logo

إن كنتم ترضون حكم الله؟... إذن: فلا تعضلوهن.


بتاريخ : الاثنين ، 22 ذو الحجة ، 1436 الموافق 05 أكتوبر 2015
بقلم : تيار الإصلاح
إن كنتم ترضون حكم الله؟... إذن: فلا تعضلوهن.

الجاهلية الأولى:

قبل أن تشرق شمس الإسلام على هذه الأرض، كانت المرأة تعاني من القهر والتعسف وسلب الحقوق الكثير

والكثير، فقد أبغض العرب البنات، وكان أحدهم إذا بشر بمولود أنثى علا وجهه الكآبة والحزن، ثم يفكر في مصير تلك الأنثى أيمسكها على هون أم يدسها في التراب؟، يقول الله تعالى: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ (57) وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (59)} [النحل:57-59].

كان الرجل إذا مات أبوه أو حموه فهو أحق بامرأته، إن شاء أمسكها، أو يحبسها حتى تفتدي بصداقها، أو تموت فيذهب بمالها.

وكانت المرأة في الجاهلية تمسك ضرارًا للاعتداء، وتلاقي من بعلها نشوزًا أو إعراضًا، وتترك أحيانًا كالمعلقة.

وكان أحدهم إذا أراد نجابة الولد حمل امرأته، بعد طهرها من الحيض، إلى الرجل النجيب كالشاعر والفارس، وتركها عنده حتى يستبين حملها منه، ثم عاد بها إلى بيته، وقد حملت بنجيب!.

وقال قتادة: كان الرجل في الجاهلية يقامر على أهله وماله، فيقعد حزينًا سليبًا ينظر إلى ماله في يد غيره، فكانت تورث بينهم عداوة وبغضًا.

كانت المرأة في الجاهلية لم يكن لها حق الإرث، وكانوا يقولون في ذلك: "لا يرثنا إلا من يحمل السيف ويحمي البيضة"، فإذا مات الرجل ورثه ابنه، فإن لم يكن، فأقرب من وجد من أوليائه أبًا كان أو أخًا أو عمًا، على حين يضم بناته ونساءه إلى بنات الوارث ونسائه، فيكون لهن ما لهن، وعليهن ما عليهن.

وكانوا إذا مات الرجل وله زوجة وأولاد من غيرها، كان الولد الأكبر أحق بزوجة أبيه من غيره، فهو يعتبرها إرثًا، كبقية أموال أبيه، فإن أراد أن يعلن عن رغبته في الزواج منها طرح عليها ثوبًا، وإلا كان لها أن تتزوج بمن تشاء(1).

شمس الهداية:

حتى جاء الإسلام وضمن لها حقوقها، وشدد على تلك الحقوق، وجعل العقوبة الرادعة لمن يتعدى عليها، فقد رفع الإسلام مكانة المرأة، وأكرمها بما لم يكرمها به دين سواه؛ فالنساء في الإسلام شقائق الرجال، وخير الناس خيرهم لأهله؛ فالمسلمة في طفولتها لها حق الرضاع، والرعاية، وإحسان التربية، وهي في ذلك الوقت قرة العين، وثمرة الفؤاد لوالديها وإخوانها.

وإذا كبرت فهي المعززة المكرمة، التي يغار عليها وليها، ويحوطها برعايته، فلا يرضى أن تمتد إليها أيدٍ بسوء، ولا ألسنةٍ بأذى، ولا أعينٍ بخيانة.

وإذا تزوجت كان ذلك بكلمة الله، وميثاقه الغليظ؛ فتكون في بيت الزوج بأعز جوار، وواجب على زوجها إكرامها، والإحسان إليها، وكف الأذى عنها.

وإذا كانت أمًا كان برُّها مقرونًا بحق الله، سبحانه وتعالى، وعقوقها والإساءة إليها مقرونًا بالشرك بالله، والفساد في الأرض.

وإذا كانت أختًا فهي التي أُمر المسلم بصلتها، وإكرامها، والغيرة عليها.

وإذا كانت خالة كانت بمنزلة الأم في البر والصلة.

وإذا كانت جدة، أو كبيرة في السن زادت قيمتها لدى أولادها، وأحفادها، وجميع أقاربها؛ فلا يكاد يُرد لها طلب، ولا يُسَفَّه لها رأي.

وإذا كانت بعيدة عن الإنسان لا يدنيها قرابة أو جوار، كان لها حق الإسلام العام من كف الأذى، وغض البصر ونحو ذلك.

ثم إن للمرأة في الإسلام حق التملك، والإجارة، والبيع، والشراء، وسائر العقود، ولها حق التعلم، والتعليم، بما لا يخالف دينها، بل إن من العلم ما هو فرض عين يأثم تاركه ذكرًا أم أنثى.

بل إن لها ما للرجال إلا بما تختص به من دون الرجال، أو بما يختصون به دونها من الحقوق والأحكام التي تلائم كُلًا منهما على نحو ما هو مفصل في مواضعه.

 

الجاهلية الثانية:

إلا أن هذه الحقوق في تلك الأيام قد تناساها المسلمون، وأهملوها، وظنوا أنها من سبيل التفضل على المرأة، وليست من صميم حقوقها، ومن تلك الحقوق التي ضيعوها، حق المرأة المالي، فظنوا أن المرأة لا حق لها في الميراث، فتجبر المرأة على التنازل عن حقها لأجل إخوانها الذكور، كذلك المرأة حين تتزوج يظن أهلها أنها الآن ليس لها أي حق مالي كانت تتمتع به في بيت والدها، وكذلك حين يهب الوالد لأولاده هبة، فيخص بها أولاده الذكور دون الإناث، وغير ذلك من الأمثلة التي عمت بها البلوى.

وإليك بعض الفتاوى التي تنبأنا عن هذا الواقع، وتظهر لنا مدى ما وصلت إليه المرأة من القهر والظلم في عصرنا هذا:

الفتوى الأولى:

عندنا في بلدنا عادة حينما يتوفى الرجل ويترك خلفه بنات وأبناء ولهم إرث منه، العادة: هي أن يطلب من البنات التنازل عن إرثهن، وغالبًا ما يتنازلن مجاملة وحياء، فما حكم هذه العادة؟ فقد جرت معي مع أخواي الاثنين، فقد تنازلت أختانًا عن نصيبهما من الإرث، وأخذناه نحن الذكور فقط، فهل علينا في ذلك إثم؟.

الجواب:

"هذا العمل لا يجوز، الإلحاح على البنات حتى يتركن إرثهن لإخوانهن، هذا لا يجوز، لا سيما وأنك ذكرت أنهن يتركنه حياءًا ومجاملة، فيكون هذا قريبًا من الإكراه، فلا يجوز مثل هذا العمل، بل الله سبحانه وتعالى أعطى البنات حقهن، كما قال سبحانه: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء:11]، فالله، جل وعلا، جعل للبنات نصيبًا من الميراث، وجعل للبنين نصيبًا من الميراث، وقال النبي، صلى الله عليه وسلم: «إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه»(2)، والبنت قد تكون أحوج إلى الميراث من الولد، لضعفها وعجزها عن الاكتساب، بخلاف الولد، فإنه يقوى على الاكتساب، وعلى السفر وطلب الرزق.

وعلى كل حال: هذا التصرف لا يجوز، ولا يصح استضعاف النساء، والتغلب عليهن، وأخذ نصيبهن ولو كان هذا بصورة التبرع منهن؛ لأنهن لا يتبرعن بهذا عن طيب نفس، وإنما يتبرعن به كما ذكرت حياء ومجاملة، والله أعلم(3).

الفتوى الثانية:

عندي ولدان ذكران، وثلاث بنات، زوجت الولد الأول والثاني لا يزال صغيرًا، وقد أمنت للمتزوج بيتًا, وقد نويت بأن أزوج الثاني وأعطيه بيتنا الذي نحن فيه، والسؤال: هل يجب عليَّ في هذه الحالة أن أعطي كل بنت بيتًا أو أي شيء آخر من باب وجوب العدل بين الأولاد؟، أقصد هل يجب العدل في كل شيء بين الذكور والإناث في حال حياتي في الدنيا أم لا يجب لأنهن إذا تزوجن ذهبن إلى بيوت أزواجهن؟.

الجواب:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فما لم يكن هناك مسوغ لتفضيل الذكور كفقر أو حاجة فلا يجوز تفضيلهم، بل يجب التسوية بينهم وبين الإناث، لقوله صلى الله عليه وسلم: «فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم»(4).

وعلى هذا فيجب عليك أن تعطي البنات بيوتًا مثل ما أعطيت الأولاد الذكور، أو تسترجع ما أعطيته للذكور.

ولا يؤثر في وجوب التسوية كون البنات متزوجات أو غنيات، فالمراد تحقق العدل في الإعطاء، والله أعلم(5).

أيها المسلمون، أفحكم الجاهلية تبغون؟، هل هكذا أمرنا المولى، عز وجل، أن نعامل النساء كأنهن سقط متاع؟، هل هكذا وصانا النبي، صلى الله عليه وسلم؟، أين نحن من وصيته حين موته، «واستوصوا بالنساء خيرًا»؟(6).

إن للمرأة حقوقًا، وعليها واجبات، فإذا أردتم استيفاء الواجب كاملًا فأد الحق كاملًا، ولا يظلم ربك أحدَا.

أيها المسلمون، اعدلوا بين أولادكم في العطية، ذكورًا كانوا أم إناثًا، ولا تفضلوا أحدًا منهم على الآخر، حتى لا تزرعوا بين الأخوة الأحقاد والضغائن، وأعط الإناث حقهم الشرعي الذي نص عليه المولى، عز وجل، في كتابه، ولا تأكلوا أموالهن بالباطل، ولا تأخذوها منهن حياءًا وإكراهًا، فكل مسئول أمام ربه عن رعيته.

____________________________________________

(1) عودة الحجاب، لمحمد إسماعيل المقدم.

(2) مسند الإمام أحمد (17663).

(3) مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان (2/625).

(4) صحيح البخاري (2587).

(5) موقع الإسلام سؤال وجواب.

(6) صحيح البخاري (5186).