المرأة والعمل التطوعي
المرأة المسلمة في الصدر الأول للإسلام:
كانت المرأة المسلمة في صدر الإسلام ذات مكانة مرموقة، فهي مربية الأجيال، ومستشارة زوجها، وهي المتكلمة
بكل قوة في أمور بنات جنسها، وهي المعلمة حتى للرجال، وهي المطببة كذلك للمرضى والمعالجة للمرضى، وهي التي كانت تحمل هم الفقراء والمساكين فإن جاءها مال لم يغمض لها جفن حتى تنفقه عليهم، بل كانت كذلك هي المرأة التي تضحي بنفسها من أجل هذا الدين العظيم، ولا أدل على ذلك من موقف أسماء بنت أبي بكر الصديق في الهجرة النبوية المطهرة.
تلك هي المرأة المسلمة في عهد النبوة الأول، كانت رمز البذل والعطاء لهذا الدين، كانت تعيش لهذا الدين، لأجل نصرته ورفعته، وهي بذلك لا تنتظر ثناءً من أحد، ولا عطاءً من أحد؛ بل كان كل ذلك لوجه الله تعالى، وهذا هو العمل التطوعي.
ولا أدل على ذلك مما فعلته أسماء بنت أبي بكر، رضي الله عنهما، في حادثة الهجرة، حيث تأتي إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وإلى أبيها بالغذاء، معرضة نفسها للخطر.
وأيضًا ما كانت تفعله أم المؤمنين عائشة، رضي الله عنها، من تطبيب الجرحى وعلاج المرضى، وتعليم العلم والفتيا.
وكذلك ما فعلته زوجة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، حين أتاها فأخبرها بأن هناك من يحتاج إلى المساعدة، وأن هناك امرأة في المخاض، فما كان منها إلا أن لبت النداء ابتغاء وجه الله.
هكذا كانت المرأة المسلمة في العمل التطوعي، سباقة إليه، مسارعة فيه، حتى تحقق فيه قول المولى، عز وجل: {أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ} [المؤمنون: 61].
ضوابط العمل التطوعي للمرأة المسلمة:
وهكذا أيضًا لابد أن تكون المرأة المسلمة المعاصرة، أن تكون فاعلة في العمل التطوعي، وأن تكون عنصرًا قويًا في العمل الخيري؛ لكن في هذا العصر الذي كثرت فيه الفتن، والتبس فيه الحق بالباطل، كان لابد من جعل ضوابط لهذا العمل التطوعي للمرأة:
أولًا: ألا يؤثر العمل التطوعي على رسالة المرأة الأولى والسامية، ألا وهي التربية وبناء الأجيال، ذلك لأن المرأة مسئولة في بيتها وهي مسئولة عنه، كما قال صلى الله عليه وسلم:»كلكم راع ومسئول عن رعيته، فالإمام راع وهو مسئول عن رعيته، والرجل في أهله راع وهو مسئول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسئولة عن رعيتها«(1)، فعلى المرأة أن تولي تلك المسئولية جل اهتمامها؛ لأنها مسئولة عنها أمام الله، وكذلك لعظم تلك المهنة فلا تترك الأجيال القادمة لأفلام الكرتون، وألعاب الفيديو، والصحبة السيئة خارج المنزل.
(وتستطيع المرأة التي تريد أن تساهم في العمل التطوعي أن تتوافق مع هذا الضابط إذا ما نظمت عملها، ففرغت عدة ساعات في اليوم أو الأسبوع بما يناسب ظروفها، فتعمل في بيتها دون أن تهمل أي شيء من مهامها الأسرية، ثم تتفرغ عدة ساعات في اليوم أو الأسبوع وفق قدرتها، وظروفها للعمل التطوعي)(2).
ثانيًا: ألا تعمل عملًا فيه محذور شرعي، كالاختلاط، والتبرج، والخلوة:
لقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب: 59].
ولقوله، صلى الله عليه وسلم: «إياكم والدخول على النساء» فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله، أفرأيت الحمو؟ قال: «الحمو الموت»(3).
وعن أبي معبد، قال: سمعت ابن عباس، يقول: سمعت النبي، صلى الله عليه وسلم، يخطب يقول: «لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم»، فقام رجل، فقال: يا رسول الله، إن امرأتي خرجت حاجة، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، قال: «انطلق فحج مع امرأتك»(4).
(ففي هذه الأدلة السابقة وغيرها تصريح بعدم التبرج، وبعدم إجازة الدخول على النساء، وعدم الخلوة مع المرأة الأجنبية إلا مع ذي محرم حفاظًا على الأعراض، ووقاية من القيل والقال والفتن.
وتستطيع المرأة أيضًا عدم مخالفة هذا المحظور إذا ما عملت بالجمعيات التطوعية النسائية، والتي تراعي هذا الشرط وفق الأصول الشرعية المعتبرة.
ثالثًا: أن يتوافق عملها مع طبيعتها الأنثوية، فقد أثبتت الدراسات الطبية أن كيان المرأة النفسي والجسدي الذي خلقه الله، عز وجل، على هيئة تخالف تكوين الرجل, وقد بني جسم المرأة ليتلاءم مع وظيفة الأمومة ملائمة كاملة, كما أن نفسيتها قد هيئت لتكون ربة أسرة، وسيدة بيت, وقد كان لخروج المرأة إلى العمل وتركها بيتها، وأسرتها نتائج فادحة في كل مجال)(5).
مجالات العمل التطوعي للمرأة المسلمة:
(إن دور المرأة في العمل التطوعي يتعدد ليشمل المشاركة في الجمعيات الخيرية التطوعية، علمًا بأن أهم النشاطات التي تقوم بها هذه الجمعيات هي النشاطات الاجتماعية المتنوعة، مثل تقصي أحوال الأسر والأفراد ذوي الحاجة، وتقديم المساعدات لهم، والمشاركة في الأسواق والأطباق الخيرية التي يستفاد من ريعها في تمويل المشاريع الخيرية، وإن كانت المرأة من ذوات المؤهلات العلمية المتخصصة، فيمكنها المشاركة بإقامة محاضرات ودروس توعية للمرأة خاصة في الناحية الدينية، أو التدريس في مراكز تحفيظ القرآن الكريم)(6).
فوائد العمل التطوعي:
أولًا: قال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 133، 134].
ففي هذه الآية الكريمة وعد الله، عز وجل، المسارعين بأعمال الخير بجنة عرضها السماوات والأرض، وكذلك وصفهم بأنهم أهل التقوى والإحسان، ثم بشرهم بأنه يحبهم، والله يحب المحسنين.
ثانيًا: قال تعالى: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 114].
في الآية الكريمة بيان أن كثير من كلام الناس وحواراتهم لا خير فيها إلا ما كان دائرًا حول نفع الناس وإصلاح ما بينهم، ووعد الله، عز وجل، من فعل ذلك مبتغيًا به وجه الكريم بالأجر العظيم، والثواب الجزيل، والعطاء الكثير.
ثالثًا: قال صلى الله عليه وسلم: »أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله، عز وجل، سرور يدخله على مسلم، أو يكشف عنه كربة، أو يقضي عنه دينًا، أو تطرد عنه جوعًا، ولأن أمشي مع أخ في حاجة، أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد، يعني مسجد المدينة، شهرًا، ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظه، ولو شاء أن يمضيه أمضاه، ملأ الله قلبه رجاء يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى تتهيأ له، أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام«(7).
هذا الحديث يدلل على أن المتطوع في العمل الخيري هو من أحب الناس إلى الله، عز وجل، وكذلك العمل التطوعي الذي يمارسه المتطوع هو من أحب الأعمال إلى الله، عز وجل، ثم بين لنا النبي، صلى الله عليه وسلم، بعض مجالات العمل التطوعي، ثم أعطانا الهدية الكبرى بعد محبة الله، عز وجل، ألا وهي الثبات يوم تزول الأقدام.
أختي المسلمة: إن العمل التطوعي هو من صميم دعوة الإسلام، وهو أمر المولى، عز وجل: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } [المائدة: 2]، وجعل له المولى، عز وجل، الأجر العظيم، والثواب الجزيل، لكن كل هذا إذا اقترن بالأداء الصحيح، الذي لا تتداخل فيه الأولويات، ولا نتنازل فيه عن الثوابت، والذي يتلاءم مع طبيعة المرأة الخِلقية، حينها تكون الثمرة المرجوة بإذن الله، عز وجل، مثلما شبهنا النبي، صلى الله عليه وسلم: «إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا» وشبك أصابعه(8).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
صحيح البخاري (2409).
تطوع المرأة المسلمة، الضوابط والمجالات، للدكتور مسلم اليوسف.
صحيح البخاري (5232).
صحيح مسلم (1341).
تطوع المرأة المسلمة، الضوابط والمجالات، للدكتور مسلم اليوسف.
العمل التطوعي صدقة في الإسلام، لهدى محمد نبيه.
سلسلة الأحاديث الصحيحة، للألباني (906).
صحيح البخاري (481).