الزوجة وحاجتها إلى التقدير
تفني هي نفسها كشمعة من أجل زوجها وأولادها، فتؤدي مهامها المنزلية على أكمل وجه، وتتعب فلا تشكو، وتعاني فلا تضجر؛ بل تدور كنحلة في أرجاء بيتها؛ تطهو، وتنظف، وترتب، وتذاكر للأبناء، وتتفقد احتياجات الزوج، وتضن على نفسها بلحظات راحة مسروقة، خاصة إذا كانت تعمل وتحارب على جبهتي البيت والعمل معًا، وفي النهاية يرى الزوج أن زوجته شأنها شأن كل الزوجات والأمهات، وأنها لا تفعل معجزة حتى يقدم لها آيات التقدير والامتنان(1).
إن التقدير حاجة فطرية يبحث عنها البشر، كل البشر يرغبون في أن يكونوا شيئًا مذكورًا، فالإنسان بداية يبحث عن الطعام والشراب، فإذا تمكن من ذلك بحث عن الأمن، فإذا تمكن من ذلك بحث عن الجماعة والأصدقاء، فإذا به بعد ذلك يبحث عن التقدير والاحترام من قِبَل الآخرين، وفي الأخير يبحث عن الإنجاز وتحقيق الذات، وهذا ما نسميه في علم النفس بـ(هرم الحاجات)، لعالم النفس الشهير ماسلو.
يقول ويليام جيمس: «إن القاعدة الأساسية في الطبيعة البشرية هي النزوع إلى التقدير»(2).
من صور التقدير:
1- أن يستمع إلى حديثها، ويأخذ برأيها، ويحترم وجهة نظرها، ولا يسفه رأيها إذا كان ضعيفًا، ويأخذ به إذا كان صوابًا، وهذا هو الرسول صلى الله عليه وسلم يحار ماذا يفعل يوم صلح الحديبية، وقد امتنع الصحابة عن أن ينحروا هديهم، فإذا بأم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها، هذه المرأة العاقلة اللبيبة، تشير على الرسول صلى الله عليه وسلم بالرأي الصواب النير: أن يخرج ولا يكلم أحدًا منهم بكلمة حتى ينحر بدنه، ويحلق رأسه، وعلى الفور عمل الرسول صلى الله عليه وسلم برأيها، وكان نعم الرأي والمشورة، حتى ذكرت بعض روايات الحادثة قول الصحابة: فجلى الله عنهم يومئذ بأم سلمة.
ولا حجة لمن تمسك بأحاديث مكذوبة وموضوعة بشأن التحقير والازدراء برأي النساء؛ مثل: «طاعة النساء ندامة»(3)، «هلكت الرجال حين أطاعت النساء»(4)، والتاريخ يزخر بعقلاء النساء اللاتي أشرن بنعم الرأي على أزوجهن، وعمل هؤلاء الأزواج بهذه المشورة فحققوا ما أرادوا وفازوا.
2- ومن صور التقدير أيضًا أن يترك كثرة العتاب والملامة، وتعقب الأمور، في كل صغيرة وكبيرة، وكثرة التوبيخ والتعنيف على كل شيء ليس من صفات الصالحين، إلا أن يكون التفريط في حق من حقوق الله عز وجل، وهذا أدب قرآني نبوي، مأخوذ من قوله عز وجل: {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ} [التحريم:3].
3- من صور التقدير أيضًا: الحفاظ على مكانتها، واحترامها في الفترات التي يمكن أن تكون ضعيفة فيها، أو فاقدة لبعض مميزاتها؛ كأن تكون حائضًا، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يأكل ويشرب مع أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها؛ بل يعينها على ذلك الأمر في عدة مواطن؛ ففي الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله: «ناوليني الخمرة [قطعة من الحصير صغيرة] من المسجد»، فقالت: «إني حائض»، قال: «إن حيضتك ليست في يدك»(5).
وعن عائشة قالت: «كنت أشرب وأنا حائض، ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع فيَّ، فيشرب، وأتعرَّق العرق وأنا حائض، ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع في»(6).
4- من صور التقدير أيضًا أن يكرمها بما يرضيها، ويدخل السرور على قلبها؛ بأن يكرم أهلها وقرابتها؛ عن طريق الثناء عليهم بحقٍ أمامها، ومبادلتهم الزيارات، وإهدائهم الهدايا، ودعوتهم في المناسبات، ومساندتهم عند الشدائد، وهكذا؛ فعن عائشة رضي الله عنها قالت: «استأذنتْ هالة بنت خويلد أخت خديجة على رسول الله، فعرف استئذان خديجة [لتشابه الأصوات] فارتاع لذلك [أي: انتبه بشدة]، فقال: «اللهم هالة...»»(7).
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذبح الشاة ويقطعها أعضاء، ثم يبعثها إلى صديقات خديجة(8)؛ وفاءً لها وتكريمًا لهن.
5- من تقدير الرجل للمرأة أيضًا أن يكون طلق الوجه بشوشًا، يسلم عليها كلما دخل أو خرج، ويسألها عن طلباتها وحاجتها، وأن يتكلم بالكلام الطيب والألفاظ الحسنة، التي تشعر المرأة بمكانتها وقدرها.
روى أبو داود وابن حبان عن جابر بن سليم رضي الله عنه أن رسول الله قال له: «ولا تحقرن شيئًا من المعروف، وأن تكلم أخاك وأنت منبسط إليه بوجهك؛ فإن ذلك من المعروف»، وروى ابن سعد عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان ألين الناس وأقرب الناس، وكان رجلًا من رجالكم، إلا أنه كان بسامًا.
وللكلمة الطيبة أروع الأثر في نفس سامعها، وهي، في بعض الأحيان، أغلى من الحلي الثمينة، والهدايا الفاخرة؛ ذلك لأن الكلمة الطيبة تؤجج العواطف، وتزيد المحبة، التي هي غذاء الروح، كما أنه لا حياة للبدن بلا طعام، فكذلك لا حياة للروح والقلب بلا كلام معسول، وإنَّ تجاهل حق المرأة إلى العاطفة العذبة، التي تفيض بها الكلمة الطيبة، يجعل القلب يتحجر ويقسو؛ مما ينعكس سلبيًّا على حياة الرجل والأسرة كلها.
6- من صور حق التقدير المكفول للمرأة في الإسلام: أن يشكر الرجل زوجته على أفعالها، وما قامت به من أعمال وواجبات أسرية، وأن يبالغ في الثناء عليها، أمام الناس والجيران وأقربائه، ويعلي من مكانتها، ويفخم قدرها، ويعظم فعالها في مواطن كثيرة، فإن ربتة كتف حانية من الزوج، مع ابتسامة مشرقة، مقرونة بكلمة طيبة وشكر مستحق لرعايتها له ولولده تذهب كل متاعب المرأة، وتنعش فؤادها المشرئب للعطف والحنان، قال تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة:83].
وأحق من يشكر هو الزوجة، قرينة الحياة، وشطر الأسرة، وفى الحديث «من لم يشكر الناس لم يشكر الله»(9)، فيجب على الرجل أن يشكر زوجته، لا كما يقول الكثيرون: «لا شكر على واجب»، وهذه مسئوليتها، وواجبها أن ترعى بيتها وولدها، وكيف يكون شكر على واجب(10).
إن عدم اعتياد الأزواج على تقديم الشكر لزوجاتهم يرجع إلي جهلهم بتأثير كلمة الشكر والتقدير على الزوجة ، فشكر الزوجة يعمل على زيادة التقارب بينها وبين زوجها، ويقلل من النزاعات، ويجعل المرأة سعيدة دائمًا، الأمر الذي ينعكس على الأبناء وعلى الزوج شخصيًا.
وفي ظل غياب الشكر والتقدير تغيب السعادة داخل الأسرة، ويتربص كل طرف بالآخر، ويقتل قدرتها ورغبتها في الإبداع داخل منزلها، والتفاني في العمل للأسرة وله شخصيًا(11).
7- من صور التقدير أيضًا أن يشرك الرجل امرأته في همومه، وأفكاره وطموحاته وأموره العامة والخاصة، وهذا الأمر يجعل المرأة تشعر بقيمتها ومكانتها عند زوجها، إذ هو ينزلها بمنزلة نفسه التي يشاورها عند الشدائد واتخاذ القرارات.
ولما نزل الوحي على الرسول صلى الله عليه وسلم، وأصابه الفزع الشديد من جراء ذلك، ذهب مسرعًا لـخديجة رضي الله عنها، ثم بدأ يقص الخبر عليها، ويقول: «لقد خشيت على نفسي»(12)، ويتداول مع عائشة قضية بناء الكعبة وردها على قواعد إبراهيم عليه السلام، ويذكر لها السبب المانع من ذلك، وكان يجتمع صلى الله عليه وسلم كل ليلة مع أزواجه في بيت التي عليها النوبة، يتحدث معهن في شئونه وشئونهن، ثم تنصرف كل واحدة إلى بيتها(13).
نعم.. ولا:
- نعم لجملة «سلمت يداكِ» تعبيرًا عن سعادتك بطهي زوجتك، ولا لجملة «الله يرحم أيامك يا أمي، وأيام طعامك الشهي».
- نعم لابتسامة رضا وسعادة لأي عمل تعمله الزوجة مهما كان صغيرًا، ولا لنظرة الاستهانة ولَي الشفاه والتمتمة بسخرية.
- نعم لربتة حنان على كتف المسكينة التي تقف بالساعات لتدير البيت، وتؤدي مهامها المنزلية، ولا لتجاهل معاناتها وشكواها والتعامل معها باستهانة.
- نعم لحث الأبناء على مساعدة الأم، وعدم تحميلها كل الأعباء المنزلية، ولا للجلوس معهم أمام الكمبيوتر أو التلفاز، بينما هي لا تكاد تستطيع أن ترفع قدميها من التعب، ولا يشعر أحد بها(14).
أخي الزوج، انتبه:
عند تقديم الهدايا أو العطاء والبذل؛ فإن حساب النقاط يختلف عند الرجل وعند المرأة، فقد يظن الرجل أنه يحرز نقاطًا كبيرة مع المرأة عندما يقدم لها شيئًا عظيمًا، مثل شراء سيارة، أو أخذها في إجازة، ويفترض أنه يحرز نقاطًا أقل عندما يقوم بفعل شيء قليل، مثل فتح باب السيارة لها، أو شراء وردة لها، أو ضمها إلى صدره، وبناءً على هذا النوع من تدوين النتائج، يعتقد هو بأنه سيرضيها أفضل بتركيز وقته وطاقته وانتباهه على تقديم شيء ضخم لها، ولكن هذه الطريقة لا تنفع؛ لأن النساء يقمن بتدوين النقاط بطريقة مختلفة.
عندما تدون المرأة النقاط، مهما كبر أو صغر حجم الهدية، فهي تساوي نقطة واحدة، كل هدية لها نفس القيمة، فهي تحصل على نقطة واحدة، لكن الرجل يظن أنه يسجل نقطة واحدة لكل هدية صغيرة، وثلاثين نقطة لهدية كبيرة، وبما أنه لا يدرك أن النساء يقمن بتدوين النقاط بطريقة مختلفة، فمن الطبيعي أن يركز طاقته على هدية واحدة أو هديتين ضخمتين.
لا يدرك الرجل أن الشيء القليل بالنسبة إلى المرأة مهم تمامًا مثل الشيء الكبير، ومن دون فهم هذا الاختلاف الأساس في تدوين النقاط وتقدير الأعمال يبقى الرجال والنساء محبَطون وخائبو الأمل باستمرار في علاقاتهم(15).
________________
(1) عدم التقدير يقتل الحب الزوجي، منتديات مكتبة المسجد النبوي الشريف.
(2) كيف تقدر شريكك وتحترمه، موقع مفكرة الإسلام.
(3) ضعيف الجامع (3607).
(4) ضعيف الجامع (6097).
(5) رواه مسلم (298).
(6) رواه مسلم (300).
(7) أخرجه البخاري (3821)، ومسلم (2437).
(8) رواه البخاري (3818)، ومسلم (2435).
(9) صحيح الجامع (6541).
(10) هدي النبي عليه الصلاة والسلام في تقدير المرأة، أ. شريف عبد العزيز، موقع: ملتقى الخطباء.
(11) مقال: زوجي العزيز، قدرني شكرًا، بدرية طه حسين، موقع: جريدة الوفد.
(12) رواه البخاري (3)، ومسلم (252).
(13) هدي النبي عليه الصلاة والسلام في تقدير المرأة.
(14) عدم التقدير يقتل الحب الزوجي.
(15) كيف تقدر شريكك وتحترمه، بتصرف.