إدمان الطفل الألعاب الإلكترونية
مع التطور التكنولوجي المتسارع، والانفتاح الإعلامي الرهيب الذي نشهده اليوم؛ حيث أصبح الطفل الصغير يمتلك هاتفًا محمولًا خاصًّا به، يستطيع من خلاله تصفح كافة المواقع الإلكترونية التي يريدها، وتنزيل جميع الألعاب الإلكترونية التي يرغب باللعب بها، ومتابعة كل من يستخدم هذه الألعاب والتواصل معهم، وتبادل المعلومات والحديث مع الغرباء الذين لا يعرفهم أو يعلم نياتهم وحقيقتهم؛ ففتح أبوابًا كثيرة أمام الأطفال، وسهل أمورًا كانت صعبة قبل هذه الأزمنة، وهذا بحدِّ ذاته لا يشكِّل أيَّ مشكلة.
وتكمُنُ المشكلة في ظل غياب الرقابة على هذه الأجهزة والألعاب التي يلعبها الأبناء، وعدم متابعة المواقع التي يزورونها لمعرفة هل تصب في مصلحة الطفل أو العكس، وترك الحبل على الغارب دون رقيب أو توجيه من الآباء؛ بسبب انشغالهم وبُعْدِهم عن الأبناء، فتحولت هذه الأجهزة الصغيرة في أيدي أطفالنا قنبلةً موقوتة خطيرة الانفجار، قد تتسبب لهم بآثار اجتماعية ونفسية وعقلية خطيرة جدًّا على المدى البعيد، إذا لم نتدارك الأمر، ونقف على الداء، ونبحث عن حلول قبل أن يصل أبناؤنا إلى مرحلة الإدمان التي يصعب معالجتها فيما بعد.
فهذه الألعاب لم تَعُدْ للتسلية أو الترويح عن النفس، بل أصبحت أسلحة موجَّهة بعناية دقيقة لإفساد أبنائنا، تقف وراءها منظمات عالمية مشبوهة، ودول كبرى معروفة، ونوادٍ لها توجُّهات فكرية خطيرة، والهدف منها تغيير سلوكيات الأبناء، وتوجيه تفكيرهم، ونظرتهم للحياة وبناء المجتمعات بناءً يتوافق مع مبادئهم وقِيَمِهم التي يسْعَون لنشرها؛ بحيث تتماشى مع أهدافهم وخططهم الشيطانية المدمِّرة للأسرة والناشئة، والسيطرة على العالم وتدميره.
ومع انتشار هذه الألعاب بدأت بوادر ظهور أجيال يعانون من أمراض نفسية وعقلية مختلفة، ويتصرفون بعدوانية شديدة، ويمارسون سلوكياتٍ غريبة لم تكن موجودة من قبل في مجتمعاتنا، ولا تتناسب مع ديننا الحنيف، فتارة يعرضون عليهم مشاهد إباحية أو سلوكيات منحرفة، ومشاهد خطيرة تدعو إلى العنف والقتل؛ فيصبح الطفل تابعًا لهم منعزلًا عن محيطه وعائلته؛ ومن ثَمَّ يسهل السيطرة عليه، وغرس الأفكار الهدَّامة في نفسه، وهل يأكل الذئب إلا من الغنم القاصية.
لذا لا بد أن نتدارك الأمر، ونقف في وجه هذه المشكلة التي باتت تؤرِّق الآباء، وتسبِّب لهم قلقًا مُفزِعًا لما يسمعون عن خطرها، وشدة تأثيرها على الأبناء، حتى إن بعض هذه الألعاب قد تؤدي بهم إلى ارتكاب الجرائم، واقتحام المحظور، ومخالفة العرف السائد في المجتمع.
ومن هنا فإننا ندق ناقوس الخطر، لمعرفة مدى تأثير هذه الألعاب على أفكار أبنائنا، وندعو الحكومات ومراكز الإصلاح والأسرة وأولياء الأمور إلى تسليط الضوء على تلك الألعاب، وبيان مدى تأثيرها وخصوصًا على الناشئة الصغار، وتنبيه أولياء الأمور بهذه الأمور الفظيعة التي تقتحم خصوصيات أبنائهم، وتحاول الولوج إلى أفكارهم وتغيير قناعاتهم، وغرس أفكار جديدة في عقولهم، ولعل الأمر يبدو فيه صعوبة في ظلِّ هذا الانفتاح الرهيب، والقرية العالمية الواحدة (1).
أعراض إدمان الألعاب الإلكترونية:
- تزايد الوقت الذي يقضيه الطفل في لعب الألعاب الإلكترونية:
كما يتحول الاهتمام بممارسة هذه الألعاب إلى هوس، لدرجة أن الطفل لا يهتم بشيء آخر غير لعبته المفضلة، فإذا وجدت أن طفلك يبحث عن معلومات حول لعبة ما، أو يشتري منتجات تحمل علامة اللعبة، ولا يتحدث إلا عنها؛ فقد تكون هذه علامة على إدمانه هذه اللعبة.
- الكذب بشأن اللعب بالألعاب الإلكترونية:
يقع الكثير من الأهل في خطأ ترك الألعاب الإلكترونية في غرفة أطفالهم بعيدًا عن مراقبتهم، فيقضي الطفل ساعات طويلة باللعب بهذه اللعبة، ويدعي الكثير من الأطفال بأنهم يدرسون أو يقرءون في غرفهم، وهم بالفعل يمارسون لعبتهم المفضلة سرًا، إذا كذب طفلك عليك بشأن عدد الساعات التي يقضيها أمام لعبة الفيديو فعليك الحذر، حيث أن هذه علامة من علامات إدمان الألعاب الإلكترونية.
- التفكير باللعب بهذه الألعاب أثناء القيام بنشاطات أخرى:
إذا وجدت طفلك سارحًا يفكر في كيفية تخطي المرحلة القادمة من لعبته المفضلة، أو قلق بشأن "بابجي" بينما تقومون بنزهة عائلية أو بينما يتناول طعامه، فعليك الحرص حيث أن هذه علامة من علامات الإدمان على الألعاب الالكترونية.
- الانعزال وعدم مخالطة أفراد الأسرة والأصدقاء:
يصل الأطفال الذين يعانون من هذا النوع من الإدمان إلى قناعة راسخة بأن العلاقات في الحياة الواقعية ليست حقيقية، ولا يوجد حقيقة إلا في العلاقات التي يكونها من خلال ممارسة لعبته المفضلة، لذلك يفضل الأطفال الذين يعانون من هذه الحالة الابتعاد عن الآخرين والتواصل مع من يمارسون هذه اللعبة عبر الانترنت فقط.
- التخلي عن ممارسة نشاطات أخرى:
يقوم الأطفال والمراهقون الذين يعانون من إدمان الألعاب الإلكترونية بالتوقف عن ممارسة الرياضات والنشاطات الأخرى التي اعتادوا القيام بها، والتفرغ للعب بلعبتهم المفضلة فقط، بالإضافة إلى الإهمال بالدراسة، وحتى الاهتمام بالمظهر والنظافة الشخصية.
- العصبية وتعكر المزاج، وأحيانًا الاكتئاب:
تبين أن الأطفال الذين يمنعهم أهلهم من ممارسة ألعابهم الإلكترونية، تبدو عليهم أعراض مرضية خطيرة؛ مثل الاكتئاب والعصبية، حيث يركز الطفل تركيزه على كيفية استعادة امتيازاته السابقة واللعب بألعابه الإلكترونية.
لقد بينت الدراسات أن إدمان الالعاب الإلكترونية بين الصبيان أكثر منه بين البنات، كما أنه منتشر بين الأطفال الذين يعاون من ثقة ضعيفة بأنفسهم، ومشاكل في تشكيل صداقات، وضعف في المهارات الاجتماعية (2).
أضرار شاشات الأجهزة الإلكترونية على الأطفال؟
– نقص في النوم:
عندما يستخدم الأطفال الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية لوقت طويل، سيكون ذلك على حساب ساعات نومهم، يحتاج الطفل من 10 إلى 12 ساعة من النوم لينمو بشكل سليم، ولكن إذا تركت طفلك في غرفته برفقة جهاز إلكتروني، فغالبًا لن ينام حتى وإن قمت بإطفاء الأنوار.
وأثبتت الأبحاث بأن الإضاءة الصادرة من شاشات الأجهزة الإلكترونية لها نفس تأثير الكافيين، فهي تبعث إشارات للدماغ ليبقى مستيقظًا بدل من أن يسترخي وينام.
- تحفز ردود الفعل الناجمة عن الإجهاد:
يواجه الأطفال الذين يستخدمون الأجهزة الإلكترونية صعوبة في السيطرة على الإجهاد والتحكم بمزاجهم، فهم يصابون بفرط في التحفيز من كثرة التعرض لشاشات هذه الأجهزة، لقد أثبتت دراسات حديثة بأن الأطفال الذين يقضون أكثر من ساعتين أمام الشاشات يواجهون مشاكل نفسية أكثر من أولئك الذين يقضون وقت أقل.
- استهلاك الطاقة العقلية:
إن المؤثرات المرئية والإدراكية العالية تستهلك الطاقة الاحتياطية في عقل الأطفال، فالألعاب الإلكترونية التي تتميز بالمحتوى السريع والعنيف، تسبب مشاكل في الانتباه وزيادة في القلق عند الأطفال، كما أن هذه الألعاب تسبب ارتفاع شديد في الدوبامين في الدماغ مما تسبب في الإدمان وانعزال الطفل عن الواقع.
فالوقت الطويل أمام الشاشات سيؤدي إلى إعاقة نمو القدرات التي يظن الأهل أنهم ينمونها من خلال هذه الأجهزة، وتسبب الأجهزة الإلكترونية ضررًا في قدرات الطفل على التركيز والانتباه، والإحساس بالآخرين والتواصل معهم، وتكوين مفردات لغوية.
- صعوبة في تكوين صداقات:
سيعجز الطفل الذي يقضي ساعات طويلة من يومه في مشاهدة التلفزيون، أو اللعب بالألعاب الإلكترونية عن تكوين صداقات حقيقية، فهو لن يعرف شعور التواصل الإنساني، ولن يكون قادرًا على القيام بمحادثة حقيقية مع أشخاص حقيقيين، كما أن نشاطه البدني سيتراجع بشكل كبير مما يعيق نموه الجسدي بشكل سليم، هؤلاء الأطفال يعانون من نقص كبير في المهارات والآداب الاجتماعية، وهم يجدون صعوبة في التعامل في العلاقات الإنسانية الحقيقية.
- السمنة عند الأطفال:
فالأطفال يجلسون بدون حراك لساعات طويلة يستخدمون هذه الأجهزة، كما أنهم لا يقومون بالكثير من النشاطات البدنية ويشاهدون دعايات للأطعمة الغير صحية بسبب مشاهدتهم التلفزيون لساعات طويلة، فيستهلكونها بكثرة ويصابون بالسمنة.
والسمنة عند الأطفال أمر خطير؛ لأنها مرتبطة بالإصابة بالسكري وأمراض القلب، ويصحب ذلك كسل شديد وخمول واضطراب في النوم، ما يجعل الطفل يدخل فترة المراهقة، وهو لا يرغب في العمل أو الإنتاج، لفقدانه المقدرة على التفكير الحر، وانحسار العزيمة والإرادة، وعدم التعامل مع الناس، وربما يصاب بالرهاب الاجتماعي، وغيرها من اضطرابات القلق العام.
- مشاكل بصرية:
إن الإشعاعات الإلكترو مغناطيسية الصادرة عن الأجهزة الإلكترونية، ضارة بالجميع بما فيهم الأطفال، فالإضاءة الصادرة من شاشات هذه الأجهزة تسبب الأذى والإجهاد للعينين، لأن التركيز على الشاشات سيسبب الألم، وفرط في الدموع، واحمرار العينين، ومن المهم جدًا إبعاد الأجهزة من بين أيدي الأطفال في الليل لتفادي حدوث أضرار خطيرة في البصر في المستقبل.
- آلام وأوجاع:
عندما يقضي الطفل وقتًا طويلًا في استخدام حاسبه اللوحي أو هاتفه الذكي، فهو سيستخدم رأسه ورقبته، ورسغيه بزوايا خاطئة لوقت طويل، مما سيتسبب له بالأوجاع والآلام؛ ومنها آلام الظهر والمعصم، وإجهاد العين، والصداع، والضغط النفسي، والإرهاق البدني.
كما أن وضعية جلوس الأطفال غير المريحة، ولفترات طويلة، قد يؤدي إلى حدوث شد عضلي في الظهر والكتف، فضلًا عن شعورهم بالتعب الشديد والإرهاق، وما قد يصاحبه من ضعف حركة الدورة الدموية، والضغط على العضلات والمفاصل:
- التغيرات السلوكية:
هناك الكثير من العنف واستخدام القتل والأسلحة في العديد من الألعاب الإلكترونية التي يلعبها الأطفال اليوم، وهذا سيضر بعقولهم الصغيرة ويؤدي إلى فسادها؛ مثل هذه الألعاب ستؤدي إلى أن يصبح الأطفال غير متسامحين، وعصبيين ونزقين، كما أن العلاقات التي يطورها الأطفال في العالم الافتراضي عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتي تستغل جزءًا من حياتهم في عمر صغير، ستفرض القوة على عالمهم الحقيقي وستسبب صدمة كبيرة للأطفال.
كما أن قضاء ساعات طويلة أمام الهواتف الذكية، وألعاب الإنترنت دون مراقبة من الأسرة يزيد مخاطر الانطوائية والعدوانية والعزلة لدى الأطفال، ويتطور لأمراض نفسية وعصبية، بحيث لا يكون من السهل عليهم تكوين علاقات اجتماعية، حيث تنمو لديهم شخصيات غير واقعية، أو افتراضية، تختلف عن شخصياتهم الحقيقية، والهرب من الواقع، مع إطلاق الرغبات الدفينة والتفريغ الانفعالي من كبت وعدوانية وغضب، بعيدًا عن القيود الاجتماعية، ما يؤدي إلى توهم الألفة الكاذبة.
تحدثي مع طفلك إذا كان يقضي وقتًا طويلًا أمام شاشات الأجهزة الإلكترونية، واشرحي له أضرار هذه الأجهزة واستخدامها لساعات طويلة، حددي لطفلك وقتًا أقصر لاستخدام هذه الأجهزة وسوف تجدين تحسنًا كبيرًا في مزاجه وقوة تركيزه (3).
فمن الصعب حرمان الأطفال من هذه الأجهزة أو حجبها عنهم، ولكن ندعو إلى تقنين استعمالها والرقابة عليها، وتوجيه الأبناء إلى الاختيار الصحيح منها، وكما قيل: ما لا يُدرَك كله لا يُترَك جُلُّه، فلا بد أن نقلل من خطرها قليلًا، وذلك خير من أن نتركها تهدم ما بنيناه، وتأخذ منا أغلى ما نملك؛ أبناءنا، فهم الذين نُعَوِّلُ عليهم في بناء المستقبل، وصناعة المجد والحضارة لأمتنا، فإذا ضاع الجيل تبدَّدت تلك الأحلام، وانهدم ذلك الطموح العظيم، ولعل الآباء يجدون صعوبة في ذلك، وهذا لا بد منه، فالأمور العظيمة لا بد أن يكون معها شيء من الجهد والتعب؛ فالله سبحانه وتعالى عندما أمر نبيه عليه الصلاة والسلام أن يأمر أهله بالصلاة، ذكَّره بالصبر؛ {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} [طه: 132].
الأمر يحتاج إلى مصابرة، وإنه ليس بمجرد أن تأمرهم سيمتثلون أمرك، ولكن لا تيأس واصبر وجاهد، فإن صلح حالهم، كنتَ مأجورًا عند الله، وإلا كنتَ معذورًا أمام الله، فقد أدَّيتَ الذي عليك، وليعلم الآباء أن تضييعهم للأبناء إثمٌ عظيم وخسارة فادحة؛ فقد قال عليه الصلاة والسلام: «كفي بالمرء إثمًا أن يضيِّعَ من يعول» (4)، فيا له من ذنب! وما أعظمها من خسارة! أن ترى أبناءك يضيعون من بين يديك؛ بسبب إهمال كان من الممكن أن تتجاوزه بأفعال بسيطة، تحفظ أبناءنا، وتمنع أيادي الشر من الوصول إليهم، والعَبَثِ بعقولهم.
كما نشير إلى ضرورة التحكم في الأجهزة الإلكترونية بالمنزل، عبر تفعيل رقم سري، لمنع الأطفال من استخدام الأجهزة الذكية في اللعب من دون علم الوالدين، ما يساعد على التحكم في الوقت الذي يتم تحديده، ومراقبة نوعية التطبيقات والألعاب، مشيرين إلى أنه في حال ملاحظة الوالدين انجذاب الطفل للعبة معينة، يمكن إحضار مجسم للعبة نفسها للطفل للانشغال بها، والابتعاد عن اللعبة الإلكترونية.
وسوف أعرض بعض الوسائل التي تساعد الآباء في حماية أبنائهم من خطر هذه الألعاب، وتقلل من آثارها الخطيرة عليهم؛ لعلها تكون عونًا لهم في مواجهة هذه الكارثة التي لم يَسْلَمْ منها بيت، والتي بجهلنا نساهم في تفشِّيها وانتشارها واستفحالها في المجتمع عن طريق إعطاء الأبناء هذه الأجهزة في أعمار صغيرة جدًّا، بلا رقابة أو متابعة، واعتقادنا أن هذا من باب إسعادهم، ومواكبتنا للعصر، أو من باب التخلص من مشاكلهم ومشاكستهم في بيوتنا، وما أصبنا الهدف في ذلك، ولا سلكنا الطريق الصحيح بتفكيرنا هذا أبدًا، بل زدنا المشاكل في بيوتنا، وساهمنا في تدمير أبنائنا من حيث لم نقصد.
وسائل مواجهة الظاهرة:
وهذه الوسائلَ من الممكن أن تساعدنا في مواجهة هذه الظاهرة، والحد من أثرها على أبنائنا.
1- استشعار المشكلة: فإذا استشعر أولياء الأمور أن هناك مشكلة، قادهم ذلك إلى البحث عن أسبابها وحلولها، والذي أراه أن أغلب أولياء الأمور لا يرى في إعطاء هاتفه للطفل الصغير، واللعب بألعاب قد لا تناسب عمره؛ أيَّ بأس، وهذا في حقيقة الأمر مشكلة؛ إذ كيف يبحث عن حلٍّ مَن لا يرى هناك مشكلة أصلًا، ولن يكون هناك استشعار لهذه المشكلة إذا لم يكن هناك توعية للآباء بحقيقة هذه الألعاب وخطرها، واطِّلاعهم على البحوث التي تُنشر، والمقالات التي تُكتب لبيان ذلك الأمر، فتضافر الجهود وتكاتف الجميع لمحاربة هذه الألعاب الدخيلة المفسدة أمرٌ مهمٌّ، ومقصد نبيل، ويكون ذلك بإقامة الندوات لتوعية الآباء والأمهات، ونشر الدراسات والبحوث التي تحذر من ذلك في المجلات والجرائد والقنوات المتلفزة، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة؛ لرفع الوعي، وتنبيه الخامل، وتعليم الجاهل بها.
2- الرقابة على ما يطَّلع عليه الأبناء من ألعاب أو مواقع: فأغلب الأبناء عندما يرى ضعف الرقابة من الوالدين، فإنه قد يَلِجُ إلى مواقعَ لا تناسبه، وتعرض أمورًا قد يكون لها آثار سلبية كبيرة عليه، ونتائج خطيرة على حياته؛ لذلك نحن نقول: إن الآباء مسؤولون عن أبنائهم، وهم مأمورون شرعًا بحفظهم عن كل ما يضرهم في حياتهم، فكيف بأمر يؤثر على كل مناحي حياتهم؟ يقول عليه الصلاة والسلام: «كلكم راعٍ ومسئول عن رعيته؛ والرجلُ راعٍ في أهله وهو مسئول عن رعيته» (5)، وليس معنى الرقابة كما يفهمها البعض أن يقف الآباء على رؤوس أبنائهم يراقبونهم كل لحظة، ويكونون معهم كل دقيقة، فهذا مما يُشْعِرُ الأبناء بعدم الثقة، ويرسم صورة في ذهن الأبناء أن الآباء لا يثقون به، وأنهم يتجسسون عليهم ويراقبونهم، فيحاولون التَّنصُّلَ من هذه الرقابة، والابتعاد عن أعينهم، ولكن قد تكون بوضع البرامج الرقابية التي تمنع دخولهم لهذه المواقع التي تضرهم، أو تصفحهم لِما يكون فيه خطرٌ عليهم في سلوكهم أو أفكارهم.
3- مشاركة الأبناء في ألعابهم التي يلعبون بها: فهذه الثقافة شبه منعدمة في مجتمعاتنا العربية؛ وذلك للظن السائد وهو أن مشاركة الأبناء اللعِبَ لا يتناسب مع مكانة الأب ومنزلته، وهذا من الخطأ الذي صحَّحه لنا نبينا عليه الصلاة والسلام؛ فهو قدوتنا، وقد كان عليه الصلاة والسلام يشارك الأبناء اللعب، وهو من هو صلى الله عليه وسلم، عن عائشة، قالت: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أتقبلون الصبيان؟ فما نقبلهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وما أملك لك أن نزع الله الرحمة من قلبك» (6).
فاللعب مع الأبناء ومشاركتهم هديٌ نبويٌّ رفيع، وأسلوب تربوي ناجح في كسب الأبناء، وكسر الحواجز معهم، ولو نظرنا إلى مجتمعات الغرب، لوجدنا أن الآباء يتشاركون مع أبنائهم في كل شيء، حتى في الألعاب التي يمارسها الأبناء، وهذا مما يحبِّب الأبناء إلى الآباء؛ فيكون الأب بمثابة الصديق لابنه؛ ومن ثَمَّ تقوى العلاقة وتترسخ الصلة بين الأبناء والآباء.
4- عدم إعطاء الطفل تليفونًا خاصًّا به: وإنما يكون هناك هاتف عامٌّ يتشارك فيه الجميع، أو هاتف الأب، أو الأم، بحيث إذا احتاج الابن للعب، فإنه يُعطى تليفون الأم أو الأب؛ ومن ثَمَّ يكون أكثر حرصًا على عدم الدخول إلى مواقع مسيئة، أو تصفُّحِ أمور مُخِلَّةٍ مثلًا، وهذا الأمر مهم جدًّا أن يتنبَّهَ إليه الآباء؛ فهو يجعل الأبناء أكثر حرصًا على انتقاء ما ينفعهم، ويكون الأمر مكشوفًا واضحًا للآباء، فلا يفكر في أمر قد يكون فيه ضرر أو رَيْبٌ، ويسهُل على الآباء معرفة الألعاب والمواقع التي يتردد عليها الأبناء وحصرها، ثم يأتي دور التعزيز له إن كانت نافعة، أو النصح له إن كانت لا تناسبه، أو تسبِّب الضرر له.
5- ملء أوقات الفراغ للطفل بأمور هادفة وأعمال مُحبَّبة: فأغلب الأطفال عندما لا يجد عملًا يشغله، أو هواية يمارسها، ويجد وقتَ فراغٍ في حياته؛ فإنه يحاول ملء هذا الفراغ عن طريق هذه الألعاب الإلكترونية، والدخول للعالم الافتراضي، وهنا يأتي دور الآباء في تنويع الأنشطة المُقدَّمة للطفل، وإدخال برامج حركية وأنشطة عملية، تساهم في تنمية جوانب الإبداع عند الأطفال، وقد يكون الخروج معًا لممارسة بعض الهوايات أو التنزُّه في إحدى الحدائق، أو زيارة الأهل والأقارب، أو التسوق وشراء حاجيات المنزل؛ بحيث يشعر الطفل بأهميته وأنه أحد الأفراد المؤثرين في الأسرة؛ أمرًا قد يساهم في إبعاد الأبناء عن مثل هذه الألعاب الإلكترونية، ولو لوقت قصير، والمتأمل يدرك أن أطفال القرى النائية والبلدان البعيدة يكونون أقوى شخصية، وأكثر انفتاحًا على الآخر، وأكثر ذكاء من أبناء المدن؛ وما ذلك إلا لبُعْدِهم عن هذه الشاشات التي تُعلِّم الطفل التَّبَلُّدَ والانزواء، وتفرض عليه نمطًا معينًا في الجلوس والحياة، وكأنه في صندوق لا يستطيع مغادرته، أو الحركة خارج الإطار المرسوم له.
6- أن يكون لدى الآباء ثقافة عامة في هذه الأجهزة: فإذا وجدوا لعبة في هاتف الطفل يُفضَّل أن يقرؤوا عنها، ويبحثوا في محركات البحث أو المنصات التربوية التي تُعنَى بدراسة هذه الألعاب، وبيان خطرها وسلبياتها على الأطفال، ومن هذه المنصات الرائدة التي اطَّلعتُ عليها: منصة (قيِّم) التابعة لمسك الخيرية، والتي تُعِدُّ دراساتٍ تربوية على الألعاب الإلكترونية، وتُقيِّمها وفق معاييرَ تربويةٍ من حيث إيجابياتها، والسلبيات التي تنطوي عليها، وما هي الأعمار المناسبة لممارستها، ويستطيع ولي الأمر أن يستفسر عن لعبة ما، أو يرسل هذه اللعبة لهم، وهم يُخضِعونها للدراسة والتحليل، ويوافونه بالنتائج، فهذا جهدٌ يُشكرون عليه؛ حيث سهَّل على الآباء كثيرًا من التعب، واختصر عليهم مزيدًا من البحث والتنقيب.
7- تحديد الأوقات التي تُنظِّم علاقة الطفل بهذه الأجهزة خلال اليوم: ولا بد لهذا التنظيم أن يحتويَ على جميع الجوانب التي يحتاجها الطفل؛ من حيث الحركة البدنية، والجلوس مع الأطفال الآخرين، والنقاش في المواضيع التي تهم الأسرة؛ ومن ثَمَّ ينشأ الطفل نشأة سليمة، وليس هناك مانع من السماح للطفل في اللعب في الألعاب النافعة التي تنمِّي المهارات، وتُعلِّم الأطفال طرق التفكير الإيجابي، والنقاش المثمر، وترفع الوعي لدى الأطفال، ولكن بشرط أن يتم ذلك تحت إشراف الآباء ورقابتهم؛ حتى تتحقق الفائدة والمتعة من هذه الألعاب.
8- البحث عن البدائل: وهذه من علامات الإنسان الإيجابي أنه لا يقف متفرجًا أو عاجزًا يشكو حظَّهُ، وينْدُبُ زمانه، ويتهم هذا الجيل بالفشل والضياع، وإنما يبحث وينقب عن بدائلَ توصِّل إلى أهدافه، وتحقق طموحه، فبعض الألعاب قد يكون فيها كثير من المشاهد العنيفة، أو المقاطع المخلة، فيُنهَى الابن عن اللعب بها، وينطلق يبحث عن لعبة قد يكون لها نفس الطابع أو نفس الهدف من الأولى، ولكنها تخلو من هذه المشاكل والسلبيات التي في سابقتها، وهذا أمرٌ جُرِّب من بعض الإخوة ونجح والحمد لله.
فلا يقف الآباء عاجزين مكبَّلي الأيدي أمام طفل صغير يُصِرُّ على لعبة يريد أن يلعبها، ويمارس على الآباء أسلوب الضغط النفسي بكثره الصراخ أو البكاء؛ ليُجْبِرَهم على إعطاءه ما يريد، ولينزلوا عند رغبته؛ ومن ثَمَّ يسقط الجميع في نظره، وإنما نبحث ونحاول ونناقش، حتى نصل إلى نتيجة معينة يرضى بها الطرفان، فيعلم الطفل أن أسلوب النقاش والحوار هو الأسلوب الذي يحقق له ما يريد؛ فيكون كثيرَ النقاش، إذا أراد شيئًا طلبه بأسلوب راقٍ وحوار هادئ، بل إنه في حالات كثيرة إذا وجد لعبة يذهب إلى أحد أبويه، ويسأله عن رأيه بهذه اللعبة، فيشرح مميزاتها وإيجابياتها، وبهذا الأسلوب يكون الآباء قد نمُّوا جوانب كثيرة في الطفل، وعلَّموه قيمًا رائعة يواجه بها ما يراه أو يسمعه.
9- متابعة بعض المختصين في التكنولوجيا على مواقع التواصل الاجتماعي، ممن يعرض خفايا التقنية للآباء، ويحاول تثقيف أولياء الأمور بأهم البرامج والتقنيات التي تحافظ على الأبناء عند تصفحهم هذه المواقع، أو ممارسة هذه الألعاب على الأجهزة الذكية؛ فاليوم ومع انتشار البرامج والتطبيقات التي تحمي الأبناء من خطر هذه الألعاب، وتُقلِّل من أضرارها؛ لم يَعُدِ للآباء عذرٌ يمنعهم من استعمالها، أو محاولة تسخيرها في رقابتهم على هذه الألعاب والمواقع المختلفة (7).
نصائح للأمهات:
ابدئي ببطء: توصي الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال بقصر ألعاب الفيديو على ساعة واحدة في اليوم، لا تهلعي وابدئي ببطء حتى لا يعاني طفلك من أعراض الانسحاب للألعاب الإلكترونية، قللي الوقت يوميًا بالتدريج حتى تصلين للتوقيت الأمثل له ولكِ.
كوني محددة: وضع حدود مع طفلك لتوقيت ألعاب الفيديو يوفر عليكِ الكثير من الجدال، واحرصي على وضع هذه الحدود معًا ليلتزم بها، وكذلك العقاب المقابل لعدم الالتزام.
ناقشي طفلك وتحدثي معه كصديقه: تحدثي مع طفلك لإيجاد أسلوب جديد يمكنه استخدامه لمحاولة إغلاق ألعاب الفيديو في الوقت المناسب، على سبيل المثال، يمكن إنشاء نظام مكافآت لإيقاف تشغيل اللعبة عندما ينقضي الوقت المحدد لاحقًا.
وفري بديل لوقت الفراغ: ضعي في اعتبارك أيضًا كيف يمكن لطفلك التعامل مع المشاعر الناجمة عن إيقاف اللعبة مثل الضيق والزهق، أو مناقشة الأنشطة الترفيهية الأخرى التي يمكنه القيام بها إذا كان يشعر بالملل.
استخدم الأدوات لتحديد وقت اللعبة: إذا فشلت الحلول السابقة، استخدمي مؤقت يقوم تلقائيًا بإيقاف تشغيل جهاز الكمبيوتر الخاص بالطفل بعد فترة زمنية معينة (8).
_________________
(1) كيف تحمي طفلك من إدمان الألعاب الإلكترونية؟ / منتديات الألوكة.
(2) كيف أساعد أطفالي في التخلص من إدمان الألعاب الإلكترونية/ عالم الأمهات.
(3) أضرار شاشات الأجهزة الإلكترونية على الأطفال/ عالم الأمهات.
(4) أخرجه النسائي (9131).
(5) أخرجه البخاري (893).
(6) أخرجه ابن حبان (5596).
(7) كيف تحمي طفلك من إدمان الألعاب الإلكترونية/ منتديات الألوكة.
(8) أعراض إدمان الأطفال الألعاب الإلكترونية/ سوبر ماما.