logo

المرأة بين الإسلام وما سواه


بتاريخ : الجمعة ، 8 ربيع الآخر ، 1438 الموافق 06 يناير 2017
بقلم : تيار الاصلاح
المرأة بين الإسلام وما سواه

إن للمرأة في الإسلام مكانة جليلة، ومنزلة عالية رفيعة، فقد رفع الإسلام مكانتها بعد أن كانت مهانة ذليلة في كل الأمم قبل الإسلام، والتي كانت لا تحكم بشرع الله عز وجل، فجاء الإسلام فجعلها في منزلة واحدة مع الرجل من حيث قبول الأعمال، قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:97]، فليست المرأة دون الرجل في تحصيل ثواب العمل الصالح، ولم يجعل لها المولى عز وجل نصف ثواب الرجل، إنما مثلها مثل الرجل في ذلك؛ بل إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن النساء شقائق الرجال»(1).

ثم أعطى الإسلام للمرأة حقوقها المالية، وجعل لها حقًا ونصيبًا مفروضًا في الميراث، وجعل لها الأهلية الكاملة في التصرف في مالها، وجعل لها الكرامة الإنسانية، وجعل دونها الرقاب، وأوجب على الرجل المحافظة عليها، سواءً كانت زوجة، أو بنتًا، أو أمًا، أو أختًا، أو حتى أي امرأة مسلمة، طالما كان بمقدور هذا الرجل المسلم نجدتها وحمايتها.

ثم بلغ من عظيم عناية التشريع الإسلامي بالمرأة أن خصها ببعض الحقوق، ووضع عنها بعض الواجبات؛ رأفة بها وتيسيرًا لها؛ فتكوينها الجسدي والعضلي، وكذلك العقلي، يختلف عن الرجل، فأسقط عنها الجهاد، ولم يطلب منها أبدًا أن تخرج لطلب الرزق والكد والعمل ومخالطة الرجال، والتعرض لمثل تلك المواقف التي تؤثر في نفسية المرأة، وفي أحيان كثيرة تقتل شعور الأنوثة داخلها؛ بل قد تقتل الحياء داخلها.

فحافظ الإسلام على المرأة، وحماها من كل شر ومن كل سوء، وهي لم تصل لتلك المكانة في أي نظام سوى النظام الإسلامي، والتشريع الرباني.

فقبل الإسلام، وفي بلاد الهند كانت المرأة في أساطير "مانو" مثلًا للدنس والأمر الباطل.

وفي اليونان لم يكن لها أي قيمة تذكر، سوى اعتبارها شيئًا ممتعًا للرجل، يستخدمه للذته ومتعته، وكانت فاقدة الأهلية؛ كالطفل وغير العاقل، واعتبرت المرأة عند الرومان مساعدة للشيطان، ونفسها لا تقارن بنفس الرجل، فهي وضيعة لا تستحق الخلود في الآخرة.

وكان القانون الروماني يعطي للرجل السلطة المطلقة عليها، التي قد تصل إلى حد التعذيب والقتل.

وكانت المجتمعات التي تدين بالمسيحية، تشكك في مجرد إنسانية المرأة، وفي امتلاكها لروح تؤهلها للخلود، وأهدرت كنيستهم شأن المرأة، واعتبرتها ممثلة للخطيئة.

وفي المجتمعات اليهودية سُوِّيت المرأة بالخدم؛ لأنها دون مرتبة الرجل، وأجازت شريعتهم لأبيها الحق في بيعها وهي طفلة؛ لأنها موصومة بطابع الخطيئة البشرية الأولى، كما جاء في سفر التكوين.

أما العرب، فرغم اتصافهم بالمروءة والشهامة التي تحتم عليهم حماية المرأة، إلا أن الكثير منهم لم يكن يرحب بميلاد الأنثى، وقد وثق القرآن الكريم طبيعة استقبالهم لها في قوله تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [النحل:58-59].

فالمرأة في الجاهلية لم تكن تملك من نفسها شيئًا، فقد كانت تُستعبد وتُذل وتُكْره على البغاء، ولا تستفتى في الزواج، وتعضل إذا كانت أرملة، أو تورّث، وغير ذلك من مظاهر المهانة والاستعباد(2).

أما بعد الإسلام بقرون عدة فقد بدأت المرأة، في غير شريعة الإسلام، تأخذ مكانة مهمة في المجتمع، وبدلًا من أن تتحرر بوصفها إنسانًا كامل الأهلية أصبحت رمزًا للجمال المادي، فانتشر الفساد والإباحية باسم الفن والجمال، وأصبح التحرر مرادفًا للتحلل والفاحشة، وجعل لها القانون كل ما تريد، فجعلها مستقلة استقلالًا تامًا بدون ضابط أو رادع، وأصبح الزنا شيئًا يعترف به القانون، وكانت مهنة الدعارة من أكثر المهن رواجًا، حتى بين نساء العائلات العريقة في الغرب.

ورغم كثرة الحديث عن الحرية في العصر الحديث وفي المجتمعات الغربية، وفي ظل التحدث عن حقوق الإنسان، ومناداة تلك المنظمات بحقوق المرأة، لم تأخذ المرأة حقوقها، فهي في الغرب تأخذ راتبًا أقل من الرجل، رغم قيامها بنفس ما يقوم به الرجل من أعمال، كما أنه قد تم استخدام المرأة كالسلعة التجارية تمامًا، فتستغل بالدعاية والتسويق لمختلف السلع والمنتجات، مستغلين في ذلك جسدها وإغرائها، فكأن المرأة عندهم، كما كانت عند الأمم قبل الإسلام تمامًا، سلعة تباع وتشترى.

فالإسلام جعل للمرأة كرامة وعزة ورفعة ومنزلة، فجعل النظر إليها بشهوة من أي رجل كان، غير زوجها، جعل هذه النظرة حرامًا في الإسلام، ومن يرتكب تلك الفعلة فهو يتحمل تلك السيئة، فالإسلام حريص على المرأة من أن تتأذى حتى من النظرة، وكي لا تتأثر نفسيتها، فالإسلام هو التشريع الوحيد الذي راعى الفروق النفسية والعقلية والجسدية بين المرأة والرجل.

فلا يمكن أبدًا أن يتطاول رجل على امرأة؛ بل إن زوجها حين أذن له الإسلام في تأديبها، إذا أخطأت وأجرمت، جعل أقصى تأديبها هو ضربها بمثل السواك ضربًا هينًا، ليس لأجل الضرب، وإنما لأجل إعلامها بمدى خطئها، فضلًا عن أن تصل إليها يد غير زوجها، أو أن يتطاول عليها باللسان، فقد شرع المولى عز وجل عقوبة شديدة لمن يتهم المرأة، ويرميها بلسانه بما ليس فيها من صفات وأفعال حرمها الإسلام، قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور:4]، فكيف بمن يتطاول عليها بالضرب والتعدي؟

إن ما تمر به المرأة، في عالمنا اليوم، إنما هو بسبب بعدنا عن دين الله عز وجل، فهو الدين الذي ضمن للمرأة حقوقها وواجباتها، وصان لها عرضها ومالها، وجعلها معززة مكرمة، بعيدة عن كل شبهة، بريئة من كل تهمة، لا تصل إليها يد لامس، ولا لسان طاعن، في خدرها مصونة، وفي بيتها ملكة متوجة على عرشها، يجلب لها زوجها نفقتها ونفقة عيالها، واجب عليه صيانتها ورعايتها، وواجب عليها حفظ بيته وماله وعرضه.

ــــــــــــ

(1) صحيح الجامع الصغير وزيادته (1/399).

(2) انظر: قضية المرأة، رؤية تأصيلية، لسعاد عبد الله الناصر.