logo

ضوابط زينة المرأة


بتاريخ : الاثنين ، 16 جمادى الأول ، 1446 الموافق 18 نوفمبر 2024
ضوابط زينة المرأة

موضوع زينة المرأة من المسائل الإشكالية -كأكثر المسائل المتعلقة بالنساء التي لها انعكاس على العلاقة بينها وبين الرجل- ولأن الزينة من المسائل التي عمت في زماننا وانتشرت وأصبحت أمرًا واقعًا كان لا بد من بيان التفصيل حولها والإضاءة على جوانبها لتكتمل الصورة.

فليست الزينة محرمة في ذاتها، بل هي مطلوبة ولكن بضوابطها التي لا تخرجها عن حدود الشرع، قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31]، وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كلوا واشربوا وتصدقوا في غير سرف ولا مخيلة، إن الله تعالى يحب أن يرى أثر نعمته على عبده» (1). 

قال ابن عباس: كل ما شئت، والبس ما شئت، ما أخطأتك خصلتان: سرف ومخيلة (2).

فإذا لم تكن الزينة بأمر منكر ثبت تحريمه بالشريعة بأن كانت حلالًا من غير إسرافٍ فلا مانع منها، هذا من حيث العموم في مسألة الزينة. 

أما ما يتعلق بزينة المرأة- فإن المرأة إما أن تكون ذات زواج أو بلا زوج- فإذا كانت متزوجة فإنها مطالبة بحسن التبعل والتجمل لزوجها؛ لأن ذلك مما يزيد الألفة والمحبة بينهما، والزوج كذلك مطالب بالتزين لزوجته، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: إني لأحب أن أتزين للمرأة كما أحب أن تتزين لي المرأة لأن الله تعالى يقول: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228] (3).

وقد رخص الإسلام للمرأة في مجال الزينة أكثر مما رخص للرجل، تلبيةً لفطرتها وأنوثتها، وحرصًا على دوام المحبة، وحسن العشرة بين الزوجين. 

والإسلام عندما أباح للمرأة التزين لم يطلق العنان لتحصيل الجمال، أو استكماله، بل وضع الأسس والقواعد التي تحقق الهدف المقصود من الزينة، هذا من جانب، ومن جانبٍ آخر حرَّم بعض أشكال الزينة إن صحَّ التعبير كوصل الشعر، والوشم، والنمص، وتفليج الأسنان، ونحو ذلك لما فيه من تغيير خلق الله تعالى، والخروج عن الفطرة، مع ما في ذلك من التدليس والإيهام.

وليست هذه المحرمات هي كل ما حرم الله في مجال التزين والتجمل، بل هي تنبيه على ما يماثلها على ما يماثلها على مر العصور، ولا سيما ما ظهر في وقتنا هذا مما يُسمى بجراحة التجميل، وهذا لا يعني أن الأصل في الزينة هو التحريم؛ بل الأصل هو الإباحة، {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الأعراف: 32]، لكن ذلك مقيد بضوابط دلت عليها النصوص.

ولقد ظهر في هذا العصر من أنواع الزينة كما يقال ما أخبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم وحذر منه، وظهر من يشجع على انتشاره من بيوت الأزياء ومحلات التجميل، والمستشفيات، ووسائل الإعلام، من صحفٍ، ومجلاتٍ، وغيرها، تقود إلى ذلك دعاية وترغيبًا، بغية تغيير الخلقة، وإفساد الفطرة، وإشاعة الفاحشة في الذين آمنوا، ثُمَّ تحقيق الأهداف الاقتصادية بابتزاز أموال المسلمين، في استهلاك هذه الكماليات، عدا ما فيها من أضرار.

إنَّ من صفات المرأة المسلمة أن تكون وقَّافةً عند حدود الله تعالى، لا تتعداها ولا تقربها، تقتصر على ما أباح اللهُ لها من أنواع الزينة تنظر بعين البصيرة، مهتدية بشرع ربها، لم يفسد مزاجها، ولم تنحرف فطرتها، وإنَّ مما يؤسف له أن يعجب الإنسان بكل ما يصدر عنه، أو بكل ما يهواه، مهما بلغ من السوء، فيرى القبيح حسنًا، والتشويه جمالًا، وتغيير خلق الله زينة، وهذا انتكاس في الفطرة، وفساد في الذوق، ونبذ لتعاليم الإسلام، قال تعالى: {أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا} [فاطر: 8]، والشاعر يقول:

يقضى على المـرء في أيام محنتـه       حتى يـرى حسنًا ما ليس بالحسن

 

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «لعن الله الواشمات والمستوشمات، والنامصات والمتنمصات، والمتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله»، فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها [ص:148] أم يعقوب، فجاءت فقالت: إنه بلغني عنك أنك لعنت كيت وكيت، فقال: وما لي ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن هو في كتاب الله، فقالت: لقد قرأت ما بين اللوحين، فما وجدت فيه ما تقول، قال: لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه، أما قرأت: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُم عَنهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ} قالت: بلى، قال: فإنه قد نهى عنه، قالت: فإني أرى أهلك يفعلونه، قال: فاذهبي فانظري، فذهبت فنظرت، فلم تر من حاجتها شيئًا، فقال: لو كانت كذلك ما جامعتها (4). 

قال النووي: قوله: لو كان ذلك لم نجامعها، قال جماهير العلماء معناه: لم تصاحبها ولم نجتمع نحن وهي، بل كنا نطلقها ونفارقها (5).

قال النووي: فيحتج به في أنَّ من عنده امرأةً مرتكبةً معصية كالوصل أو ترك الصلاة، أو غيرهما، ينبغي له أن يطلقها، والله أعلم (6).

فهذا الحديث دلَّ على أنواع محرمة، مما يطلق عليه زينة، وهي تفليج الأسنان، والنمص، والوشم، وكذا الوصل كما عند أبي داود في سننهِ من حديث عبد الله بن عمر قال: «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الواصلة والمستوصلة» (7)، وتحريمها جاء من لعن فاعلها، لأنَّ اللعنة على الشيء تدلُ على تحريمه، وتدل على أنَّهُ من الكبائر، وهي تغيير لخلق الله تعالى كما تقدم.

قال ابن العربي: إنَّ الله سبحانه خلق الصور فأحسنها في ترتيب الهيئة الأصلية، ثم فاوت في الجمال بينها، فجعلها مراتب، فمن أراد أن يغير خلق الله فيها وتبطل حكمته بها، فهو ملعونٌ لأنَّهُ أتى ممنوعًا (8).

وقال الطبري: لا يجوز للمرأة تغيير شيء من خلقتها التي خلقها الله عليها بزيادة أو نقص، التماسًا للحسن لا للزوج ولا لغيره (9). 

وأما إن كانت غير متزوجة، فيجوز أن تتزين بما يرغب الخطاب فيها وبما يدعو إلى نكاحها، والدليل على ذلك أن سبيعة بنت الحارث الأسلمية رضي الله عنها كانت تحت سعد ابن خولة رضي الله عنه، فلمّا توفي عنها ووضعت ما في بطنها كانت تتجمل ترجو النكاح، وقصتها في صحيح مسلم، وهذا لا يعنى أنها تخرج متبرجة مظهرة محاسنها للرجال؛ وإنما يكون في حال الخطبة وبالضوابط الشرعية، أو أمام النساء ليتحدثن عن حسنها وصلاحيتها لأن تكون زوجة؛ فيبلغ خبرها الرجال فيتقدمون لخطبتها.

فالحاصل أن الزينة مطلوبة من الجنسين ولكنها مطلوبة بضوابط لو خرجت عنها صارت من المخالفات الشرعية.

وقوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31]، مدار الحديث في موضوع الزينة كله على قوله تعالى: {مَا ظَهَرَ مِنْهَا} أي الزينة الظاهرة، وقد استفاض المفسرون قديمًا وحديثًا في عرض الأقوال حول هذه الزينة المباحة، وترجع كلها لمعنيين اثنين:

الأول: زينة الثياب، وهو قول ابن مسعود، والحسن، وابن سيرين والنخعي. 

الثاني: زينة الوجه والكفين، وهو قول ابن عباس، وسعيد بن جبير وعطاء، وقتادة، وغيرهم كثير.

شروط الزينة:

ألا يكون فيها ضرر على البدن فالضرر يزال، وألا تؤدي لإسراف لأنه منهي عنه، وألا يكون فيها إسراف ومبالغة بل تكون باعتدال وتوازن، وألا يكون فيها تشبه بالرجال، فقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهات بالنساء من الرجال والرجال من النساء.

 

وأن تكون الزينة من المتعارف المألوف، فلباس الشهرة اللافت منهي عنه، وألا يكون فيها تشبه بلباس دين كفر بعينه، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليّ ثوبين معصفرين فقال: «إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها» (10)، والعبرة في ذلك بالهيئة العامة بحيث ألا يكون هناك مشابهة في شيء من شارات الكافرات مهما كان يسيرًا.

 

ألا تؤدي لتغير خلق الله، والتغير هو التغيير الثابت أو الذي يثبت وقتًا طويلًا.

 

ألا تُبدي زينتها الظاهرة لغير محارِمها، سواء كانت مفاتن جسدِها وكلامها ومشيِها، أو محاسن ثيابها وحُليِّها وروائحِها، فلا تتعطَّر بحضور غير محارِمها، ولا تلبَس بحضورهم ثوبًا مزينًا أو ثوبًا ضيقًا يصف بشرتَها، أو قصيرًا يكشف شيئًا أُمرَت بسترِه، ومِن اللافت للانتباه أن الله جل وعلا عدَّد في القرآن الكريم أنواع المَحارم الذين تُظهِر المرأة زينتَها أمامهم؛ مما يدلُّ على عِظم هذا الأمر وأهميته؛ قال تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النور: 31].

 

ألا تُسرِف في الزينة، فالإسراف منهيٌّ عنه؛ سواء كان بإنفاق المبالغ الكثيرة، أو بإهدار الأوقات الطويلة؛ قال تعالى: {وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأنعام: 141]، وقال صلى الله عليه وسلم: «كلوا واشرَبوا والبَسوا وتصدَّقوا في غير إسراف ولا مَخيلَة» (11).

 

ألا تتزيَّن بما هو حرام؛ كوصْل الشعر، ونتْف الحواجِب، والوشم، وترك ما يَمنع وصول الماء إلى الأظافر والعيون والبشرة عند الوضوء والغسل، وكذلك ألا تتزيَّن بما فيه تشبُّه بملابس الرجال، أو بما هو مِن الملابس المختصَّة بالكافرات.

 

ضوابط زينة وتجميل الشعر:

1- قص الشعر: طول شعر المرأة ووفوره زينة وجمال وبهاء، وهذا أمر معروف منذ القدم، وإذا احتاجت المرأة إلى قصه مثل أن تعجز عن مؤنته، ويشق عليها كلفته فلها أن تقصه إذا كان هذا ليس فيه تشبه بالفاسقات والكافرات أو الرجال، ولا يكون في ذلك تلاعب واتباع للموضات، وقد ورد أن أمهات المؤمنين رضي الله عنهن قد قصصن شعورهن بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روى أبو سلمة بن عبد الرحمن قال: دخلت على عائشة أنا وأخوها من الرضاعة، فسألها عن غسل النبي صلى الله عليه وسلم من الجنابة؟ فدعت بإناء قدر الصاع فاغتسلت وبيننا وبينها ستر وأفرغت على رأسها ثلاثًا، قال: وكان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يأخذن من رءوسهن حتى تكون كالوفرة (12).  

 

2- حلق شعر الرأس: الحلق أخذ الشعر كله وإزالته بالموسي، وحلق المرأة رأسها لا يجوز إلا عند الضرورة وتقدر الضرورة بقدرها، لأن حلقه من غير ضرورة يعتبر مثلة في حق المرأة، وفيه أيضًا تشبه بالرجال، إذ أن الحلق من خصائصهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس على النساء حلق إنما على النساء التقصير» (13)، وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تحلق المرأة رأسها (14)، وقال: والعمل على هذا عند أهل العلم.  

 

قال الشنقيطي: وأما كون حلق المرأة رأسها ليس من عمل نساء الصحابة، فمن بعدهم، فهو أمر معروف، لا يكاد يخالف فيه إلا مكابر، فالقائل: بجواز الحلق للمرأة قائل بما ليس من عمل المسلمين المعروف، وفي الحديث الصحيح: «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد» (15)، فالحديث يشمل عمومه الحلق بالنسبة للمحرمة بلا شك، وإذا لم يبح لها حلقه في حال النسك، فغيره من الأحوال أولى، وأما كون حلق المرأة رأسها تشبها بالرجال، فهو واضح، ولا شك أن الحالقة رأسها متشبهة بالرجال؛ لأن الحلق من صفاتهم الخاصة بهم دون الإناث عادة.

 

وأما كون حلق رأس المرأة مثلة، فواضح؛ لأن شعر رأسها من أحسن أنواع جمالها، وحلقه تقبيح لها وتشويه لخلقتها، كما يدركه الحس السليم، وعامة الذين يذكرون محاسن النساء في أشعارهم، وكلامهم مطبقون على أن شعر المرأة الأسود من أحسن زينتها لا نزاع في ذلك بينهم في جميع طبقاتهم، وهو في أشعارهم مستفيض استفاضة يعلمها كل من له أدنى إلمام (16).

 

3- وصل الشعر: ويحرُم على المرأة وصلُ شعرها بشعر آخر، وهذا الفعل قد تفعله بعض النساء من أجل التزين والتحسين، أو لأجل إخفاء الشيب، وهو صنعٌ فيه تغيير لخلق الله تعالى، وكذب وخداع وتدليس؛ فلهذا كان هذا الفعل كبيرة من كبائر الذنوب.

 

فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لعن الله الواصلة والمستوصلة» (17).

 

والواصلة: هي التي تصل شعر غيرها، والمستوصلة المعمول بها ذلك.

 

وعن عائشة رضي الله عنها: أن جارية من الأنصار تزوجت، وأنها مرِضت، فتَمَعَّطَ شعرها- أي: تناثر- فأرادوا أن يصلوها، فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «لعن الله الواصلة والمستوصلة» (18).

 

ولكن استثنى بعض العلماء من تحريم وصل الشعر: مَن خُلقت بلا شعر، ويكون ذلك معيبًا بين الناس، فيجوز لها لبس الشعر الصناعي أو غيره، وإن كان الأفضل تغطية رأسها من غير لجوء إلى الوصل.

 

وقد قال بعض العلماء: التحسين نوعان: الأول: لإزالة عيب، فهذا لا بأس به، والثاني: لزيادة تجميل، وهذا لا يجوز.

 

عن سعيد بن المسيب، قال: قدم معاوية بن أبي سفيان المدينة آخر قدمة، قدمها فخطبنا، فأخرج كبة من شعر، فقال: ما كنت أرى أن أحدًا يفعل هذا غير اليهود، «وإن النبي صلى الله عليه وسلم سماه الزور يعني الوصال في الشعر» (19).

 

وسمى صلى الله عليه وسلم وصل الشعر زور لأنه كذب وتغيير لخلق الله تعالى، والأحاديث كما قال النووي صريحة في تحريم الوصل مطلقًا، وهذا هو الظاهر المختار، وقد فصله أصحابنا فقالوا: إن وصلت بشعر آدمي فهو حرام بلا خلاف؛ لأنه يحرم الانتفاع بشعر الآدمي وسائر أجزائه لكرامته، وأما الشعر الطاهر من غير الآدمي فإن لم يكن لها زوج ولا سيد فهو حرام أيضًا، وإن كان فثلاثة أوجه: أصحها إن فعلته بإذن الزوج أو السيد جاز، وقال مالك والطبري والأكثرون: الوصل ممنوع بكل شيء شعر أو صوف أو خرق أو غيرها، واحتجوا بالأحاديث، وذهب الليث ونقله أبو عبيد عن كثير من الفقهاء أن الممتنع من ذلك وصل الشعر بالشعر، أما إذا وصلت بغيره من خرقة وغيرها فلا يدخل في النهي (20).

 

3- نمص الشعر من الوجه والحاجبين: النمص: النمص لغةً: رقة الشعر ودقته حتى تراه كالزغب، والنمص: نتف الشعر، والنامصة: هي التي تُزيِّن النساء بالنمص، والمتنمصة: المُزيَّنة بالنمص.

 

ونتف شعر الوجه والحاجبين لا يجوز، فعن علقمة قال: لعن عبد الله، الواشمات والمتنمصات، والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله، فقالت أم يعقوب: ما هذا؟ قال عبد الله: وما لي لا ألعن من لعن رسول الله، وفي كتاب الله؟، قالت: والله لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدته، قال: والله لئن قرأتيه لقد وجدتيه: {وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7] (21).

 

والنمص والنتف سواء، ولا يختص النمص بالحاجبين؛ بل يشمل أخذ الشعر من الوجه، قال ابن الأثير: "النامصة التي تنتف الشعر من وجهها"، لكن إذا نبت للمرأة شعر في شاربها أو لحيتها أو خدها فلا بأس بإزالته لأنه خلاف المعتاد وهو مشوه للمرأة، وكذلك إذا طال شعر الحاجب ونزل على العين فيزال ما يؤذي منه، ومن الأمور المحدثة في النمص أن تزيل المرأة كامل الحاجب وتضع خطًا مكانه، وكل هذه الأمور سواء الإزالة الكاملة أو التخفيف منهي عنها.  

 

4- صبغ الشعر: صبغ الشعر لتغيير الشيب مشروع بل مسنون، إذ ثبتت مشروعيته بالأحاديث الصحيحة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم دون فرق في هذا بين الرجل والمرأة، فعن جابر بن عبد الله قال: أتي بأبي قحافة يوم فتح مكة ورأسه ولحيته كالثغامة بياضًا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «غيروا هذا بشيء واجتنبوا السواد» (22)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم» (23).  

 

فاستعمال الأصباغ على الشعر من العادات، والأصل فيها الحل والإباحة، وعليه، فيجوز صبغ الشعر بالأصباغ الحديثة، وغيرها من أنواع الأصباغ، ما لم يكن الصبغ بالسواد لتغيير الشيب، أو كان فيه مشابهة للكفار، أو ثبت ضرره طبيًّا.

 

قال ابن بطال: اختلف السلف قبلنا في تغيير الشيب، فرأى بعضهم أن أمر النبي عليه السلام بصبغه ندب، وأن تغييره أولى من تركه أبيض، روي عن قيس بن أبى حازم قال: كان أبو بكر الصديق يخرج إلينا وكأن لحيته صرام العرفج من الحناء والكتم، وعن أنس أن أبا بكر وعمر كان يخضبان بالحنان والكتم، وكان الشعبي وابن أبى مليكة يخضبان بالسواد ويقول: هو أسكن للزوجة وأهيب للعدو، وعن أبن مليكة أن عثمان كان يخضب بالسواد، وعن عقبة بن عامر والحسن والحسين أنهم كانوا يخضبون بالسواد، ومن التابعين: على بن عبد الله بن عباس وعروة بن الزبير وابن سيرين وأبو برده، وروي ابن وهب، عن مالك قال: لم أسمع في صبغ الشعر بالسواد بنهى معلوم، وغيره أحب إليّ (24).

 

والذين قالوا بإباحة صبغ المرأة لشعرها بالسواد بقصد التزين لزوجها لهم اعتبارات متعددة؛ فمنهم من أباحه– أصلًا– للرجال، وهذا لا إشكال عنده في استعماله من قبل النساء، ومنهم من قصر المنع على الرجال كالحليمي من الشافعية.

 

لكن بعض أهل العلم الذين ذهبوا إلى عموم النهي، أجازوا الصبغ بالسواد للمرأة التي تتزين به لزوجها، وقالوا: إنها إنما تنهى عن ذلك إذا كان يترتب عليه تدليس أو غش، وهو ما لا ينطبق على صبغ المرأة شعرها بالسواد لزوجها.

 

5- تعلية الشعر فوق الرأس: وهو من الأمور المستحدثة التي وردت علينا من نساء الغرب، وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم -وهو من معجزات النبوة- عن صنفين لم يرهما من أهل النار، فقال فيما يرويه عنه أبو هريرة: «صنفان من أهل النار لم أرهما، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رءوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا» (25).  

 

قال الشيخ بكر أبو زيد: وهذا نص فيه وعيد شديد، يدل على أن التبرج من الكبائر؛ لأن الكبيرة كل ذنب توعد الله عليه بنار أو غضب أو لعنةٍ، أو عذابٍ، أو حِرمانٍ، من الجنة.

 

وللعلماء في قوله صلى الله عليه وسلم: «مائلات مميلات» أربعة أوجه:

الأول: مائلات عن العفة والاستقامة، أي: عندهن معاصٍ وسيئات كاللائي يتعاطين الفاحشة، أو يقصرن في أداء الفرائض، من الصلوات وغيرها.

 

و«مميلات» يعني: مميلات لغيرهن إلى الشر والفساد، فهن بأفعالهن وأقوالهن يملن غيرهن إلى الفساد والمعاصي ويتعاطين الفواحش لعدم إيمانهن أو لضعفه وقلته.

 

الثاني: مائلات متبخترات في مشيتهن، مميلات أكتافهن.

 

والثالث: مائلات إلى الرجال مميلات لهم بما يبدين من زينتهن وغيرها.

 

الرابع: «مائلات» أي: يمشطن المشطة المائلة، وهي مشطة البغايا، مميلات يمشطن غيرهن تلك المِشطة (26).

 

ضوابط في تجميل الوجه:

1- العدسات الملونة: عرفت العدسات في مجال علاج قصر النظر، واستخدمت على نطاق واسع في مجال التجميل والزينة، وخاصة الملون منها، ويجوز لبس العدسات عند الحاجة بقصد العلاج، وأما استخدامها بهدف الزينة فقط، فمن أهل العلم من منع ذلك لما فيه من تغيير خلق الله، والتلبيس مع عدم وجود الحاجة إلى ذلك، ومن أهل العلم من أباح استخدامها لأن الأصل في الأشياء الإباحة والحل، ولكن هذا مقيد بقيود وشروط الزينة عمومًا بحيث لا يكون في لبسها مضرة ولا تشبه، ومن غير تبذير ولا إسراف.

 

فلا حَرَج في استِخْدام العدَسات الملوَّنة، فهِي أقرَبُ لما أباحه الله للنساء من الخضاب والحناء من غيرِها مِمَّا يُغَيِّر الخِلْقة. ولكن يُشْتَرط للإباحة:

- ألا يكونَ فيها ضررٌ على العَين.

- ألا تتزيَّن بها النِّساء للرِّجال الأجانب، وإنَّما تلبَسُها أمام زوْجِها ومَحارِمِها.

- وكذلِك ألا تكون تلك العدسات وسيلة للغِش والتدليس من المخطوبة لخاطبها، كما يجب الابتِعاد عن الإِسْراف في شرائِها؛ لأنَّ الله نَهى عن الإسْراف؛ قال تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا} [الأعرَاف: 31]. وعليه؛ فيجوز وضْع العدسات الملوَّنة على العينَين، على سبيل التجمل للزوج داخل المنزل، أو أمام المحارم من الرجال والنساء.

 

2- الرموش الصناعية: الرموش الصناعية هي نوع من الزينة المستحدثة تضعها المرأة فوق جفن العين فوق رموشها الطبيعية، لتبدو رموشها غزيرة طويلة، وتستخدم مادة مخصوصة لتثبيتها.

 

ولا يجوز استخدام هذه الرموش لدخولها في الوصل المنهي عنه، ولأنه قد ثبت من الناحية الطبية أن المادة التي تستخدم في صناعة الرموش الصناعية، وكذا المادة المثبتة لها تسبب حساسية مزمنة بالجلد والعين وتؤثر على الرموش الطبيعية ونموها الطبيعي.  

 

الرموش الصناعية لها حالتان:

الأولى: أن تركب لإزالة تشوه ناتج عن مرض أو حرق، فهذا لا يدخل في التجميل المحرم، وإنما هو من باب إزالة العيب.

 

وقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم في اتخاذ أنف من ذهب، وأذن في التغيير إذا كان علاجًا.

 

عن عبد الرحمن بن طرفة أن جده عرفجة بن أسعد: قطع أنفه يوم الكلاب فاتخذ أنفًا من ورق فأنتن عليه فأمره النبي صلى الله عليه وسلم فاتخذ أنفًا من ذهب (27).

 

عن ابن عباس قال: لعنت الواصلة والمستوصلة والنامصة والمتنمصة والواشمة والمستوشمة من غير داء (28).

 

وعن ابن مسعود قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن النامصة والواشرة والواصلة والواشمة؛ إلا من داء (29).

 

قال الشوكاني رحمه الله: قوله: (إلا من داء) ظاهره أن التحريم المذكور إنما هو فيما إذا كان لقصد التحسين لا لداء وعلة؛ فإنه ليس بمحرم (30).

 

الثانية: أن تكون الأهداب موجودة، وإنما يؤتى بالرموش الصناعية للتجميل وزيادة الحسن، فهذا يحرم لعلتين:

الأولى: أن ذلك في معنى وصل الشعر المنهي عنه.

 

الثانية: الضرر الذي يحصل بتركيب هذه الرموش.

 

جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: لا يجوز استخدام الأظافر الصناعية، والرموش المستعارة، والعدسات الملونة، لما فيها من الضرر على محالها من الجسم، ولما فيها أيضًا من الغش والخداع، وتغيير خلق الله (31).

 

3- في الأسنان وتجميلها: وشر الأسنان وهو ترقيقها وتحديدها وتفليجها لا يجوز، وفي الحديث: «لعن المتفلجات للحسن المغيرات لخلق الله» (32)، وعن أبي ريحانة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الوشر والوشم (33).  

 

والمتفلجات جمع متفلجة؛ وهي التي تطلب الفلج أو تصنعه، والفلج انفراج ما بين الثنيتين، والتفلج أن يفرج بين المتلاصقين بالمبرد ونحوه، وهو مختص عادة بالثنايا والرباعيات، ويستحسن من المرأة، فربما صنعته المرأة التي تكون أسنانها متلاصقة لتصير متفلجة، وقد تفعله الكبيرة توهم أنها صغيرة؛ لأن الصغيرة غالبًا تكون مفلجة جديدة السن ويذهب ذلك في الكبر، وتحديد الأسنان يسمى الوشر بالراء (34).

 

قوله: «والمتفلجات للحسن» يفهم منه أن المذمومة من فعلت ذلك لأجل الحسن فلو احتاجت إلى ذلك لمداواة مثلًا جاز (35).

 

وقال النووي: وأما قوله: «المتفلجات للحسن» فمعناه يفعلن ذلك طلبًا للحسن، وفيه إشارة إلى أن الحرام هو المفعول لطلب الحسن؛ أما لو احتاجت إليه لعلاج أو عيب في السن ونحوه فلا بأس والله أعلم (36).

 

4- استخدام المساحيق والأصباغ: يجوز استخدام المساحيق وأدوات التجميل إذا لم يكن فيها مضرة وحصل هذا بقصد واعتدال، والأطباء ينصحون بعدم استخدام أدوات التجميل عمومًا والمكياجات إلا في حالات قليلة، وعدم المواظبة على استخدامها؛ لأن فيها مواد كيميائية تؤثر على نضارة البشرة وحيويتها في المستقبل، وغالبًا ما تؤدي إلى ظهور التجاعيد مبكرًا في البشرة.  

 

قال ابن الجوزي بعد ذكر حكـم قشـر الوجـه: «وأمـا الأدويـة التـي تزيـل الكلـف وتحسن الوجه للزوج، فلا أرى بها بأس» (37).

 

لقد عرفت النساء المساحيق وتَزَيَنَّ بها قديمًا، فمنها ما هو مساحيق ومنه ما هو أدهان أو سوائل مثل الأسفيذاج والحناء، والزعفران، والكحل، والطيب، فكانت المرأة تطلي وجهها وتحمر وجنتيها، وهو ما يسمى اليوم بـ(المكياج) الذي يستعمل في صبغ الوجه وتزيينه.

 

والزينة عند المرأة من أكثر القضايا المهمة في حياتها، وجبلت على حب الزينة من الملابس والمستحضرات التجميلية والطيب ونحوها، فلا تكاد تزهد في حبها كبيرة ولا صغيرة، مما قد يترتب عليه اندفاع وطيش في سلوك بعضهن، حتى يخرج بهن عن حدّ الاعتدال إلى المكروه أو المحرم في صور من: الإسراف، أو التشبه، أو التبرج، بحيث تتحول حاجة إحداهن إلى الزينة واللباس إلى رغبه لا يشبعها شيء، واندفاعات عارمة لا يوقفها شرع ولا عقل.

 

ومن هنا كان لا بد من تتبع التوجيه التربوي الإسلامي في شروط حاجة النساء إلى اللباس والزينة، ضمن حدود الشرع الحنيف في كتاب الله، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما أجمع عليه السلف، بحيث يتخذ من هذه الشروط الشرعية معالم توجيهية تربوية، تضبط هذه الحاجات عند النساء، وتحكم اندفاعهنَّ ضمن حد الاعتدال في غير إفراط ولا تفريط.

 

إن حاجة المرأة إلى الزينة المشروعة معتبرة، فطبيعة المرأة الفطرية تحتاج إلى جمال جسمها رغبة في الإثارة من خلال زينة الوجه بالمساحيق، والكفين والشعر بالخضاب، ونحوها.

 

اتفق الفقهاء على جواز تزين المرأة وصقل وجهها وتحميره، ووضع الكحل والخضاب مطلقًا أذن به الزوج أم لا - هذا ما عليه جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية، وهو القول الأول لكل من الشافعية والحنابلة؛ وإن كان القول الثاني لدى الشافعية والحنابلة يرى أن جواز ذلك مشروط بإذن الزوج، وهذا يعني أن الزوج إذا لم يأذن بذلك التزين فإنه يكون ممنوعًا، ليس لذاته وإنما تمشيًا مع عدم حدوث ذلك الإذن من الزوج، وعلى أية حال فإن جواز تحمير الوجه وهو ما يعرف الآن بـ(المكياج) مشروط بعدم إحداثه لأية أضرار للوجه، وألا يكون مبالغًا فيه، بما يعد إسرافًا مذمومًا، وأن يكون هذا التزين مقصورًا على الزوج فلا تظهر المرأة تلك الزينة إلا لمن يكون من محارمها أو في حدود النساء، وهذا ما ورد في كتب الفقه المختلفة بهذا الشأن (38).

 

ويستثنى من ذلك الأصباغ التي لها جرم أو طبقة بحيث تمنع وصول الماء إلى البشرة؛ وهذه يجوز استخدامها حتى يحتاج الإنسان إلى طهارة فإذا احتاج إلى الطهارة وجب عليه إزالتها.

 

ويؤكد هذا ما جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: إذا كان للطلاء جرم على سطح الأظافر فلا يجزئها الوضوء دون إزالته قبل الوضوء، وإذا لم يكن له جرم أجزأها الوضوء كالحناء إذا كان الكحل له جرم يتجمد على الجلد فإنه لا يصح الوضوء إلا بعد إزالته؟ لأنه يمنع وصول الماء إلى ما تحته، وإن كان لا يتجمد فلا تأثير له على الوضوء، والله أعلم (39).

 

5- الوشم: الوشم: هو غرز إبرة أو نحوها في الوجه أو الذراع، ثم يحشى الموضع بمادة كالكحل أو غيره ليخضر الموضع أو يزرق، وهو محرم، وفي الحديث لعن الواشمات والمستوشمات، ومما استحدث من أساليب الوشم: أن يحدد شكل العينين والشفتين ثم ينقش عليها بالإبر ويحشى الموضع باللون المطلوب، فتصبح العينان كحيلتين على الدوام، وتصبح الشفتان دائمتي الحمرة، وهذا الفعل ينطبق عليه حكم الوشم.  

 

يرى الجمهور أن الوشم فعل محرم، وبهذا قال كل من المالكية والشافعية والحنابلة، ولم يشذ عن هذا سوى الحنفية الذين قالوا بأن الوشم يأخذ حكم الاختضاب، أو الصبغ بالمتنجس وأنه إذا غسل طهر (40).

 

واتفق الفقهاء على القول بنجاسة الوشم، وقد نصت كتب المالكية والشافعية والحنابلة على ذلك وإن كانت كتب المالكية قد صرحت بأنه من النجاسات المعفو عنها، وقالت الحنفية إن الوشم من حيث طهارته أو عدمها فإنه يأخذ حكم الاختضاب أو الصبغ بالمتنجس، فقد جاء في رد المحتار على الدر المختار: حكم الوشم في نحو اليد، وهو أنه كالاختضاب أو الصبغ بالمتنجس ثم حشي محلها بكحل أو نيلة ليخضر تنجس الكحل بالدم (41).

 

6- طلاء الأظافر: طلاء الأظافر يسمى لدى العامة (موناكير)، وهو مادة سائلة ملونة لزجة تصبغ بها المرأة أظفارها، فتجف بعد فترة مكونة طبقة عازلة تمنع وصول الماء في الوضوء، وهذا الطلاء إن لم يكن فيه مضرة فيراعى إزالته عند كل وضوء وغسل ليصل الماء إلى البشرة، وتركه أولى، وقد أشار بعض الأطباء إلى أن الطلاء المستمر يضر بالأظافر، وقد يؤدي إلى تشققات بها.  

 

فلا حرج في طلاء الأظافر، إذ الأصل في العادات الإباحة ما لم تؤد إلى غرر أو غش، كأن تغش خاطبًا فتظهر أن يدها حسناء وهي دون ذلك، أو تنوي في ذلك التشبه بالفاجرات أو الكافرات، كأن تصبغها بطريقة تشبه صبغة فلانة من الكافرات، أو فلانة من الفاجرات، فينهى عنه لعلة التشبه، لا لذاته، أو أن يكون الطلاء مصنوعًا من مواد محرمة، كأن يكون فيه شحم خنزير ونحوه، وعلى من وضعته أن تزيله قبل كل وضوء، أو غسل إذا كان مما يمنع وصول الماء إلى محل غسله، لأن من شروط الوضوء إزالة ما يمنع وصول الماء إلى أعضاء الوضوء.

 

أما إذا كان مجرد لون فقط، فيجزئ الوضوء مع وجوده؛ لأنه لا يمنع وصول الماء إلى الأظافر، جاء في فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء: إذا كان للطلاء جرم على سطح الأظافر: فلا يجزئها الوضوء دون إزالته قبل الوضوء، وإذا لم يكن له جرم: أجزأها الوضوء؛ كالحناء.

 

التزين عن طريق عمليات التجميل:

التجميل المستعمل في الطب ينقسم إلى قسمين: القسم الأول: الجراحة التي يحتاج إليها الإنسان لوجود عيوب خَلْقية ولد بها الإنسان كالتصاق أصابع اليدين أو الرجلين، أو عيوب ناشئة عن الآفات المرضية التي تصيب الجسم أو العيوب الطارئة على الجسم كالتشوهات الناشئة عن الحروق والحوادث، فهذه العيوب يجوز إجراء العمليات الجراحية لإزالتها.  

 

القسم الثاني: الجراحة التجميلية التي يقصد بها تحسين المظهر وتحقيق صورة أجمل وأحسن، ومن ذلك ما يسمى بعمليات تجديد الشباب، وعمليات تجميل الأنف بتصغيره أو تغيير شكله عمومًا، وتجميل الثديين بتصغيرهما إن كانا كبيرين أو تكبيرهما إن كانا صغيرين، وتصغير الشفة الغليظة وتكبير الشفة الرقيقة، ونحو ذلك، وشد تجاعيد الوجه ليظهر صاحبه وكأنه أصغر بكثير من سنه الحقيقي، وهذا النوع من الجراحة مشتمل على تغيير خلق الله، والعبث به حسب الهوى والرغبة، وهو داخل في عموم قوله سبحانه وتعالى حكاية عن إبليس: {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} [النساء: 119]، وفي حديث ابن مسعود السابق: «والمتفلجات للحسن المغيرات لخلق الله» (42).  

 

التزين والتجمل بالمطعوم:

المواد المطعومة مثل: الحبة السوداء، وزيت الزيتون وعسل النحل، وغيرها هي غذاء للبدن وتستخدم للعلاج، وقد تستخدم بغرض التجميل والتحسين المحض؛ مثل وضع القناعات للوجه بغرض تغذية الوجه وتخفيف تجاعيده وخشونته، وإعادة رونقه ونضارته ونعومته، فإذا كانت هذه المواد داخلة في مواد أخرى مصنعة مثل المراهم والمحاليل فلا إشكال في ذلك، وأما إذا كانت خالصة فإن احتيج إليها مما لا يعد امتهانًا فلا بأس بذلك، والله أعلم.

 

 

أخيرًا:

التزين مطلوب لكن بالمباح فلا نلجأ للأشياء المحرّمة مثل النمص، وقد ابتلى بهذه الآفة الخطيرة- التي هي كبيرة من كبائر الذنوب- كثير من النساء اليوم حتى أصبح النمص كأنه من الضروريات اليومية.

 

نجد كثيرًا من النساء والفتيات انجرفن وراء تيار آخر الموضات والصيحات؛ بل الصرخات في اللباس وقصّات الشعر حتى لو كان ذلك يخالف تعاليم الدين الإسلامي، فنجد الآن من المسلمات من تتبع شعارات برّاقة ومجلات فاتنة ودعايات زائفة حتى صدق فينا قول ربنا: {وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ} [التوبة: 47].

 

فنجد من المسلمات من تقلد الغربيات تقليد أعمى، فهل من عودة إلى شرع حنيف وزينة مباحة -وتجمّل جائز؟

 

وهناك مسألة أخرى غفلت عنها الكثيرات؛ وهي أن أحيانًا زينة المرأة وتجمّلها واقتنائها لأجمل أنواع الثياب والحلى يؤدى بها إلى داء العُجْب- أعاذنا الله وإياكم منه- فيكون لباس المرأة وزينتها مدعاة لازدراء الآخرين وتكبرها عليهن ورؤيتها لنفسها، فذاك والله عين صغارها واحتقارها، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر» (43).

 

أحيانًا تمنع تلك الزينة المرأة من أداء الصلوات المكتوبة، فتخشى المرأة من ضياع تلك الزينة من الماكياجات مما صبغت به وجهها، وهذا المجهود بالوضوء مما قد يؤدي إلى ترك الفريضة بالكلية أو جمعها مع غيرها بدون موجب شرعي للجمع.

 

ألا يكون تزين المرأة بما فيه إسراف، فليس صحيحًا أن نستنزف أموالنا جريًا وراء كل جديد أو لهاثًا خلف كل صيحة؛ بل صرخة أو تقليعة، مع أن المرأة في المقابل مطلوب منها على وجه الخصوص الإسراع إلى النفقة في وجوه الخير، قال صلى الله عليه وسلم: «يا معشر النساء تصدقن فإني أريتكن أكثر أهل النار» (44).

 

ومن الإسراف تبديد الأوقات وتضييع الساعات الطوال والوقوف طويلًا أمام المرآة من أجل تحسين الهيئة وتعديل الشكل؛ مما يفوّت على المرأة المسلمة أداء الكثير من واجباتها، فضلًا عن فوات حظها من العلم النافع والعمل الصالح والتربية المُثلى لأبنائها؛ بل قد يفوّت عليها ذلك الاهتمام الزائد والسرف المخلّ أداء حقوقٍ كثيرة للزوج.

 

ليس من اللائق أبدًا أن تكون شعوبنا، كرامتها مهدرة في شتى بقاع الأرض ونحن ما زلنا في غفلة نضيع الوقت والجهد في تتبع بيوت الموضة والأزياء، وهي في أصلها من صنع اليهود، إننا في زمن نواجه فيه هجمة شرسة ورماحًا مسددّة، حاكها ودبّرها اليهود وأذنابهم، يقول الدكتور الخائب أوسكار ليفي: نحن اليهود لسنا إلا سادة العالم ومفسديه ومحركي الفتن فيه وجلاديه.

 

ولا نريد أن تكون هذه الأشياء هي شغلنا الشاغل وننسى إخواننا في كل مكان.

 

فاجعلي من الزينة ما يقرّبك لله عز وجل بحيث تكون الزينة وسيلة من وسائل زيادة المودة والمحبة والوئام بينك وبين زوجك، اجعليها وسيلة من إعفاف زوجك وغض بصره عن الحرام؛ لتنشأ بذلك الأسرة المسلمة القوية واحتسبي الأجر في ذلك.

 

واهتمي بتربية نفسك وأولادك على الدين القويم حتى ينشأ من رَحِمِك مَنْ يحرر بلادنا من احتلال المعتدين، ومن يفتح مشارق الأرض ومغاربها، فاحتسبي الأجر في ذلك كما قلنا من ذي قبل بدون إفراط أو تفريط.

***

---------

(1) أخرجه الحاكم (7188).

(2) كشف الخفاء (2/ 116).

(3) أخرجه ابن أبي شيبة (19263).

(4) أخرجه البخاري (4886).

(5) شرح النووي على مسلم (14/ 107).

(6) شرح النووي على مسلم (14/ 107).

(7) أخرجه أبو داود (4168).

(8) عارضة الأحوذي (7/ 263).

(9) فتح الباري (10/377).

(10) أخرجه مسلم (2077).

(11) سبق تخريجه.

(12) أخرجه مسلم (320).

(13) أخرجه أبو داود (1693).

(14) أخرجه الترمذي (915).

(15) أخرجه مسلم (1718).

(16) أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن (5/ 189).

(17) أخرجه البخاري (5933).

(18) أخرجه البخاري (5934).

(19) أخرجه البخاري (3488).

(20) إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري (8/ 476- 477).

(21) أخرجه البخاري (5939).

(22) أخرجه مسلم (2103).

(23) أخرجه البخاري (3462)، ومسلم (2103).

(24) شرح صحيح البخاري لابن بطال (9/ 151).

(25) أخرجه مسلم (2128).

(26) شرح النووي على مسلم (14/ 110).

(27) أخرجه أبو داود (4232).

(28) أخرجه أبو داود (4170).

(29) أخرجه أحمد (3945).

(30) نيل الأوطار (6/ 229).

(31) فتاوى اللجنة الدائمة (17/ 133).

(32) أخرجه البخاري (5939).

(33) أخرجه النسائي (8/ 149).

(34) فتح الباري لابن حجر (10/ 372).

(35) فتح الباري (10/ 373).

(36) شرح النووي على مسلم (14/ 107).

(37) أحكام النساء (ص: ٣٣٩).

(38) أحكام التزين والتجمل وضوابطهما في الفقه الإسلامي (ص: 187).

(39) اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (٤/ ٦٩).

(40) أحكام التزين والتجمل وضوابطهما في الفقه الإسلامي (ص: 198).

(41) رد المحتار على الدر المختار (١/ ٣٣٠).

(42) أخرجه البخاري (5939).

(43) أخرجه مسلم (91).

(44) أخرجه البخاري (304).