت من ثقل الأغطية، وإرواء ظمأ الأكباد العطشى التي غلبها النوم عن شرب الماء.

عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خيرُ نساءٍ ركِبْنَ الإبلَ صالحُ نساءِ قريشٍ؛ أحناه على ولدٍ في صغره، وأرعاه على زوجٍ في ذات يده»(1).

قال النووي: فيه فضيلة نساء قريش، وفضل هذه الخصال؛ وهي الحنوة على الأولاد والشفقة عليهم، وحسن تربيتهم، والقيام عليهم إذا كانوا يتامى، ونحو ذلك، مراعاة حق الزوج في ماله وحفظه والأمانة فيه، وحسن تدبيره في النفقة وغيرها، وصيانته، ونحو ذلك(2).

تلك هي إحدى القواعد النبوية التي تميز النساء، وضعها رسول الله صلوات الله وسلامه عليه واضحة الدلالة؛ لأنها بانية الحياة، وداعمة مسيرتها، تقدم مِن غير أن تطلب العوض، وتعطي مِن غير أن تسأل الثمن، وإن كان في الوجود إيثار فهو عند الأم، وإن كان في الوجود إخلاص فهو إخلاص الأم، لكن الأمر لا يتعلَّق بأمومة وبنوَّة فحَسْبُ، لكنه يتعلق بنتائج تلك الأمومة، وَجُود عطائها، ومن هنا يأتي التفاوت بين الأمهات:

أمٌّ أعطَتْ وليدَها مِن أمومتها، لكن كان عطاء القلب والعاطفة وحدَها.

وأُمٌّ أعطَتِ الأمومةَ مع العقل والفكر والعلم.

وثالثة حسِبت الأمومةَ عقلًا وعلمًا، فلم تُعطِ إلا العلم الجافَّ الجامد المتحجِّر.

ورابعة غرَّتْها الحياةُ بزخرفِها، فنسِيَت أنها أمٌّ، وأنها تملِك عاطفةً وقلبًا، وانطبَق عليها قول الشاعر:

إن اليتيم هو الذي تلقى له        أمًا تخلت أو أبًا مشغولًا

وقد لا تكون هناك أم تعتني بأبنائها، وأم لا تعتني، لكن هناك أم عرفت معنى الحياة، وتركيبة الحياة، وحقيقة الحياة، ثم قامت تربي أبناءها وتعدهم لمواجهة الحياة بما يناسب هذه الحياة؛ في مجال الدين والعلم والعمل، والتفوق في الحياة والتميز، والثبات والمرونة، فهذه أم عرفت كيف تمارس الأمومة أسمى ممارسة.

وقد قيل: الرجال مِن صنع المرأة، فإذا أردتم رجالًا عظامًا أفاضل، فعليكم بالمرأة، علموها ما عظمة النفس، وما الفضيلة، فالرجال من صنعة أمهاتهم.

واستطاعتْ أن تُورث أبناءها معاني السموِّ والعظمة؛ كما قيل: عظماء الرجال يرثون عظمتهم مِن أمهاتهم.

المرأةُ أساس البناء، وحارسة الغرة الداخلية، فلو أننا اعتنينا بتربية الفتاة كما نعتني بتربية الشباب -بل الأصل أن نعتني أكثر بها- لما وصل حالنا إلى ما وصلنا إليه؛ إذًا قد تكون الأمُّ هي من تقف خلف الرجل العظيم، خلف ابنها، تدفعه وتحثه، وتؤنبه إذا أخطأ، وتشجعه إن أحسن، لا تبالي بالتعب مهما يكون، ما دامت في راحة أبنائها، فهي المرآة العاكسة للأخلاق، والعمل المثمر والمنصف؛ ففي صدرها وحدها لبن الحياة، بما آتاها الله من قوة العقل والأخلاق والعاطفة.

إن كرم المرأة بأمومتها، ورعايتها لأبنائها، ومن هنا صدق عليها قول حافظ إبراهيم:

الأم مدرسة إذا أعددتها       أعددت شعبًا طيب الأعراق

وواجبات المرأة في بيتها كثيرة وعديدة؛ فبعد أن تكون المرأة زوجة وربة بيت مسؤولة عن المحافظة على كيانه، ومسؤولة عن إسعاد زوجها، فهي مسؤولة عن الأطفال وتربيتهم تربية صحيحة، والاعتناء بصحتهم، وتقويم خلقهم، وإشعارهم بحنانها كقاعدةٍ لانطلاق الأخلاق الفاضلة لديهم، وقد يتهاوَن البعض في الحنان والعطف، لكن الحديث واضح الدلالة على أهميتها؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: «أحناه على ولد في صغره».

إذًا فمن الأم التي نريد؟ وما نريد من الأم؟

الأم الحقيقية هي أم موسى التي خافت على صغيرها من بطش فرعون، فأطاعت أمر ربها رغم صعوبته على نفسها، ومع ذلك تأخذ بكل الأسباب المتاحة، فترسل أخته لتتعقبه، وتعرض عليهم تربيته ورعايته لهم وليس لها، يقول ربنا تبارك وتعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7) ... وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (11) وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12) فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (13)} [القصص: 7- 13].

لم تدرس في جامعات ولم تتعلم في مدارس أو مساجد، وإنما هي الحياة مع الإيمان، كفيلان بأن يخرجا إلى الدنيا أرقى الأمهات بأسمى الشهادات.

إن امرأة عمران تلكم المرأة التي عاشت في العصور الخوالي التي لم تظهر فيها قيم الحضارة المعاصرة، ولم تتقدم فيها النهضة العلمية ولا البناء المعرفي، ومع ذلك تخرجت هذه الأم المثالية في مدارس الإيمان لترقى وتسمو بمعاني الأمومة الطيبة، وتنهض من وسط الركام الهائل لتؤسس وتبني وتربي أسمى امرأة، هي مريم ابنة عمران، والتي اصطفاها الله على نساء العالمين، هذا الاصطفاء والاختيار كان نتاج تربية من أم صالحة، قال تعالى: {إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36) فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا} [آل عمران: 35 - 37].

إن التربية بمعناها الواسع تشمل الجسم والنفس والروح، وليست مجرد الطعام والشراب واللباس وتلبية الطلبات.

نريد الأم التي تربي أولادها تربية روحية، فتبصرهم بأمور دينهم من عبادات وطاعات، وتشجيع لحفظ كتاب الله تعالى، على أن يكون تعليمًا مبنيًّا على محبةٍ واقتناع.

نريد الأم التي تغمر أبناءها بالحب والرحمة والحنان والشفقة؛ لأن هذه هي قاعدة انطلاق الفضيلة لديهم، وعليها يكون تعاملهم مع الحياة فيما بعد، ونحن نعلم أن الإسلام قائم على المحبة بين العبد ومولاه، والمؤمن وبنيه، والمؤمن مع أخيه.

نريد الأم التي تعامل أولادها بمنطقية وحكمة، مع إيمانٍ واتصال بالله تعالى، فيرثون ذلك منها ويجعَلونه في شخصياتهم.

نريد الأم التي تضع نصب عينيها تهيئة أبنائها لنصرة الإسلام ورفعة رايته، وتكون خلفهم مشجعة تشد من أزرهم وتحفز هممهم؛ كالخنساء التي رافقت أبناءها في خيمة القتال يوم القادسية، وهي تشجعهم وترفع معنوياتهم.

نريد الأم التي تربي أولادها التربية النفسية المتكاملة، فتعلمهم ضبط سلوكهم، وضبط انفعالاتهم العامة، وانفعالاتهم مع والديهم وإخوتهم، ومَن هم أكبر سنًّا لتحقيق الأمن الانفعالي.

نريد الأم التي تشجع أبناءها ليتعودوا الثقة بالنفس، وتشعرهم بالأمان والاطمئنان ليتعلموا الثقةَ بالآخرين، وتشعرهم بالصداقة لهم ليتعلموا أن يكتشفوا المحبة، فإذا عاشوا في جو من الرضا والقبول عرفوا شخصيتهم.

نريد الأم التي تعتني بأوقات فراغ أطفالها، وتُنمِّي فيهم ما يوسع خيالهم ومداركهم، بقصص الأنبياء وقصص القرآن والسنة والسيرة النبوية، وغزوات الرسول عليه الصلاة والسلام وسيرة أصحابه مِن بعده، والتابعين والفاتحين على امتداد تاريخ الإسلام العظيم، وبذلك تعدهم إعدادًا متكاملًا، وتنبتهم نبتًا طيبًا ليؤدوا دورهم في الحياة، فطفل اليوم سيصبح رجلًا وأبًا، وطفلةُ اليوم ستُصبح امرأةً وأمًّا.

نريد الأم التي تؤمن لأطفالها طفولة خالية من الخوف والفزع، والاشمئزاز والتذمر، والجدل والمشاحنة؛ ليعيشوا بسلام وهم شبان وكهول وشيوخ؛ لأن البيت مدرسة الأخلاق، وأي مؤسسة تربوية لا تقوم الاعوجاج ما لم يبدأ التقويم من الأسرة: «كل مولود يولد على الفطرة؛ فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه» (3).

نريد الأم التي تستطيع أن تقوم على أبنائها قيامًا كاملًا؛ بحيث تخرجهم للمجتمع حاملين قيمهم الإسلامية، من غير أن يفقدوا روح عصرهم واستعدادهم له، ليكونوا عنصرًا فعالًا في المجتمع من أجل رقيه وتقدمه.

نريد الأم التي تربي بناتِها على الحياء، لا على الضعف أو الذل أو الخنوع، تُربِّيهن على أصول التربية وأساسياتها، وعلى حقوق الزوج وواجباتها نحوَه -فهي غدًا زوجة- وعلى حسن التعامل والأدب والاحترام -فهي غدًا داعية تتعامل مع الآخرين- وعلى الحجاب والحياء - فهي غدًا امرأةٌ فاضلة.

نريد الأم التي تعلم أبناءها تعليم محاكاة وتطبيق مع التوجيه، لا تعليم تلقين وحفظ مجرد.

نريد التي تخرج أعلامًا تضاء الدنيا بهم؛ كأم الإمام ابن حنبل تقول له: اذهب يا بني، أستودعك الله، فإنه لا تضيع عنده الودائع، وأم الإمام البخاري وأمهات الآلاف من العلماء والمجاهدين والأبطال، اللاتي نشَّأن أبناءهن على العزة والرفعة والسمو، وغَرَسْنَ في نفوسهم حب المعالي؛ مِن علم، وجهاد، ودعوة.

 فإذا كانت الأم موظفة فنريدها الأم التي لا يشغلها عملها خارج المنزل عن تربية أولادها ومتابعتهم وتوجيههم، الأم التي لا تعتمد على الخدم في رعاية أولادها وتوجيههم ومتابعتهم.

إنها الأم التي تجذب أبناءها إليها وإلى بيتها، وتشغلهم بما ينفعهم وينمي شخصياتهم، في زمن أصبح أصدقاء السوء يملؤون كل جانب، وفتن الدنيا تنتشر في كل ناحية.

فإذا كانت الأم كهذه التي نُريدها ويريدها المجتمع؛ حصلنا على جيلٍ واعٍ، سليم خالٍ من العُقَد والأمراض النفسية، وحصلنا على مجتمع ينعَمُ بالسعادة والأمن والاستقرار والراحة (4).

خطوات نحو المثالية:

من الممكن أن تقدم الأمهات على أتباع الخطوات التالية من أجل أن تصبح أمًا مثالية:

1- أن تنزل بمستوى تفكيرها من مستوى تفكير الأم إلى مستوى الأبناء، ومن الأفضل أن تبحث دائمًا في مخيلة الأطفال، والعمل على التعرف على ما يحلم به الطفل في المستقبل، هذا الأمر من الأشياء التي تساعد الأم على أن تقترب كثيرًا من الأطفال وتدخل في أعماقهم؛ ومن ثم زيادة القدرة على التواصل.

2- مساعدة الأطفال على ترتيب أوقاتهم خاصة أوقات اللعب والمذاكرة، والعديد من الأشياء الأخرى التي تساهم في زيادة تقدير الوقت من قبل الأطفال.

3- إظهار الحب والتفاعل مع الأطفال، وكلما زاد اقتراب الأم من الأطفال في المواقف التي يمرون بها في الحياة كلما تمكنت الأم من كسب ثقة الطفل بها؛ ومن ثم القدرة على الحديث معهم.

4- لا بد من الاهتمام بكافة الهوايات التي تخص الأطفال، مع العمل على تشجيعهم على القيام بها، وعدم كبت الأطفال، وعلى الأم ألا تفرض أي من الهوايات التي يفضلونها على الطفل؛ حتى لا يعاني من مشاكل نفسية، مع منح الطفل حرية الاختيار والتصرف في حياته تحت مراقبتها بما يهواه هو حتى إن كان عكس هوايات الأم.

5- على الأم ألا يتأثر حبها للأبناء حتى وأن أساؤوا لها، فالأم المثالية لا تتأثر بالمشاكل التي تتعرض لها مع الأطفال، فكل ما يحدث من طفل لا يتم الأخذ به؛ ولكن يجب التعامل مع المشاكل التي تمر بها الأم مع الأبناء بحكمة حتى لا تفقد حب وثقة الأطفال فيها (5).

صفات الأم الناجحة:

إن النجاح في تجربة الأمومة لا يكمن في إنجاب الأبناء فقط؛ بل يحتاج لوجود قدرات كبيرة لدى الأم تمكنها من تحمل مسؤولية الأطفال وتربيتهم بالشكل الأمثل؛ لهذا فإن الأم الناجحة تحمل الصفات التالية..

1- قوة الشخصية: شخصية الأم عامل أساسي للغاية في تربية الأبناء، ونستطيع أن تلمس سلوكيات من تعرفهم بالنظر إلى أمهاتهم، وكيف يتعاملون مع أبنائهن، وكيف يتعامل معهم أبنائهن.

قد يغلب الحنان على شخصية الأم، فتخشى على الأبناء في كل صغيرة وكبيرة، وتظن أن الشدة مرفوضة رفضًا كليًا، حتى لا تخسرهم، وهذا أكبر خطأ.

والشدة المفرطة في التربية هي التي تضيع الأبناء، ولكن الشدة المحسوبة المغموسة بالرعاية، والمتبوعة بالحنان هي المطلوبة.

2- الثقافة التربوية: المقصود بـ (الثقافة التربوية) هو أن تحسن اختيار الأوقات التي فيها تكون شديدة أو لينة، قاسية أو حنونة، تعاقب أو تتجاوز، وهكذا، أي أنها تعني التوازن في المعاملة، وهو نوع من الحكمة.

الثقافة التربوية هنا تساعدك على فهم سلوكيات الأبناء تجاه حدث معين، وكيفية التعامل مع الحدث في هذا الوقت تحديدًا.

3- الهدوء: فالأم الناجحة لا تجبر أبناءها على فعل شيء أو تحرمهم من شيء؛ دون أن تذكر لهم الأسباب وراء ذلك، وتناقشهم بكل هدوء وجدية، وهي تعلم أن الأمومة لا تعني فرض الأوامر دون إيضاح الأسباب لذلك، فإذا قامت بمكافأة طفلها تخبره عن السبب الذي دفعها لمكافأته، وإذا أرادت معاقبته كذلك الأمر، وهي تقوم بذلك بكل هدوء وصبر دون غضب وصراخ.

4- العطاء دون شروط: فالأم الناجحة هي التي تهب حياتها بكل ما فيها لعائلتها، تحب أطفالها دون شروط ودون أن تنتظر منهم ردًا، فهي لا تحبهم وتهتم وتعتني بهم في الصغر كي يهتموا بها عندما تتقدم بالعمر، وإنما تقوم بذلك فقط لأنها ناجحة وتقدس حياتها بوجود أبنائها، ومن ثم فهي تعمل وتعطي دون أن تنتظر أي مقابل مادي أو معنوي من أبنائها لقاء تعبها وسهرها إلى جانبهم.

وليس ذلك فحسب، بل إن الأم الناجحة أيضًا تغرس هذه الخصال في أبنائها، فهي تربيهم على العطاء ومحبة الآخرين وتقديم العون لهم دون شروط ودون انتظار مقابل.

5- القدوة الحسنة: الأم الناجحة هي التي لا تنه أبناءها عن فعل شيء وتقوم هي به، لذا عليها أن تعرف كيف تكون قدوة حسنة لأبنائها في كل شيء، بدءًا احترامها وتقديرها لنفسها ولهم، مرورًا بطريقة حديثها وسلوكها وتعاملها مع الآخرين باحترام ومحبة، وصولًا إلى كل ما تقوم به من تصرفات تمثل نمط حياتها.

كل هذه الأمور سيلاحظها الطفل ويقوم بتقليدها بقصد أو دون قصد، لذا فإن الأم الناجحة تحرص على أن تكون دومًا القدوة الحسنة لأبنائها في كل حياتهم.

6- احترام آراء أبنائها والاستماع لهم وإظهار الاهتمام بهواياتهم ونشاطاتهم: فالأم الناجحة هي التي تكون صديقة أبنائها وشريكتهم في تجارب حياتهم، تستمع لهم دومًا وتصغي لكل كلمة يقولونها بشكل جيد، وتساعدهم على حل مشكلاتهم بحكمة وعقلانية دون التسبب بضرر لأحد.

كما أنها تلاحظ دومًا اهتماماتهم وهواياتهم لتساعدهم على تقويتها وتنميتها، وتظهر الدعم لهم، ولا تقلل من أهمية ما يقومون به، وتحاول مفاجأتهم بهدايا تتعلق بتلك الهوايات حتى لو لم تكن هناك مناسبة لتقديم تلك الهدايا.

7- الصدق والعدل: الأم الناجحة هي التي تعدل بين أبنائها ولا تميز بينهم إطلاقًا، وهي أيضًا التي تعترف بخطئها ولا تتردد أبدًا في الاعتذار عما بدر منها.

وبذلك فهي توصل رسالة لأبنائها بأن الجميع قد يخطئ، لكن الشخص الجيد هو الذي يعترف بخطئه ويعتذر عنه دون أن يضطر للكذب والعناد (6).

7- التدين الصحيح: والتدين هنا ليس بمعناه السطحي الهامشي المتمثل في إقامة الشعائر فحسب؛ كالصلاة والصوم، ولكن المقصود به فهم أهمية ووضع الدين في الحياة، وأن تكون صحيحة العقيدة، حافظة لآي القرآن، مطبقة لما استطاعت من سنة الحبيب صلى الله عليه وسلم، يظهر عليها بوضوح وجلاء شعائر الدين، فيراها من يراها ويعلم أنها ملتزمة، فاهمة لدينها.

أن تكون الأم متدينة ليس اختيارًا هامشيًا، يُعامل معاملة الصفات والمواصفات العامة، فلا تساوي بين الدين وبين التعليم الجامعي، لأن البون شاسع بين هذين الاختيارين.

***

_____________

(1) أخرجه البخاري (5082)، ومسلم (2527).

(2) شرح النووي على مسلم (16/ 80).

(3) أخرجه البخاري (1358)، ومسلم (2658).

(4) الأم المثالية في الإسلام/ شبكة الألوكة.

(5) صفات الأم المثالية/ المرسال.

(6) الأم الناجحة عطف وحنان/ منتديات برسالة.