الحوار بين الزوجين
يعتبر الحوار من أهم مقومات التواصل والتفاعل، والتقارب الروحيوالعاطفي بين الزوجين، وهو مفتاح التفاهم والانسجام، وهو كذلك القناةالتي تَعْبُر من خلالها المشاعر والأحاسيس الدافقة؛ فعندما نتحاور نعبرعن شعورنا
تجاه الآخر، كما نعبر عن أنفسنا وأفكارنا وطموحاتنا معشريك الحياة، فالحوار ليس فقط لغة للتفاهم، وإنما هو بريد الحب بينالزوجين ومؤشر العلاقة العاطفية.
وعندما نتأمل في واقع حياتنا الأُسَرِيّة نجد اللهفة إلى الاستماعلشريك الحياة، والتشوق للحظة اتصاله في فترة ما قبل البناء، أما بعدها،ومع مرور الأشهر الأولى وإنجاب الأبناء فالأمر جد مختلف, حيث تغيبثقافة الحوار عن سلوكنا، فنجد الصمت يُحوِّل حياة الشريكين إلى جبل منجليد ثقيل الظل، ويندر أن يصغي أحدهما إلى الآخر، وتنعدم الحكمة عندالحديث والنقاش؛ نظرًا لعدم فهمهما أُطُرَه التي تساهم في نجاحه، وعدمالوقوف أمام المعوقات التي تحول دون هذا النجاح؛ لنفاجأ في النهايةبمشكلة أخرى تُضَاف إلى رصيد مشاكلنا اليومية، وتغدو حياة الزوجين فيروتين ممل خالٍ من أي روح أو عاطفة؛ بل وتصبح حياتهما مهددة بالفشلوالانفصال(1).
وإن الدراسات والأبحاث عن المشاكل الزوجية لتقول أن أكثر المشاكل الزوجية بسبب سوء الحوار، وأعلى نسبة للطلاق على مستوى العالم بسبب سوء الحوار بين الزوجين(2).
وانطلاقًا من هذا الواقع بات الحوار من أكثر الموضوعاتأهمية في حياتنا الزوجية على وجه الخصوص.
الكلمة الطيبة وتأثيرها:
إن الكلمة الطيبة أساس متين، تبنى عليه علاقات الحب والمودة والرحمة والإنتاج والتربية، إن الكلمة الطيبة تهيئ المناخ المناسب لنمو هذه العلاقات، وتثمر الثمرة المرجوة سعادة وفرحًا وابتهاجًا وانطلاقًا، وتحقيقًا لكثير من معاني الخير.
وإن الكلمة الطيبة أغلى عند الزوجة، في كثير من الأحيان، من الحُلي الثمين، والثوب الفاخر الجديد؛ ذلك لأن العاطفة المحببة التي تبثها الكلمة الطيبة غذاء الروح، فكما أنه لا حياة للبدن بلا طعام، فكذلك لا حياة للروح بلا كلام حلو لطيف.
إن تجاهل حاجة الزوجة إِلى العاطفة العذبة، التي تفيض بها الكلمة الطيبة، يجعلها تحمل بين جوانبها حجرًا مكان القلب، مما يعكر على الزوج حياته؛ لأننا نعيش بالمعاني لا بالأجساد فقط، وليس في الحجارة من المعاني شيء.
إن رَتبة كتف حانية من الزوج، مع ابتسامة مشرقة مقرونة بكلمة طيبة تذيب تعب الزوجة، وتنعش فؤادها المشرئب للعطف والحنان، فهل لك يا أخي أن تنتبه إلى نفسك وتتأسى بسيدنا رسول صلى الله عليه وسلم، الذي يقول الله تبارك وتعالى فيه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21].
اشكر زوجتك على طبق الطعام اللذيذ الذي قد أعدته لك بيديها، اشكرها بابتسامة ونظرة عطف وحنان، أثن عليها وتحدث عن محاسنها وجمالها، والنساء يعجبهن الثناء ويؤثر فيهنّ، وإذا كان الكذب محظورًا فقد أباح لك الإسلام طرفًا منه في علاقتك الزوجية، عندما يكون ذلك سببًا لتعميق المودة وتحقيق التفاهم.
اذكر لها يا أخي امتنانك لرعايتها وخدمتها لك ولبيتك وأولادك، وإن كان هذا من اختصاصاتها، وإن كانت لا تقدم إلا ما تقدمه النساء عادة، لكن ذلك من قبيل الكلمة الطيبة التي تؤكد أسباب المودة والرحمة، قل لها الكلمة الطيبة ولو نقصتها شيئًا من الطعام والمال والكساء، إنها حينئذ ستسعد، وستحس بدفء الحنان والعطف والمودة في أعماق قلبها، وإذا أصبح قلبها مترعًا بهذه المعاني دفع دماءها حارة مغرّدة في عروقها، وستندفع في خدمتك، وتعيش معك العمر آمنة مطمئنة، وسوف ترى أنت بريقًا يتراقص في عينيها، وابتسامة مشرقة على شفتيها، وسينطلق لسانها بالحديث عنك وإليك بالكلمة الطيبة.
وربما قالت بعض الزوجات: وماذا يريد الزوج مني؟ ألا يجد طعامه مطيهًا، وثوبه مكويًا، وبيته نظيفًا، وأولاده لابسين آكلين، وحاجاته مهيأة؟
إنه لا يطلب منى طلبًا إلا حققته، ولا يريد حاجة إلا سارعت في تنفيذها.
ماذا يريد الزوج مني أكثر من ذلك؟
كلا يا سيدتي:
إنه بحاجة إلى العاطفة التي أنت مصدرها، إنه بحاجة إلى الابتسامة المشرقة التي تبدد ظلمات الكآبة التي تعترضه في الحياة.
إنه يريد أن يرى الإنسانة التي تعني به، وتظهر له الاهتمام الكبير، وتشعرهُ أنه، بالنسبة إليها، قطب الرحى، وأساس السعادة.
إنه يريد أن يسمع باللحن المريح كلمة الشوق والشكر والحب، والرغبة في الأنس به واللقاء.
إن ذلك كله مفتاح باب السعادة التي يحويها معنى الزواج.
إن كلمة شكر وامتنان من الزوجة، مع ابتسامة عذبة تسديها إلى الزوج، بمناسبة شرائه متاعًا إلى البيت، أو ثوبًا لها، تدخل عليه من السرور الشيء الكثير، قولي له الكلمة الطيبة ولو كان نصيب المجاملة فيها كبيرًا، لتجدي منه الود والرحمة والتفاهم، مما يحقق لك الجو المنعش الجميل.
رددي بين الفينة والفينة عبارات الإعجاب بمزاياه، واذكري له اعتزازك بالزواج منه وأنك ذات حظ عظيم، فإن ذلك يرضي رجولته ويزيد تعلقه بك.
قابليه ساعة دخوله بالكلمة الحلوة العذبة، وتناولي منه ما يحمل بيديه وأنت تلهجين بذكره وانتظارك إياه.
فذلك كله من الكلمة الطيبة التي تأتي بالسعادة، ولا تكلفك شيئًا، وتعود عليك بالنفع العظيم.
وإن مما يتصل بالقول الحسن والكلمة الطيبة أن نعرف آداب إلقاء هاتيك الكلمة الطيبة، والحق أنّ هناك أمورًا كثيرة، وهي يسيرة علينا، نتجاهلها في حياتنا الزوجية، فنضيّع على أنفسنا سعادة كبيرة، ونَصْلَى من وراء ذلك نار الخلاف والشجار والشحناء والبغضاء مدة العيش المشترك بين الزوجين، طالت هذه المدة أم قصرت.
أجل.. هنالك أمور يسيرة على من ينتبه إليها، عظيمة الجدوى والنفع على من يأخذ بها ويحققها، وهي واردة بالنسبة إلى الزوجين، وإن كانت ظروف حياتنا تجعل هذه الأمور مطلوبة من الزوجة بصورة آكد، وأعظم الناس حماقة من يفوت على نفسه السعادة من تجاهله أمرًا لا يكلفه شيئًا، وإهماله أدبًا نصحه الناصحون به.
ومن هذه الأمور الهينة الميسورة أدب الحديث.
آداب إلقاء الحديث:
إن من رعاية القول الحسن الاهتمام بآدابه، لا سيما عندما يكون الحديث بين الزوجين، ومن أهم هذه الآداب:
1- أن يراعي المتحدّث حالة المخاطب، فلا يحدثه بقصد التودد وهو يراه متوجعًا متألمًا، أو مشغولًا بكتابة أو محادثة هاتفية، أو منتظرًا أمرًا ذا بال وهو يفكر فيه، أو نعسان يغالبه النوم، أو متضايقًا يدافع الأخبثين ويريد دخول الخلاء، أو مستعجلًا يريد الخروج وإدراك موعد له، أو ما إلى ذلك من الحالات.
2- أن يراعي المتحدِّث ألا ينفرد بالحديث، وألا يكون آخذًا دائمًا صفة الذي يلقي ويطلب من سامعه دائمًا أن يكون مصغيًا لا يفتح فمه.
3- أن يجتنب المتحدث إعادة الحديث وتكراره، فليس أثقل على النفس من الحديث المعاد.
4- أن يحرص المتحدث على الإيجاز، وأن يحذر الإطالة والثرثرة، فحمل السامع على متابعتك لمدة طويلة مرهق ومنفر.
5- أن يتنبه المتحدث إلى صفة التواضع، فليس حسنًا أن يفرط في الفخر بمزاياه العظيمة، وليعلم أن هذا ثقيل على السامع حتى ولو كان زوجًا أو إنسانًا من أقرب الناس إليه.
6- أن يحرص المتحدث على أن يلقي حديثه بتقدير عميق لمن يكلمه، لا سيما إن كان زوجة؛ فهي قرينته في حياته، وشريكته في عمره، وهى أم أولاده.
أدب الاستماع:
أما أدب الاستماع فهو من الأهمية بمكان، لا يقل عن الإلقاء؛ بل يزيد عليه؛ لأن الانتباه إليه أمر مضيَّع، قلَّ من يراعيه من الناس.
وحسن الاستماع يزيد في حب الإنسان لصاحبه، ويجعله أكثر إقبالًا على الحديث، والانسجام مع قرينه، فمن هذا المنطلق ينبغي أن يحرص المرء على أن يثبت لمحدثه أنه يحبه، لا سيما إن كان زوجًا، ففي ذلك توكيد لأسباب المودة والرحمة، وتوثيق لعرى الزوجية السعيدة، إنَّ عليه أن يقبل على سماع حديث صاحبه، وأن يلتمس النواحي المشرقة في حديثه، ويقنع نفسه بضرورة الإصغاء له بعناية تامة.
إن الإقبال على المتحدث والإصغاء له دليل على تقديره، واحترامه، والاهتمام به، ورعاية كرامته، وهذا مطلوب من الإنسان المسلم نحو أي مسلم آخر، ولو كان لا يجمع بينه وبينه إلا المرافقة في طريق، فما بالك بشريك العمر؟
هذه أهمية حسن الاستماع، فما آدابه؟
1- ألّا يتشاغل السامع عن الإصغاء بقراءة، أو خياطة، أو مداعبة لولد أو نحو ذلك.
إن تخصيص جزء من الوقت للحديث المشترك بين الزوجين، يُقبِل فيه كل منهما على صاحبه، كفيل بأن يزيل كثيرًا من أسباب الخلاف، ويحُل محلها أسس الود والرحمة.
2- ألا يقاطع السامع صاحبه؛ بل ينتظره حتى يتم حديثه؛ لأن مخالفة هذا الأدب سبب لكثير من المشكلات الزوجية، وكثيرًا ما تكون المقاطعة نتيجة لخوف من أحد الزوجين أن يخسر موضوع الحديث، وهذا خطأ فادح، لماذا لا نسمع ونناقش بهدوء؟ وإذا كنا على خطأ لماذا لا يكون عندنا الاستعداد للتراجع عن الخطأ؟
3- أن يبدي المرء استحسانه لما يسمع، وأن يكون هذا الاستحسان في حدود المعروف المقبول لا يبالغ فيه؛ إذ إن المبالغة قد تعني التهكم والمداراة، وكل ذلك مسيء للمتحدّث، وقد قيل: إذا زاد الأمر عن حده انقلب إلى ضده.
4- ألا ينتقل في تعقيبه على حديث المتكلم إلى موضوع آخر حتى يشعر بأن المتكلم قال كل ما يريد.
5- أن يقبل السامع على الإصغاء لحديث صاحبه، حتى ولو كان في أمر يعرفه أدق المعرفة، قال ابن المقفع: «إذا رأيت الرجل يحدث حديثًا قد علمتَه، ويخبر خبرًا قد سمعته، فلا تشاركه فيه، ولا تفتح عليه، حرصًا على أن تُعلم الناس أنك قد علمته؛ فإن ذلك خفة وسوء أدب»، ولله درّ أبي تمام:
مَنْ لي بإنسان إذا أغضبتُه *** وجهلتُ كان الحلم رد جوابه
وتراه يصغي للحديث بقلبه *** وبسمعه ولعـله أدرى بـه
6- أن ينصت، سواء أكان الحديث دسمًا عميقًا أم كان تافهًا غثًا، وألا يظهر للآخر ضيقه من ذلك؛ لأن أي إنسان مهما أوتي من الموهبة لن يستطيع أن يجعل حديث التسلية دائمًا حديثًا عميقًا دسمًا.
7- ألا يسارع أحدهما إلى الردّ على صاحبه فيما إذا قرر أمرًا لا يراه، ما لم يكن إثمًا أو زيغًا، إن عليه ما دام الأمر لم يصل إلى دائرة المنكر أن يلوذ بالصمت الملاطف الرفيق، ولا بأس بأن يثني على جانب من الكلام تمهيدًا للتعقيب المناسب في الوقت المناسب؛ ذلك لأنَ المبادرة إلى إبطال قوله قد تترك أثرًا سيئًا في نفس صاحبه، ولا يزهدن أحد في المجاملة، فما أكثر ما تكون المجاملة نافعة في الدنيا!، وليس يعني هذا أن ينسلخ المرء عن رأيه، ولا أن يتخلى عن فكره، لا، ولكن يسعه الصمت في بادئ الأمر، ثم يتخير الوقت المناسب ليقول فيه ما يرى.
8- أن يجاري أحد الزوجين صاحبه فيما يسمع، فإن كان الحديث نكتة صادقة ضحك، وإن كان خبرًا يثير التعجب تعجب.
إن مثل هذه المجاراة والتجاوب يجعل المرء يحس بلذة الحديث، وأنه يتحدث مع حيّ يشاركه الرأي لا مع جماد ميت، ولا مع مشاكس معاند، وليحاول أن يجعل ذلك كله طبيعيًّا لا أثر للتكلف فيه(3).
معوقات الحوار الناجح بين الزوجين:
هناك خمسة معوقاتتقف عقبة في طريق الحوار الناجح بين الزوجين، وهي:
1- لسان غير مبين:
يختلف الرجل عن المرأة في طريقة استخدام اللغة، فعندما يتكلم الرجليمتاز حديثه بالموضوعية والترتيب، ويبتعد عن استخدام العاطفة، بينماالمرأة عندما تتحدث لا تجيد غالبًا إلا لغة العاطفة في كلامها، وتطلقأحكامًا عامة لا تقصدها لذاتها، إنما لتبالغ في التعبير عما تشعر به،وقد وصف القرآن هذا الحال بقوله تعالي:{أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَفِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ}[الزخرف:18].
وهذا قديؤدي إلى مشكلات ضخمة في الحوار والتفاهم بين الزوجين، إذ يُنَزِّلالرجلُ كلامَ زوجته على قواعد فهمه ومنطلقاته في التعبير، فكل كلمةلها مقصودها ومدلولها الذي بالضرورة تعيه شريكة الحياة, في ظنه، وقدلا تجد المرأة بدورها مبررًا لغضب زوجها وانفعاله أثناء الحوار، وتظنأنه ضاق بها ذرعًا وما عاد يحتملها.
فعلى الزوج أن يعي جيدًا، وهويستمع لزوجته، أن ينزل كلامها محله، ولا يخضعه للتحليل العقلي؛ بل يتفهمهمن خلال عاطفة المرأة وشعورها.
2- الأهداف المتعارضة:
تلجأ المرأة للحوار لتعبّر عن معاناتها ومشاكلها، أو ما يفرحهاويسبِّب سعادتها، فهي تفكر بصوت عالٍ، وتوجّه الحديث إلى زوجها؛ لأنهاتحتاج إلى دعمه العاطفي والمعنوي، ولتعبّر عما يجول في خاطرها منأفكار، وعما يختلج في صدرها من مشاعر في كل الأحوال، فالحياة بالنسبةللمرأة عبارة عن اتصال، والكلام هو أفضل وسيلة، وقد يزيد من ألمالزوجة عدم تفهم الزوج لحاجتها للدعم النفسي والعاطفي والمشاركةالوجدانية الذي تحاول أن تستجلبه بالحوار.
أما الرجل فإن الحوار عندهكالكلام؛ كلاهما وسيلة لكسب صديق جديد أو انتهاز فرصة مناسبة في العملأو غير ذلك، فالحوار من أجل ما ورائه وليس هدفًا في حد ذاته، ويعتبرأنه المسئول عن حلّ مشاكله بنفسه، ولا يُحِبّ أن يشاركه أحد في هذاالتفكير حتى زوجته، وفهم الرجل لنفسية المرأة، وكون الحوار والحديث معههدفًا يعد ضرورة حياتية تساعده في التغلب على هذا العائق.
3- سجين (أنا):
سيطرة الفكرة الواحدة والطريقة الواحدة والنابعة من (أنا) على التفكيروالسلوك، وإلغاء (هو) من الرؤية والاهتمام، أسهل الطرق لإفشال الحواربين الزوجين؛ حيث لا يرى كل طرف إلا رغبته، دون النظر لشريك الحياةومتطلباته، فالمنزل بالنسبة للرجل هو المكان المخصص للراحة، والتيتتمثل في مخيلته في الابتعاد عن الجو المشحون، والمنافسات والمناقشاتالطويلة، والخلوص إلى النفس بعد طول معاناة في العمل، فهو لا يريدهإلا وفق ما يحب ويهوى.
أما الزوجة فإن المنزل هو المكان الأمثل الذيتشعر فيه بحرية الكلام، فالحوار والتواصل بالنسبة لها حاجة ضروريةوملّحة، ولا يمكن أن تشعر بقيمتها الذاتية إلا من خلال إشباع حاجةالحوار مع زوجها، ومن ثم تحب أن يكون بيتها ساحة للحوار والكلام.
وإذالم يتنازل كل طرف عن (بعض) رغباته في مقابل أن يتنازل الشريك الآخر عن (بعض) رغباته كذلك؛ فلا ريب أنه ستتقطع بهم سبل الحياة المشتركة،ويفقدان (كل) متعة زوجية، فالزوج لا بد وأن يقتطع جزءًا من وقتهللاستمتاع بالحوار الزوجي، والزوجة لا بد وأن تعطي لزوجها قدرًا منالحرية في الانفراد بنفسه؛ فلا فراق يُنسي، ولا قرب يُمَل.
4- المفاهيم الخاطئة:
من أكبر العوائق أمام الحوار الزوجي الناجح أن يكون لدى الزوجينمفاهيم خاطئة، اكتسباها خلال مسيرتهما التربوية، أو من الظروف البيئية،أو من وسائل الإعلام المحيطة, فبعض الرجال يعتقد أن زوجته لا بد وأنتطيعه في كل شيء، من غير نقاش أو محاورة, وأنه يمكنه اتخاذ القراردائمًا دون مشورة زوجته.
وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول:«والله إن كنا في الجاهلية ما نعد للنساء أمرًا، حتى أنزل الله فيهن ما أنزل، وقسم لهن ما قسم، قال: فبينما أنافي أمر أتأمره، وإذ قالت امرأتي: لو صنعت كذا وكذا، فقلت لها: ما لكولما ها هنا؟! فما تكلفك في أمر أريده؟! فقالت: عجبًا لك يا ابنالخطاب، ما تريد أن تُرَاجع أنت، وإن ابنتك لتراجع رسول الله صلى اللهعليه وسلم حتى يظل يومه غضبان.
فقام عمر فأخذ رداءه حتى دخل على حفصةفقال لها: يا بنية، إنك لتراجعين رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يظليومه غضبان؟ فقالت حفصة: والله إنا لنراجعه، فقلت: تعلمين إني أحذركعقوبة الله وغضب رسوله صلى الله عليه وسلم...، ثم خرجت حتى دخلت على أمسلمة لقرابتي منها فكلمتها، فقالت: عجبًا لك يا ابن الخطاب، دخلت في كلشيء حتى تبتغي أن تدخل بين رسول الله صلى الله عليه وسلموأزواجه»(4).
فمثل هذه المفاهيم الموروثة قدتكون من أكبر عوائق الحوار الزوجي الناجح.
5- الذكريات المؤلمة:
من أهم معوقات الحوار الزوجي تجهيل أيًّا من الطرفين لشريكه المحاور،والانتقاص الجارح منه ومن فهمه ورأيه؛ فقد تسبب كلمة طائشة أو تعبيرقاسٍ حقدًا عميقًا يولِّد ذكريات مؤلمة لدى الطرفين، فيؤثران ما يظناأن فيه السلامة، ويبتعدان عن الحوار، فقد تخشى الزوجة أن تطلب من زوجهاأن يحدثها أو يفتح معها حوارًا، نتيجة فشل مسبق لبعض الحوارات، فربمايصدها أو يستخف بحديثها كما فعل في مرة سابقة، أو يُسمعها كلامًاساخرًا من اقتراحاتها.
وقد ييأس الزوج من زوجة لا تصغي له، ولا تجيدإلا الكلام، فهي كثيرًا ما تقاطعه، وغالبًا ما تصدر الأحكام المسبقةعلى حديثه قبل الانتهاء، وغالبًا تستخف بما يقترحه من حلول، وتشعرهبأنها تفهم أكثر منه، أو لا تبدي الزوجة اهتمامًا لما يطرحه من حديث منالأساس، وقد تكون المشكلة من الطرفين، فعندما يبدأ أحدهما بفتح حوارفإنه يفتحه بالصوت المرتفع، الذي يدل على الضيق والضجر، فيحصل رد فعلعند الطرف الثاني، فيتحول هذا الحوار إلى نوع من الخلافوالشجار.
هذه الاختلافات والصعوبات، في رأينا، إن لم يعيها الزوجان ويحاولاتذليلها قد تُفجّر بركانًا من الخلافات الزوجية، وتبدأ النيرانبالاشتعال(5).
___________________________________
(1) المعوقات الخمسة للحوار الزوجي الناجح، عصام زيدان، موقع: طريق الإسلام.
(2) فن الحوار العائلي، د. جاسم المطوع.
(3) نظراتفيالأسرة المسلمة، للشيخ الدكتور محمد لطفي الصباغ، نقلًا عن كتاب: عودة الحجاب، للشيخ محمد إسماعيل المقدم (2/416-426)، بتصرف يسير.
(4) رواه البخاري (4913)، ومسلم (1479).
(5) المعوقات الخمسة للحوار الزوجي الناجح.