logo

احْنُ عليها تملكها


بتاريخ : الأربعاء ، 8 ربيع الأول ، 1438 الموافق 07 ديسمبر 2016
بقلم : تيار الاصلاح
احْنُ عليها تملكها

من المعروف أن للرجل طبيعة تختلف عن طبيعة المرأة، فالرجل من طبيعته الجدية والصرامة، والمرأة من طبيعتها الرقة والسهولة والليونة؛ وبالتالي فإنها تحتاج في التعامل معها إلى الحنان واللين واللطف والرقة، لذلك كانت وصاية النبي صلى الله عليه وسلم للرجال بالنساء: «واستوصوا بالنساء خيرًا، فإنهن خلقن من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرًا» [أخرجه البخاري (5186)، ومسلم (1468)].

انظر كيف كرر النبي صلى الله عليه وسلم الوصاية مرتين، وكأنها إشارة أولى لوجوب الاعتناء في التعامل مع النساء، وفيها إشارة أيضًا إلى أن الأمر قد يتطلب بعض الصبر ولا شك؛ لذلك كرر الأمر من باب التذكرة، أما الإشارة الثانية فهي قوله صلى الله عليه وسلم: «أعوج»؛ يقول الشيخ محمد متولي الشعراوي: "معنى الضِّلع الأعوج: حينما يقول ذلك فإنَّه لا يذمُّ النساء بهذا، وإنَّما هو ــ صلَّى الله عليه وسلَّم ــ يُحدِّد طبائع النساء، وما اختصهنَّ الله به مِن تفوُّق العواطف على العقل، على العكس من الرَّجل الذي يتفوَّق فيه العقلُ على العواطف، فما زاد في المرأة نقصٌ من الرجل، وما زاد في الرَّجل نقصٌ من المرأة.

 ليس العوجُ في الحديث مرادًا به الفساد في طبيعة المرأة؛ لأنَّ عوجَها هذا هو صلاحُها لأداء مهمتها، فالمرأة من وظائفها أن تتعاملَ مع الأطفال، والأطفال في حاجةِ إلى الحنان والانعطاف الشديد، وليسوا في حاجةٍ إلى التعامُل معهم تعاملاً عقليًّا، أو يغلب عليه العقل، بل هم في حاجةٍ إلى تعامُلٍ تغلب فيه العاطفة على العقل، حتى يمكنَ أن يكونَ احتمالُ القَذَر ومشقات السَّهْر والبكاء، والبحث عن راحة الطِّفل بين متاعبه، التي لا يُعرَف لها سببٌ أحيانًا.

 ولذلك كان أعوجُ ما في الضِّلَع أعلاه، وأعوج ما في المرأة أعلاها؛ يعني: انعطاف صدرِها على طفلِها، وغلبة عاطفتها على عقلِها.

من هنا أصبح العوجُ صفةَ مدحٍ، وليس صفةَ ذمٍّ للمرأة؛ إذ إنَّ هذا العوج في حقيقته هو استقامةُ المرأة لمهمَّتها" [المرأة المسلمة والدعوة إلى الله؛ أشرف عليه واعتنى به: أحمد الزعبي، ص26].

فوفرة المرأة في العاطفة، وكلمة "أعوج" ذاتها تحمل معنى العاطفة.

"مصدر كلمة العاطفة: عطف، ومن هذا المصدر نفسه اشتقت كلمة المنعطف، وهو المنحنى.

وكلمة "حنان" التي تحمل معنى العاطفة، فهي تحمل معنى العوج أيضًا، فالعرب تقول: انحنى العود وتحنى: انعطف، وهذه العاطفة هي ما أشار إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم حين تحدث عن الضلع الأعوج" [حوار مع صديقي الزوج، محمد رشيد العويد، ص19، بتصرف].

إذن فمقصود النبي صلى الله عليه وسلم من كلمة "أعوج" أن المرأة تحتاج في التعامل معها إلى اللين واللطف والرقة والصبر، ويجمع كل هذا الحنان، وهذا أيضًا ما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، اللقاء الأخير، اللقاء العام للمسلمين، اللقاء النهائي بين النبي صلى الله عليه وسلم وأمته، فإذا به يقوم فيهم واعظًا ومعلمًا ومرشدًا وملقنًا لهم كل ما يهمهم وما ينفعهم في دينهم ودنياهم، وكل ما يعيشون ويسيرون به إلى قيام الساعة، ومما قاله صلى الله عليه وسلم: «استوصوا بالنساء خيرًا، فإنهن عندكم عوان،... إن لكم من نسائكم حقًا، ولنسائكم عليكم حقًا، فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذَنَّ في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن» [سنن ابن ماجه (1851)، وسنن الترمذي (1163)].

النبي صلى الله عليه وسلم يأمر بالإحسان في الكسوة والإطعام، وهذا يعني التعامل بالرحمة والحنان والرفق في إطعام وكسوة النساء، فما بالنا بما هو أهم من ذلك؛ كالتعامل اليومي مع المرأة، والتواصل معها، والإنصات إليها، وهو ما تقوم عليه الحياة الزوجية كلها، لا شك أن التعامل بالإحسان والرحمة واللين والرفق أولى وأوكد هنا.

"أهم ما تحتاج إليه المرأة هو مشاعر الأمان والطمأنينة، وإذا فقدتها اضطربت، والرجل الحقيقي هو القادر على منحها هذه المشاعر، والمصدر الأول لأمان المرأة هو حب الرجل الحقيقي، فإذا شعرت بحب زوجها اطمأنت، والزوج الذي تكون زوجته هي حبيبته هو الزوج الناجح، ومن طمأنينة المرأة أن تشعر بصدق زوجها، فالصادق هو إنسان سامٍ ورفيع، ولا بد أن يكون شجاعًا، وكل تلك الصفات تشد المرأة إلى الرجل.

ومن طمأنينتها أيضًا أن يكون زوجها قادرًا على تحمل المسئولية، مسئولية الحياة، مسئوليته عن نفسه، وعن زوجته وأسرته، ومسئوليته كإنسان، والرجل الحق لا يتهرب من المسئولية، وإنما يتجه إليها بصدق وهمة وإيمان وفهم وحب، ويسعد بما يقدمه للآخرين من عطاء، سواء كان عطاء المسئولية أو عطاءً حرًّا نابعًا من حسه الإنساني النبيل.

ومن طمأنينتها أيضًا أن يكون لزوجها نفوذ إنساني، وهذا يعني ثراء شخصيته، ويعني اهتمامه بالحياة وبالإنسان وبالمجتمع، ومن طمأنينتها أيضًا أن يكون زوجها متمتعًا بالثبات الانفعالي، فلا يندفع غاضبًا ثائرًا لأبسط الأمور، ويفقد السيطرة على سلوكه، وينهار ويصدر عنه كلام غير منطقي وألفاظ سيئة؛ بل يكون صبورًا حكيمًا منطقيًّا، وأن يكون انفعاله انفعالًا بنَّاءً لمعالجة موقف، فيكون راقيًا في غضبه.

والمرأة تطمئن للرجل المتوازن، وتفتن بالرجل المتكامل، وتتعلق بالرجل الحي المتحرك النشط القوي الشجاع الحالم الرقيق، وكل ذلك هو مزيج الرجولة الحقة" [متاعب الزواج، د. عادل صادق، ص258-262، بتصرف].

"إن المرأة تحب الرجل الذي يفهمها ويشعر بها، الرجل الذي لديه حساسية خاصة تجاه مشاكلها وآلامها وطريقة تفكيرها، إن المرأة تحب الرجل الذي يحبها من بعد ما تحبه.

إنها تحتاج من الزوج أن يرعاها ويهتم بها، وأن يسقيها من ماء حبه، "فهي وردة نبتت في صحراء حياة الزوج، وهي ترى كل حياتها زوجها، وكل وجودها زوجها، تريد قلبه لتسكن إليه، تريد وجدانه لتمتلك عرشه، تريد حبه لتأنس به، تريد حنانه لترتوي منه، تريد عطفه لتعيش فيه، تريد قربه لتشعر معه بالدفء والأمان الذي تبحث عنه" [حتى يبقى الحب، لمحمد محمد بدري، ص242-243، بتصرف].

إن الزوجة حينها تتمنى لو أن الدنيا ملك يديها كي تهديها لزوجها، تود لو أنها تفدي زوجها بحياتها، إنها حينها ترمي بسعادتها تحت قدمي زوجها حتى تسعده فقط، كل هذه المعاني توجب على الزوج أن يحب زوجته بإخلاص، وأن يحافظ على مشاعرها بصدق، وأن يمنحها الحنان والأمان والاطمئنان، وحينها ستكون الزوجة ملكه مائة بالمائة، فلا شيء أدعى لامتلاك المرأة وإخلاصها في حبها لزوجها وبيتها من حنان يغمرها، ولين يلفها، ولطف ورفق يحتويها ويبعث إليها الاطمئنان.