المرأة المسلمة وبناء الأجيال في زمن الانهيار القيمي

يتطلب بناء الأجيال في زمن الانهيار القيمي تركيزًا خاصًا على غرس القيم الأخلاقية والاجتماعية، مع الأخذ في الاعتبار التحديات والتحولات التي يمر بها المجتمع.
لقد بات من الملاحظ انتشار سلوكيات دخيلة على منظومة القيم الأصيلة مثل: الكذب، والنفاق، والغش، والتعدي اللفظي والجسدي، وتراجع الاحترام المتبادل بين أفراد المجتمع، فضلًا عن غلبة النزعة الفردية والمادية على حساب روح الجماعة والتكافل الاجتماعي، ومما يزيد الأمر تعقيدًا أن هذه السلوكيات لم تعد تثير استهجانًا عامًّا كما كانت من قبل، بل أصبحت تُعلل أو تُتقبَّل أحيانًا بوصفها "واقعية" أو "وسيلة للبقاء" أو "مواكبة لمتغيرات العصر"، وهو ما يشير إلى تحول عميق في الوعي المجتمعي، وتراجع في سلطة الضمير الجمعي.
لم تكن منظومة القيم في المجتمعات الإنسانية ثابتة عبر الزمن، بل كانت دومًا في حالة تفاعل وتطور، تعكس طبيعة السياق الثقافي والاجتماعي والسياسي المحيط بها، وعند المقارنة بين الماضي والحاضر، يتبيَّن حجم التحول الذي طرأ على هذه المنظومة، سواء على مستوى الثبات أو الفاعلية أو الأولويات.
في الماضي، كانت القيم تتمتع بثبات نسبي؛ إذ كانت تُنقل عبر الأجيال من خلال قنوات واضحة مثل: الأسرة، والتعليم الديني، والمجتمع التقليدي، وكانت تلقى قبولًا واسعًا دون كثير من التشكيك، وكانت قيم مثل: "الصدق، والأمانة، والحياء، والبر بالوالدين، واحترام الكبير، والعدل، والوفاء بالوعد" تمثل قاعدة راسخة في الضمير الجمعي، وتشكِّل أساسًا للسلوك الفردي والجماعي، وكان الانضباط الأخلاقي معيارًا للمكانة الاجتماعية والاحترام المجتمعي، ما يعزز التماسك بين أفراد المجتمع، ويقلل من مظاهر الانحراف، أو التفكك.
أما في الحاضر، فقد شهدت القيم تحولات سريعة ومعقدة بفعل عوامل متعددة، أبرزها: العولمة، والانفتاح الإعلامي، والتقدم التكنولوجي، وتراجع بعض الأطر التربوية التقليدية، وأصبح الفرد اليوم يتعرض لسيل من المؤثرات القيمية المتباينة، والتي كثيرًا ما تكون متضاربة، ما أدى إلى حالة من الارتباك أو التسيُّب القيمي.
مكانة الأم في الإسلام وأثرها في بناء الأمة:
قال تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب: 33]، أي: ليكن عليكن الوقار والسكينة، ولا تخرجن من البيوت إلا للحاجة وللضرورة، فإن استقرار المرأة أساس استقرار الأسرة؛ فالأولاد بدون الأم بلا استقرار، والزوج بدون الزوجة بلا استقرار، فالمرأة تلعب دورًا حيويًا في تحقيق التوازن والاستقرار الأسري من خلال عدة جوانب، بما في ذلك التربية، وإدارة شؤون المنزل، وتوفير بيئة آمنة ومحبة للأطفال.
والبيت هو مثابة المرأة التي تجد فيها نفسها على حقيقتها كما أرادها الله تعالى، غير مشوهة ولا منحرفة ولا ملوثة، ولا مكدودة في غير وظيفتها التي هيأها الله لها بالفطرة (1).
قال صلى الله عليه وسلم: «المرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها» (2).
فالمرأة الصالحة القانتة الحافظة مدرسة دينية وتعليمية واقتصادية ومصدر لاستمرار النوع البشري.
فهي كزوج؛ حافظة للنفس بما تعتني بصحة الأسرة، وبما تحافظ على عرضها وعفتها وشرفها وكرامة زوجها، وللمال بما تدير الشؤون الاقتصادية للبيت، وبما تنفق بالعدل، وتساعد الزوج على الإنفاق بالعدل، آخذة بنظر الاعتبار طاقته في الإنفاق.
وحافظة للدين بما تقيمه في نفسها، وبما تعلمه لأبنائها.
ومن وظيفتها تربية ورعاية الأبناء، ولا تقتصر الرعاية على الحاجيات المادية فحسب بل تتجاوزها إلى الإشباع العاطفي وتقديم الحب والحنان والتربية السليمة لتأهيل جيل المستقبل.
التحديات الأخلاقية والفكرية التي تواجه الأبناء اليوم:
الشباب أسرع الفئات تأثرًا، وأكثر طواعية في الانقياد لما يبث في عقولهم من السموم والأفكار الزائفة بشتى الوسائل (المسموعة والمرئية والمقروءة)، مما يجعل شباب المسلمين معول هدم لقيم الإسلام وأخلاقه.
إن من الشباب من يكون سويًا معتدلًا، وفي غفلة من نفسه ينساق خلف فئة أخرى قد وقعت في وحل الانحراف، وتغريه بأفكارها التي في ظاهرها الرحمة وفي باطنها العذاب، حتى توقعه في شباكها ويتشبث بأفكارها، فيكون رجلًا آخر، فأصحاب الشر والفساد حريصون على إفساد غيرهم حتى تقوى شوكتهم ويتسع نفوذهم، فيعملون على استمالة من يرونه سهل الانقياد والإذعان لهم، ويظهرون لهم المودة والمحبة حتى يطمئنوا إليهم، ثم يبدؤوا في تعتيم أفكارهم.
هؤلاء هم رفقاء السوء الذين يفسدون ولا يصلحون.
وتعتبر الأسرة اللبنة الأولى في كيان المجتمع، وهي الأساس المتين الذي يقوم عليه هذا الكيان فبصلاح الأساس يصلح البناء، وكلما كان الكيان الأسري سليمًا ومتماسكًا كان لذلك انعكاساته الإيجابية على المجتمع.
فالأسرة التي تقوم على أسس من الفضيلة والأخـلاق والتـعاون تعتبر ركيزة من ركائز أي مجتمع يصبو إلى أن يكون مجتمعًا قويًا متماسكًا متعاونًا، يساير ركب الرقي والتطور.
فالرعاية تعني المحافظة على سلوك الأبناء وتوجيههم الوجهة السليمة، واختيار الرفقة الطيبة، والمتابعة المستمرة، فإن الإهمال يفتح المجال أمام الأبناء إلى التفكير بلا ضابط، مع عدم القدرة على إدراك المصلحة، مما يجعلهم ينساقون بسهولة عبر تيار الفكر المنحرف، وما يتبعه من سلوكيات خطيرة.
إن عصر التقنية والإنترنت والإعلام المشبوه المدعوم من القوى العالمية والانفتاح على ثقافة العالم فرض نفسه بخيره وشره على العمل التربوي، بل جعل العملية التربوية أشق وأصعب مما كانت عليه، فازداد قلق الوالدين والمربين؛ حيث إن الأبناء أصبحوا أكثر عرضةً لكل غريبٍ من الأفكار، ولكل سيئ ومؤذٍ من الخبرات والمشاهدات غير الأخلاقية، والتي تؤذي العقل والقلب والروح؛ فأصبحت حصوننا التربوية مهددةً بطوفان الانحرافات الفكرية والأخلاقية؛ مثل الشذوذ الجنسي والإلحاد وإدمان الإباحية والتخلي عن الحجاب والدعوة للمساواة المطلقة بين الجنسين والارتباط بالحركة النسوية العالمية، التي تخطط ليل نهار لانتزاع المرأة من دينها وأسرتها.
كل ذلك بسبب غيبة الأبوين عن مسرح الحياة التي يخوضها الأبناء، في معزل عن الموجه والمربي والقدوة الحسنة، وكم من أم حصدت خيبة أمل في صلاح ولدها، وندمت على ما مضى حيث كانت مشغولة لاهية بمصالحها الشخصية، حتى دب داء الانحراف إلى ولدها.
دور المرأة المسلمة في حماية الأسرة:
دور الأم فهو دور كبير في إدارة أسرتها وتخريج نماذج حسنة من أبنائها، ومن هذا المنطلق تعتبر المرأة العنصر الأساسي في اكتشاف السلوك والفكر المنحرف لدى الأبناء، ولهذا أصبح من الضروري إسهام المرأة في معرفة مؤشرات السلوك الانحرافي وعلاماته.
ومن أهم واجبات الأم نحو أبنائها أن تعطي نفسها القدوة الحسنة لأبنائها، وأن تكون على دراية بالثقافة التربوية الشاملة لجميع مراحل العمر، كما أن عليها أن تجعل مصادر ثقافة أبنائها نقية لا يشوبها شيء من الباطل والمغالطات، وأن تجعل القرآن والسنة مصدرًا لثقافتهم،
كما أن عليها أن تكون على دراية بتقنيات العصر وبالأخص ما يتعلق بالشبكة العنكبوتية فالأم هي الحضن الأول لتهيئة الأبناء للحياة وبداية الطريق نحو الخير أو الشر، والانحراف الفكري لدى الأبناء مزلق خطر على كافة أصعدة الحياة، وإذا بحثنا عن منشأ هذا الخطر وجدناه في حضن الأمومة (3).
ويمكن أن نحدد أهم النقاط التي ينبغي أن تحصن بها المرأة أبنائها:
غرس الإيمان في قلوب الأبناء منذ الصغر:
التربية الإيمانية العميقة هي الضمانة الأولى لحماية أبنائنا من طوفان الأفكار المشوهة والأخلاق المسمومة. تبدأ عملية بناء العقيدة والإيمان عند الأبناء بعمر مبكر؛ وذلك من خلال السماع والتلقي والتلقين والمشاهدة والنمذجة السلوكية والشعورية والمنهجية والتشجيع والتعزيز.
يقول الغزالي: لصبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية من كل نقش وصورة، وهو قابل لكل ما نقش، ومائل إلى كل ما يمال به إليه، فإن عوّد الخير وعُلِّمه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة، وشاركه في ثوابه أبوه وكل معلم له ومؤدب له، وإن عُوِّد الشر وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك، وكان الوزر في رقبة القيم عليه والوالي له (4).
وفي تشكيل البناء العقلي العقائدي عند الأطفال؛ ينبغي أن نولي الحقائق والمفاهيم والمبادئ والتعميمات في العمل التربوي عناية كبيرة، فيكون بناء الحقائق العقدية والمفاهيم منذ الصغر بـ"التلقين" و"النمذجة" كأسلوبين للتعليم مع التدعيم والتشجيع.
نحرص أن يقع على مسامع الطفل أن الله ربنا وخالقنا، وهو الذي يعطينا ويرزقنا؛ نعلمه أن يسمي الله إذا أكل أو شرب أو وقع وإذا نسي؛ نعلمه ونحفّظه الأذكار عند الأكل وعند الشرب والانتهاء من الطعام (أدعية اليوم والليلة)؛ نعلمه الدعاء في كل المناسبات؛ تلقينًا وتحفيظًا وشرح معنى ونموذجًا سلوكيًا من قبل الوالدين.
نعرّفه على "الله" من خلال أسمائه الحسنى وصفاته العليا؛ لن يكلفنا الأمر الكثير، يكفي أن نربط لأبنائنا الأحداث والوقائع وفهمنا لها بأسماء الله سبحانه؛ حتى تستقر حقائق العقيدة في العقل والوجدان ومعانيها.
التربية الإيمانية للأبناء هي خط الدفاع الأول في مواجهة خطر الانحرافات الفكرية والأخلاقية؛ وهي تتطلب جهدًا منظمًا من قبل الوالدين والمربين يستند على منهجية رسول الله صلى الله وعليه وسلم في التربية، كما يستند على النظريات التربوية والنفسية والعلمية (5).
صناعة بيئة تربوية نظيفة في البيت:
البيئة التربوية تعني: الجو المحيط بالأبناء من كلّ الجوانب، والذي ينمون وينضجون من خلاله.. فكل شخص أو جهة لها احتكاك مع المتربي تدخل ضمن البيئة التربوية لهذا الفرد.
وحتى تصل إلى الجو المثالي في تطبيق هذا العامل مع الأبناء، يجب:
أ- أن تكون قدوة صالحة في أقوالك وأفعالك أمامهم.
ب- أن يكون جزء كبير من وقتك مخصصًا لهم، تعايشهم فيه، تسمع لهم تارة وتكلمهم تارة أخرى.
ج- أن تراقب تصرفاتهم وتطور سلوكياتهم بشكل غير مباشر دون شعورهم بأنهم تحت المراقبة.
د- أن توفر لهم جوًا من الإيجابية والتفاؤل والأمان وتغدق عليهم بكلمات التحفيز والتشجيع.
ه- توحيد نظام الثواب والعقاب بين الوالدين، بحيث لا يشعر الأبناء بأن أحد الوالدين يخالف الآخر في هذا النظام، وهذا يتطلب الجلوس بين الأب والأُم لمناقشة هذا النظام والعمل على تطبيقه معًا.
و- مشاركة الأب والأُم في عملية التربية داخل البيت، فلقد أثبتت دراسة علمية أنّ الأبناء الذين اشترك في تربيتهم كلّ من الأب والأُم تكون نسبة ذكائهم ووعيهم أكبر من الآخرين الذين تربوا على يد أب فقط أو أم فقط.
تطبيق البنود السابقة سينتج عنه أثر إيجابي في شخصية المتربي، فالوالدية هي الحضن التربوي الأوّل الذي يتعلم فيه القيم والمهارات والآداب، خصوصًا في السنوات الأولى التي تتشكل فيها عقلية المتربي وطريقة تعامله مع من حوله (6).
وفي هذه البيئة يتعوّد الأبناء على العبادات منذ الصغر، ويحبون الطاعة ويكرهون المنكر، ويكون ذلك بالتدريج، لا بالعنف، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها، وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع» (7)، وكذلك الأمر في باقي العبادات.
ويهتم الآباء والأمهات في هذه البيئة، بزرع الخلق الحسن في قلب الأبناء بالحبّ والبعد عن القسوة والعنف، والشعور بالأمن من جهة الوالدين، ثمّ بالقدوة، فحين يرى الابن أبويه صادقين مثلًا يتعلّم منهما ذلك، وبذلك ينشأ الطفل ويجري إعدادهُ إعدادا كاملًا من جميع جوانبه، لحياتي الدنيا والآخرة في ضوء الإسلام، وإن شئتَ قُل: هي الصياغةُ المتكاملةِ للفرد والمجتمع على وفقِ شرع الله.
وتكمن أهمية هذه البيئة الصالحة لتربية الأبناء في أنها توفر الوقت بفاعلية فيما يعود على الأبناء بالنفع في الدين والدنيا، وتسهم في بناء الشخصية السوية وصقلها بشكل يحقِّق التكامل والتوازن والثقة، وتغرس القيم الدينية والاجتماعية وتؤصلها في نفوس الأبناء وتحميهم وتحصنهم من الأفكار الهدَّامة والقيم السلبية، وتدمجهم في المجتمع، وتعدل السلوك الخاطئ وتعزز البدائل السلوكية الإيجابية المقبولة، وفي الوقت نفسه تشبع الحاجات الضرورية والميول وتنمية المواهب والاتجاهات الإيجابية.
وسائل عملية لتحصين الأبناء والأسرة:
عن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «مثل البيت الذي يذكر الله فيه، والبيت الذي لا يذكر الله فيه، مثل الحي والميت» (8).
إن الذي يوصف بالحياة والموت حقيقة هو الساكن لا المسكن، فهو من باب ذكر المحل وإرادة الحال.
وعن جابر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان: لا مَبيتَ لكم ولا عشاء، وإذا دخل الرجلُ فلم يَذكُر الله تعالى عند دخوله، قال الشيطان: أدركتُم المبيتَ، وإذا لم يذكر الله عند طعامه، قال الشيطان: أدركتم المبيت والعشاء» (9)، أي أن الشيطان يشاركه المبيت والطعام لعدم التحصن بذكر الله.
قال تعالى: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} [النور: 61]، فأرشدهم إلى ما يجلب محبتهم وصفاء نفوسهم ويدخل السرور عليهم، وهو أن من دخل بيتًا من البيوت بيته كان أو بيت غيره عليه أن يسلم على أهل البيت، قائلًا السلام عليكم، وإن كان البيت ما به أحد أو كان مسجدًا قال: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.
وهو تعبير لطيف عن قوة الرابطة بين المذكورين في الآية، فالذي يسلم منهم على قريبه أو صديقه يسلم على نفسه، والتحية التي يلقيها عليه هي تحية من عند الله، تحمل ذلك الروح، وتفوح بذلك العطر، وتربط بينهم بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها..
وهكذا ترتبط قلوب المؤمنين بربهم في الصغيرة والكبيرة (10).
السلام الأمان، وسبيل المؤمن إذا دخل بيتًا أن يسلّم من الله على نفسه أي يطلب الأمان والسلامة من الله لتسلم نفسه من الإقدام على ما لا يرضاه الله، إذ لا يحل لمسلم أن يفتر لحظة عن الاستجارة بالله حتى لا يرفع عنه سبحانه ظلّ عصمته بإدامة حفظه عن الاتصاف بمكروه في الشرع (11).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم، ولا تتخذوها قبورًا» (12)؛ أي: صَلُّوا فيها من النوافل، لكونه أخفى وأبعد من الرياء وأصون من المحبطات، وليتبرك البيت بذلك، وتنزل فيه الرحمة والملائكة، وينفر منه الشيطان (13).
وعن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده، فليجعل لبيته نصيبًا من صلاته، فإن الله جاعل في بيته من صلاته خيرًا» (14).
وحديث «فعليكم بالصلاة في بيوتكم، فإن خيرَ صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة» (15).
قال ابن حجر: وبه أخذ أئمتنا فقالوا: يسن فعل النوافل التي لا تسن فيها الجماعة في البيت، فهو أفضل منه في المسجد، ولو الكعبة والروضة الشريفة؛ لأن فضيلة الاتباع تربو على فضيلة المضاعفة، ولتعود بركتها على البيت، ولأنه أبعد عن الرياء وإن خلا المسجد (16).
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان يَنفِر من البيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة» (17).
والمعنى: ييأس من إغواء أهله ببركة هذه السورة، أو لما يرى من جدهم في الدين واجتهادهم في طلب اليقين، وخص سورة البقرة بذلك لطولها وكثرة أسماء الله تعالى (18).
وعن أبي طلحة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب ولا صورة» (19).
قال العلماء: سبب امتناعهم من بيت فيه صورة كونها معصية فاحشة، وفيها مضاهاة لخلق الله تعالى، وبعضها في صورة ما يعبد من دون الله تعالى، وسبب امتناعهم من بيت فيه كلب لكثرة أكله النجاسات، ولأن بعضها يسمى شيطانًا كما جاء به الحديث، والملائكة ضد الشياطين، ولقبح رائحة الكلب، والملائكة تكره الرائحة القبيحة، ولأنها منهي عن اتخاذها فعوقب متخذها بحرمانه دخول الملائكة بيته وصلاتها فيه واستغفارها له وتبريكها عليه، وفي بيته ودفعها أذى للشيطان، وأما هؤلاء الملائكة الذين لا يدخلون بيتًا فيه كلب أو صورة فهم ملائكة يطوفون بالرحمة والتبريك والاستغفار (20).
إذا حرصنا على هذه الأمور في بيوتنا من كثرة الذِّكر والصلاة وقراءة القرآن وغيرها في البيوت، أصبحت مدرسة للخير يتربَّى فيها مَن يَسكُنها من الأولاد والنساء على الطاعة والفضيلة، وتدخلها الملائكة، وتَبتعِد عنها الشياطين.
----------------
(2) أخرجه ابن حبان (4490).
(3) الأسرة ودورها في حماية أبنائها من الانحراف/ الإسلام اليوم.
(4) إحياء علوم الدين (3/ 72).
(5) وقاية الأبناء من الانحرافات الفكرية والأخلاقية/ رواحل.
(6) صناعة البيئة التربوية المناسبة/ البلاغ.
(7) أخرجه أبو دواد (495).
(8) أخرجه مسلم (779).
(9) أخرجه مسلم (2018).
(10) في ظلال القرآن (4/ 2534).
(11) لطائف الإشارات (2/ 623).
(12) أخرجه مسلم (777).
(13) شرح النووي على مسلم (6/ 68).
(14) أخرجه مسلم (778).
(15) أخرجه البخاري (6113)، ومسلم (781).
(16) مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (3/ 965).
(17) أخرجه مسلم (780).
(18) مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (4/ 1460).
(19) أخرجه البخاري (3322)، ومسلم (2106).
(20) شرح النووي على مسلم (14/ 84).