logo

المرأة بين الحرية والتحرر


بتاريخ : الأربعاء ، 12 محرّم ، 1444 الموافق 10 أغسطس 2022
بقلم : تيار الاصلاح
المرأة بين الحرية والتحرر

لقد أولى الإسلام المرأة مكانة عظيمة، ورفع من شأنها بما تضافرت الشواهد عليه من الكتاب والسنة النبوية، وسيرة الخلفاء الراشدين، وإن حدثت انتكاسات للمرأة في العهود المتأخرة نتيجة تحكيم العادات والتقاليد المخالفة للشريعة؛ فإن الدين لا يتحمل أي جزء من المسؤولية كما يحاول أن يقول المغرضون .

ففي المقاييس الأولى كانت علامة الحرية أن المرأة تتعفف وتتصون؛ لأن التي تبالغ في ستر بدنها إلى هذا الحد لا يمكن أن يطلب منها الفاحشة أو يطمع فيها، فإنا لله من هذا الزمن العجيب الذي نعيشه الآن!! والمنافقون في ذلك الزمان كانوا أحسن وأفضل من المنافقين في أيامنا هذه، لماذا؟ لأن المنافقين فيما مضى إذا علموا أن المرأة حرة ووجدوها محجبة ففي هذه الحالة يكفون عنها، أما الآن فيسلطون سهامهم على المرأة الحرة المتعففة باسم الحرية، والحقيقة ليست حرية بل شيطانية (1).

فالحرية مصطلح يفهمه الكثير بطريقةٍ خاطئة! يعتقد أنه حُرٌ في كل شيءٍ وأي شيء؛ حتى وإن أضرَّ بالآخرين، حتى وإن تخطى القيم والأخلاق! ولكن الحرية في رأيي: أن آكل ما أريد، أشرب ما أريد، ألبس ما أريد، أنفق أموالي فيما أريد، أتزوج بمن أريد، أتعلَّم ما أشاء، أُربِّي أولادي كما يحلو لي؛ طالما أن كل هذه الأشياء تدور في إطار من الشرع والمباح، وطالما أنها تحافظ على كرامتي وعِفَّتي وحيائي، وعلى أسرتي وكياني.. ولا ثؤثر على غيري بالسلب أو تضرُّ به.

هناك مصطلح آخر هو التحرُّر؛ وهو ما يُروِّج له الغرب الآن بدعوى حقوق المرأة المسلمة، وإعطائها الحرية المسلوبة منها -على حدِّ زعمهم- وعدم التمييز ضدها، لكن التحرُّر في رأيي التخلي عن القيم والأخلاق، التخلي عن العِفَّة والطهارة، تكسير كل القيود التي تحفظ كرامتي وتُحصِّنني من الذئاب، محاربة الخالق جل وعلا والخلاص من الخصائص التي خصَّني بها.

إن الله تعالى خلقنا وأحسن خْلْقنا، ووضع لنا سبحانه وتعالى الأساس والمنهج الذي يجب أن نسير عليه؛ لنهنأ في الدنيا والآخرة، وجعل الإنسان مُخيَّر في أن يسير على هذا المنهج الرباني أو يَحيد عنه، فمن أراد رضا الله سار وِفق منهجه وارتضى شريعته، ومن أراد أن يسير في رِكاب إبليس وأراد التحرُّر من تلك الأوامر الربانية فله ما شاء، وفي الآخرة الكل عائد إلى الله... فإما جنة كتبها الله لنا جميعًا وإما نار أعاذنا الله منها.

والله سبحانه وتعالى خلقنا من نفسٍ واحدة، ولم يخلق الرجل من نفسٍ أعلى مرتبة من التي خلق منها المرأة، وما يؤكد كلامي قوله تعالى موجِّهًا الكلام للناس جميعًا الذكر والأنثى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [النساء: 1].

فلِلَّه الحمدُ والمِنَّة أن ساوى بين الذكر والأنثى في كل شيء؛ في الخَلق والحياة والمعاملات في الثواب وفي العقاب، وجعل لكل واحد منهما شخصيته المستقلة بعيدًا عن التبعية والعبودية فلا عبودية إلا لله تعالى، بل إنه سبحانه وتعالى كرَّم المرأة بأن جعلها الأم والحاضِن لجنس الإنسان، وهو أكرم المخلوقات على الأرض... فما بال تلك الدعاوى الغربية التي تُطلُّ علينا بين الحين والآخر بدعوى تحرير المرأة وإعطائها حقوقها المسلوبة؟!

أي تحرير يريدونه وأي حق يحفظونه لها؟! لقد خلق الله المرأة حُرّة لها شخصيتها التي تُميِّزها، ولها حق الاستقلال في مالها واختياراتها.. حُرَّةٌ في أن تدير أموالها بنفسها أو تُوكِّل به أحد، وأعطاها حق الاختيار فهي من تختار شريك حياتها، وتتفق معه على الأسلوب الأمثل الذي يسعدهم.

لا أحد يفرض عليها شيء إلا بشرع الله وحكمه، تلك هي الحرية الحقة، أما ما يريده هؤلاء الأدعياء، فليس بحرية؛ بل تحرُّر من القيم والأخلاق! تحرُّر من البيت والزوج والأولاد، تحرُّر من الحلال الطيب للحرام الخبيث.

فالغرب يريدون المرأة عارية تبيع عِفَّتها وطهارتها بعَرض الدنيا، تُصاحِب من تُصاحِب! وتُرافِق من تُرافِق! ليس عليها ولاية لا من زوجٍ أو أب أو شرع! يريدونها مسخ ترتدي زِي الرجال تحلق رأسها... تطيل شعرها ليس مهم، تكون صاحبة عضلات مفتولة أو سبَّاحة ماهرة، أو مصارِعة في حلبة الثيران، وليس مهم أن تضيع أنوثتها وعِفَّتها ويَضيع كل ما هو ناعم ورقيق يُميزها.

المهم هو هدم المجتمع من خلالها محاربة الإسلام عن طريقها، فماذا سيخرج من تلك المرأة الممسوخة إلا جنين مُشوَّه لا يحمِل قيمة، ولا يُحِلّ حلال ولا يُحرِّم حرام.. ولا ينهض بمجتمعه وأمته...! يريدون مسخها وتدنيسها لأنها ببساطة هي أساس المجتمع؛ فبها الصلاح للأمة وبها الفساد، يجعلون من أنفسهم المنجِد والمخلِّص للمرأة المسلمة.

نصَّبوا أنفسهم بأن يكونوا حماة لحقوق الإنسان! ونسوا أنهم انتهكوا كل المعاني السامية لحقوق الإنسان؛ نسوا أنهم هم من يقتلون المسلمين في كل مكان، ويُشرِدونهم ويغتصبون أراضيهم! نسوا سجونهم التي يُعذِّبون فيها المسلمين ويغتصبون فيها النساء، أليست هذه هي المرأة التي يريدون تحريرها والحفاظ على حقها؟!

أين حقها وهم ينتهكون عِرضها ويُدنِّسون شرفها؟ ويقتلون طفلها وزوجها؟! أي حق هذا الذي يدَّعونه؟ وأي حرية يريدونها للمرأة المسلمة؟!

وللأسف؛ هناك من بني جلدتنا من باع دينه، واتبع هواه، وغرَّته الدعاوى البراقة، يُعين هؤلاء في نشر أغراضهم الدنيئة والدعوى لهم في كل مكان! وللأسف أيضًا؛ هناك من النساء من صدَّقت تلك الدعاوى؛ وأصبحت تبارز الرجال ندٌ بندٍ... تحمل الحديد وتُربِّي العضلات! تعرَّت وأصبحت سبَّاحة يُشار لها بالبنان! مسخت جسدها، وأضاعت إنوثته ورِقَّته التي تُميِّزها عن الرجال! أصبحت تعابير وجهها قاسية مثل الرجل بسبب تلك الرياضات العنيفة، جرت وراء دعاوى كاذبة وصدَّقتها دعاوى ما أرادت إلا هدمها وصوَّرت لها الهلاك على أنه نجاح!

أختي المسلمة! انتبهي لا تجعلي تلك الشعارات البرَّاقة من الخارج تؤثر فيكِ، لا تنجرفي في تيارها، جاهدي كل من يريد إيصال تلك الدعاوي لكِ ولمن حولكِ، لا تجعليهم يصلون لكِ أو لابنتكِ أو لأختكِ أو أمكِ.

كوني حائط صدٍ لهم، هم يريدون أن يقضوا على الإسلام من خلالكِ؛ فأنتِ الأسرة التي هي نواة المجتمع، أنتِ كيان الأمة (2).

عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تستأمر اليتيمة في نفسها، فإن سكتت فهو إذنها، وإن أبت، فلا جواز عليها» (3)، أي فلا تعدي عليها ولا إجبار.

عن مسروق قال: ركب عمر بن الخطاب منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: أيها الناس ما إكثاركم في صدق النساء؟ وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وإنما الصدقات فيما بينهم أربعمائة درهم فما دون ذلك، ولو كان الإكثار في ذلك تقوى عند الله أو مكرمة لم تسبقوهم إليها، فلا أعرفن وما زاد رجل في صداق امرأة على أربعمائة درهم، قال: ثم نزل فاعترضته امرأة من قريش، فقالت له: يا أمير المؤمنين نهيت الناس أن يزيدوا النساء في صدقاتهن على أربعمائة درهم؟ قال: نعم، فقالت: أما سمعت ما أنزل الله في القرآن؟ قال: وأي ذلك؟ فقالت: أما سمعت الله يقول: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} [النساء: 20].

قال: فقال: اللهم غفرانك، كل الناس أفقه من عمر، قال: ثم رجع فركب المنبر فقال: أيها الناس إني كنت نهيتكم أن تزيدوا النساء في صدقاتهن على أربعمائة درهم، فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحب، قال أبو يعلي وأظنه قال: فمن طابت نفسه فليفعل (4).

وهذه خولة بنت ثعلبة تستوقف أمير المؤمنين عمر فتقول له: قف يا عمر، فوقف لها، ودنا منها وأصغى إليها، وأطالت الوقوف وأغلظت له القول (أي قالت له): هيه يا عمر! عَهِدتك وأنت تسمى عُميرًا وأنت في سوق عُكاظ ترعى القيـان بعصاك، فلم تذهب الأيام حتى سُميت عمر، ثم لم تذهب الأيام حتى سميت أمير المؤمين، فاتق الله في الرعية، واعلم أنه من خاف الوعيد قَرُب عليه البعيد، ومن خاف الموت خشي الفوت، فقال لها الجارود: قد أكثرت، أيتها المرأة، على أمير المؤمنين، فقال عمر: دعها (5) .

وكذلك الأمر، كانت المرأة تتمتع بالحرية، حتى مع شخص النبي صلى الله عليه وسلم، الذي تنصاع له كل الناس، محبةً ورغبة في إرضائه، فتقف المرأة تراجعه وتناقشه صلى الله عليه وسلم، وقصة خولة بنت ثعلبة معروفة ومشهورة، وهي التي نزلت فيها سورة المجادلة، تستجيب لطلبها وترعى شأنها وشأن كل من حل بها ما حلّ بها .

عن أبي سعيد الخدري قالت النساء للنبي صلى الله عليه وسلم: غلبنا عليك الرجال، فاجعل لنا يومًا من نفسك، فوعدهن يوما لقيهن فيه، فوعظهن وأمرهن (6).

معناه: أن الرجال يلازمونك كل الأيام ويسمعون العلم وأمور الدين، ونحن نساء ضعفة لا نقدر على مزاحمتهم، فاجعل لنا يوما من الأيام نسمع العلم ونتعلم أمور الدين (7).

قال ابن الجوزي: كان النساء في ذلك الزمن يطلبن الخير ويقصدن الأجر، ويصلين مع الرسول صلى الله عليه وسلم جماعة، وكان مثل الرسول واعظهن، فصلح أن يجعل لهن يومًا.

ثم أردف قائلًا: فأما ما أحدث القصاص من جمع النساء والرجال فإنه من البدع التي تجري فيها العجائب، من اختلاط النساء بالرجال، ورفع النساء أصواتهن بالصياح والنواح إلى غير ذلك.

فأما إذا حضرت امرأة مجلس خير في خفية، غير متزينة، وخرجت بإذن زوجها، وتباعدت عن الرجال، وقصدت العمل بما يقال لا التنزه، كان الأمر قريبًا مع الخطر، وإنما أجزنا مثل هذا لأن البعد عن سماع التذكير يقوي الغفلة، فينسي الآخرة بمرة (8).

عن ابن عباس: أن مغيثًا كان عبدًا، فقال: يا رسول الله ‍‍ اشفع لي إليها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا بريرة اتقي الله، فإنه زوجك وأبو ولدك»، فقالت: يا رسول الله أتأمرني بذلك، قال: «لا، إنما أنا شافع فكان دموعه تسيل على خده»، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس: «ألا تعجب من حب مغيث بريرة، وبغضها إياه» (9).

والعجب ليس من إصرارها على رفض زوجها، مع شفـاعة النبي صلى الله عليه وسلم له عندها، وإنما في إدراكها الدقيق وتمييزها بين ما هو وحي تنصاع له، وبين ما هو بشري من تصرفات النبي صلى الله عليه وسلم، فتملك الاختيار فيه.

وكذلك كانت زوجاته صلى الله عليه وسلم يراجعنه القول .. فعن عمر رضي الله عنه قال: فتغضبت يومًا على امرأتي، فإذا هي تراجعني، فأنكرت أن تراجعني، فقالت: ما تنكر أن أراجعك، فوالله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه، وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل، قال: فانطلقت فدخلت على حفصة، فقلت: أتراجعين رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: نعم، قلت: وتهجره إحداكن اليوم إلى الليل؟ قالت: نعم، قلت: قد خاب من فعل ذلك منكن، وخسر، أفتأمن إحداكن أن يغضب الله عليها لغضب رسوله فإذا هي قد هلكت؟ لا تراجعي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ولا تسأليه شيئًا، وسليني ما بدا لك، ولا يغرنك أن كانت جارتك هي أوسم وأحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك -يريد عائشة- (10).

وحرية المرأة في ظل الإسلام تجاوزت تلك الحدود إلى درجة مناقشة الوحي، فحين شعرت أم سلمة أن الوحي يخاطب الرجال، هبت مسرعة إلى رسول الله تقول: يا رسول الله يُذكر الرجال في الهجرة ولا نُذكر؟ فنزل قول الله تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} [آل عمران: 195] (11).

فالحرية إذا لم تكن وفق أطر وضوابط لا يمكن أن تسمى حرية، وإنما تدخل في إطار الفوضى، فالمرأة في ظل الأنظمة الغربية أعطيت حرية الفوضى، لذا نجد انعكاسات هذه الفوضى تتجسد في تفكيك الأسرة التي تعد المرأة عمادها، وكذلك في انعدام القيم في المجتمع الذي تناصف المرأة فيه الرجل.

إن الدين الإسلامي أعطى للمرأة حريتها، ولكنها الحرية المسئولة، المرأة المسلمة الحرة هي المرأة المسئولة عن تصرفاتها وشرفها ودينها، أما تحرر المرأة الغربية فهو تحرر من الملابس بل هو تمرد على أنوثتها.

المرأة المسلمة تحتفظ باسمها كاملًا وإن صارت زوجة، أما المرأة الغربية (الحرة) فتنسب إلى زوجها زوجها.

المرأة المسلمة معززة مكرمة في مجتمعها المسلم المترابط، بنتًا، وزوجة، وأمًا، وجدة، أما المرأة الغربية فليس لها مكانة محترمة في مجتمعها؛ بل هي كسلعة تجارية تباع وتشترى، إذا ما كبرت وذبلت زهرة شبابها فلا يبقى معها سوى كلبها الوفي.

إن المفهوم الغربي لحرية المرأة قد أدى بها إلى أن تكون سلعة في سوق النخاسة، عبر دور الأزياء وعروضها، وغانية في سوق الملذات والشهوات، يستعبدها الرجل الذي يزعم تحريرها، ويستمتع بها، لأنه لا يريد حريتها، ولكنه يريد حرية الوصول إليها.

وللأسف الشديد ما تزال هناك انتهاكات صارخة ضد حقوق المرأة في العديد من دول العالم تتمثل في تجارة الرقيق الأبيض (تجارة النساء لغرض أعمال الدعارة).

إن المرأة الغربية المتحررة لم تخسر الحياة فقط، بل خسرتها وخسرت فيها المربية الفاضلة للأجيال الضائعة، والأم الحنون، والزوجة الكريمة؛ والأسرة السليمة المتزنة.

وهذه أقوال لبعض النساء في الغرب يذكرن فيه واقعهن مع الحرية- بمفهومها الغربي-، وما جنينه من هذه الحرية.

فهذه كاتبة أمريكية تدعى (فيليبس ماكينلي) تقول: هل نُعَدُّ نحن النساء -بعد أن نلنا حرياتنا أخيرًا- خائنات لجنسنا، إذا ارتددنا لدَوْرنا القديم في البيوت؟ وتجيب عن سؤالها فتقول: إن لي آراء حاسمة في هذه النقطة، فإني أصر على أن للنساء أكثر من حق في البقاء كربات بيوت، وإنني أقدر مهنتنا وأهميتها في الحقل البشري، إلى حد أني أراها كافية لأن تملأ الحياة والقلب (12).

وهذه مجلة نسائية أمريكية - هي مجلة (نيو وُمَن) -، تصرح فتقول:  أين الرجولة في أمريكا؟ ماذا حدث للرجل الأمريكي؟ وماذا فعلت حركة تحرير المرأة بالرجل؟ وأضافت: الرجل أصبح رخوًا في معاملته مع المرأة، في الشارع، في المكتب، في البيت.

وهذه زوجة أحد رؤساء جنوب إفريقيا وتدعى (ماري دي كليرك)- كما نقلت ذلك وكالة رويتر للأنباء - تقول: إن المرأة لم يعد لها أهمية في ظل الحرية الزائفة، التي قضت على كيانها وشخصيتها، وجعلتها عرضة للاستغلال البشع من أصحاب العواطف المنحرفة من الرجال، ثم تقول: إن المكان الطبيعي للمرأة هو البيت، الذي فيه تُكَوَّن الأسرة، وترعى فيه الأبناء، أجيال المستقبل، وأمل الأمة في غدها المنشود (13).

لقد أولى الإسلام المرأة مكانة عظيمة، ورفع شأنها، أما الانتكاسات التي حدثت للمرأة في العهود المتأخرة نتيجة تحكيم العادات والتقاليد المخالفة للشريعة؛ فإن الدين لا يتحمل أي جزء من المسؤولية كما يحاول أن يقول المغرضون.

فاحذري أخيتي وانتبهي فلا تقعي في شباكهم التي نصبوها حولك بحجة الحرية والتحرر، وأود أن أطرح عليك أختي المسلمة أرجو أن تجيبي عليه:

يطلبون تحرر المرأة من ماذا؟

من أمها التي تخاف عليها من نسمة الهواء؟!

أم من أبيها الذي أفنى حياته من أجل تحقيق العيش الكريم لها وليحقق لها طلباتها؟!

أم من أخيها الذي يحبها ويخشى عليها؟!

أم من زجها الذي أحبها واختارها وعاء تحمل أطفاله وتحمل اسمه، ورفيقة درب تعينه على السراء والضراء فأمنها على بيته وماله ...؟!

أم -وقبل كل أولئك- من دينها الذي كرّمها ورفع قدرها ومكانتها وشرّفها بعد أن كانت رخيصة في متناول الجميع لا غيرة عليها ولا ما يحزنون؟!

حتى باتت المرأة في مجتمعاتنا تنادي بالمساواة مع الرجل لها ما له وعليها ما عليه، باتت تنادي بشعارات والله لا تعي معناها، إلا أنها أصبحت ترددها كما الببغاوات من كثرة ما سمعتها حتى علقت في ذهنها.

ما بالنا كمن فقدوا البصيرة مع البصر فبتنا نتخبط على الدرب ونأبى ما اصطفاه لنا حبيبنا رسول صلى الله عليه وسلم، فنترك الطيب ونأبى إلا الخبيث؛ كحال بني اسرائيل عندما رفضوا ما أنزل الله عليهم من طيب الطعام فكان الرد: {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ} [البقرة: 61] (14).

أما يكفي زاجرًا وواعظًا لأولئك ما وقعت فيه المرأة في المجتمعات المخالفة لتعاليم الإسلام من الانحطاط والذلة؟

أما يكفي زاجرًا ما وقعت فيه تلك المجتمعات التي أطلقت للمرأة العنان، من هبوط في دركات المستنقعات والرذيلة، ومهاوى الشرور، وبؤر الفساد؟

هل يرضى من فيه أدنى غيرة أو رجولة، أن تصير امرأته أو ابنته مرتعًا لأنظار الفسقة، ومائدة مكشوفة، ولقمة سائغة، أمام عديمي المروءة وضعاف النفوس؟

بل إن بعض من تاه رأيهم، وفسد فكرهم، يطالبون باستحداث وظائف جديدة للمرأة، يهدفون إلى تحرر المرأة من أخلاقها وآدابها، وانسلاخها من مثلها وقيمها ومبادئها، وإيقاعها في الشر والفساد، يريدونها عارضة للأزياء، أو دعاية للسلع، يريدونها مختلطة مع الرجال، بغير حشمة أو وقار، تحت مسمى أي وظيفة تخطر على بال.

ألا بعدًا وسحقًا لعبيد المدنية الزائفة، الذين يدعون المرأة إلى العبث واللهو، بحجة المدنية والسياحة والمعرفة، يدعون إلى الخلوة بالرجال الأجانب، مدعين أن الظروف قد تغيرت، وأن ما اكتسبته المرأة من التعليم، وما أخذته من الحرية، يجعلها بمنأى عن الخطر، فما هذا والله إلا فكر خبيث دلف إلينا ليفسد علينا حياتنا، وما هي والله إلا حجج واهية، ينطق بها الشيطان على ألسنة هؤلاء الذين انعدمت عندهم الغيرة والرجولة، وماتت الشهامة فضلًا عن وجود أدنى بقية من كرامة.

إن مثل الذين يتهاونون بشأن المرأة، أو يدعونها إلى الاختلاط الآثم، بدعوى أنهم ربوها على الاستجابة لنداء الفضيلة ورعاية الخلق، مثل قوم وضعوا كمية من البارود شديد الانفجار، بجانب نار متوقدة، ثم ادعو أن الانفجار لا يمكن أن يقع أو يكون، لماذا؟ لأن على البارود تحذير مكتوب عليه إن هذه مادة سريعة الاشتعال والاحتراق، إن هذا خيال بعيد عن الواقع، ومغالطة للنفس، ومخالفة لطبيعة الحياة وأحداثها.

شرع محمد صلى الله عليه وسلم هو شرع الستر والجمال والعفاف، إن من تقدير المرأة أن تتحجب، وأن تتوقر، وأن تكون عفيفة لتكون محبوبةً إلى القلوب، فوالله إن الفجرة لا يحبون الفاجرة، وإن الناس لا يميلون إلا إلى العفيفة المحجبة المجلببة التي تريد ستر الله عز وجل.

وباختصار فهم يريدون من تحرير المرأة أن تصبح مغنية، وفي مجلة سيدتهم تقول: المرأة أصبحت مذيعة، وذكرت لنا قصة، ومعناها: أنه يجب علينا أن ننتج للناس مطربين ومطربات.

ويا للعجب نحن لم ننتج مكتشفًا، ولا مخترعًا، ولم يسمع الناس أننا أنتجنا آلة تنفع الناس، وما اكتشفنا كهرباء ولا طائرة ولا صاروخًا، ولا ثلاجة ولا برادة، لكن اكتشفنا في مجتمعنا مذيعة تعرض خدها للجماهير، وتتكلم بصوتها الرقيق، وتغضب الله ورسوله والمؤمنين صباح مساء، وتعلن الحرب على الإسلام، وعلى المسجد والمصحف.

وكم تتمعر الوجوه بالألوف المؤلفة من هذا الشعب المسلم إذا رأى هذه المرأة المسلمة خرجت من بيت مسلم متحجب وهي تعرض جمالها، وشعرها الفاتن، وسحر عينيها وشفتيها، وتتكلم برقة، والله عز وجل يأمرها أن تستتر، ويأمرها أن تتحجب، وأن تكون درةً مصونة، وشمسًا في غمام، كم يتحدى شعور المسلمين، وكم هي والله اللوعة والأسى، وكم هي المصيبة: أن نرى من بناتنا من أمثال أولئك (15).

-----------

(1) تفسير القرآن الكريم (32/ 13)، بترقيم الشاملة آليًا.

(2) المرأة بين الحرية والتحرُّر/ طريق الإسلام.

(3) أخرجه النسائي (3270).

(4) مسند الفاروق لابن كثير (2/ 573).

(5) السيرة الحلبية (2/ 724).

(6) أخرجه البخاري (101).

(7) عمدة القاري شرح صحيح البخاري (2/ 134).

(8) كشف المشكل من حديث الصحيحين (3/ 146).

(9) أخرجه أبو داود (2231).

(10) أخرجه أحمد (222).

(11) حرية المرأة في ظل الإسلام/ إسلام ويب.

(12) مشكلات المرأة المسلمة المعاصرة وحلها في ضوء الكتاب والسنة (ص: 295).

(13) صحيفة الجزيرة (العدد: 6810).

(14) أرشيف منتدى الألوكة - 2.

(15) دروس للشيخ عائض القرني/ الموسوعة الشاملة.