تعليم الأطفال خلق التسامح
تنعكس تربية الطفل الجيدة على شخصيته طيلة مسار حياته، لذا يقع على عاتق الأهل زرع القيم الإنسانية الحميدة في الطفل، لينشأ لدينا فرد بشخصية متكاملة وسوية، ويدعم هذا الأمر تكوين مجتمع سوي خالي من الجشع والحقد والكره والعدوانية، وغيرها من الصفات التي تعزز تكوين بيئة سلبية ومحبطة.
والتسامح واحدة من أسمى وأنقى الصفات التي يجب أن يتحلى بها البشر عمومًا والمسلم خصوصًا، ويعتبر التسامح جانبًا من جوانب تنمية التفكير الإبداعي وخصوصًا لدى الأطفال.
قد يغفل الأهل عن أهمية تعليم طفلهم التسامح عندما يعود من المدرسة مضروبًا لتهل عليه نصائح الأهل المرتكزة على مبدأ العين بالعين والسين وبالسن والجروح قصاص، فيظنون بذلك أنهم يزرعون القوة والثقة بالنفس لدى الطفل، متناسين أن هذا الأمر سيجعل منه شخصية عدوانية وعنيفة ومحبة للانتقام.
أهمية تعليم الأطفال التسامح:
- قدرة طفلك على التسامح تجعل منه شخصية قادرة على ضبط نفسها عن الكثير من الصفات السيئة؛ مثل الحقد والكره والانتقام من الآخرين، فالغضب وغريزة الانتقام تنبئ عن شخصية ضعيفة تخضع لغضبها وتستسلم لأهوائها، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب» (1).
فدل هذا أن مجاهدة النفس أشد من مجاهدة العدو؛ لأن النبي عليه السلام جعل للذي يملك نفسه عند الغضب من القوة والشدة ما ليس للذي يغلب الناس ويصرعهم، ومن هذا الحديث قال الحسن يحين سئل أي الجهاد أفضل؟ فقال: جهادك نفسك وهواك (2).
- تعلم التسامح في الصغر ينشئ لدينا مستقبلًا شخصًا إيجابيًا قلَّ ما ينظر لتصرفات الآخرين بسلبية أو نظرة تشاؤمية، ولذا أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث» (3).
فنهى عليه السلام أن تحقق على أخيك ظن السوء إذا كان الخير غالبًا عليه.
وروى عن عمر أنه قال: لا يحل لمسلم يسمع من أخيه كلمة أن يظن بها سوء وهو يجد لها في شيء من الخير مصدرًا (4).
- منح الله التسامح والعفو مرتبة كبيرة في كتابه الكريم، فامتدح المؤمنين المتسامحين الذين يعفون عن الناس وينسون إساءتهم فيقول تعالى: {وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} [الشورى: 37]، كما صنف القرآن الكريم المتسامحين بأنهم من المحسنين فيقول تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134].
والله يعلم أن الغضب انفعال بشري ينبع من فطرته، وهو ليس شرًا كله،.. ومن ثم لا يحرم الغضب في ذاته ولا يجعله خطيئة؛ بل يعترف بوجوده في الفطرة والطبيعة، فيعفي الإنسان من الحيرة والتمزق بين فطرته وأمر دينه، ولكنه في الوقت ذاته يقوده إلى أن يغلب غضبه، وأن يغفر ويعفو، ويحسب له هذا صفة مثلى من صفات الإيمان المحببة.
هذا مع أنه عرف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لم يغضب لنفسه قط، إنما كان يغضب لله، فإذا غضب لله لم يقم لغضبه شيء، ولكن هذه درجة تلك النفس المحمدية العظيمة لا يكلف الله نفوس المؤمنين إياها، وإن كان يحببهم فيها، إنما يكتفي منهم بالمغفرة عند الغضب، والعفو عند القدرة، والاستعلاء على شعور الانتقام، ما دام الأمر في حدود الدائرة الشخصية المتعلقة بالأفراد (5).
فالغيظ انفعال بشري، تصاحبه أو تلاحقه فورة في الدم فهو إحدى دفعات التكوين البشري، وإحدى ضروراته، وما يغلبه الإنسان إلا بتلك الشفافية اللطيفة المنبعثة من إشراق التقوى وإلا بتلك القوة الروحية المنبثقة من التطلع إلى أفق أعلى وأوسع من آفاق الذات والضرورات.
وكظم الغيظ هو المرحلة الأولى، وهي وحدها لا تكفي، فقد يكظم الإنسان غيظه ليحقد ويضطغن فيتحول الغيظ الفائر إلى إحنة غائرة ويتحول الغضب الظاهر إلى حقد دفين، وإن الغيظ والغضب لأنظف وأطهر من الحقد والضغن، لذلك يستمر النص ليقرر النهاية الطليقة لذلك الغيظ الكظيم في نفوس المتقين، إنها العفو والسماحة والانطلاق.
إن الغيظ وقر على النفس حين تكظمه وشواظ يلفح القلب ودخان يغشى الضمير، فأما حين تصفح النفس ويعفو القلب، فهو الانطلاق من ذلك الوقر، والرفرفة في آفاق النور، والبرد في القلب، والسلام في الضمير (6).
- يتمتع الشخص المتسامح بالاحترام والتقدير بين الناس، فالشخص المتسامح محبوب من الآخرين، فلا يحب الناس التعامل مع الشخص العدواني المحب للانتقام.
- التسامح والعفو سمتان هامتان من سمات المؤمن القوي، ودلالة على نبل أخلاقه وقوة إيمانه؛ وفيه استجابة لأمر الله عز وجل الذي أمرنا بالصفح والمغفرة فيقول تعالى: {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} [الحجر: 85]، والصفح الجميل: ترك المؤاخذة على الذنب، وإغضاء الطرف عن مرتكبه بدون معاتبة.
قال السعدي: وهو الصفح الذي لا أذية فيه؛ بل يقابل إساءة المسيء بالإحسان، وذنبه بالغفران، لتنال من ربك جزيل الأجر والثواب، فإن كل ما هو آت فهو قريب، وقد ظهر لي معنى أحسن مما ذكرت هنا.
وهو: أن المأمور به هو الصفح الجميل أي: الحسن الذي قد سلم من الحقد والأذية القولية والفعلية، دون الصفح الذي ليس بجميل، وهو الصفح في غير محله، فلا يصفح حيث اقتضى المقام العقوبة، كعقوبة المعتدين الظالمين الذين لا ينفع فيهم إلا العقوبة، وهذا هو المعنى (7).
خطوات تعليم الأطفال التسامح:
من المهم استخدام الأساليب الصحيحة في الحوار مع الطفل، إذ أن فوائد الحوار جمة وفعّالة:
- حتى يكون الطفل قادرًا على التسامح، يجب أن تعزز لديه روح الجماعة والمشاركة ليتقبل اختلاف الآخرين.
- علم طفلك أنه عندما يسامح الآخرين فهذا لا يعني أنه يوافق على ما فعلوه؛ بل يتغافل عنهم ويتجاهلهم، ويتغاضى عن فعلهم طلبًا لمرضاة الله تعالى ليس إلا.
- امدح جهود طفلك عند مسامحة الآخرين، وأشعره بمدى الفعل الذي قام به، وأنه أفضل مكانة وأرفع منزلة ممن أخطأ في حقه.
- اختر لطفلك قصصًا عن التسامح، وأمثلة من الواقع جسدت التسامح عمليًا فأثمر ذلك خيرًا كثيرًا.
- أخبر الطفل بأن الله سبحانه وتعالى أمرنا بالعفو عن الآخرين الذين أساءوا لنا، وأن الله أعد لهم أجرًا عظيمًا وثوابًا كبيرًا في الآخرة بجانب حالات الرضا والراحة النفسية التي يشعر بها الإنسان المتسامح.
- لا بد أن تسامح طفلك حتى يستطيع أن يسامح، إذ يتأثر الطفل بما يقوم به الأهل، فالممارسة العملية من أفضل أساليب التربية.
- علم طفلك أن الإنسان يخطئ ويجب أن يحصل على فرصة أخرى ليصحح من نفسه ويعدل من وضعه.
- أخبر طفلك عن عواقب عدم مسامحة الآخرين وكيف سيكون مستقبلًا بلا أصدقاء، فمن من البشر بلا أخطاء ولو أن الإنسان هجر كل من أخطأ في حقه لعاش وحيدًا في هذه الدنيا.
- ذكر طفلك بالمواقف الطيبة للطفل الآخر، وهذا تمرين لمساعدة الطفل على تنمية التفكير الإبداعي، ففي حالة الغضب يتذكر الإنسان كل أخطاء وسلبيات الطرف الآخر، وتغلب عليه روح التشاؤم والعدوانية، فمن أخطأ في حقه ليس كله أخطاء؛ بل فيه أشياء جميلة وربما له مواقف سابقة طيبة.
أمور يجب مراعاتها عند تعليم الأطفال التسامح:
- لا تجبر طفلك على أن يسامح، فالتسامح نوع من الحب ولا يمكن إجبار الناس إليه، ولكن يمكنك أن تجبر طفلك على ألا يتصرف بدافع الغضب.
- قبل أن تنصح طفلك بالتسامح افهم مشاعره ودعه يعبر عما في داخله، واعرف الدوافع والأسباب التي دفعته لذلك.
- اسمح للطفل بأن يظهر بعضًا من غضبه ليفرغ ما بداخله من مشاعر سلبية، فإن الكبت سيؤثر نفسيًا عليه.
- لا تفرط في دفع طفلك نحو التسامح دون تحليل ما مر به، فكثرة التسامح بدون سبب مقنع إحدى أسباب ضعف الشخصية.
- امنح طفلك الاهتمام والحنان والحب، فالطفل المشبع بهذه المشاعر لن يصعب عليه مسامحة الآخرين، بل يتعامل من هذا المنطلق العاطفي.
فضل التسامح:
- عليك أن تخبره بأن الله سبحانه وتعالى أمرنا بالعفو عن الآخرين الذين أساءوا لنا، فقد قال تعالى: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا} [النور: 22]، نزلت في أبي بكر رضي الله عنه بعد نزول القرآن ببراءة الصديقة، وقد عرف أن مسطح بن أثاثة كان ممن خاضوا فيه، وهو قريبه، وهو من فقراء المهاجرين، وكان أبو بكر رضي الله عنه ينفق عليه، فآلى على نفسه لا ينفع مسطحًا بنافعة أبدًا.
نزلت هذه الآية تذكر أبا بكر، وتذكر المؤمنين، بأنهم هم يخطئون ثم يحبون من الله أن يغفر لهم.
فليأخذوا أنفسهم- بعضهم مع بعض- بهذا الذي يحبونه، ولا يحلفوا أن يمنعوا البر عن مستحقيه، إن كانوا قد أخطأوا وأساءوا (8).
- علمه أن التواصل مع الناس من الطبيعي أن يجلب بعض المشاكل لعدم تطابق الشخصيات والتربية، ولوجود عوامل كثيرة مختلفة، وأخبره بأن من يعامله بأسلوب سيء عليه أن يقابله بأسلوب حسن ولطيف، فمعاملته بالإحسان أمام الإساءة درس قوي لغيره على العفو والتسامح، حيث قال تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت: 34].
أخبره بأن الله يحب المحسنين والعافين، فقد قال جل وعلا: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134]، حيث امتدح الله العافين والمحسنين، وأعلن عن حبه لهم، لذا شجعيه على العفو والإحسان ليحبه الله عز وجل، وأخبره بأن الله سيحبه إذا سامح غيره ولم يرد الأذى بالأذى، بل كان محسنًا عندما تعرض للأذى.
لا بد أن تشرح له أننا نسامح ونعفو من أجل الإصلاح، حتى يكون فرصة لإصلاح الغير، وأن عدم التسامح والعفو سيكون سببًا في زيادة الأذى، وهذا غير مرغوب فيه، ولا بد من أخذ الحقوق والقصاص، فقد قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لا ينبغي للمؤمن أن يُذلَّ نفسه»، قالوا: وكيف يُذلُّ نفسَه؟ قال: «يتعرض من البلاء لما لا يطيق» (9).
بعدما شرحت لطفلك أهمية التسامح وفضل العفو، راقب سلوكه وتصرفاته، فإذا وجدته يعفو عن أذى الأشخاص ويسامح، فكافئه وعبر له عن امتنانك وحبك له (10).
محاور هامة للطفل المتسامح:
وإذا كنا نسعى نحو تدعيم فن التسامح في معاملات الطفل للآخرين، فإن هذا السعي المستمر يهدف إلى تدعيم السلوك الطَّيِّب المُشْبِع بالقيم، وهذا السعي يعتمد على مجموعة من المحاور ينبغي على كل أب وكل أم الاهتمام بتغذيتها، وهذه المحاور هي:
محور يتعلق بحرية الطفل:
تُعَدُّ حرية الطفل من أهم المحاور التي تدعِّم سلوك التسامح عند الطفل، وهذه الحرية تتمشى مع طبيعة الطفل التي تكره التسلط والحتمية، ولكن حرية الطفل وتلقائيته تدفع كل أب وكل أم أن يحترما تصرفاته، وأن يعملا على تنقيتها وتنميتها، بحيث يتعود تحمل المسئولية، تحصينًا له من الوقوع في الخطأ؛ لأن الحرية تضبطها المسئولية وتَحُدُّ من جموحها مجموعة من القيم التي من شأنها أن تهذب سلوكه وتضبطه.
محور يتعلق بتوظيف إرادة الطفل:
يحتاج الطفل إلى أن يتعلم كيف يوظف إرادته في التقاط أهمية وضرورة التسامح في حياته، وبقدر ما يتحصل من معانٍ عن أهمية التسامح في تدعيم العلاقات الإنسانية بقدر ما يتجه بإرادته إلى فعل كل ما من شأنه أن يدفعه إلى الأمام ويحقق له التقدم والنمو السليم.
محور يتعلق بمعنى الحياة:
وعلينا أخيرًا أن ننتبه إلى ضرورة أن نُدعِّم في الطفل قيمة الحياة التي يعيشها من خلال التواصل الودود والمحبة المتبادلة، وأن الحياة تحتاج إلى مجموعة القيم التي ترتفع بصاحبها عن أدران الماديات، ويلعب فيها التسامح دورًا مهمًّا في تأصيل العلاقات الإنسانية، وأن الحياة تحتاج إلى النظرة الواقعية للأمور تلك التي تعتمد بدورها على توظيف الطاقات البشرية والمهارات، والخروج إلى الحياة بكل ما هو مفيد، ويُعَبِّر عن الطابع البشري الذي يُشعِر الطفل بالمعنى الخصب للحياة، وما ينطوي عليه من إنجاز ينعكس على رؤيته في المستقبل، تلك الرؤية التي تستند إلى التسامح الذي يشكل الحياة بوَعْي المُتَقَبِّل وصَبْر المُقْتَنع (11).
نصائح مهمة:
لغة التسامح لا بد أن يتعلمها الطفل منذ نعومة أظفاره حتى نصل إلى المستويات الإنمائية الراقية بالطفل والتي تجعله يتجه إلى الآخر ودودًا متسامحًا، لذا نهيب بالآباء والأمهات الاهتمام بالأمور الآتية:
1- الاهتمام بلغة الحوار، على اعتبار أن لغة الحوار هي حجر الزاوية في تعليم الطفل التسامح؛ لأنها بداية المعرفة واستخدام الألفاظ وتوظيف المعاني حتى تتكون لدى المستمع إليه علاقة حميمة.
2- لا بد أن نجنب الأطفال التنافس البغيض والمعايرة الكاذبة والصَلَف المُزَيَّف، فإذا كان التنافس شريفًا وموضوعيًّا فإنه يَخلق جوًّا من الألفة وتبادل الخبرة، وإذا كان التنافس يعتمد على وأد قدرات الآخرين وتحقيق المكاسب الفردية دون النظر إلى الزملاء، فإن الطفل يحتاج إلى أن يتعلم فَنَّ التسامح من خلال التنافس الموضوعي، ذلك الذي يدفعه إلى الاعتراف بقدرات الآخرين وتهنئة المتميزين وإعطاء كل ذي حق حقه، ذلك هو التسامح المطلوب الذي يجعل صاحبه يرتقي دائمًا من الأنانية البغيضة إلى العطاء السامي الذي يجعله ينظر إلى الآخر بمودة وألفة واحترام.
3- على الآباء والأمهات أن يُعَرِّفُوا الطفل بقدراته دون أن يقلِّلوا من شأنها أو يبالغوا في مدحها، فتقدير الطفل لا بد أن يكون سليمًا، ولا بد وأن يُلَقَّن عيوبه قبل مميزاته، ويتعلم منذ نعومة أظافره كيف يتقبل النقد دون مجاملة؛ لأن المدح والإطراء دون مُسَوِّغ موضوعي يدفع الطفل إلى الغرور والصلف، فقد يرى في نفسه كفاءة تعلو على الآخرين، فيظن وهمًا أنه أفضل منهم، فيعاملهم بقسوة لا تعرف المودة ولا يرى التسامح طريقًا إليها.
4- لا بد أن نعلمه كيف يحرص على الأصدقاء، على اعتبار أن تشجيع الصداقات الوفية المخلصة من شأنه أن يكون شبكة من العلاقات الاجتماعية التي يتكون نسيجها من الأصدقاء، فهم أولئك الذين يقدمون له العون ويساعدونه في حل مشكلاته، ولا بد أن يعرف أنه يحتاج إلى أن يجمع أكبر قدر ممكن من القلوب الصافية الودودة والصديقة؛ ويحتاج إلى أن يتعلم وهو يمارس هذا السلوك الخُلُقي أن يجاهد وينتقي، ولن يتم له ذلك إلا على أرْضِيَّة من التسامح الجميل؛ فالتسامح هو الذي يصنع الأصدقاء والأبرار.
5- يحتاج الطفل إلى أن نغرس فيه حب العدالة في المعاملة؛ لأن الحب والعدالة قيمتان فعليتان تمثلان بدورهما موقعين أخلاقيَّيْن يتخذهما الإنسان نحو أشباهه من الناس.
فإذا كان الحب يسعى إلى تحقيق الوصال بين الناس بعضهم وبعض، فإن العدالة بدورها تهتم بحقوق الآخرين ومطالبهم المشروعة.
6- من الخطأ أن نُعَلِّم الطفل أن التسامح هو تجاوز عن الحقوق أو هو انسحاب من مواقف العمل الجاد، فالتسامح ليس مجرد عاطفة تدفع أصحابها إلى الانسحاب كما يظن البعض، ولكن التسامح يمثل طاقة مُنْتِجة تدفع صاحبها إلى العمل والإنتاج، فالتسامح يُدَعِّم التعاون ويغرس الفضيلة الودودة، ومن هنا يكون دافعًا للعمل والإنجاز ومشجعًا للإرادة ومعترفًا بقدرات الآخرين.
وجدير بالذكر أن تجربة التسامح السامية لا تعرف الأنانية أو إضاعة الوقت أو إخضاع الغير، أو الرغبة في الامتلاك، فكل هذه المظاهر لا بد أن يتجنبها الطفل في تنشئته؛ لأنها تعبر عن المرض النفسي الذي لا يرمز إلى المودَّة أو يؤدي إلى إيجابية العلاقات الإنسانية (12).
_________________
(1) أخرجه البخاري (6114)، ومسلم (2609).
(2) شرح صحيح البخاري لابن بطال (9/ 296).
(3) أخرجه البخاري (5143).
(4) شرح صحيح البخاري لابن بطال (9/ 260).
(5) في ظلال القرآن (5/ 3165).
(6) في ظلال القرآن (1/ 475).
(7) تفسير السعدي (ص: 434).
(8) في ظلال القرآن (4/ 2504).
(9) أخرجه الترمذي (2254).
(10) علمي طفلك التسامح والعفو/ منتديات سيدتي.
(11) موسوعة سفير لتربية الأبناء/ إسلام أون لاين.
(12) المصدر السابق.