logo

الحماة والكنة في نظر الإسلام


بتاريخ : الأحد ، 10 صفر ، 1442 الموافق 27 سبتمبر 2020
بقلم : تيار الاصلاح
الحماة والكنة في نظر الإسلام

الأسرة هي نواة المجتمع، فإذا صلحت وقويت أركانها صلح المجتمع كله، وصمد أمام الرياح العاتية والأعاصير العاصفة والأزمات الشديدة، وأصبح المجتمع مجتمعًا مثاليًا، متماسك البناء قوي الأركان، أما إذا فسدت الأسرة، كانت ضعيفة هشّة تنهار أمام أول عاصفة تواجهها، وبالتالي تؤثر على المجتمع ككل، فلا يصمد أمام الأنواء وينهار أمام العواصف العاتية.

لذلك كان لقيام الأسرة في الإسلام أهميتها الكبيرة والخطيرة في نظر المشرّع، وكان لها شروط ينبغي مراعاتها حتى تقوم على أساس سليم، وتستقيم أمورها وتسير في ركب الحياة في طريقها الصحيح الذي مهده لها الإسلام تمهيدًا جيدًا، تبدأ باختيار الزوجة التي هي أم المستقبل، وأيضًا الزوج وهو أب المستقبل، ثم المباركة بإتمام الزواج الميمون بما شرعه الله تعالى.

والزواج حصن يردّ عن المرء جموح الغزيرة، ويحفظ العرض، ويحول دون التردي في مزالق الفواحش، كما أنه وسيلة للهدوء النفسي والقلبي، والسكن والمودة والرحمة، يقول الله تعالى في كتابه العزيز: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21].

فكل من الزوجين ملاذ للآخر يسكن إليه، فيتراحمان ويتوددان، ويتعاطفان فيعطف بعضهما على بعض.

وللتأكيد على اختيار المرأة المؤمنة الصالحة يقول تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} [النساء: 25] (1).

ولا تستقيم العلاقةُ بين الحماة والكَنَّة، حتى تضعَ الحماةُ كَنَّتها موضعَ الابنة، وتضعَ نفسها مَوْضِعَ أمها، وحتى تضعَ الكَنَّةُ حماتها موضع الأم، وتضع نفسها موضع ابنتها، فهي علاقةٌ تقوم على الاحترام والتقبُّل والتفهُّم، وليس على التنافُس والغيرة والتقاتُل على قلب الزوج/ الابن، إلا أنَّ الصورةَ النمَطيةَ للحماة في ذِهْن امرأة الابن، والصورة النمطية للكَنَّة في ذهن أم الزوج قد أثَّرَتْ سلبًا على طبيعة وصورة العلاقة التي ينبغي أن تكونَ بينهما، لذلك ينبغي التأكيد على أن الحموات لَسْنَ مُتشابهات، ولا الكنائن كذلك.

العداوة بين الحماة وزوجة الابن أو زوج الابنة هي عداوة وهمية، تناقلتها الموروثات منذ الأجداد، ورسختها الدراما في عرض صورة الحماة بأنّها الطرف الشرير الذي يدخل بين الزوجين ليفرقهما ويقضي على سعادة البيت الجديد، وهذه الشحنة السلبية تؤثر بلا شك على الزوجين في بداية زواجهما، وقد تظل معهما فترة طويلة إذا لم يتحليا بالوعي الكامل والفهم الصحيح لأسس الحياة الزوجية السليمة.

إنّ تلك النظرة الخاطئة يجب أن تتغير عند الزوجة والحماة في نفس الوقت، فلا الزوجة جاءت لتخطف الابن من أمه، ولا الحماة موجودة لتعكر صفو الحياة، وعلى الجميع أن يبدءوا العلاقة الجديدة بالكثير من الصفاء والنقاء، وحسن الظن، وعدم تصيد الأخطاء للطرف الآخر، والتماس الأعذار، والمرونة والاستعداد للتغيرات المفاجئة في الظروف والأحوال؛ وذلك حتى تبدأ الحياة الزوجية الجديدة على أساس قوي يُنتج أسرة سعيدة وأبناء أسوياء -من الناحية النفسية- قادرين على بناء المجتمع السليم.

ويجب على الحماةَ بأن تعتبر زوجة ابنها ابنتها الجديدة، وتدرك أنّ أمّها هي الأخرى تعِبت معها كثيرًا حتى تربيها وتعلمها، وظلت ترشدها وتحثها على المحافظة على بيتها الجديد، ولذا فعليها هي الأخرى -أي الحماة- أن تنصح ابنها بالمثل، وترشده للوسائل التي يحافظ بها على بيته، ويسعد زوجته وأولاده.

وعلى الزوجة أن تدرك أنّها ليست قادمة على معركة مع حماتها حتى تشحذ أسلحتها، ولكن عليها إدراك كيفية معاملة أم زوجها حتى تكسب ودها وتكون في صفها؛ فلْتحترمْها وتقدرْها وتعاملْها كأم ثانية لها حتى تُرضي زوجها ومن قبل ذلك ترضي ربها، وعليها أن لا تأبه بالمنغصات التي توجد في كل البيوت، وإنّما عليها بالصبر والمثابرة حتى تجني ما تتمناه من السعادة مع زوجها وأولادها، ولْتُدرِكْ أنها ستكون حماة في يوم من الأيام فلْتعدَّ العُدَّة لتكون حماة طيبة، تنشر الحب والسكينة والألفة بين القلوب (2).

الحماة كلمة أُسيء فهمها في معظم المجتمعات، وظلت هذه الحماة المسكينة أسيرة سوء الفهم في كل المجتمعات، ونسمع يوميًا عنها أمثالًا وقصصًا تشوه مكانتها في الأسرة، فمهما فعلت هذه الحماة وقدمت من جميل تظل في نظر الناس وبالأخص زوجة الابن الإنسانة المتسلطة وصاحبة المؤامرات والمشاكل.

إن الحماة نعمة في حياة الزوجة قبل أن تكون نقمة، فلو أدركت الزوجة كيف تتعامل معها وتتصرف معها بأسلوب ذكي فإنها ستكسب حبها واحترامها، ولا بد من حين لآخر أن يتدخل الزوج ويحاول توطيد العلاقة بين والدته وزوجته؛ حتى تستمر حياته الزوجية بسلام وبأمان دون أي مشاكل، وإذا وقعت المشاكل بين الاثنين فالحل ليس بيد الزوجة أو بيد الحماة؛ وإنما بيد الزوج، فإذا وقف بجانب زوجته خسر أمه، وإذا وقف بجانب أمه خسر زوجته، والأنسب هنا اتباع الذكاء الاجتماعي، وتلطيف الأجواء بقليل من الكلمات المعسولة للطرفين.  

إن علاقة الزوجة بأم زوجها هي من أكثر العلاقات الإنسانية التي أسيء فهمها؛ بل إنها حوربت من خلال الأمثال وحتى الطرائف، ومن قبل وسائل الإعلام المختلفة لا سيما المرئية منها، فلا تكاد الحماة تذكر سواء في الأفلام أو المسلسلات، وبخاصة العربية حتى تذكر معها المؤامرات والمقالب والمكائد والحسد؛ بل وحتى السحر والشعوذة واستقر في أذهان الناس أن المقبل على الزواج إنما يقبل على معركة مع أم الزوج أو الزوجة، وذلك كنتيجة طبيعية لتلك الصورة المشوهة التي تقدمها وسائل الإعلام المختلفة، ولا داعي لذكر أسماء الأفلام والمسلسلات التي تقدم الصور المشوهة فكلها على السواء.

إن إنهاء المشكلة الأزلية بين الحماة والكنة يعود إلى الرجل وشخصيته، بحيث أنه بالحكمة والعقل وقوة الشخصية يفرض وجوده على الأم والزوجة وليعيش مرتاح البال.

والثناء على المُحسن من حُسن المكافأة، ومِن مُقابلة الإحسان بالإحسان، ورب كلمة سَلَتَت التّعب وأزالت النَّصَب وأذهَبَت الإعياء.

إن بعض الناس يسمع لزوجته، ويلبي مطالبها ويسعى لمرضاتها؛ وهذا حسن، ولكنه يسيء إلى أمه، فيهملها ولا يسأل عنها، ولا يجلس معها، وربما يسمع ما يقال فيها من قِبَل زوجته وأولاده فيغضب عليها ويتمنى فراقها، وهذا من أعظم العقوق والعياذ بالله، بل الواجب أن يسعى الإنسان إلى إرضاء والدته ولو غضب كل الناس، عليك أيها المسلم أن تمنع أولادك من أذية أمك بقول أو فعل، وألا تقبل بحال من الأحوال شكوى زوجتك نحو أمك، بل عليك بحض زوجتك على احترام أمك والصبر على ما قد يصدر منها، فإن في ذلك خيرًا كثيرًا وبرًا وفيرًا.

المرأة عادة تغار فتشعر أن زوجة ابنها قد شاركتها في ملكيته، أو انتزعت منها اختصاصها في السيطرة على ابنها؛ فيحدث تنافس بينها وبين زوجة الابن، خصوصًا أن الحماة تعتبر ابنها راعي أسرتها، وقد يكون المسؤول عنها ماديًا، وقد يأخذ دور الأب فيمثل حماية لها، وتشعر بأنها تفقد كل هذا.

نصائح للزوجة:

1- خدمة الزوجة لزوجها وإرضاء أهله ليس مِنّة؛ وإنما حق من حقوق الزوج عليها.

2- استحضار طلب الثواب من الله تعالى على ذلك، وحسن التوكل عليه، والاستعانة به، وكثرة الاستغفار والدعاء؛ فإن هذا أعظم معين على انشراح الصدر وتسخير الخلق، وتقبل كلفة الحياة.

3- نريد الزوجة التي تعي معنى البر، وتكون عونًا لزوجها على ذلك، وتواصل معه مسيرة البر، ولنتذكر معًا حديث الفتية الذين آواهم المَبِيت إلى غار، فسقطت صخرة فسدت مدخله، فصار كل منهم يدعو بعمل صالح له، فكان منهم رجل قال: «اللهم إني كان لي أبوان شيخان كبيران، فكنت أخرج فأرعى، ثم أجيء فأحلب فأجيء بالحلاب، فآتي به أبوي، فيشربان، ثم أسقي الصبية وأهلي وامرأتي، فاحتبست ليلة فجئتُ، فإذا هما نائمان، قال: فكرهت أن أوقظهما والصبية يتضاغون عند رجلي، فلم يزل ذلك دأبي ودأبهما حتى طلع الفجر، اللهم إن كنتَ تعلم أني فعلتُ ذلك ابتغاءَ وجهِكَ، فافرج عنا فرجة نرى منها السماء، قال: ففرج عنهم» (3).

فتأمل كيف كانت زوجته تصبر وتعين زوجها على الاحترام لوالديه والقيام بواجبه نحوهما، وتأمل لو كانت زوجته مِن نساء اليوم، وكانت ممن لم تدرك هذا المعنى الرفيع للبر، ولم ترب التربية الصافية؛ لقالت له: لم تبقينا جائعين والطعام بين يديك؟! أطعمنا نحن، فإذا استيقظوا شرِبوا نصيبهم، لكنها زوجة فهمت معنى البر، وأنها يجب أن تعين زوجها عليه.

4- نريد الزوجة التي تبسط وجهها بالرضا لأبوي زوجها، ولا تترفع عليهما، وتعاملهما برحمة نابعة من قلبها.

5- نريد الزوجة التي لا تحرض زوجها على أهله وتدفعه لعقوقهم، وتدرك أنها ترتكب بذلك إثمًا وخطأ واضحًا ستدركه لاحقًا يوم يتزوج أبناؤها.

6- نريد المرأة التي إن ظهر منها شيء تجاه أهل زوجها يزعجهم، تطلب الصفح والعفو والصلح، لا أن تتعالى عن ذلك.

7- نريد الزوجة التي تحترم أهل زوجِها، وتعمل جاهدة على تجنب الخلافات والشجارات العنيفة، والنزاعات الحادة التي قد تصل بها وبزوجها إلى الطلاق.

8- نريد الزوجة التي تحرص على عدم الإساءة إلى أهل زوجها؛ بحيث لا توغر صدر زوجها على أهله مما يزرع الكراهية في نفسه ويدفعه لعقوقهما، فيصيبهما من هذا العقوق الأذى الكثير في الحاضر أو في المستقبل.

9- نريد الزوجة التي تتسلح بالصبر، إذا أوذيت من قبلهم أسمعتهم الحمد والشكر، فبالشكر تدوم النعم، والصبر مفتاح الفرج.

10- نريد الزوجة التي تعمل ما بوسعها لتسمعه مِن والديه كلمة طيبة ودعوة صادقة؛ لأنه إن رضي الله تعالى على عبدِه أحبه، وإذا أحبه، فقد ملك خير الدنيا والآخرة.

11- نريد الزوجة التي تُلبِّي حاجة والدي زوجها ورغباتهما قدْرَ المستطاع، دون تأفف أو تذمر.

12- نريد الزوجة التي تنظر إلى أم زوجها بمِنظار الأم الحقيقية، الأم التي تحبها وتحترمها وتعطف عليها وترعاها، التي تتجنَّب السخرية بوالدةِ زوجها، والتعليق على تصرفاتها، والإقلال من شأنها، فإنها الأم الثانية لها؛ فإذا كانت كذلك تحول الصدام إلى وئام، والخلاف إلى تآلف، وتحولت حياتها الزوجية إلى الهناء والاستقرار والوِفاق.

فإذا كانَتِ الزوجة كذلك ستصبح في نظر زوجها دُرَّة ثمينة، وتكون قد أسهَمَت في بناء أسرة مثالية.

فصفي قلبك، وأعلني الحب، وابدئي صفحة جديدة، وأخلصي نيتك، وتحلي بروح الأسرة الواحدة التي يظللها الاحترام، ويكسوها التسامح، ويغمرها الحب؛ فسيعينك الله، وبذلك تَسعَدين وتُسعِدين زوجك وتسعدين أبناءك (4).

13- تعينه على الصلاح والإيمان وبره بوالديه، كما كانت امرأة من الصالحات تقول لزوجها: أقسمت عليك ألا تدخل النار من أجلي، بر أمك، صل رحمك، لا تقطعهم؛ فيقطع الله بك (5).

14- والزوجة الصالحة تنزل حماتها أم زوجها منها منزلة أمها، فتبرها كما تبر أمها؛ فتخدمها كما تخدم أمها، وألا ترى في ذلك غضاضة أو ثقلًا، ومما يعين على ذلك أن تجعله لله تعالى، واسترضاءً لزوجها، وبذلك تكون المرأة حبيبة إلى قلب زوجها، وسيعظم الله عملها هذا، فتزداد المودة والمحبة، ويسود الهدوء والطمأنينة بينهما، ولا شك أنه سيعامل أهلها كذلك.

15- أن تنظر إلى الجوانب الطيبة في حماتها دون السيئة؛ لتستبقي زوجها وبيتها مع الدعاء، وما شيء على الله بعزيز.

وقد تبتلى الزوجة الصالحة بحماة أو بأحماء -أهل الزوج- ليسوا على خلق حسن، فواجبها في هذا الحال الصبر على البلاء، وأن تدفع السيئة بالحسنة كما أمر الله عز وجل: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35)} [فصلت: 34-35].

نصائح للابن الزوج:

أنت المسئول عن العلاقة بين أمك وزوجتك، فإن وجدت زوجتك منك؛ برًا بوالديك كانت بَرة بهما، وإن وجدت ضد ذلك؛ كانت عاقة بهما، فينبغي أن تظهر برك لهما أمامها، وأن تحسن الحديث عنهما لها، وأن تشترط عليها أن سعادتك وحسن معاملتك لها في حسن معاملتها لوالديك (خاصة أمك).

وينبغي أن تعلم أن التصرفات (غالبًا) تتغير بعد الزواج لا سيما مع وجود هذه الخلفية الثقافية السيئة في المعاملة بين الزوجة وحماتها؛ فتكون الأم شديدة الحساسية فتَحمل أي تغير من ابنها تجاهها على زوجته.

وهنا تأتي اللباقة وحسن التصرف منك:

1- المحافظة على السرية الزوجية، وألا تخرج مشكلة لأحد.

2- الزيادة في البر المادي والمعنوي كالهدايا، والزيارات، والاتصال الدائم، والتكريم والتبجيل الكبير؛ ليشعرا أن البر كما هو، بل زاد بالزواج، وكل أدرى بزوجه فربما مع بعض الزوجات يكون الأولى كتمان البر المادي -والله أعلم-.

3- أن تصارح والديك بأي جديد قد يحمل على غير محامله، وأن تسارع إلى تبيينه وتوضيحه قبل أن يوسوس الشيطان.

4- تقوية الصلة بالله تعالى التي تدفع إلى طاعة الله وإعطاء كل ذي حق حقه، والحذر من الذنوب والمعاصي.

5- أن تقدم الزوجة الهدية لأمه.

6- الإحسان إلى زوجتك ومعاشرتها بالمعروف طاعة الله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم؛ فهذا دافع عظيم لمراعاتها حق والديك، وشكر هذا المعروف؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا ينظر الله تبارك وتعالى إلى امرأة لا تشكر لزوجها وهي لا تستغني عنه» (6).

7- الإحسان إلى أهل زوجتك؛ ليكون عندها بالمثل.

8- أن يعلم الرجل أن أولى الناس به أمه بالدرجة الأولى ثم أبيه ثم زوجته.

9- على الرجل تحمل أخطاء أمه والصبر على تجاوزاتها ومقابلة الإساءة منها بالإحسان، وأن يأمر زوجته بذلك، وأن تصطنع المحبة إن لم تكن فعلًا.

10- الكذب من الكبائر إلا أنه يباح في الإصلاح وتحسين العلاقات الاجتماعية والعائلية، فعلى الرجل حسن استخدامه في الضرورة فقط وعندما لا يقوم غيره في تصفية جو الأسرة، للحديث السابق الذكر «ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس ويقول خيرًا وينمى خيرًا» (7).

11- على الرجل أن يأمر زوجته بعدم التدخل في شؤون الغير (الإخوة والأخوات والأم).

12- على الرجل ألا يعتبر كلام زوجته وأخبارها من المسلمات القطعية فيبني عليه حكمًا.

والله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6] (8).

13- وكما يقدمون العطف لأبنائهم، فإن لآبائهم وأمهاتهم نصيبًا من هذا العطف، وكما يسعون في خدمة بيتهم الجديد وتزيينه وتكميله، فلا ينسوا البيت الأول الذي فيه تربوا.

14- ليحذر الابن تفضيل الزوجة على الأم، فإن كان قلبه يميل لزوجته فليكتم هذا، بل وليظهر أمام الأم أنها هي المقدمة في قلبه، وفي نفس الوقت لا يشعر زوجته بذلك حتى لا يتغير قلبها من والدته.

15- وعليه السؤال عنها دائمًا وزيارتها كثيرًا، وإن تعذر الذهاب إليها في بعض الأحيان، فمن الضروري الاتصال عليها والسؤال عن طريق الهواتف؛ لأنها تنتظر هذا الاهتمام وتحزن كثيرًا عن الإهمال.

هذه الأم التي ربت أبناءها من عمرها وصحتها، وبعد أن أنهت رحله كفاحها وأدت رسالتها، وقدمت لهم كل معاني التضحية، لم تجد نهم سوى سوء الظن، ومشاعر التحدي لكل ما تريد، وصوروها وكأنها أصبحت نموذجًا قاهرًا متجبرًا متسلطًا.

ليس علينا تجاه هذه الأم إلا أن نصلح ذات بيننا وبينها، فنقدم لها عهود الصلح، ونعرفها ماذا يجب عليها تجاه من تعيش معهم وما لها من حقوق عليهم.

الأم بعد كبرها تحتاج من أولادها خاصة بعد زواجهم الرعاية، فربما الأبناء يلتهون في مشاكل الحياة وهموم المسؤولية، ولكن عليهم -كما يقدمون لأولادهم الرعاية- فلا ينسوا أبدًا آباءهم وأمهاتهم من هذه الرعاية (9).

نصائح للأم الحماة:

تعلم الحماة الصالحة أنه لا بد لابنها أن يتزوج، وأنه لا بد أن ينتقل عن بيتها إلى بيته، وأن هذه سنة سنها الله تعالى، فتسعى لاختيار كنة صالحة لابنها الصالح تنظر إليها على أنها ابنة من بناتها، وعضو جديد من أعضاء أسرتها، وأنها زوجة ابنها، وأم أحفادها، وأنها سبب العفة والسعادة لابنها الذي تحبه، وتحب له السعادة والعيش الطيب الهنيء، فتسعى -جهدها- لإحسان معاملتها وإكرامها، ويظهر قلبها الكبير بعطفه وحنانه عند الجفاء والحلم الغزير عند التعجل والطيش، والحصافة والذكاء عند الجهل.

1- مدح تصرفات الزوجة: الحماة الذكية تسعى لكسب ود زوجة ابنها، عن طريق مدح تصرفاتها الإيجابية، فعلى سبيل المثال؛ يمكن أن تمتدح أطباق الطعام التي تعدها، أو تثني على ذوقها في اختيار الأثاث والملابس وغير ذلك.

2- الصبر: يجب أن تتعامل الحماة مع زوجة ابنها كما تعامل أبناءها، وتتحلى بالصبر لكسر حاجز الكره بينهما، ولا يجب أن تحكم على زوجة ابنها من خلال بعض التصرفات البسيطة؛ بل تسعى لتوجيهها وتعليمها بطريقة مناسبة دون أن تجرح مشاعرها.

3- تفهم تغير الزمن: عادة ما يكون هناك فجوة بين الزوجة وحماتها، بسبب انتماء كلاهما لجيلين مختلفين، لكن على الحماة أن تتفهم أن ما كان مقبولًا في زمنها لم يعد كذلك في زمن أبنائها، لذلك يجب عليها أن تراعي تغير الزمان وتطور الأحداث.

4- تعليم الزوجة وتوجيهها: تملك الحماة خبرة كبيرة في الحياة، تجعلها قادرة على تقديم دروس لابنها وزوجته حول أمور الحياة المختلفة، ولن تدرك الزوجة أهمية ذلك إلا بعد وقت طويل، عندما تجد نفسها بحاجة إلى مرشد أمين لحل الكثير من المشكلات.

5- تعليم الزوج احترام المرأة: الأم قبل أن تكون حماة لزوجة ابنها هي امرأة ترغب أن يعاملها الآخرون باحترام، ويجب أن تنقل ذلك لابنها، ليعامل زوجته بنفس الطريقة بعد الزواج.

6- وأن تنظر إليها دائمًا كما تحب أن تنظر إلى ابنتها في بيتها، وفي طريقة تعاملها مع زوجها ومع حماتها، وأن تحذر من الخواطر الشيطانية السيئة أن ابنها قد انشغل عنها بزوجته، وأن كنتها حرمتها من ابنها.

7- الحذر من التدخل في حياة ابنك الخاصة، وفي بيت كنتك، فالبيت هو مملكة الزوجة وعشها الدافئ تتصرف فيه تصرف الملكة، ترتبه كما تحب، وتنظمه كما تحب وتريد، كما كانت الحماة من قبل زوجة وتحب ذلك، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «فمن أحب أن يزحزح عن النار، ويدخل الجنة، فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه» (10)، وقال صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» (11).

وإن كان من تدخل فيكون على سبيل النصيحة والاقتراح، لا الفرض والأمر.

وقد تُبتلى الحماة بكنة على غير خلق حسن فماذا تفعل؟

عليها أن تدفع سيئها بالحسن، كما أمر الله تعالى، وأن تعظها وتخوفها بالله تعالى عسى أن تتعظ وترتدع، وألا ترفع شيئًا من ذلك لابنها.

إن رأت الحماة من ابنها ظلمًا لكنتها أو انحرافًا تقف في وجه الظلم بنصرة ابنها من نفسه، ونصرة كنتها المظلومة، وهذا مما يُحسب.

____________

(1) اختيار الزوجة الصالحة/ شبكة الألوكة.

(2) حماتي تسعد حياتي/ قصة الإسلام.

(3) أخرجه البخاري (2215).

(4) كلمات عن زوجة الابن/ شبكة الألوكة.

(5) صفة الصفوة (4/ 437).

(6) أخرجه النسائي (9086).

(7) أخرجه البخاري (2692).

(8) فن التعامل مع الزوجة/ صيد الفوائد.

(9) أم الزوج ما لها وما عليها/ موقع المسلم.

(10) أخرجه مسلم (1844).

(11) أخرجه البخاري (13)، ومسلم (1599).