logo

التعامل مع المراهقين .. الفهم أولًا


بتاريخ : الثلاثاء ، 23 رمضان ، 1440 الموافق 28 مايو 2019
بقلم : تيار الاصلاح
التعامل مع المراهقين .. الفهم أولًا

تعد فترة المراهقة من أهم الفترات التي يمر بها الإنسان في حياته الطبيعية؛ بل يمكن اعتبارها فترة ميلاد جديد، بالإضافة إلى كونها فترة انتقالية قلقة وحرجة، ينتقل فيها الفرد من الطفولة نحو الرجولة(1).

ورغم قِصَر مرحلة المراهقة نسبيًا، إلا أنها تمتاز بحساسيتها الكبيرة؛ لِمَا لها من أثر كبير في الفرد، من الناحية الفيزيولوجية والاجتماعية والدينية والأخلاقية؛ حيث تتغير احتياجاته وسلوكياته وتصوراته عن كل شيء(2).

ويتوقف كثير من الآباء والأمهات حائرين أمام هذا المراهق، الذي لم تعد الأساليب الطفولية القديمة تجدي معه، ولا حتى أساليب آبائنا التي كانوا يستخدمونها معنا عندما كنا مراهقين، فما الذي حدث لهذا المراهق الذي بدأنا نلاحظ تغير كل شيء فيه، كيف نقنعه بما نريد؟ كيف نجعله يستمع لنا ويتجاوب معنا ويطيعنا؟ لا لشيء إلا لكي يتقدم ويتفوق، مرضيًا خالقه، فائزًا بجنته، محفوفًا بنعمه، محفوظًا بحفظه؛ ولذا جاءت الحاجة ماسة لدراسة هذا التغير، أو بمعنى آخر هذا النمو، مع ضرورة التنبه إلى أن مراهق اليوم بالتأكيد ليس هو مراهق الأمس ولا قبل الأمس(3).

وعلى الصعيد ذاته يرى كثير من الآباء أن سنوات المراهقة هي الأصعب على الإطلاق؛ حيث يبدأ الطفل دخول مرحلة عمرية مختلفة، ويصبح أكثر حساسية، وسريع الانفعال؛ حيث تبدأ مرحلة المراهقة، وترجع حساسيته واضطرابه الانفعالي إلى عدم قدرته على التلاؤم مع بيئته التي يعيش فيها، ويشعر أن طريقة معاملة والديه له لا تتناسب مع ما وصل إليه من نضج وما طرأ عليه من تغير، لا المدرسة ولا العائلة تعترف بهذا التغيير! ويبدأ المراهق في التشكي والتذمر من معاملة والديه له وعدم فهمهم له؛ لذا يلجأ إلى التحرر من مواقف ورغبة والديه، في عملية لتأكيد نفسه وآرائه وفكره لمن حوله.

كما يؤمن المراهق بتخلف أي سلطة فوقية أعلى منه ويحاول كسرها؛ لذا يلجأ في كثير من الأحيان إلى التمرد ومحاولات للتحرر من والديه، وتظهر هذه الرغبة لديه في كسر القوانين وتحدي الكبار، كما  تتكون لديه حالة من التمرد على كل ما هو أعلى أو أكبر منه! وهنا تبدأ العلاقة بينه وبين والديه تتعقد وتزيد المشاكل، فالطفل الذي كان متعاونًا أصبح ثائرًا وعنيدًا ويجلب المتاعب، والطفل الذي كان يستمتع برفقة العائلة الآن وقته كله مع الأصدقاء(4).

ما هي المراهقة؟

ترجع كلمة (المراهقة) إلى الفعل العربي (راهَق) الذي يعني: الاقتراب من الشيء، فراهَق الغلام فهو مُراهِق؛ أي: قارَب الاحتلام، ورَهقْت الشيء رهقًا؛ أي: قَرُبْت منه، والمعنى هنا يشير إلى الاقتراب من النُّضج والرشد، والمراهق: الغلام الذي دانى الحُلُم...

والمراهقة في علم النفس تعني: "الاقتراب من النضج الجسمي والعقلي والنفسي والاجتماعي"، ولكنه ليس النضج نفسه؛ لأن الفرد في هذه المرحلة يبدأ بالنضج العقلي والجسمي والنفسي والاجتماعي، ولكنه لا يصل إلى اكتمال النضج إلا بعد سنوات عديدة قد تصل إلى 10 سنوات(5).

أما البلوغ فإنه يقتصر على ناحية واحدة فقط من نواحي النمو؛ وهو النمو من حيث القدرة على التناسل عن طريق الغدد التناسلية، واكتساب معالم جديدة تنتقل بالطفل من فترة الطفولة إلى فترة الإنسان الراشد.

وعلماء النفس يعتبرون أن المراهقة مرحلة ميلاد جديدة للإنسان، وهو الميلاد النفسي للإنسان عندما يحس بذاته.

مرحلة المراهقة مرحلة بِناء الشخصية:

إن مرحلة المراهقة من أخطر مراحل نمو الإنسان، بمعنى أنها تتطلب رعاية خاصة، فإذا تصورنا دائرتين متداخلتين، دائرة الطفولة ودائرة الرشد، فإذا تداخلت هاتان الدائرتان تولدت بينهما المسافة المشتركة، وهي مرحلة المراهقة، ويكاد المراهق إذا وقف على أطراف أصابعه أن يتطلع إلى عالم الرجولة، وفي نفس الوقت يريد أن يتخلص من آثار مرحلة الطفولة.

فخطورة هذه المرحلة بجانب مرحلة الطفولة؛ لأنها أساس بناء الشخصية، والشخصية يبدأ تكوينها مبكرًا أكثر مما نتخيل؛ فنحن ننظر للطفل الرضيع على أنه مضغة لحم نلهو بها ونفرح بها فقط، لكن الجوانب التربوية نهملها مع الرضع ثم مع الأطفال بعد ذلك في المراحل المختلفة، على حين أننا نجهل أن بذور الخير أو الشر أو الصحة النفسية أو الأمراض النفسية كلها توضع في هذه المرحلة الأولى، ولا تلبث أن تنمو حتى تظهر فيما بعد، ثم إذا بلغ عمره ثمان عشرة سنة أو عشرين سألنا: أين التربية؟

ولم يعد هناك تربية في هذه السن؛ بل هو علاج؛ لأن التأسيس وبناء الشخصية ينتهي في مرحلة المراهقة، وكل ما يأتي بعد مرحلة المراهقة والطفولة يكون نتاجًا وثمرة لما تلقاه الإنسان من تربية في فترة الطفولة ثم المراهقة.

إذًا: لو تمكنت الصفات والخصائص من الشخصية في مرحلة البناء والتأسيس، فما بعد ذلك هو ثمرة لهذه التربية، والتربية لا تبدأ بعد اثنين وعشرين أو ثلاث وعشرين سنة، ولكنه علاج للتربية الخاطئة، كما لو وجد إنسان فيه عاهات نفسية فإنه يحتاج إلى علاج وليس إلى تربية؛ لأن التربية قد فات وقتها، ونحن لا نيأس ولا نؤيس ولكن ننبه على أهمية الاهتمام المبكر بالتربية المبكرة منذ أول يوم يولد فيه الطفل؛ بل في الحقيقة منذ كان جنينًا في بطن أمه؛ بل أخص من ذلك منذ أن اختار أمه التي ستلده.

كما أنها مرحلة مفترق الطرق بالنسبة للمراهق، ويكون له أحاسيسه المرهفة، وبالتالي يتخذ في هذه المرحلة قرارات مصيرية تؤثر في كل مستقبله فيما بعد(6).

لماذا كانت مرحلة المراهقة صعبة؟

المراهقة مرحلة انتقالية، ومن شأن المراحل الانتقالية الاضطراب والغموض، ومن الواضح أن الطفل في أول سنوات المراهقة يكون مشغولًا بالتخلص من قيود الطفولة وتصورات وسلوكيات الأطفال، وحين يبلغ السادسة عشرة فإنه يشرع في التخلص من تقلبات المراهقة؛ حيث يبدأ بإدراك الوضعية الفضلى التي ينبغي أن يكون عليها(7).

المراهقة مرحلة مؤقتة:

من الواضح لدينا جميعًا أن المراهقة مرحلة من مراحل عديدة يمر بها الإنسان، وما دامت مرحلة فهي إذن مؤقتة، وشيء مهم جدًا أن ننظر إليها هذه النظرة؛ لأن ذلك يُزَوِّدنا بطاقة عظيمة على التحمل، كما يزودنا بالأمل والترقب لما هو أفضل.

لا بد من فهم طبيعة المرحلة:

المراهقون يشكون في معظم الأحيان من سوء فهم الكبار لهم، وكثيرًا ما يعبرون عن الشعور بالظلم وعدم نيلهم لحقوقهم، والآباء والأمهات يشكون من الرعونات التي تظهر من أبنائهم المراهقين، ومن الأذى الذي يسببونه لسمعة العائلة...، الكبار إذن يشكون والصغار أيضًا يشكون، والحل واحد، وهو يكمن في أفضل معرفة ممكنة لمرحلة المراهقة والتغيرات التي تطرأ على شخصية المراهق.

إن الآباء حين يكسبون الخبرة الجيدة بطبيعة هذه المرحلة يصبح تعاملهم مع أولادهم أفضل وأرشد، ويجدون لديهم النصيحة المناسبة التي يمكن أن يقدموها لهم، هذا يعني أن الآباء في أمس الحاجة إلى التثقف والاطلاع على ما خطته أقلام علماء النفس والتربية حول المراهقة والمراهقين(8).

إن فهمنا لطبيعة مرحلة المراهقة يجعلنا نميز جيدًا بين ما هو طبيعي في حياة أبنائنا المراهقين وما هو غير طبيعي، وبِناءً على هذا التمييز نحدد الأسلوب الأمثل للتعامل معهم(9).

ماذا يريد المراهق؟

أكبر مشكلة تبرز في حياة المراهق اليومية، والتي تحول بينه وبين التكيف السليم، هي علاقته بالراشدين، وبالذات الآباء منهم؛ فهو يكافح بالتدريج كي يتحرر من سلطة الآباء؛ لأنه يريد أن يكون كالكبار من حيث المركز والاستقلال؛ فبالتالي يريد أن يصل بسرعة لمستوى الكبار، ويتحرر تمامًا من سلطتهم؛ وبالتالي تنشأ الصراعات.

فالمراهق لا ينصت لأحد ممن يكبره، وهو يعتقد أن طريقة معاملته لا تتناسب مع ما وصل إليه من نضج، وما طرأ عليه من تغيير، وتجده يقول: لا يوجد من يفهمني أو يدرك ما عندي من خبرة، وأني أستطيع أن أستقل بالأمور(10).

يقول الدكتور "تشارلز نيلسون"، أحد علماء نمو دماغ المراهقين، ومدير مركز التطور السلوكي بجامعة مينيسوتا: «يكون لدى المراهق من القرائن ما يُبرر له أنه لا يوجد مَن يفهمه؛ وذلك لأنهم غالبًا ما يترجمون الأقوال والأفعال الصادرة من الكبار على نحو غير صحيح»(11).

وقد يجد المراهق أن الآباء يتدخلون في شئونه الخاصة، فيكثرون أسئلة من نوع: أين كنت؟ ومع من؟ ماذا تقرأ؟ ماذا استمعت؟ ماذا كان يقول لك فلان؟ فيتدخلون بصورة تفصيلية في هذه المظاهر الحياتية، وبالتالي يتمثل الأمر في صورة صراع بينه وبين الكبار.

لكن المنزل الصالح، الذي يخرج شخصًا سليمًا معافًى من الآفات النفسية، هو الذي يتفهم حاجة المراهق إلى الاستقلال، وصراعاته من أجل أن يحقق ذاته، ثم يساعده ويشجعه بقدر الإمكان، فينبغي أن يتعامل معه كرجل قادر على الاستقلال، كما يشجعه على تحمل المسئوليات، واتخاذ القرارات، والتخطيط للمستقبل؛ هذا الفهم لمركز المراهق لا يأتي دفعة واحدة، ولكنه يكون محصول سنوات من الاستقلال التدريجي المتزايد، وإبراز الذات، والأسرة هي التي ينبغي أن ترسم الخطط لمراهقها حتى يتعلم الاعتماد على نفسه في سن مبكرة، فبذلك تعمل أحسن ما في وسعها لتأكيد نضج الفرد.

هذا النوع من التوجيه يجب ألَّا يكون أمرًا عرضيًا، لكنه ينبغي أن يكون نتيجة تفكير عميق وواع من الآباء، فالآباء يجب أن يسألوا أنفسهم على الدوام: متى نستطيع أن نسمح لولدنا المراهق أن يفعل هذا أو ذاك؟ ومن ثم يحدد هو بنظرته ما هو السلوك السليم في كل مرحلة؟ ما هي الفرص التي نسمح له بها كي يمارس استقلاله ويكتسب خبرات جديدة في الحياة تبرز نضجه وذاته؟

فأحسن سياسة تتبع مع المراهق هي سياسة احترام رغبته في الاستقلال والتحرر، لكن بشرط عدم إهمال رعايته وتوجيهه؛ فهذه السياسة تؤدي من جهة إلى خلق جو من الثقة بين الآباء وأبنائهم، وبالتالي يستطيع الابن أن يستفيد من خبرات أبيه ويصغي إلى نصحه، وفي نفس الوقت تساعد المراهق نفسه على أن ينمو نموًا ناضجًا ومتزنًا(12).

_______________

(1) المراهقة، خصائصها، ومشاكلها، وحلولها، د. جميل حمداوي، موقع: الألوكة.

(2) تعريف المراهقة، د. مولاي المصطفى البرجاوي، موقع: الألوكة.

(3) كيف نكسب المراهق ونعده لزواج ناجح، العنود بنت محمد الطيار، ص17.

(4) افهم ابنك المراهق، موقع: دليل الأم والطفل.

(5) فن التعامل مع المراهقين، جمال بامسعود، موقع الألوكة.

(6) كيف نفهم المراهقين (1)، للشيخ الدكتور محمد إسماعيل.

(7) المراهق كيف نفهمه، وكيف نوجهه، د. عبد الكريم بكار، ص15.

(8) المصدر السابق، ص13-14، بتصرف.

(9) المصدر السابق، ص36.

(10) كيف نفهم المراهقين (1).

(11) خصائص المراهقة، أ. مروة يوسف عاشور، موقع الألوكة.

(12) كيف نفهم المراهقين (1).