logo

الصراخ في وجه الأطفال


بتاريخ : السبت ، 2 رجب ، 1437 الموافق 09 أبريل 2016
بقلم : تيار الاصلاح
الصراخ في وجه الأطفال

الأطفال والهدوء، في غالب البيوت، ضدان لا يجتمعان، فتصرفات الأبناء المزعجة والأخطاء المتكررة تدفع كثيرًا من الآباء والأمهات إلى تفريغ شحنات غضبهم في صورة أصوات عالية أو صراخ.

مساوئ الصراخ في وجه الأطفال:

على الأهل أن يدركوا أن الطفل حساس للغاية، ولا يمكننا التعامل معه على أنه يمتلك ذاكرة سمكية، سينسى كل ما حدث عندما يكبر، هذا الاعتقاد خاطئ تمامًا، فالطفل يتذكر معظم الكلام السيئ والمواقف التي أثرت في نفسيته؛ لذا يجب على الأهل أن يدركوا مساوئ الصراخ في وجه الطفل.

إنّ الصراخ يُعد عقابًا فاشلًا؛ لأنه يشيع في البيت مناخًا متوترًا يمسّ كل من يعيشون فيه، والبيت الذي تعلو فيه الأصوات هو مناخ مناسب لإنتاج أفراد مرضى بأمراض نفسية؛ كالقلق والاكتئاب، فالطفل الذي تصرخ أمه دائمًا في وجهه، وتؤنبه باستمرار، سيشعر تلقائيًا بأنه فرد غير مقبول، والجميع يبغضونه، ولا يرتاحون لتصرفاته.

إن كثرة التوبيخ والصراخ في وجه الطفل توحي له بالاضطراب، وتسحب منه الطمأنينة والاستقرار.

هذا بالإضافة إلى كون الصراخ يُحدث ما يسمى بالرابط السلبي لدى الطفل، بمعنى أنه يذكّره بمواقف سيئة يتألم لتذكرها، وتجترها ذاكرته بمجرد سماع الصراخ، وقد يدوم معه طوال حياته، ومهما كبر فإنّ أي رفع للصوت أمامه يعيد لديه تلك المشاعر السلبية التي استشعرها وهو طفل ضعيف.

- كذلك فإن أسلوب الصراخ في وجه الأبناء يمثل قدوة سيئة لهم في التعامل مع الآخرين، حيث يتشربون هذا السلوك، ومن ثَم يبدءون في ممارسته تجاه الأطفال الأصغر منهم في العائلة والمدرسة، وغالبًا يستمر هذا السلوك مع الأبناء عندما يكبرون، ولا مانع أن يكون مصوّبًا نحو الكبار أنفسهم، الذين صرخوا في وجوههم بالأمس!

فنرى البنت تصرخ في وجه أمها أو أبيها، والولد كذلك، وطبعًا يكون من العبث حينئذ أن ننهاهم عن ذلك، كيف وقد ربينّاهم على الصراخ وكان هو وسيلة التفاهم بيننا وبينهم؟(1).

- الصراخ الدائم في وجه الأطفال ينتج جيلًا مشاغبًا يتسم بالعصبية والعناد، وربما العدوانية، فبعد إجراء دراسة شملت 110 من الأسر الأمريكية، تضم أطفالًا تتفاوت أعمارهم ما بين ثلاثة وخمسة أعوام، أعلن معهد العلوم النفسية في "أتلانتا" عن نتائج هذه الدراسة، وكانت كالآتي:

أكدت الدراسة أن هناك علاقة قطعية بين شخصية الطفل المشاغب، الكثير الحركة، وبين الأم العصبية التي تصرخ دائمًا، وتهدد بأعلى صوتها حين تغضب، والمقصود بالطفل المشاغب، كما جاء في هذه الدراسة، هو الطفل الذي لا صبر عنده، والعنيد، والمتمرد، والعدواني نحو الآخرين، حتى والديه، والذي لا يلبث أن يجلس حتى يستعد مرة أخرى للقيام واللعب أو العراك مع أحد أخوته.

- وقال الدكتور "فرانك ترايبر" من الكلية الطبية بجورجيا: «إنّ نتائج هذه الدراسة أضافت إلى المعلومات المعروفة حاليًا بأن هؤلاء الأطفال قد يدمّرون أنفسهم إذا لم تقدم لهم المساعدات منذ صغرهم، وأن الطفل منهم لا يعرف كيف يوجه طاقته هذه للوصول إلى هدف مفيد؛ بل لوحظ أنه يستخدمها في عراك أو لعب عدواني مع إخوته أو أصدقائه، وربما والديه أيضًا».

كما تشير نتائج الدراسة أيضًا إلى أن الأم التي تعبر عن غضبها بالصراخ، وباستخدام ألفاظ بذيئة أو سيئة أمام طفلها، تدفع به إلى التحول إلى طفل من هذا النوع المشاغب.

وأكدت الدراسة كذلك أن تأثير غضب الأم أقوى من تأثير غضب الأب على تكوين شخصية الطفل(2).

– الخوف: الصراخ مربوط بالخوف، فكثرة الصراخ في وجه الطفل يجعله يشعر بالخوف والرعب، وبالتالي يصبح الآباء بالنسبة له شيئًا مخيفًا، ويبدأ يفقد الإحساس بالأمان والحب والدفء الذي يتمناه، وسيعوض ذلك من خلال بعض التصرفات العنيفة.

– خسارة فرص الحديث مع أطفالك: تحتاج الأم والأب إلى النقاش والتفاوض مع أطفالهما؛ من أجل تقويم سلوكهم وتربيتهم وتنمية مهاراتهم بطريقة سليمة؛ لذا فإن الصراخ فيهم يقتل أية فرصة للنقاش؛ لأنه يجعل الحديث من طرف واحد فقط، هو أنت، كما أن الطفل قد لا يتذكر شيئًا مما قلته سوى الصراخ.

نصائح وإرشادات:

- تذكر دائمًا وصية لقمان الحكيم لابنه أن يخفض صوته، ولا يرفعه فيما لا فائدة فيه؛ لأن أقبح الأصوات وأكثرها شرًا هي أصوات الحمير، ولو كان رفع الصوت خيرًا ما جعله الله تعالى للحمير؛ قال تعالى: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19)} [لقمان:19]، قال الإمام القرطبي في تفسيرها (14/71): «في هذه الآية قبح رفع الصوت في المخاطبة والملاحاة (اللوم والتعنيف والنزاع والخصام)»، وانطلاقًا من هذا المبدأ القرآني الرائع يقول عمر بن عبد العزيز رحمه الله لرجل قد رفع صوته في مجلسه: «اخفض من صوتك، فإنما يكفي الرجل قدر ما يسمع»(3).

- الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم بصورة مستمرة وأنت تشاهد من طفلك ما يثير فيك الغضب، ردِّد الاستعاذة بالله تعالى وأنت تتوجه إليه لتمنعه من فعله الخاطئ أو لإصلاح ما أفسد، وعليك أن تخاطب ابنك عندما يخطئ بالدعاء له، فتقول: هداكَ الله، غفر الله لك، أصلحك الله...، وهكذا.

- حدد الأولويات التربوية، وفرّق بين الأهم تربويًا والأقل أهمية، فليس كل ما تطلبه الأم أو يطلبه الأب من الأبناء يستحق الجدال والمناقشة وانهيار الأعصاب، فهناك أمور قابلة للتفاوض، ولا تستحق أن تثور الأم أو الأب بسببها؛ مثل: اختيار نوع الطعام، أو الإصرار على ارتداء زيّ معين من جانب الطفل، وهناك أمور أخرى غير قابلة للتفاوض، وهذا النظام من شأنه أن يقلل من جدالهم ومخالفتهم لوالديهم؛ لأنه يشعرهم بقدر من الحرية، ويعمق لديهم الشعور بالمسئولية.

- استعمال الرفق واللين: فلقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في توضيح أساليب التنشئة الوالدية، فهو مثلًا يطالب بالرفق بالأطفال، وعلاج أخطائهم بروح الشفقة والرأفة والعطف والرحمة، ومعرفة البواعث التي أدت إلى هفواتهم، والعمل على تداركها، وإفهام الأطفال نتيجتها.

عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يا عائشة، إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف»(4).

ولم يقر صلى الله عليه وسلم الشدة والعنف في معاملة الأطفال، واعتبر الغلظة والجفاء في معاملة الأولاد نوعًا من فقد الرحمة من القلب، وهدد المتصف بها بأنه عرضة لعدم حصوله على رحمة الله؛ حيث قال عليه السلام للأقرع بن حابس حينما أخبر أنه لا يُقَبِّل أولاده: «من لا يَرحم لا يُرحم»(5).

- الانسحاب والتزام الصمت من الأساليب الجيدة أيضًا كبديل تربوي عن الصراخ وفقد التحكم في الأعصاب، فالمربي عندما ينفعل تتغير تعبيرات وجهه لتصبح أكثر قسوة، وقد يتفوّه بألفاظ جارحة أو يرتكب أفعالًا يندم عليها بعد ذلك؛ لذلك عليه أن ينسحب من ساحة المواجهة عندما يبدأ دماغه في الغليان، ويوشك بركان غضبه أن ينفجر، ويكفي أن يقول لمن أخطأ: «إنني من شدة غضبي منك الآن لا أريد مواجهتك وأنا في هذه الحالة»، وهنا سيشعر الطفل بتأنيب الضمير، ولا تخشَ، عزيزي المربي، أن يفهم الطفل هذا الانسحاب على أنه ضعف أو استسلام منك؛ لأن أغلبية الأبناء سوف يدركون أنهم تمادوا في الخطأ، فيتراجعون ويعتذرون، وتمر العاصفة بسلام إن شاء الله تعالى.

- افصل بين شخص الطفل، الذي هو ولدك وقرة عينك، وبين أخطائه التي هي مقتضى بشريّته وصغر سنّه وقلة خبرته بالحياة، كما أنها سبيله لتعلم الصواب، وبالتالي يكون التوجيه والتصحيح منصب، لفظيًا وانفعاليًا، على السلوك الخاطئ، أما شخص الطفل فيظل قرة العين وحبيب القلب.

- تذكر أن الاستجابة الفعلية والطاعة من ابنك ستكون بعد فترة ليست بالقصيرة؛ يعني الاستجابة ليس شرطًا أن تكون فورية، ممكن مع التكرار؛ لأن الاستجابة السلوكية تحتاج لوقت وبرمجة متكررة حتى تصبح سلوكًا وعادة لدى الطفل بخاصة، والإنسان عامة.

- لا تتخذ قرارات سريعة؛ بل تمعن وادرس، وكن هادئًا وأنت تفكر في الحلول والأساليب التربوية.

وأخيرًا: عزيزي المربي، ما الحل؟

ليكن الحوار هو أسلوبك معهم، الحوار القائم على الود والحنان والرحمة، والهادف إلى تحقيق مصلحتهم، ثم لا تنس أنك بالنسبة لأبنائك القدوة التي يتعلمون منها السلوك والأخلاق؛ فلتكن لهم خير قدوة، في الهدوء وضبط النفس والتعامل الراقي، البعيد عن الصراخ، المفعم بالحب والاحترام(6).

________________

(1) الصراخ هل هو أسلوب تربوي ناجح؟ سحر شعير، موقع: لها أُن لاين.

(2) صراخ الأمهات في البيوت، موقع: صيد الفوائد.

(3) تاريخ بغداد (6/104).

(4) رواه البخاري (6927)، ومسلم (2593).

(5) رواه البخاري (5997)، ومسلم (2318).

(6) الصراخ هل هو أسلوب تربوي ناجح؟