المثالية بين الأزواج
يعيش كثير من شباب وفتيات المسلمين على أمل أن يقترن بزوج يحيا معه حياة سعيدة، يملؤها الحب والحنان، والسكن والمودة، والألفة والرحمة، وكل المعاني الجميلة التي تخطر ببال الشاب والفتاة.
ويظل الفتى والفتاة يحلمان بكل القصص السعيدة للحياة الزوجية، التي تُحكى في الروايات والحكايات الأدبية، حتى إذا ما كتب الله لهما الاقتران برفيق الدرب، وأخذا في محاولة العيش في حياة مثالية؛ كالتي كان يتخيلها كل منهما، فإذا بهما يصطدمان بالواقع.
فالفتاة كانت تحلم بذلك الزوج الرومانسي، الذي يأتي في كل مساء بباقة الورد إليها، مع بعض الهدايا الرمزية التي تنتظرها بين كل حين وحين.
كانت تحلم بذلك الشاب الذي يتميز بالأخلاق الحسنة، وهدوء الأعصاب، وخفض الصوت، ولين الجانب، ومع كل هذا لديه من الوقت الكثير لكي يجعله لها، ويجلس معها، ويتبادلان أطراف الحديث.
والشاب كان يحلم بتلك الفتاة الحانية الهادئة، التي تتودد إلى زوجها بين الفينة والأخرى، وحينما يعود من عناء يوم شاق يجدها في انتظاره بتلك الابتسامة الرقيقة، وقد أعدت له الطعام، وهيأت له فراشه كي يستريح فيه.
هكذا يعيش الزوجان في بداية زواجهما، يريدان تطبيق أحلام اليقظة تلك في حياتهما الزوجية، لكنهما سرعان ما يصطدمان بحقيقة الواقع، فالزوج يأتي من عمله قد أنهكه الجهد، لم يجلب معه باقة الزهور، ولم يرفع سماعة الهاتف ليطمئن على زوجته خلال يومه الشاق، فقد كان مشغولًا جدًا، وهذا قد أثر على أعصابه، فأصبح متوترًا سريع الغضب لأقل الأمور، وبلغ الجهد مبلغه، فهو يريد الراحة، وليس لديه من الوقت ما ينصت فيه إلى زوجته.
والزوجة كانت في يوم منزلي حافل بالأحداث؛ من إعداد الطعام، إلى ترتيب الأثاث، وتنظيف المنزل، ثم محادثة الأقارب والأصدقاء هاتفيًا، أو من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، التي تستهلك جزءًا كبيرًا جدًا من وقت المرأة في المنزل، كل هذا يجعل الزوجة في حاجة إلى بعض الاسترخاء والهدوء، وقد يتوافق ذلك مع قدوم الزوج إلى المنزل، فيحتاج كل منهما إلى خدمة الآخر، وفي تلك اللحظة يشعر كلا الزوجين أن الحياة الزوجية المثالية، التي كان يحلمان بها، غير موجودة على أرض الواقع.
والحقيقة أن الحياة الطيبة بين الأزواج موجودة، ولكن ليس بالصورة المثالية التي يحلم بها الأزواج، فمن الممكن؛ بل ومن الواقع، أن يحدث بين الأزواج بعض الأمور التي تنغص عليهم الحب الكائن بينهم، وهذا ليس معناه تحول الحياة الزوجية إلى جحيم لا يطاق، وهنا يجب عليهم السعي وبذل الجهد في تخطي مثل تلك الأمور، وبعد هذا الجهد والسعي تتحول الحياة الزوجية إلى حياة طيبة، يملؤها السكن والمودة والرحمة.
في أحيان كثيرة قد يقل الحب بين الأزواج، وتشعر الزوجة بقلة اهتمام الزوج بها، وكذلك يشعر الزوج بقلة اهتمام الزوجة به، وهذا ليس معناه انتفاء الحب، وإنما هو مرحلة فتور يمر بها الحب الكائن بين الأزواج، وهنا لا بد أن يعلم الزوجان أن البيوت لا تبنى على الحب فقط، فهناك بيوت تبنى على الرحمة والعطف واللين والرفق، حتى وإن قل الحب بين الأزواج، كما قال تعالى: {فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء:19].
إذًا، فمن الوارد أن يحدث انتفاءٌ للحب بين الأزواج، ومع ذلك يخبرنا المولى عز وجل أن هذا ليس نهاية العلاقة الزوجية، إنما هناك الخير الكثير، فقد يختفي الحب بين الأزواج، ولكن تبقى الزوجة التي تهتم برعاية أبنائها، وكذلك رعاية زوجها، وتربية الأبناء على أفضل ما يكون، قد ينتفي الحب وتبقى الرحمة والعطف واللين والرفق.
عن ابن عزرة أنه أخذ بيد ابن الأرقم رضي الله عنه فأدخله على امرأته، فقال: أتبغضينني؟ قالت: نعم، قال له ابن الأرقم: ما حملك على ما فعلت؟ قال: كثرت عليَّ مقالة الناس، فأتى ابن الأرقم عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأخبره، فأرسل إلى ابن عزرة، فقال له: ما حملكَ على ما فعلتَ؟ قال: كثرت عليَّ مقالة الناس، فأرسل إلى امرأته، فجاءت ومعها عمة منكرة، فقالت: إن سألك فقولي: استحلفني، فكرهتُ أن أكذب، فقال لها عمر: ما حملكِ على ما قلتِ، قالت: إنه استحلفني؛ فكرهتُ أن أكذب، فقال عمر: بلى، فلتكذب إحداكن وَلْتُجْمِلْ، فليس كل البيوت تُبْنَى على الحب، ولكن معاشرة على الأحساب والإسلام(تهذيب الآثار، مسند علي بن أبي طالب، لابن جرير الطبري، (ص142).).
أي أن الأزواج إذا وجدوا بين أنفسهم هذا الشعور ببعد الحب بينهم، فليس الحل الوحيد هو الطلاق، وإنما المعاشرة الحسنة الطيبة، التي تنبع من أصل الإنسان وحسبه، وكذلك ما أمر به الإسلام من المعاشرة بالمودة والرحمة والسكن.
إن الحياة الخيالية، التي يعيشها الزوجان قبل الاقتران، هي التي تجعل الحياة الواقعية بعد الزواج جحيمًا لا يحتمل؛ ذلك لأنهما يعيشان مع أوهام بعيدة عن أرض الواقع.
نعم، إن الحب أمر ضروري لاستمرار ونجاح العلاقة الزوجية؛ بل هو من أهم الأمور، فبه تكون الراحة النفسية للزوجين، لكن عند انتفاء هذا الحب أو فتوره في فترة من الفترات، فلا بد من وجود الرحمة والعطف والصبر والتجمل؛ ومن ثَم يرى الأبناء والديهما على أكمل صورة، فينطبع في ذهنهم صورة الحب المتبادل بين الوالد والوالدة، رغم انتفائه أو قلته أو فتوره بينهما.
إن الحياة المثالية الحقيقية ليست هي الحياة التي تخلو من منغصات، ولكنها الحياة التي تتخطى تلك العوائق والمشاكل بجهد من الزوج والزوجة، حتى ولو ذهب الحب بينهما لبعض الوقت، وعلى قدر الجهد الذي يبذلانه لتخطي العوائق التي تعتريهما، يكون الناتج بعد ذلك عودة الحب وازدهاره، وكما قيل: الحياة الزوجية أشبه بقرص من العسل تبنيه نحلتان، وكلما زاد الجهد فيه زادت حلاوة الشهد فيه.