logo

الزوجة القنوعة


بتاريخ : الأربعاء ، 17 ذو القعدة ، 1441 الموافق 08 يوليو 2020
بقلم : تيار الاصلاح
الزوجة القنوعة

القناعة سر من أهم أسرار السعادة الزوجية، إنها الكنز الذي يمنح صاحبه عزًا بغير مال وقوة بغير سلطان، إنها الدعامة الأقوى والركيزة الكبرى لضمان السكن الزوجي والاستقرار الأسري الذي تنعم فيه العائلة بالغنى والرضا والسعادة والأمان.

القناعة هي السعادة كلها، وهي سبب السرور والطمأنينة في النفس والأسرة والمجتمع، فالمرأة التي تقنع برزق الله، ولا تتطلع إلى متاع الدنيا، وترفق بزوجها، تتحقق لها أسباب السعادة، وتحافظ على بيتها، وتكون في حرز ومأمن من مداخل الشيطان، فمن رضي بما قسم الله له فهو أسعد الناس.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كانت الدنيا همه فرق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له، ومن كانت الآخرة نيته جمع الله له أمره وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة» (1).

قال عبد الله بن عباس: القناعة مال لا نفاد له (2).

وقال سعد بن أبي وقاص لابنه: يا بني إذا طلبت الغنى فاطلبه بالقناعة، فإنها مال لا ينفد؛ وإياك والطمع فإنه فقر حاضر؛ وعليك باليأس، فإنك لم تيأس من شيء قط إلا أغناك الله عنه (3).

وقال عمر رضي الله عنه: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع على حصير، فجلست، فأدنى عليه إزاره وليس عليه غيره، وإذا الحصير قد أثر في جنبه، فنظرت ببصري في خزانة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا أنا بقبضة من شعير نحو الصاع، ومثلها قرظًا في ناحية الغرفة، وإذا أفيق معلق، قال: فابتدرت عيناي، قال: «ما يبكيك يا ابن الخطاب؟» قلت: يا نبي الله، وما لي لا أبكي وهذا الحصير قد أثر في جنبك، وهذه خزانتك لا أرى فيها إلا ما أرى، وذاك قيصر وكسرى في الثمار والأنهار، وأنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصفوته، وهذه خزانتك، فقال: «يا ابن الخطاب، ألا ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا؟»، قلت: بلى (4).

وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو: «اللهم قنِّعني بما رزقتني، وبارك لي فيه، واخلف على كلِّ غائبة لي بخير» (5).

وعن قتادة رضي الله عنه قال: كنا نأتي أنس بن مالك وخبازه قائم، وقال: كلوا، فما أعلم النبي صلى الله عليه وسلم رأى رغيفًا مرقَّقًا حتى لحق بالله، ولا رأى شاة سميطًا بعينه قط (6).

وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم من خبز شعير، يومين متتابعين، حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم (7).

إن القناعة تضفي على النفس الرضا والسعادة والطمأنينة، وتورث صاحبها عزة، فلا يقبل الهوان، ولا ركوب الحرام، للاستكثار من المنافع المادية.

الزوجة القنوعة تنظر إلى داخل بيتها لا إلى خارجه، تهيئ فيه أسباب الراحة، وتفجر ينابيع الحنان، وتفتش عن سبل السعادة؛ فتجعل من بيتها مملكة ينعم فيها أميرها ومليك عمرها، بيتها في عينها؛ أثاثه فاخر، ومقعده وثير، حتى ولو كان متواضعًا في نظر غيرها، أولادها هم ذهبها وجواهرها الثمينة؛ بل هم أغلى من كنوز الدنيا بأكملها، إنها تحب حياتها بكل ما فيها، ولا يملأ أحد عينها غير فارسها وتوأم روحها، وكيف تنظر إلى أحد غيره وليس في العالم كله من يصلح زوجًا لها أفضل منه، أليست هذه المرأة سعيدة بحق؟ صدق الله إذ يقول: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَ‌حْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُ‌ونَ} [الروم: 21].

جاء إبراهيم عليه السلام إلى مكة، بعدما تزوج إسماعيل عليه يتفقد حال أهله بعد ما تركهم مدة، وكانت أمه هاجر قد ماتت، فلم يجد إسماعيل فدخل على امرأته فسأل عنه.

في البخاري: جاء إبراهيم بعدما تزوج إسماعيل يطالع تركته، فلم يجد إسماعيل، فسأل امرأته عنه فقالت: خرج يبتغي لنا، ثم سألها عن عيشهم وهيئتهم، فقالت نحن بشر، نحن في ضيق وشدة، فشكت إليه، قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام، وقولي له يغير عتبة بابه، فلما جاء إسماعيل كأنه آنس شيئًا، فقال: هل جاءكم من أحد؟ قالت: نعم، جاءنا شيخ كذا وكذا، فسألنا عنك فأخبرته، وسألني كيف عيشنا، فأخبرته أنا في جهد وشدة، قال: فهل أوصاك بشيء؟ قالت: نعم، أمرني أن أقرأ عليك السلام، ويقول غير عتبة بابك، قال: ذاك أبي، وقد أمرني أن أفارقك، الحقي بأهلك، فطلقها.

وتزوج منهم أخرى، فلبث عنهم إبراهيم ما شاء الله، ثم أتاهم بعد فلم يجده، فدخل على امرأته فسألها عنه، فقالت: خرج يبتغي لنا، قال: كيف أنتم؟ وسألها عن عيشهم وهيئتهم، فقالت: نحن بخير وسعة، وأثنت على الله، فقال: ما طعامكم؟ قالت اللحم، قال فما شرابكم؟ قالت الماء، قال: اللهم بارك لهم في اللحم والماء، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ولم يكن لهم يومئذ حب، ولو كان لهم دعا لهم فيه»، قال: فهما لا يخلو عليهما أحد بغير مكة إلا لم يوافقاه.

قال: فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام، ومريه يثبت عتبة بابه، فلما جاء إسماعيل قال: هل أتاكم من أحد؟ قالت: نعم، أتانا شيخ حسن الهيئة، وأثنت عليه، فسألني عنك فأخبرته، فسألني كيف عيشنا فأخبرته أنا بخير، قال: فأوصاك بشيء، قالت: نعم، هو يقرأ عليك السلام، ويأمرك أن تثبت عتبة بابك، قال: ذاك أبي وأنت العتبة، أمرني أن أمسكك (8).

تأملي كيف تزوجت الطاهرة بنت الصديق أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، تقول رضي الله عنها: بنى  بي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما نُحرِت عليَ  جزور ولا ذُبحت عليَ شاة (9)، وتجهز أم العروس ابنتها وتقول: أهلك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتدعو لهما بالبركة، في غرفة متواضعة سقفها من جريد النخل، ليس فيها أثاث فاخر، ولا طلاء زاهر، ولا زخارف مبهرة أو تحف نادرة؛ ولكن السعادة التي تغمر القلوب، والقناعة التي تعمر النفوس، أحالت هذا المكان إلى واحة فيحاء وروضة غناء، بهذه البساطة دخل أكرم زوجين وأشرف عروسين وعاشا أسعد حياة في جو من راحة البال وهناءة العيش.

وانظري إلى فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدة نساء أهل الجنة كيف تزوجت؟ فقد جاء عن علي رضي الله عنه قال: جهز رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة في خميل، وقربة، ووسادة أدم حشوها إذخر (10).

هؤلاء هم سادة الدنيا وملوك الآخرة، فهموا هذه الحياة على حقيقتها، فتعلقت قلوبهم بالآخرة، وتطلعوا إلى ما عند الله.

إنها ليست دعوة للحرمان والتقشف، ولكنها دعوة للرضا والقناعة، والسمو فوق مظاهر الدنيا الكاذبة وبريقها الخادع، فكم من زيجات اشترطت أغلى المهور، وأقامت أعظم الحفلات، ودخلت على أفخر الأثاث، فما جلبت لهم هذه الأشياء الحب والسعادة، ولا حققت لهم الطمأنينة والأمان.

واحذري يا أختاه؛ فلا تطالبي زوجك بما فوق طاقته، واصبري على معيشته، واطردي الأوهام الزائفة التي تكدر صفو حياتك، فكل متاع الدنيا يزول، ولا يبقى لك إلا زوجك، وشريك حياتك وحبيب عمرك، الذي اخترتِه لنفسك ليكون لك قرينًا وفيًا في الدنيا، وصاحبًا دائمًا في الآخرة {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ} [الزخرف: 70].

وزوجة المرء عون يستعين بها      عـلى الحيـاة ونور في دياجيهـا

مسلاة فكرته إن بـات في كـــدر       مــدت لـه لـتواسـيه أياديهــــــا

في الحزن فرحته تحنـو فتجعله      ينسى بـذلك آلامًــا يعـانيهــــــا

إن عاد للبيت يلقى ثغر زوجتـه     يفتـُرُ عما يسـر النفس يشفيها

فزوجها مـلك والـدار ممـلكة     والحب عطر يسـري في نواحيهـا

إن كثيرًا من الزوجات أنعم الله عليهن بالحياة الرغدة، والبيوت الفخمة، والسيارات الفارهة، والأموال الكثيرة، لكن بعضهن للأسف حرمن هذه النعمة، نعمة الرضا والقناعة، فلم يذقن طعم السعادة على حقيقتها، وأصبحت الواحدة منهن أسيرة للمظاهر والشكليات، تطلعاتها لا تتوقف عند حد، طلباتها لا تنتهي أبدًا، فعاشت في فقر وعناء، وحرمان وشقاء، مع ما لديها من مال كثير، في ظاهرها أنها منعمة مترفة، وحقيقة أمرها أنها مكتئبة تعيسة، وصدق النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: «ليس الغنى عن كثرة العَرَض ولكن الغنى غنى النفس» (11).

أما الزوجة القنوعة فإنها تعيش غنية النفس، هانئة الحال، هادئة البال، سواء قلَّ من الدنيا نصيبها أو كثر، لا تتطلع إلى ما عند الآخرين، ولا تشتهي ما ليس عندها، محبوبة عند الله، وهي كذلك محبوبة عند الناس، مصداقًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس» (12).

أهم ما يشغلها في الحقيقة حالها مع ربها، تحزن وتكتئب إن قصرت في إرضائه سبحانه، وتفرح وتنشرح بما وفقها الله لطاعته ومرضاته، وبما غمرها من فضله ورحمته {قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58] (13).

الزوجة العاقلة هي التي ترعى الله في زوجها وتنشئ أولادها على القناعة دون إخلال بمطالبهم ومظهرهم أمام غيرهم، فتعمل جاهدة على تعلم حرفة تساعد بها زوجها من ناحية، وتحقق رغبات أبنائها من ناحية أخرى، فتمارس مثلًا حرفة الحياكة النسائية بحيث تدخر من ورائها ما يساعدهم عند الأزمات، وهذا ولا شك سيشعر الزوج بالرضا والحب لزوجته وأم أولاده، فيقدر لها مواقفها المسؤولة، وبالتالي فإنه لا يبخل بكلمات الإعجاب والحب والتقدير والتدليل المحسوبة، وهذا يجعلها أكثر اهتمامًا ببيتها وبزوجها، ويجعلها أكثر إحساسًا بالمسؤولية تجاه كل فرد في الأسرة.

والناظر في دنيا الناس يجد بعض الزوجات إذا رأت زوجها يكثر تدليلها تستغل فيه هذا الشعور الإنساني وهذه الطيبة؛ فتكثر من الطلبات التي قد تقصم الظهر، وتصر أن يعيش أولادها في مستوى الأغنياء، وتطلب من زوجها أن يتعلم أولادها في مدارس أجنبية ذات المصروفات الخاصة، وهذا ولا شك شيء جيد إذا كان الحال لا يساعد على ذلك فمن الأجدر لها أن تقنع بالتعليم في المدارس الحكومية، فكثير من النوابغ والأوائل كانوا من المدارس الحكومية، المهم أن يجتهد الطالب أو الطالبة في أي مكان يتعلم فيه؛ وبالتالي لا تعرّض بيتها لهزات تجعلهم يمدون أيديهم لغيرهم، كل هذا من أجل المظاهر المكلفة.

وهذا النوع من الزوجات تزيد هموم الزوج وتجعله يضيق بها وبأولادها، الأمر الذي يدفعه لتغيير مسار حياته مع تلك الزوجة المستغلة لمشاعره، حتى لو أدى الأمر إلى تطليقها وفجأة تجد نفسها وأولادها في وضع لا يُحسدون عليه، وكان بإمكانهم القناعة والعيش في حدود إمكانات الزوج (14).

ولا نعني بالقناعة البخل وقبض اليد عن الإنفاق؛ بل يقصد بها الاقتصاد والتدبير والإنفاق في غير سرف ولا مخيلة.

ومن مظاهر قناعة الزوجة الصالحة، ورضاها بما قسمه الله تعالى لها ولزوجها من الرزق: أنها تُقدر طاقته المالية وتقتصد في ماله، فلا تهدره بطرًا وبغير حق، ولا ترهقه بطلباتها غير الضرورية من متاع الدنيا، خصوصًا إذا فاقت إمكاناته، فذلك يزعجه ويؤلمه؛ لأنه لا يستطيع تحقيق هذه المطالب، ويعز عليه أن يظهر أمام زوجته بمظهر العاجز الذي لا يملك تنفيذ ما تطلب.

لذلك على المرأة أن تصحب زوجها بالقناعة، فلا تتطلع إلى ما عند الغير، ولا تحاكي أترابها من نساء الأقارب والجيران والمعارف في اقتناء الكماليات.

إن إرهاق المرأة لزوجها بكثرة المطالب بما يفوق طاقته ربما يدفع الزوج إلى السعي في كسب الحرام؛ وفي ذلك شقاء الأسرة كلها في الدنيا والآخرة.

عن أبي سعيد رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب خطبة فأطالها، وذكر فيها أمر الدنيا والآخرة، فذكر أن «أول ما هلك بنو إسرائيل أن امرأة الفقير كانت تكلفه من الثياب أو الصيغ -أو قال: من الصيغة- ما تكلف امرأة الغني» (15).

إن المرأة العاقلة هي التي تنظر إلى من هي أقل منها عيشًا، وأضيق رزقًا، فيحملها ذلك على شكر الله تعالى، والرضا بما قسمه لها.

إن القناعة تورث المسلمة سرور القلب بالمقدور في جميع الأمور، وطيب النفس وسكونها في كل حال، واغتباطها بما قسمه الله لها، ورضاها مِنه بِما يجرِيه عليها، قال الله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل: 97]، قال كثير من أهل التفسير: الحياة الطيبة في الدنيا القناعة.

وقيل: في معني قَوله تعالى: {لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللهُ رِزْقًا حَسَنًا} [الحج: 58] يعني القناعة.

وورد في صحيح مسلم عن عمرو بن العاص رضى الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «قد أفلح من أسلم، ورزق كفافًا، وقنعه الله بما آتاه» (16).

قال أبو حازم: ثلاث من كن فيه كمل عقله: من عرف نفسه، وحفظ لسانه، وقنع بما رزقه الله عز وجل (17).

وقال أَبو حاتم: العاقل يعلم أن الإنسان لم يوضع على قدر الأحظاء، وإن من عدم القناعة لم يزده المال غنى، فتمكن المرء بالمال القليل، مع قلة الهم: أهنأ من الكثير ذي التبعة والعاقل ينتقم من الحرص بالقنوع كما ينتصر من العدو بالقصاص (18).

وعنه أيضًا: القناعة تكون بالقلب، فمن غني قلبه، غنيت يداه، ومن افتقر قلبه لم ينفعه غناه، ومن قنع لم يتسخط وعاش آمنًا مطمئنًا (19).

وقال بعض البلغاء: إذا طلبت العز فاطلبه بالطّاعة، وإِذا طلبت الغنى فَاطلبه بالقناعة، فمن أَطاع الله عز وجل عنّ نصره، ومن لزم القناعة زال فقره، وقال بعض الأدباء: القناعة عز المعسر، والصدقة حرز الْموسر (20).

يقول ابن الجوزي: لا عيش في الدنيا إلا للقنوع باليسير؛ فإنه كلما زاد الحرص على فضول العيش: زاد الهم، وتشتت القلب، واستعبد العبد، وأما القنوع، فلا يحتاج إلى مخالطة من فوقه، ولا يبالي بمن هو مثله؛ إذ عنده ما عنده (21).

من صور القناعة عند نساء السلف:

كان نساء السلف، إذا خرج زوجها من منزله تقول له: إياك وكسب الحرام، فإنا نصبر على الجوع ولا نصبر على النار.

ويذكر الذهبي في كتابه سير أعلام النبلاء، في مناقب السيدة فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها كانت رضي الله عنها صابرة دينة خيرة صينة قانعة شاكرة لله (22).

وقال أبو محرز الطفاوي: شكوت إلى جارية لنا ضيق المكسب علي وأنا شاب، فقالت لي: يا بني استعن بعز القناعة عن ذل المطالب، فكثيرًا، والله ما رأيت القليل عاد سليمًا، قال أبو محرز: ما زلت بعد أعرف بركة كلامها في قنوعي (23).

طرائق تحصيل القناعة:

ولكي تكتسب المرأة القناعة في الدنيا: عليها أن تتحلى بالصبر والعلم والعمل، والتحلي بهذه الثلاث يكون من خلال ما يلي:

الأول: الاقتصاد في المعيشة، والرفق في الإنفاق: فمن أرادت القناعة، فينبغي أن تقتصد في عيشها ما أمكنها، وترد نفسها إلى ما لا بد منه، فتقنع بأي طعام وترضى بأي ملبس، طالما ملتزمة بالزي الشرعي، فعن النبي صلى الله عليه وسلم: «ثلاث منجيات: خشية الله تعالى في السر والعلانية، والعدل في الرضا والغضب، والقصد في الفقر والغنى» (24).

الثاني: إذا تيسر لها ما يكفيها، فلا تكون شديدة الاضطراب لأجل المستقبل: يعينها على ذلك قصر الأمل، واليقين بأن رزقها لا بد أن يأتيها، ولتعلم أن الشيطان يعدها الفقر.

عن أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن روح القدس نفث في روعي: إن نفسا لا تموت حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعاصي الله، فإن الله لا يدرك ما عنده إلا بطاعته» (25).

الثالث: أن تعرف ما في القناعة من عز الاستغناء، وما في الطمع والحرص من الذل: قال إِبراهيم بن شيبان: الشرف في التواضعِ، والعز في التقوى، والحرية في القناعة (26).

الرابع: أن تكثر التفكر في تنعم أراذل الناس والحمقى منهم وأهل المعاصي، ثم تنظر إلى أحوال الأنبياء والأولياء والصالحين: ثم تختار إلى أي الفريقين تفضل أن تنتمي أراذل العالمين، أو صفوة الخلق عند الله تعالى، حتى يهون عليها الصبر على القليل، والقناعة باليسير، وتدرك أن الله «يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الإيمان إلا من أحب» (27).

الخامس: أن تنظر دائمًا إلى من دونها في الدنيا، وإلى من فوقها في الدين: كما جاء في الحديث من رواية مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «انظروا إلى من أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله» -قال أبو معاوية- «عليكم» (28).

 إن المال الكثير، والمتاع الفاخر، ليس نعمة دائمًا، بل قد يكون فتنة، فاقنعي بما آتاك الله، وارغبي في الآخرة.

وليست تعني القناعة الخمول وترك الطموح، كلا إن طلب الرزق والتطلع إلى التوسعة على الأهل والعيال: أمر طيب؛ لكن الذي نعنيه ألا تحملك الرغبة في المال والتنعم والزينة، على دفع زوجك إلى المهانة أو الوقوع في الحرام، أو التفريط في كرامته، أو نسيان الله والتكاسل عن الطاعات (29).

إن المرأة التي لا تقنع برزق الله، وتتطلع دائمًا إلى متاع الدنيا، وترهق زوجها كثيرًا من أجل ذلك، تعمل على تقويض البيت الذي يؤويها، وتمكن الشيطان من نفسها حتى تصبح تابعة له فتهلك.

إن المال الكثير، والمتاع الفاخر، ليس نعمة دائمًا، بل قد يكون فتنة، فاقنعي بما آتاك الله، وارغبي في الآخرة.

وليست تعني القناعة الخمول وترك الطموح، كلا إن طلب الرزق والتطلع إلى التوسعة على الأهل والعيال وطلبة العلم والمجاهدين في سبيل الله؛ أمر طيب.

لكن الذي نعنيه ألا تحمله الرغبة في كسب المال على المهانة أو الوقوع في الحرام، أو التفريط في كرامته، أو نسيان الله والتكاسل عن الطاعات.

فيا أمة الله، اتقي الله تعالى، وصاحبي زوجك بالقناعة، ولا تتطلعي إلى ما عند الغير من متاع الدنيا، فإنها والذي نفسي بيده تطلعات تافهة، ولا تشغلي نفسك بأترابك من النساء الأقارب أو الجيران أو المعارف من التباري في اقتناء الكماليات، فالدنيا قاربت على الانتهاء، واقتربت الآخرة، بل وجهي مالك للبذل في سبيل الله تعالى، حتى يكون رصيدًا لك يوم القيامة (30).

***

____________

(1) أخرجه ابن ماجه (4105).

(2) العقد الفريد (3/ 169).

(3) تاريخ دمشق (20/ 363).

(4) أخرجه مسلم (1479).

(5) أخرجه الحاكم (1674).

(6) أخرجه البخاري (5421).

(7) أخرجه مسلم (2970).

(8) أخرجه البخاري (3364).

(9) أخرجه أحمد (25769).

(10) أخرجه النسائي (3384).

(11) رواه البخاري (6446)، ومسلم (1051).

(12) أخرجه ابن ماجة (4102).

(13) الزوجة القنوعة/ لها أون لاين.

(14) الزوجة القنوعة من أعمدة سعادة الأسرة/ صحيفة البيان.

(15) السلسلة الصحيحة (591).

(16) أخرجه مسلم (1054).

(17) مختصر منهاج القاصدين (ص: 199).

(18) روضة العقلاء ونزهة الفضلاء (ص: 150).

(19) المصدر السابق (ص: 151).

(20) أدب الدنيا والدين (ص: 226).

(21) صيد الخاطر (ص: 494).

(22) سير أعلام النبلاء (3/ 415).

(23) صفة الصفوة (2/ 258).

(24) صحيح الجامع (3039).

(25) السلسلة الصحيحة (2866).

(26) مدارج السالكين (2/ 314).

(27) أخرجه أحمد (3672).

(28) أخرجه مسلم (2963).

(29) القناعة سر سعادة المرأة/ لها أو لاين.

(30) قناعة المرأة/ شبكة الألوكة.