logo

كذب المنجمون ولو صدقوا


بتاريخ : الاثنين ، 18 صفر ، 1437 الموافق 30 نوفمبر 2015
بقلم : تيار الاصلاح
كذب المنجمون ولو صدقوا

كان التنجيم والمنجمون في الجاهلية هم من يسيرون حياة الناس ويتحكمون فيها؛ وذلك بما يلقونه في روع الناس من علمهم الغيب، وهذا كذب وافتراء، ومع ذلك، فإن الناس في الجاهلية كانت كل حياتهم معلقة بالكهان والمنجمين والسحرة، فإذا أراد أحدهم سفرًا، أو أراد تجارة سأل الكاهن أو المنجم أو الساحر: هل هذه التجارة رابحة؟، أو هل هذا السفر فيه خير؟، ثم يتخذ قراره بناءً على إجابة الكاهن أو الساحر أو المنجم.

ومع أن في شريعة عيسى عليه السلام التنجيم هو وحي من الشيطان، إلا أن الناس كانت ما تزال تلجأ إلى هؤلاء السحرة والمنجمين والكهان، حتى في بلاد فارس والروم؛ بل ملوك هذه البلاد إذا أرادوا حربًا أو أمرًا عظيمًا، كانوا يلجئون إلى السحرة والكهان والمنجمين؛ حتى يخبروهم بما ينتج عن هذا الأمر العظيم.

حتى جاء الإسلام، وأشرقت شمس الهداية، وبان نور الإيمان، وسطع شعاع الحق، فحرَّم هذا الدجل والسحر والتنجيم، الذي كان يُلبِّس على الناس أمور حياتهم، ويجعلها في أيدي فئة معينة من الناس، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم جعل ذلك من أعظم الذنوب، ورتب عليه جزاءً صارمًا، فعن صفية، عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أتى عرافًا فسأله عن شيء، لم تُقبَل له صلاة أربعين ليلة»(1).

وعن أبي هريرة والحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أتى كاهنًا، أو عرافًا، فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد»(2).

وعلى ما سبق؛ فقد علم الصحابة ومن تبعهم أن الإسلام قد حرم التنجيم والسحر والشعوذة والدجل؛ لأن ذلك شرك ورمي بالغيب، ولا يعلم الغيب إلا الله، قال تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام:59].

وقال تعالى: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [النمل:65].

واستمر الحال على ذلك إلى أن أتى العصر العباسي، وفي عهد أبي جعفر المنصور ظهر التنجيم؛ وذلك لأن أبا جعفر المنصور كان مقرِبًا منه رجلًا فارسيًا منجمًا.

لكن الأمر لم يقتصر على ذلك فقط؛ بل تعدى ذلك إلى القرن الحادي والعشرين، فهل يُعقل أن يؤمن ويعتقد في مثل هذه الأمور من يدعون التحضر والتقدم، وينبذون التخلف والرجعية؟!، إنهم أدعياء الحداثة والحضارة، إنه ذلك الغرب الذي يصور نفسه على أنه صانع المعجزات في هذا العصر، يصور نفسه أنه قائد ركب الحضارة والتقدم، يصور نفسه على أنه حائط الصد ضد الخرافة والخزعبلات، يصور نفسه معول الهدم للتخلف والرجعية، ومع ذلك فإن هذا الغرب يؤمن بالتنجيم! ففي مباريات كأس العالم لكرة القدم يذهب الفريق الفلاني إلى المنجم، ويسأله عن نتيجة المباريات القادمة، ويأخذ هذا الأمر على محمل الجد، ولم يتوقف الأمر على ذلك؛ بل تعداه إلى ما هو أكثر منه خطورة، فإذا جاءت الانتخابات الرئاسية تجد المرشح يذهب إلى العراف أو الساحر أو المنجم، ويستطلع منه أخبار النتيجة، وهل من الممكن أن ينجح في هذه الانتخابات، أم يفضل عدم خوضها؟

لكن هل توقف الأمر عند هذا الحد؟ الإجابة: لا؛ فقد حاول هذا الغرب أن يحارب تلك العقيدة المسلمة، التي تحرم هذه الخرافات والخزعبلات ولا تؤمن بها؛ لذلك يقول أحد الخبراء: إن ملايين الدولارات تُصرف على برامج التنجيم والتنبؤ بالغيب، وتحليل الشخصية، ومعرفة المستقبل من خلال ما يسمى الأبراج، وملايين أخرى يتكبدها الناس نتيجة تصديقهم لهذه الأكاذيب.

وقد يظهر أحيانًا من يسمي نفسه "عالم فلك"، ويحاول أن يقنعنا بتأثير النجوم، باعتبار أن هذه النجوم تبث أشعة تخترق الغلاف الجوي للأرض، وتؤثر على البشر، كلٌ حسب تاريخ مولده!.

وللأسف، فإن هذه البرامج تُبث على شاشتنا، وأمام أعيننا، فتجد من يقدم نفسه على أنه عالم في الأبراج، وهذه تقول عن نفسها: الخبيرة بعلم النجوم، وهذا إعلان لمعرفة حظك، وآخر لمعرفة درجة الحب بينك وبين شريكك، وغير ذلك من الأمور التي تقوم أساسًا على التنجيم، كل هذا والأسرة المسلمة تتلقى تلك المعاني والمفاهيم والاعتقادات، وحينها تصبح الأسرة وفي عقيدتها خلل كبير، وهذا هو ما يريد أن يصل إليه أعداء هذا الدين.

لقد دارت، وتدور كل يوم، أحاديث كثيرة عن التنجيم والأبراج، ومحاولة التنبؤ بالمستقبل الذي لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، فالتنجيم هو عمل يحاول من خلاله المنجمون أن يخبروا الناس بمستقبلهم، ويدَّعون أنهم يعلمون الغيب، ويستعينون ببعض الكواكب والنجوم لإقناع الناس بصدق نبوءاتهم، إنهم يدعون أن هذه النجوم والأبراج تؤثر في سلوك البشر وتحدد مستقبلهم.

بينَّا سلفًا أن هذا الأمر محرم شرعًا، وذلك بالأحاديث والآيات سالفة الذكر، وكذلك هذا الأمر مستحيل عقلًا، فإن أقرب مجرة إلى كوكبنا، وهي مجرة الأندروميدا، تبعد عنا بحدود 2.25مليون سنة ضوئية! أي أن الضوء يستغرق أكثر من مليوني سنة ليصل إلى الأرض، ولا يصل منه إلا شعاع ضعيف جدًا، لا يرى إلا بالمكبرات، فكيف يمكن لنجم في هذه المجرة، التي تحوي أكثر من مائة ألف مليون نجم، أن يؤثر على مصير إنسان؟!

إن العلماء استخدموا أحدث الأجهزة الرقمية، على الأقمار الصناعية، حتى استطاعوا التقاط صورة لمجرة تبعد عنا 70 مليون سنة ضوئية، فإذا كانت المجرة بما تحويه من نجوم لا تكاد ترى أو يُلمس لها أي أثر، فهل من المعقول أن نجمًا فيها يؤثر على حياة البشر وتصرفاتهم؟!(3).

يحاول المنجمون دائمًا رسم صورة أنهم يتحدثون على أساس علمي، ولكن الحقيقة غير ذلك؛ فالمنجمون يقولون أن هذه النجوم ترسل أشعة تؤثر في الكرة الأرضية وكل ما فيها، ولكل نجم من هذه النجوم طالع معين، فمثلًا: إذا ولد مولود في وقت معين ينظر هؤلاء في النجوم ويقولون: إن هذا المولود طالعه كذا وكذا.

وهكذا يقوم المنجمون بترتيب الأمور حسب الطالع لكل إنسان.

فإذا ما أخبروا شخصًا ما بأن طالعه حسن، وأنه سينجح في عمله وحياته، تجد هذا الشخص ينتظر دائمًا أي نجاح حتى تتحقق نبوءة المنجم، وعندما يحدث يقول: صدق المنجم، أما إذا لم يحدث وفشل فإنه يصاب بالإحباط والاكتئاب، ويظن أن النجاح سيطول انتظاره!.

إن تلك البرامج التي تبنى على هذه الخرافات، وما أكثرها هذه الأيام، لهي شديدة الخطورة على عقيدة الأسرة المسلمة، فهي تحاول أن تقنع المشاهد والمستمع والمتابع أن الأمر قائم على علم وعلى قوانين معينة، وما هو إلا رجم بالغيب، وادعاء بالكذب.

أما إذا كان الأمر قائمًا على الحساب وعلم الفلك، ومعرفة الأحوال الجوية، فهذا مما لا بأس به، بمعنى أن الخبراء الفلكيين بعد أن أجروا حساباتهم من سرعة الرياح واتجاهاتها، ودرجة الرطوبة وغير ذلك، فإنهم يخلصون إلى توقع هطول أمطار في يوم كذا ومكان كذا، وكذلك الأمر بالنسبة للشمس والقمر، فينظرون في سير الشمس والقمر، ثم يتوقعون حصول كسوف للشمس أو خسوف للقمر، وهكذا، وهذا مما لا بأس به؛ بل هو مما يحمد من العلوم؛ لأنه مبني على الحساب، وعلى معطيات تعطي نتائج أكيدة دائمًا.

أما إذا كان الأمر قائمًا على الغيبيات، وعلى ما هو غير معلوم له أي معطيات، فهذا لا شك من الدجل والتنجيم والخرافة؛ لأنه رجم بالغيب، ولا يعلم الغيب إلا الله.

ــــــــــــ

(1) صحيح مسلم (2230).

(2) مسند الإمام أحمد (9536).

(3) انظر: أكذوبة معرفة الشخصية من خلال الأبراج، عبد الدائم الكحيل.