logo

التربية الايجابية


بتاريخ : الثلاثاء ، 23 محرّم ، 1443 الموافق 31 أغسطس 2021
بقلم : تيار الاصلاح
التربية الايجابية

الأطفال في هذه الأيام أكثر ذكاءً، ويعرفون المساومة من أجل نيل أي شيء يريدونه، فربما يجادلك طفلك الصغير مثل الشخص الراشد وهو مازال في عمر الخمس سنوات.

وهذه التحديات تصعب مهمة الآباء لتربية أبناء يتحلون بمكارم الأخلاق من نزاهة وتهذيب وأمانة، وزرع كل القيم الفاضلة التي يتمنون أن تكون لدى أبنائهم.

وبما أن التربية مهمة صعبة، فقد اجتهد العلماء لعدة عقود لإيجاد أفضل السبل التي من شأنها أن تكون أكثر فاعلية في التربية، وقد أدت هذه البحوث إلى النهج المعروف باسم التربية الإيجابية.

‏ والهدف من هذه التربية أن نساعد الطفل لينمو نموًّا سليمًا، ونبني شخصية قادرة تتمتع بالإحساس والالتزام والاهتمام، وتتبوأ مكانها في المجتمع، مستخدمين أساليب تربوية فعّالة بحيث تغرس سلوكًا حسنًا ولا تدمرهم عاطفيًا.

التربية الايجابية تعزز ثقة الطفل بنفسه، تعلمه الاعتماد على ذاته، كما أنها توطد الأواصر بينه وبين والديه، وتجعل العلاقة الرابطة بينهم مبنية على الثقة والاحترام.

هذا النهج التربوي يعتمد أساسًا على أسلوب الحوار، التواصل والانصات الفعال، غير أن على الآباء الحرص على عدم الخلط بين الحوار والاستشارة، فإن كان أحد الأبناء سيقدم على عمل لا يستلطفانه يجب عليهم ابداء رفضهم للفكرة والعمل على اقناعه بأسباب رفضهم له، فإن لم تنجح المحاولة يجب عليهم فرض مجموعة من الشروط على الابن (1).

إن خمس دقائق ينصت فيها الأب لابنه قد تجعله يتفادى تضييع ساعات طويلة في معالجة مشكلات ناجمة عن قلة التواصل أو مناقشة حالة توتر.

إن تخصيص خمس دقائق للطفل تعني أنك تود التواصل مع ابنك وتحاول فهمه وتفهم حاجاته ورغباته وأنك تشعر به، وقبل هذا وذاك تعني أنك تتقن فن الأخذ والعطاء، وتمهد قلوب الأبناء وبصيرتهم للإنصات الفعال، وبمعنى أوضح أنك تقوي الذكاء الوجداني لديهم المعروف لدينا بالبصيرة.

في كتاب ستيفن كوفي العادات السبع لأكثر الناس إنتاجية، تحدث الكاتب عن أب يجد أن علاقته بابنه ليست على ما يرام، فقال لستيفن: لا أستطيع أن أفهم ابني، فهو لا يريد الاستماع إلي أبدًا.

فرد ستيفن: دعني أرتب ما قلته للتو، أنت لا تفهم ابنك لأنه لا يريد الاستماع إليك؟

فرد عليه: هذا صحيح.

ستيفن: دعني أجرب مرة أخرى أنت لا تفهم ابنك لأنه -هو- لا يريد الاستماع إليك أنت؟

فرد عليه بصبر نافذ: هذا ما قلته.

ستيفن: أعتقد أنك كي تفهم شخصًا آخر فأنت بحاجة لأن تستمع له.

فقال الأب: أوه -تعبيرًا عن صدمته- ثم جاءت فترة صمت طويلة، وقال مرة أخرى: أوه!

إن هذا الأب نموذج صغير للكثير من الناس، الذين يرددون في أنفسهم أو أمامنا: إنني لا أفهمه، إنه لا يستمع لي، والمفروض أنك تستمع له لا أن يستمع لك.

إن عدم معرفتنا بأهمية مهارة الاستماع تؤدي بدورها لحدوث الكثير من سوء الفهم، الذي يؤدي بدوره إلى تضييع الأوقات والجهود والأموال والعلاقات التي كنا نتمنى ازدهارها، ولو لاحظت مثلًا المشكلات الزوجية، عادة ما تنشأ من قصور في مهارة الاستماع لا سيما عند الزوج، وإذا كان هذا القصور مشتركًا بين الزوجين تتأزم العلاقة بينهما كثيرًا، لأنهم لا يحسنون الاستماع لبعضهم البعض، فلا يستطيعون فهم بعضهم البعض، الكل يريد الحديث لكي يفهم الطرف الآخر، لكن لا يريد أحدهم الاستماع.

إن الاستماع ليس مهارة فحسب؛ بل وصفة أخلاقية يجب أن نتعلمها، إننا نستمع لغيرنا لا لأننا نريد مصلحة منهم، لكن لكي نبني علاقات وطيدة معهم (2).

ما هو مفهوم التربية الإيجابية؟

مفهوم التربية الإيجابية بناءً على علم النفس، وهو تركيز الآباء والأمهات على رعاية السلوك الجيد بدلًا من معاقبة السلوك السيء، ما يعزز فكرة أنه لا يوجد أطفال جيدون أو سيئون، ولكن يوجد أطفال مختلفون، لكل منهم احتياجاته واهتماماته المختلفة، وعندما يشعر الأطفال بالأمان والتقدير والتواصل يصبحون أكثر قدرة على فهم الصواب والخطأ، ويتحفزون لتحسين تصرفاتهم.

التربية الإيجابية هي التربية التي تُستخدم فيها تقنيات مبنية على الحب، والاحترام، والتشجيع، والرعاية، وتأمين بيئة إيجابية، وهي أسلوب التربية التي تساعد الطفل على أن ينمو ويكبر بأمانٍ وأدب، وأن ينمي ثقةً إيجابيةً بنفسه، بدلًا من أن يكبر في بيئةٍ سلبيةٍ مليئة بالانتقاد، والصراخ، ويفقد حسه بالأمان والأدب، ويفقد ثقته بنفسه، وينمي تصرفات غير سليمة، ولا تقتصر التربية الإيجابية على الوالدين فحسب، بل على كل البالغين المحيطين بالطفل والذين يعتنون به، مثل الأجداد، أو المعلمين، أو غيرهم (3).

تكمن أهمية التربية الايجابية أنها أداة لتعديل وعي المجتمعات والشعوب من حيث قيمها وثقافتها وعاداتها وأعرافها؛ بل في جميع موروثاتها، فهي عملية يتم فيها تعزيز العاطفة، والشعور، والتنشئة الجسدية السويّة عند الطفل، فالعوامل الوراثية والبيئة المحيطة من حيث الأسرة، والأصدقاء، والمجتمع، وما فيها من أفكار روحانية تؤثر في شخصية الطفل؛ لذا على الوالدين اتباع طرق التربية الايجابية السلمية لإنشاء فرد صالح قادر على التعامل والخروج إلى المجتمع.

وقد بين نبينا الكريم أهمية التربية فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، الإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته، وكلكم راع ومسئول عن رعيته» (4)، وتتمثل أهمية التربية الايجابية في الآتي:

ينتج عن التربية الايجابية الصالحة تنشئة فرد صالح للمجتمع، والمساعدة في إعلاء القيم والأخلاق، فكلما ارتفع مستوى التربية الايجابية الصالحة ارتفع مستوى الأخلاق وانخفض مستوى الجرائم في هذه المجتمعات.

 ينتج عن التربية الصالحة فرد قادر على العطاء والبذل من أجل الآخرين، ويكون على قدرٍ عالٍ من الإحساس بهم.

تُنتج التربية الايجابية الصالحة إنسانًا قادرًا على تكوين علاقات اجتماعية سليمة وسويّة.

تعمل التربية الايجابية السليمة على غرس القيم والمبادئ مما ينتج عنها أفراد يميزون بين الحلال والحرام، والصواب والخطأ، والحق والباطل؛ مما يحقق الأمن، والطمأنينة، والتقدم المجتمعي عامة، والاقتصادي خاصة.

تُقوّي التربية الايجابية الصحيحة العلاقات الاجتماعية بصفة عامة والعلاقات الأسرية، والعائلية بصفة خاصة (5).

 أسس التربية الايجابية:

هناك عدد من التوجيهات من قبل علماء النفس، والاجتماع، وعلماء التربية الايجابية، وذلك من خلال دراسات أُجريت على ألفين من الآباء، وكانت عن عشر مجموعات من المهارات الأساسية في تربية الأبناء، حيث أُثبِتَ أن هذه المهارات لها أثر بالغ في أن الأبناء يتمتعون بالصحة، والسعادة وتتلخّص المهارات الأساسية في الآتي:

وجود الحب الأسري والتعبير عنه، وذلك بالاحتواء داخل الأسرة، والمصاحبة بين الوالدين والأبناء، والاستماع وحُسن الاصغاء لهم، والتقبيل اليومي لهم، فعن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الحسن بن علي، والأقرع بن حابس التميمي جالس فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدًا قط، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم: «من لا يرحم لا يرحم» (6).

تعليم الاعتماد عن النفس، والاستقلال الذاتي، وتحمّلهم المسؤولية بحسب السن، وتعزيز الثقة بالنفس وذلك بتجنب التدليل الزائد.

التحكم في التوتر أثناء الغضب حيث أن الآباء عندما يفقدون أعصابهم وقت الغضب في المحيط الذي يوجد فيه أبنائهم فذلك مؤشر على سوء التربية مع أولادهم، وللتحكّم في الغضب هناك عدة مهارات مثل التأمل، وتمرينات التنفس التي يمكن تعلُّمها بغض النظر عن الميول الطبيعية للإنسان.

الحفاظ على العلاقة الزوجية والأسرية، وتجنب الخلافات حيث أن الأطفال بصفة خاصة، والأبناء بصفة عامة لا يحبون الصراعات، وبخاصة عندما يكون طرفي الصراع أكثر شخصين لهما أهمية في حياتهما، فهناك دراسة أثبتت وجود علاقة بين الحفاظ على سلامة الأبناء وبين التحكم في التوتر وتجنب الخلافات الزوجية.

بدء تعليم الأطفال في سن مبكر استخدام أسلوب الرفق واللين ووجود القدوة، وعدم استخدام العنف؛ وخاصة أثناء تعليمهم؛ لأنه يؤدي إلى نتائج عكسية، كما ينبغي تعليم الأبناء في سنٍ باكرٍ الحلال والحرام والطقوس الدينية التي تُعزز التربية السوية لدى الأطفال، فمن السائد أن ما أفسد الأبناء هو الإهمال والتفريط من جانب الوالدين فى تعليم الدين، والعقيدة الصحيحة، وقد ثبت أن الطفل في مراحل السبع سنين الأوائل يخزن المعلومات التي يتلقاها من قبل الوالدين أو من المجتمع، لذلك علينا الاستغلال الأمثل لذلك (7).

فوائد التربية الإيجابية:

يوجد العديد من الفوائد للتربية الإيجابية، ومنها:

- الحد من السلوك السلبي.

- تشجيع التنمية الشخصية.

- تقليل حالات الاكتئاب في الطفولة.

- تعزيز المهارات المعرفية والاجتماعية والعاطفية.

- مساعدة الأطفال على فهم وتنظيم العواطف.

- محاربة شعور الحرمان الاجتماعي والاقتصادي.

- يزيد من احترامهم للذات وشعورهم بالاستقلالية والإبداع.

نصائح للحصول على طريقة صحيحة لتربية إيجابية:

 -التواجد:

إذ يجب على الآباء إيجاد طرق متعددة وممتعة لقضاء الوقت مع أطفالهم، لتعزيز العلاقة بينهم.

- التعاطف:

إظهار التعاطف مع مشاعر الأطفال من الأمور شديدة الأهمية وفارقة في نفسيتهم وتصرفاتهم، تزيد من شعورهم بالألفة ويجعلهم يرغبون في إخبار آبائهم بكل شيء وتعزز من ثقتهم بنفسهم.

- البحث عن جذور المشكلة:

هناك أمور تتعلق بالسلوك السلبي أكثر وأهم من السلوك نفسه، فدائمًا هناك عوامل أدت لهذا السلوك، فبدلًا من الاهتمام بالسلوك فقط بشكل سطحي، فيجب التركيز على الأسباب الكامنة وراء التصرفات، ثم العمل على حلها ومعالجتها.

- وضع مرحلة النمو في الاعتبار:

يجب أن تتغير معاملة الإباء مع تغير أعمار الأطفال، فالطفل الكبير قد لا يفهم تصرفات الطفل الأصغر، والطفل الصغير لن يستوعب ما قد يفهمه الطفل الأكبر بسهولة.

- تحويل الأخطاء لفرص تعلم:

لن يتوقف الطفل عن ارتكاب الأخطاء، والتصرف الأمثل هو التركيز على التعلم والنمو بتصحيح الخطأ بدلًا من عقابه.

- أعطي طفلك بعض العناية الجسدية:

الأطفال تحب التلامس لتحقيق رغبتهم في الشعور بالأمان والحب، فإظهار المودة عن طريق مسك أيديهم أو عناقهم يشعرهم بالحنان والرعاية.

- تقديم مجموعة من الأنشطة المتنوعة:

الأطفال يسيئون التصرف عندما يشعرون بالملل، لذا فإن توفير أنشطة داخل وخارج المنزل، تملأ وقت فراغهم وتمنع تبنيهم للتصرفات المؤذية.

- ضعي حدود وقواعد واضحة:

يجب أن يتعلم الطفل أهمية الحدود منذ الصغر، ويجب تعليمه حدوده الشخصية وحدود وقواعد المنزل، ويجب أن يعرف ما ستكون عليه العواقب إن خالف القواعد.

واجعلي القواعد قليلة وعادلة وسهلة وقابلة للتنفيذ.

- لا تغذي انفعالهم:

إذا أساء طفلك التصرف، فلا تغذي انفعاله بانفعالك، بل كوني هادئة وأعطيه تعليمات واضحة وبسيطة عن التصرف الصحيح.

- تجنبي ردود الأفعال السلبية:

الاستجابات السلبية للأفعال مثل السخرية والاستهزاء، تجعل الطفل يشعر بالسوء اتجاه نفسه واتجاهك، بدلًا من ذلك استخدمي توجيهات بسيطة وواضحة.

- أعطي طفلك اهتمامًا إيجابيًا:

الطفل يحتاج للاهتمام، واذا لم يحظ عليه بطريقة إيجابية، فسيطلبه بشكل سلبي، عن طريق التصرفات السلبية أو العنيفة للفت الانتباه والحصول على الاهتمام.

- احرصي على تشجيعه:

معاقبة الأطفال ليست فعالة مثل استخدام الثناء والمكافآت، فبدلًا من التركيز على نقاط ضعفه فقط، فوجهي نظره لنقاط قوته بثنائك وسعيك لتنميتها.

- كوني كما تريديه أن يكون:

سلوك الأطفال مشابه لآلة نسخ لسلوك العائلة، فالقيام بتصرف سيء أمامه هو بمثابة منحهم الإذن لفعل ذات التصرف.

- التزمي بتوقعات واقعية:

كل الأطفال تسيء التصرف في بعض الأحيان، فلا تتوقعي أن يتصرف طفلك بمثالية بشكل دائم، فهذا سيجعلك تشعرين بالإحباط وخيبة الأمل وهذا بالتابعية سينتقل له.

- لا تستسلمي: كل مشاكل طفلك يمكن حلها بروح الدعابة والحكمة والمثابرة مع بعض الدعم والتشجيع، وهذا لا ينطبق فقط على الأطفال بل وعلى المراهقين ولشباب أيضًا (8).

مبادئ التربية الإيجابية:

إن التربية الإيجابية تهتم بعدة مهارات مثل الفاعلية في العلاقات، والتأثير في الحياة، والانضباط الذاتي، والقدرة على التحكم في النفس، وفهم المشاعر الشخصية، كما تحث على كل ما ينمي المشاعر الإيجابية لدى الطفل وينحي المشاعر السلبية جانبًا، وفيما يلي تلخيص لمبادئ التربية الإيجابية:

1- الاحترام المتبادل:

وتتلخص مبادئ الاحترام المتبادل بين الآباء وأبنائهم على الموازنة بين نموذج الحزم واللطف، فالحزم يكون باحترام الكبار واحترام متطلبات الموقف، واللطف يكون باحترام الطفل واحتياجاته.

إن الأطفال يرتاحون أكثر في البيئة التي تحكمها قوانين أو مبادئ واضحة يحترمها الجميع، إن القوانين يجب أن يشارك في وضعها الأطفال كما يجب أن تطبق على الكبار كما الأطفال، وهذا يصنع احترامًا متبادلًا وثقة كبيرة في الأبوين، ويجنبك الكثير من الجدل والغضب الناتج عن الحزم في المواقف الصعبة.

أيضًا؛ من أهم مسببات الاحترام ثقافة الاعتذار من الأبوين عند الخطأ، فهي تؤكد للطفل أنه طرف فاعل في المعادلة لا مجرد مفعول به، وتشعر الطفل بأنك إنسان مثله يخطئ ويصيب، مما يجعله يحاول إصلاح أخطائه بطريقة فاعلة بدلًا من الحلول الإرضائية، فقط عامل طفلك بلطف وكن مقرًا لمشاعره؛ ولكن بحزم فيما يتوافق مع مصلحته ومصلحة الأسرة والقوانين الخاصة بها، إن أهم ما يوضح هذا المبدأ كما تقول جان نيلسن هو مقولة: «أنا أحبك، ولكن لا» وهذا ردًا على رغبة الطفل في فعل تصرف لا يناسب المصلحة العامة.

2- فهم عالم الطفل:

إن طفل الثانية من العمر ليس عنيدًا؛ ولكنه يبحث عن الاستقلال، وطفل التسعة أشهر ليس فوضويًا؛ ولكنه يرضي شغفه لاستكشاف ما حوله، وطفل الرابعة ليس كاذبًا؛ ولكنها مرحلة الخيال.

إن الثقافة التربوية هي التي ترشدك لتلك المعلومات، إن معرفة مراحل تطور الطفل النفسية والبدنية تجنبك الكثير من الصدامات مع الطفل الذي يمر بمراحل نمو حساسة لها متطلبات محددة قد يسيء فهمها الوالدان نظرًا لنقص معلوماتهما حولها.

فعلى سبيل المثال الطفل في العام الأول من حياته يبحث عن الثقة والأمان، فكلما ألصقته الأم بها في الشهور الأولى من عمره كلما كان أقدر على الاستقلال عنها بعد ذلك؛ لأن الاستقلال سينبع من ركيزة قوية يشعر بها وهي الأمان، وهذا بالطبع على عكس ما قد يعتقده البعض خطأ في عدم حمل الطفل الدارج والاستجابة السريعة له عند البكاء حتى لا يعتاد ذلك.

3- الإنصات الفعال ومهارات حل المشكلات:

التعاطف مع الطفل هو من أهم مبادئ التربية الإيجابية، إن هذا التواصل له قواعد منها الاستماع الجيد، وإظهار التعاطف بتعبيرات الوجه ونبرات الصوت، ومشاركة الطفل مشاعره وأفكاره عند الحاجة، وعدم إصدار الأحكام، وتوصيف مشاعره ومساعدته في فهمها مما يجعله يستطيع التعامل معها لاحقًا، مثل: «يبدو أنك شعرت بالظلم».

كما أنه من المفيد مساعدة الطفل على إيجاد حلول تنبع من نفسه لا من والديه، وذلك بطريقة الأسئلة لا بطريقة التوجيه المباشر، كأن تقول: هل ترى أن الغضب حل مشكلتك؟ كيف تحب أن تواجه تلك المشكلة في المرة القادمة؟، إن مثل هذه الأسئلة تجعل الطفل يدرك أبعاد الموقف وأحقيته في مشاعره، مما يجعل من السهل عليه إيجاد حلول لما يواجهه من مشكلات بمفرده لاحقًا.

4- التشجيع بدلًا من المدح:

إن التشجيع هو أحد وسائل التهذيب القيمة جدًا، والمقصود بالتشجيع هنا هو تشجيع الفعل الحسن لا مدح الطفل، كأن تقول: «لقد أصبحت ماهرًا في حل هذه المسألة»، لا أن تقول: «أنت عبقري!» إن الاكتفاء بإصدار تعبيرات التفهم، مثل: «مممم، أرى أنك منهمك في عملك»، تؤدي على المدى البعيد آثارًا أفضل بكثير من مدح الطفل المستمر بصفات غير ملازمة له.

سيؤدي ذلك إلى مشكلة كبيرة تتلخص في أن الطفل سيبحث دائمًا عن حافز خارجي لفعل التصرف الصحيح، وستكبر هذه المشكلة معه مما يجعله شخصًا يعتمد على غيره حتى يشعر بالرضا النفسي والإنجاز، وقد ينتج عنه شخص منافق يسعى لإرضاء غيره بفعل مالا يقتنع به.

أما مدح الفعل فإنه يشجع الطفل على تعلم المزيد وهو يشعر بثقة في نفسه وقدرة على الإنجاز، ومن مشاكل المدح أيضًا أن توقفك عنه وقيامك بالذم وقت الفعل الخاطئ يوصل شعورًا للطفل بأن حبك له مشروط بإنجاز الفعل الصحيح، مما يشعره بعدم الأمان في علاقته معك.

5- فهم الاعتقاد خلف السلوك:

إن لكل سلوك ظاهري للطفل (خاصة السلوكيات السيئة) أفكار داخلية راسخة نشأ عنها هذا السلوك، فمثلًا رد الفعل الغاضب الدائم من الطفل –الذي قد يبدو انتقامًا– قد يكون سببه الشعور بالإحباط الناتج عن انتقاد الطفل الدائم من الأبوين، هذه الرغبة في إظهار شخصية قوية قد تخبئ خلفها شخصية هشة ضعيفة لا تشعر بالأمان.

إن التربية الإيجابية تحث على تغيير المعتقدات بدلًا من التركيز على تغيير السلوك الظاهري لكي لا يكون التغيير مؤقتًا قبل أن يعود السلوك للظهور، فاختيار الحلول الفعّالة على المدى البعيد يثمر عنه تغيير المعتقدات ومن ثم تغيير السلوكيات الخاطئة واستبدالها بسلوكيات أفضل، فنوبات الغضب مثلًا هي سلوك سلبي ينتج عن طفل يشعر بالإحباط، قد يكون الحل الفاعل على المدى القريب هو أن تعطيه كل ما يريد –أي أن تقوم برشوته- حتى يهدأ، وحينها سيتكرر الفعل دائمًا طلبًا للمزيد، بينما الحل الفاعل على المدى البعيد هو أن تخبره بأنك تقر مشاعره ورغبته في الفعل ولكنك لا تستطيع الاستجابة له الآن حتى يهدأ أو تتغير الظروف، وحينها سيتعلم السيطرة على رغباته وتهدئة نفسه بنفسه.

6- العواقب لا العقاب:

أسلوب «العاقبة» من أنجح طرق التهذيب، وهو أن نجعل لكل تصرف خاطئ عاقبة تتناسب معه هي بمثابة نتيجة مباشرة ومنطقية له، كأن تكون عاقبة إساءة استخدام الألعاب (تكسيرها مثلًا) هو أخذها بعيدًا مع الإشارة لأسباب هذا التصرف منك –وأن تخبره أنها متاحة حين يود استخدامها استخدامًا جيدًا- بدلًا من العقاب البدني أو اللفظي أو حتى النفسي –كالتجاهل أو وضع الطفل في ركن العقاب– فكل هذه الطرق تفاقم الأمور وتنتج شخصية مشوهة أما ساخطة أو متمردة أو منسحبة أو ترغب في الانتقام، وكلها نتائج سلبية لا يود الأبوين الوصول إليها بالطبع.

على عكس أسلوب العاقبة التي يتبعها تفسير منطقي مما يجعل اعتراض الطفل عليها – إن وجد– اعتراضًا مؤقتًا يتبعه قناعة بأن هذا التصرف من والديه كان حكيمًا وعادلًا، أما التساهل فإنه –على عكس المتوقع– يجعل الأطفال الذين لديهم حرية مطلقة في صنع ما يفعلون بدون إرشاد وتوجيه، لا يشعرون بالأمان لأن القوانين تعطي إحساسًا باهتمام الوالدين ومسؤوليتهم تجاه الأطفال.

7- التركيز على الحلول بدلًا من اللوم:

الطفل عندما يخطئ يسيطر عليه الشعور بالذنب والعجز، ولومك له يزيد داخله هذا الشعور ولا يجعله يحسن التصرف في المرة القادمة، إن الطفل ينتظر منك أن تشركه في اقتراح حلول للمشكلة الناتجة عن خطأه، مما يعزز عنده مهارات حل المشكلات ويرسخ عنده الثقة في قدرته على تجاوز الأزمات على المدى البعيد، إن الصراخ وكثرة اللوم لن تغير السلوك بل ستؤدي إلى طفل محبط ينتقص من نفسه ولا يحب سماعك في المرات القادمة لأنك تزيد مشاعره السلبية تجاه نفسه، وأسوأ ما يمكن أن يفعله الآباء هو قولبة أطفالهم بصفات قد تصبح لصيقة بهم مع تكرارهم لها مع كل خطأ، كأن يخبر الوالدان الطفل أنه «مهمل» أو «فاشل» أو «لا يحسن التصرف أبدًا» فهذه القولبة عواقبها وخيمة.

8- الأطفال يتصرفون بشكل أفضل عندما يشعرون بشعور جيد:

تقول جان نيلسن: إن الطفل سيء السلوك هو طفل ينقصه التشجيع، وهناك عوامل أخرى تساعد في جعل شعور الطفل جيدًا، مثل تقدير أفكاره وشكره على مجهوداته واجتماعات الأسرة الدورية والاجتماعات الخاصة بالطفل وأحد والديه التي تناقش ما يمر به الطفل ويشغل فكره، ومجرد العناق الصامت.

إن هذه البيئة للتربية الإيجابية ينتج عنها تعليم الطفل مهارات الحياة والمهارات الاجتماعية لبناء شخصية سوية وفعالة، مثل الاحترام وحل المشكلات والاستقلالية والتعاون ومراعاة شعور الآخرين، وكل هذه المهارات تلزم مناخًا جيدًا يشعر فيه الطفل بأهميته كفرد فاعل مؤثر ومشارك فيما حوله (9).

اعتقادات مغلوطة وأخطاء بشأن التربية الايجابية:

علينا أن نتعرف على بعض الاعتقادات الخاطئة، ومنها ما يلي:

- أن التربية الايجابية فطرية: حيث يظن كثير من الآباء أن التربية بالفطرة لا تحتاج لخبرة؛ وهذا اعتقاد خاطئ، فعلى الوالدين أن يكونوا على علم بعلوم وأسس التربية الايجابية.

 - التقليد الأعمى لأساليب موروثة: حيث يستخدم كثير من الآباء الطرق التقليدية في التربية الايجابية، ولكن لكل زمان أسلوب، فتختلف أساليب التربية باختلاف العصر ومن جيل لآخر.

- التقليد الأعمى للآخرين: حيث أن التقليد الأعمى للغرب دون النظر لما يتفق مع دين أو ثقافة أو ما يناسب العادات والتقاليد والأعراف.

- تحقيق الأمنيات الشخصية في الأبناء دون النظر لما يحبونه وما يتمنونه.

- أن من السهل غرس القيم الأسرية والتربوية، وهذا اعتقاد خاطئ فالقيم تحتاج لوقت طويل لغرسها، وتأسيسها ولكي يتم غرس القيم لا بد من وجود قدوة ومثل أعلى.

- أن التربية حرب بين الوالدين والأبناء، ولا بد من كسب الحرب، وهذا اعتقاد خاطئ تمامًا فالتربية الايجابية ليست معركة علينا الانتصار فيها؛ بل هدف مُشترك نسعى سويًا لتحقيقه.

- معاملة جميع الأبناء بطريقة واحدة، وهذا اعتقاد خاطئ فعلى الوالدين استخدام الأسلوب الذي يناسب كلًا منهم.

- تلبية جميع رغبات الأبناء، مما ينتج عنها التدليل الزائد، والأنانية، وأفراد غير متحملي المسؤولية (10).

----------

(1) التربيـة الإيجابيـة/ أكاديميّة إبراهيم رشيد النمائية.

(2) خطوات التربية الإيجابية/ صيد الفوائد.

(3) التربية الإيجابية/ موضوع.

(4) أخرجه البخاري (893).

(5) التربية الايجابية للأبناء تعرّف كيف تربي أطفالك/ أسرة وطب.

(6) أخرجه البخاري (5997)، ومسلم (2318).

(7) التربية الايجابية للأبناء تعرّف كيف تربي أطفالك/ أسرة وطب.

(8) التربية الإيجابية أسس ومبادئ تصنع شخصية عظيمة لطفلك/ هن.

(9) 8 مبادئ بسيطة تصنع شخصية عظيمة/ إضاءات.

(10) التربية الايجابية للأبناء تعرّف كيف تربي أطفالك/ أسرة وطب.