logo

المرأة المسلمة بين ثياب "الموضة" ولباس الشرع


بتاريخ : الخميس ، 26 شعبان ، 1437 الموافق 02 يونيو 2016
بقلم : تيار الإصلاح
المرأة المسلمة بين ثياب "الموضة" ولباس الشرع

إن المرأة المسلمة على مر العصور، كانت، ولا تزال، عفيفة بطبعها، كريمة بأصلها، مصونة بطبيعتها، فهي كتلك اللؤلؤة داخل تلك المحارة في أعماق هذا البحر العظيم.

 

إن المرأة المسلمة هي المرأة الوحيدة التي اعتنى بها دينها اعتناءً خاصًا؛ فبين لها كل أمور حياتها، منذ ولادتها وحتى موتها، مرورًا بطفولتها وإعطائها حقها منها، ثم بداية مرحلة المراهقة، وما ينبغي لأولياء المرأة من اهتمام بشأنها، واحتواء لروحها ونفسها وجسدها، وتلبية لحاجياتها، ولقد بين الإسلام ضوابط كل هذه الأمور.

 

فبين أن الطفلة لها مثل ما للطفل تمامًا من الاهتمام والرعاية والمرح واللعب واللهو، حتى إذا بلغت سن السابعة من عمرها تعلمت الصلاة، ثم في العاشرة كان التفريق بين الأخ وأخته في المضاجع، ثم إذا كان الحلم كان الحجاب الشرعي واللباس الشرعي، ثم انتقل الإسلام إلى تنظيم حياة المرأة بعد ذلك، حين تنتقل من بيت أبيها إلى بيت زوجها، وتتسلم مسئولية في البيت الجديد، وتصبح ذات منصبين، منصب الزوجة ثم منصب الأمومة.

 

فوضح لها الإسلام حقوقها كزوجة، وبين لها واجباتها تجاه زوجها كذلك، وأيضًا بين لها حقوقها كأم، وبين لها واجباتها تجاه أبنائها.

 

إن هذا الاهتمام بالمرأة المسلمة ليس عنصريًا، ولا تمييزًا لها عن الرجل؛ ولكن لأن المرأة هي عماد الأمة، وأساس تكوين الشعوب والأمم، فكما يقول الشاعر:

 

الأم مدرسة إذا أعددتها                        أعددت شعبًا طيب الأعراق

 

وهذا ما تفتق إليه أذهان أعداء هذا الدين، فعلموا أن هذه الأمة لن تُؤتى إلا من خلال المرأة المسلمة، وعلموا أنهم إذا نجحوا في استمالة المرأة المسلمة نحو ما يريدون وما يخططون، فإنهم بكل تأكيد سيصلون إلى ما يريدونه من انتكاسة هذه الأمة على أعقابها، وإبعادها عن دينها.

 

وما نجح أعداء هذا الدين في شيء بمثل ما نجحوا في إغواء المرأة المسلمة، بتلك الألبسة التي لا تَمُتُّ إلى الإسلام من قريب أو بعيد.

 

فإنك إذا ما سرت في الطريق، تقع عينك على ما لم يكن يتخيله عقل، فتيات، في سن الزهور، يلبسن ثيابًا ضيقة تكاد حتى تكون أقل قياسًا من حجم الجسد ذاته، وألوانًا لو تركت وحدها من غير لابسٍ لها، لوجدت من العين استحسانًا.

 

لا أدري كيف سمح كل أب وكل أم لابنتهما أن تخرج بهذا الشكل السافر، هل لأن الوالدين لا يعرفان ما هي ضوابط اللباس الشرعي؟ حتى لو لم يعرفا ذلك، أليس من البديهي أن الغاية من اللباس هي السترة؟ إذًا هل تحققت السترة في هذا الذي ترتديه بنات المسلمين اليوم؟

 

إن بعض النساء غير المسلمات، ممن لم تتنجس أفكارهن ببيوت الأزياء اليهودية، التي تسيطر على أفكار أكثر نساء العالم في موضوع الملبس، ليأبين أشد الإباء أن يلبسن مثل هذا اللباس الذي يجسد المرأة، ويظهر مفاتنها، ولا أدل على ذلك من أن الراهبات في الكنائس وفي المعابد اليهودية يلبسن تلك الثياب الساترة التي لا تصف ولا تشف، والتي تستر الرأس كذلك!.

 

إن السؤال المهم الذي يطرح نفسه، والذي ينبغي أن نطرحه على كل أب وأم؛ بل وعلى كل فتاة قد تلبست بهذا الأمر: لماذا نلبس؟

 

في الحقيقة، ربما لم يخطر هذا السؤال على بال أي أحد منا، لكن إذا استطعنا أن نجيب عليه، فإننا سنعرف ما الذي سنلبسه؛ فالحكم على الشيء فرع عن تصوره.

 

إننا نلبس لأن هذا اللباس هو تكريم من المولى عز وجل لنا؛ لأننا بهذا اللباس نفترق عن البهائم والحيوانات، فكلما رقق المرء من ملابسه، وكلما خفت ثياب المرأة وتقللت منها، كلما قربت أكثر من منزلة البهائم والحيوانات.

 

ثم لننظر كيف رتب الله الثواب العظيم، والجزاء الجزيل، على هذا العمل اليسير؛ وذلك لأننا قدرنا نعمة الله علينا، ألا وهي نعمة اللباس، فأثابنا الله عز وجل على ذلك التقدير هذه المغفرة وتلك المنزلة.

 

فعن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من لبس ثوبًا فقال: الحمد لله الذي كساني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة، غفر له ما تقدم من ذنبه»(1).

 

إننا نلبس اللباس لأن في اللباس ستر وحشمة وعفة، وفيه أيضًا زينة؛ بل ودلالة على التقوى، قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} [الأعراف:26].

 

في هذه الآية الكريمة يبين لنا المولى عز وجل أنه جعل لنا اللباس لأجل ستر العورات، وكذلك لأجل التزيين، لكن جعل المولى عز وجل ستر العورات مقدم على الزينة، فعلى المرأة المسلمة عند اختيار ثيابها، أن تنظر أولًا إلى ما يستر جسدها، قبل أن تنظر إلى جمالها، فإذا ما تعارض الجمال مع الستر والحشمة والعفة، قُدِّم الستر والحشمة والعفة، وذلك بنص كتاب ربنا، وحينها تتحقق التقوى التي هي خير.

 

وبعد أن علمنا لماذا نلبس؟ جاء السؤال التالي: ماذا نلبس؟

 

إن اللباس الذي يرضى عنه المولى عز وجل هو ذلك اللباس الساتر لجسد المرأة من رأسها حتى أخمص قدميها؛ الذي ينضبط بالضوابط التالية:

1. ألا يكون لباس مخيلة؛ لقوله صلى الله عليه سلم: «كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا في غير إسراف ولا مخيلة»(2).

2. لا يكون فيه تشبه بالكفار؛ فعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم علي ثوبين معصفرين، فقال: «إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها» [رواه مسلم]، وفي رواية: «أأمك أمرتك بهذا؟»،قلت: أغسلهما، قال: «بل أحرقهما».

3. ألا يكون شفافًا، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صنفان من أهل النار لم أرهما، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رءوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا» [رواه مسلم].

4. ألا يكون ضيقًا يصف جسد المرأة، فعن ابن أسامة بن زيد أن أباه أسامة قال: كساني رسول الله صلى الله عليه وسلم قبطية كثيفة، كانت مما أهداها دحية الكلبي، فكسوتها امرأتي، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما لك لم تلبس القبطية؟»، قلت: يا رسول الله، كسوتها امرأتي، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مرها فلتجعل تحتها غلالة، إني أخاف أن تصف حجم عظامها»(3).

5. ألا يكون لباسًا فيه تشبه بالرجال، فعن ابن عباس قال: «لعن الله المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال»

6. ألا يكون لباس شهرة، فعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لبس ثوب شهرة في الدنيا، ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة»(5).

_________________________________________________

(1) صحيح الجامع الصغير وزيادته (6086).

(2) المصدر السابق (4505).

(3) مسند أحمد (21786).

(4) المصدر السابق (3151).

(5) المصدر السابق (5664).