التفاهم بين الزوجين
عن عائشة قالت: استأذنت هالة بنت خويلد أخت خديجة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعرف استئذان خديجة فارتاح لذلك فقال: «اللهم هالة بنت خويلد» [صحيح البخاري (3821)، وصحيح مسلم (2437)، واللفظ له].
زوج ماتت عنه زوجته منذ زمن، ويسمع صوتًا يشبه صوتها كثيرًا، وهو صوت أختها، فيتمنى أن تكون هي هي، أي حب هذا؟!، وأي وفاء هذا؟!، لا بد أن هذا الحياة الزوجية التي كانت بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أمنا خديجة رضي الله عنها، كان لها طابع خاص، كانت مليئة بالحب والتفاني والتفاهم بينهما، وقد بَيَّن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، عندما وجد غيرة بعض أزواجه من خديجة رضي الله عنها وعن جميع أزواج النبي أجمعين: «قد آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس» [مسند الإمام أحمد (24864)].
وكأني بالنبي صلى الله عليه وسلم يتذكر موقف خديجة رضي الله عنها معه بعدما رجع من الغار مسرعًا، لما رأى جبريل عليه السلام لأول مرة، فتقول له خديجة رضي الله عنها: «أبشر، فوالله، لا يخزيك الله أبدًا، فوالله إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق» [صحيح البخاري (4953)، وصحيح مسلم (160)].
هكذا تكون المرأة الصالحة مع زوجها، تستوعب زوجها، تتفهم زوجها، تكون بجانب زوجها عند الشدائد، وكذلك يكون الزوج مع زوجته، يتفهمها ويعلم ما تريد من حديثها معه، ولا يحمل كلامها على غير مرادها منه؛ حيث إن السيدة خديجة عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم أن تذهب به إلى ابن عمها ورقة بن نوفل، فهل شعر النبي صلى الله عليه وسلم حينها أن زوجته إنما تريد أن تكون قائدة عليه، أو غير ذلك مما يكون في أذهان الرجال، لا، ولكن علم النبي صلى الله عليه وسلم أن زوجه خديجة إنما تريد له الخير، وتهدئة روعه، وبث السكينة والطمأنينة في قلبه، فذهب معها.
وهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم وزوجته خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها، أكثر اثنين متفاهمين ومتناغمين ومنسجمين مع بعضهما، حتى توفيت رضي الله عنها، وبقي وفاء النبي صلى الله عليه وسلم، حتى إن عائشة رضي الله عنها لما رأت حب النبي صلى الله عليه وسلم لخديجة رضي الله عنها أقسمت بينها وبين نفسها ألا تذكرها أبدًا بسوء؛ حيث كانت تغار منها، حتى علمت قدر خديجة رضي الله عنها في قلب النبي صلى الله عليه وسلم.
إننا نريد أن نقف مع هذا الموقف الذي كان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين السيدة خديجة رضي الله عنها، عندما عاد من الغار خائفًا وجلًا، ظانًا أن به أمر سوء، فإذا بزوجته تهدئ من روعه، وتبث السكينة والطمأنينة في قلبه، وهو موقف عصيب، لكن التصرف من المرأة الحكيمة كان على قدر المسئولية.
في أحيان كثيرة يكون الزوج في موقف عصيب، أو تكون الزوجة في موقف تحتاج فيه إلى المساعدة، وليس هناك من طريق إلا بلجوء كل طرف إلى الآخر، فالزوجة تلجأ إلى زوجها، والزوج يشاور زوجته في أمره، لكن للأسف ما يحدث هو التصادم؛ ذلك لأن كلًا من الزوج والزوجة غير متفاهمين.
لماذا يحدث الاصطدام؟ ذلك لأن المرأة تميل إلى التحدث عن مشاكلها مع زوجها، فهي تعتقد أن هذا يقوي أواصر المحبة بينها وبين زوجها؛ حيث إنها تشعر وهي تحكي له، وهو ينصت إليها، أن توصل إليه رسالة مفادها: "نحن متشابهان، فأنت عندك نفس المشاكل التي أمر بها"؛ حيث إن إنصات الرجل لزوجته يجعلها تشعر أن الرجل يشاركها ما تمر به؛ بل هو يشعر بمشاعرها، فتشعر حينها أن زوجها يحبها وينصت إليها، وهي في تلك اللحظة تشعر براحة غريبة وطمأنينة وسكينة، تتيقن حينها أن مشكلتها قد حلت وأزيلت.
أما إذا ما تحدثت المرأة إلى زوجها عن مشاكلها، فقام الزوج بإعطاء الحلول الفورية والسريعة لتلك المشكلة، وهذا يكون دائمًا بدافع الحب؛ لكنه يوصل رسالة إلى المرأة نصها: "أنتِ لديكِ مشكلات، وأنا لدي الحلول، فنحن غير متشابهين"، وهنا يحدث الاصطدام.
وكذلك الأمر مع الزوج؛ فعندما يأتي الزوج إلى بيته آخر اليوم، يريد أن ينام كي يستعد ليوم عمل هام ومرتقب في حياته، حيث تتوقف عليه ترقية أو ما شابه ذلك، ويريد أن يخبر زوجته أن توفر له الجو الملائم لراحة البال؛ حتى يستطيع أن يستعد لهذا اليوم، فيكون من حال الزوجة، التي تفهم زوجها، أن تبث روح الثقة فيه، وأن تحاول بذلك أن ترشده بطريقة غير مباشرة إلى كيفية الاستعداد لهذا اليوم، كأن تسأله مثلًا: ما الذي تخطط له غدًا؟ أو ما الذي يمكن أن تفعله غدًا؟ فيجيبها: أذهب باكرًا وأجهز أوراقي التي أنجزتها بنجاح، فيرى مديري من خلال ذلك نجاحاتي وأستحق الترقية، فتجيبه زوجته: أحسنت، أنت رائع وناجح.
هكذا استطاعت المرأة الذكية توجيه زوجها بطريق غير مباشر ومن غير اصطدام معه، أما إذا أخبرته مباشرة بما يجب أن يقوم به، من الاستيقاظ باكرًا حتى لا يهمل عمله، وترتيب ملفاته التي أنجزها، وتقديمها إلى مديره بطريقة منمقة ومهذبة، وكل هذا أمر طيب وحسن، ولكنه وصل إلى الزوج في قالب الأمر والنصيحة من الأعلى إلى الأدنى، وحينها يشعر الزوج بعدم ثقة زوجته فيه، وحينها يحدث الاصطدام.
فالتفاهم بين الزوجين يعني أن يعلم الزوج أن زوجته حينما تسدي إليه نصيحة أو تطلب منه أمرًا يقوم به في شئونه، فهي بذلك لا تعني عدم الثقة فيه، وإنما هي تعني بذلك حبها وتقديرها له، وهذا هو الذي دفعها لذلك.
التفاهم بين الزوجين يعني أن تعلم الزوجة أن زوجها يحبها، ويرعاها، ويقدرها كثيرًا، ويتألم لمشاعرها ومشاكلها، وهذا ما يدفعه إلى سرعة سرد الحلول لهذه المشكلات التي تتحدث عنها معه، وليس هذا تقليلًا من شأنها، ولا عدم تقدير لمشاعرها.
التفاهم بين الزوجين يعني أن يعلم الزوج أن زوجته إنما تحتاج منه أن يستمع إليها، وينصت إلى مشاكلها، وأن يشاركها مشاعرها وأحاسيسها، وأن يجعل تقديم الحلول لهذه المشكلات التي تمر بها زوجته بعد أن تشعر أن هذه المشكلات قد زالت عن كاهلها، وحينها يستطيع تقديم الحلول لهذه المشكلات الموجودة في واقع حياتها، وغير موجودة في واقع مشاعرها وعلى كاهلها.
التفاهم بين الزوجين يعني أن تعلم الزوجة أن زوجها لا يحب ولا يرضى أبدًا أن توجهه زوجته وتعطيه الأوامر بما يجب عمله، ولو كان ذلك في قالب النصح أو الطلب؛ حيث إن الرجل إذا ما كان في ضائقة ما، وعرضت عليه زوجته الحل أو النصح لهذه المشكلة بطريقة مباشرة، فهذا يشعره بعدم ثقة زوجته في قدرته على تخطي الصعاب وحل المشكلات التي تواجهه.
وإذا أرادت الزوجة أن تسدي زوجها النصيحة بأسلوب غير مباشر، فهناك طرق أربع لذلك:
"أولًا: تستطيع المرأة أن تخبر الرجل بأنها لا تحب الطريقة التي يلبس بها، دون أن تعطيه محاضرة في: كيف يلبس؟، تستطيع أن تقول عرضيًا، عندما يقوم بارتداء ملابسه: «لا أحب ذلك القميص عليك، هل يمكنك أن تلبس الليلة غيره؟»، إذا تضايق من ذلك التعليق، عندها يجب عليها أن تحترم حساسيته وتعتذر، يمكن لها أن تقول: «أنا آسفة، لم أكن أقصد أن أقول لك كيف تلبس».
ثانيًا: إذا كان حساسًا إلى تلك الدرجة، وبعض الرجال كذلك، عندها تستطيع أن تتكلم عن الأمر في وقت آخر، يمكن أن تقول: «هل تتذكر ذلك القميص الأزرق الذي لبسته مع البنطلون الأخضر؟، إنني لم أكن أحب تلك التوليفة، هل لك أن تجرب لبسه مع بنطلونك الرمادي؟».
ثالثًا: تستطيع مباشرة أن تسأل: «هل تسمح لي يومًا بشراء حاجياتك؟، أتمنى أن أنتقي ملبسًا لك»، إذا قال: لا، عندها تستطيع هي أن تكون واثقة بأنه لا يريد أي زيادة في الرعاية، وإذا قال: نعم، تأكدي من أنك لا تقدمين الكثير من النصح، تذكري حساسيته.
رابعًا: يمكن أن تقول: «هناك شيء أريد الحديث عنه ولكن لا أدري كيف أقوله»، تتوقف برهة، «أنا لا أريد أن أجرح مشاعرك، ولكنني أيضًا أريد حقًا أن أقوله، هل لك أن تنصت، ثم تقترح علي أسلوبًا أفضل للتعبير عن ذلك؟»، هذا يساعده في تجهيز نفسه للصدمة، ثم يكتشف بسرور أن الأمر ليس بتلك الخطورة" [الرجال من المريخ، النساء من الزهرة، د. جون جراي، ص114-115، بتصرف].